وضع داكن
28-03-2024
Logo
محفوظات - مقدمات الكتب : 18 - فضائل الصحابة في ميزان الشريعة الإسلامية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 طلب مني أن أقدم كتاباً في ( فضائل الصحابة في ميزان الشريعة الإسلامية ) تأليف الأخ الكريم ( الأستاذ عمر الحاجي )
 وكأن التقديم ـ فيما أعلم ـ يقتضي قراءة الكتاب قراءة متأنية متفحصة، ثم التقييم وفق أسس صحيحة من التدليل والتعليل، ولما كان الوقت لا يسمح لي بذلك، فقد آثرت أن أصدّر الكتاب بكلمة عن أصحاب رسول الله ( ص ) أمناء دعوته، وقادة ألويته، الذين اختارهم الله جلّ في علاه ـ وهم صفوة من البشر ـ ليكونوا سياجاً حول رسوله، وليكونوا أنصاراً لدينه، كيف لا وقد قال المصطفى (ص):

 

(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي ))

* * *
 ما من كلمة تُقال في الأثر العظيم الذي تركه النبي ( ص ) في أصحابه، وأمته من بعده، أبلغ من كلمة سيدنا جعفر بن أبي طالب، ابن عم رسول الله ( ص )، يوم كان في الحبشة مهاجراً، وسأله ملكها عن فحوى رسالة النبي ( ص ) فقال:

 

 

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف ؛ حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه، وصدقه وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات ))

 فالنبي ( ص ) سيد المربين وإمام المعلمين، وقد أرسله الله رحمة للعالمين، وقد جاء في الحديث الشريف:

 

 

(( إنما بعثت معلما، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))

 يقول أحد المفكرين: إن مثلاً واحداً أنفع للناس من عشرة مجلدات .. لأن الأحياء لا تصدق إلا المثل الحي، لهذا كان الني الواحد بمثله الخلقي الحي، وجهاده أهدى للبشرية من آلاف الكتَّاب، الذين ملئوا بالفضائل والحكم بطون المجلدات، إن أكثر الناس يستطيعون الكلام عن المثل العليا، ولكنهم لا يعيشونها .. لهذا كانت حياة الأنبياء إعجازاً وكانت نتائج دعوتهم إعجازاً، بينما لا تلقى دعوة الداعين غير المخلصين من أتباعهم إلا الاستخفاف والسخرية، فالإسلام لا يحييه إلا المثل الأعلى، والقدوة الحسنة، والسلوك المستقيم، والانضباط الذاتي والعفة عن المطامع والعفة عن المحارم، والعمل الصالح، والتضحية والإيثار، قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ))

 فالنبي صلى الله عليه وسلم كان مثلاً أعلى لأصحابه الأطهار وأسوةً حسنةً للمؤمنين الأخيار، وقدوة صالحة لأتباعه الأبرار، فقد اتسمت دعوته باتساع رقعتها، وامتداد أمدها، وعمق تأثيرها، لأنه طبق بسلوكه ما قاله بلسانه، فقد كان صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم، وكان خلقه القرآن، وأحبه أصحابه إلى درجة فاقت حد التصور وأطاعوه طاعةً جاوزت حدود الخيال، قال أبو سفيان يوم كان مشركاً:

 

 

(( ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً ))

 فالسر في قوة تأثير الني صلى الله عليه وسلم في أصحابه .. أنه كان لهم أسوة حسنة وقدوة صالحة ومثلاً يُحتذى .
قال ملك عمان، وقد التقى النبي العدنان:

 

 

(( والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه كان لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر ويفي بالعهد وينجز الوعد ))

 لقد كان صلى الله عليه وسلم، جم التواضع وافر الأدب، يبدأ الناس بالسلام، ينصرف بكله إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً، ويكون آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين، وإذا جلس، جلس حيث ينتهي به المجلس، لم يُر مادَّاً رجليه قط، ولم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار وكان يذهب إلى السوق، ويحمل بضاعته، ويقول أنا أولى بحملها وكان يجيب دعوة الحر والعبد، والمسكين، ويقبل عذر المعتذر .
 وكان يرفو ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه ويعقل بعيره ويكنس داره، وكان في مهنة أهله، كان يأكل مع الخادم، ويقضي حاجة الضعيف والبائس، كان يمشي هوناً خافض الطرف، متواصل الأحزان دائم الفكرة، لا ينطق من غير حاجة، طويل السكوت، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم .
كان دمثاً، ليس بالجاحف والمهين، يعظم النعم وإن دقت، ولا يذم منها شيئاً، ولا يذم مذاقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها .
 إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، كان يؤلف ولا يفرق، ويقرب ولا ينفر، يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، يتفقد أصحابه، يسأل الناس عما في الناس، يحسن الحسن ويصوبه، يقبح القبيح ويوهنه، لا يقصر عن حق، ولا يجاوزه، ولا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه .
من سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو ما يسره من القول .
كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخَّاب، ولا فحَّاش، ولا عيَّاب، ولا مزَّاح، يتغافل عما لا يشتهي .
 ولا يخيب فيه مؤمله، وكان لا يذم أحداً ولا يعيِّره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يُرجى ثوابه، يضحك مما يضحك منه أصحابه، ويتعجب مما يتعجبون، يصبر على الغريب وعلى جفوته في مسألته ومنطقه، لا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه .
الحديث عن شمائله صلى الله عليه وسلم لا تتسع له المجلدات ولا خطب في سنوات، ولكن الله جل في علاه، لخصها بكلمات فقال:

 

 

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

 

[سورة نون]

* * *
 لقد دعا النبي إلى الله، وتلا على قومه آيات الله، وعلمهم الكتاب والحكمة، وزكى الذين آمنوا به وساروا على نهجه، واتبعوه في ساعة العسرة،اتبعوه حيث أمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، وأحل لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث، وهاجروا، وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيل الله، يرجون رحمة، ويخافون عذابه، حتى صاروا أبطالاً، رهباناً في الليل، فرساناً في النهار، ، يقومون الليل إلا قليلاً، ينفقون أموالهم سراً وعلانية، يدرؤون بالحسنة السيئة، في صلاتهم خاشعون، عن اللغو معرضون، للزكاة فاعلون، لفروجهم حافظون، لأماناتهم وعهدهم راعون، يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، يبيتون لربهم سجداً وقياماً، هم تائبون عابدون، حامدون سائحون، راكعون ساجدون، آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر، حافظون لحدود الله، يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم، إذا قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، زادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، هم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، يبلغون رسالات الله، ويخشونه، ولا يخشون أحداً إلا الله، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً، وعلى ربهم يتوكلون، أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم م، أثر السجود، وما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا، والله يحب الصابرين، كانوا قوامين لله شهداء بالقسط، أذلةً على المؤمنين، أعزةً على الكافرين، لقد آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي النور الذي أنزل معه، أحبوا الله وأحبهم، ورضي عنهم، ورضوا عنه، وبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان، وجنات لهم فيها نعيم مقيم .
 والمثل الأعلى الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم بسيرته وخلقه حمل أصحابه الكرام على أن يهتدوا بهديه ويتبعوا سنته ويقتفوا أثره فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل من سلوكه ومواقفه، مثلاً أعلى يُحتذى فكان إذا أراد إنفاذ أمرٍ جمع أهله وخاصته، وقال لهم: إني أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا، وأيم الله، لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانته مني .. فصارت القرابة من عمر رضي الله عنه مصيبة .
* * * *
 ونحن مأمورون من قبل الحق جل وعلا أن نؤمن بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأن نوقره، وأن نعزره، وأن نبايعه، وأن ننصره، وأن نتبع سنته، وأن نصدقه فيما رواه عن أصحابه الكرام، ولاسيما الأعلام منهم، السابقين إلى الإسلام والإيمان ؛ لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، قال تعالى:

﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(8)لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(9)إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(10)﴾

[الفتح]

 ثم بين الباري جل وعلا أن الفلاح في الإيمان بالنبي ( ص )، واتباعه، ونصرته، قال تعالى:

 

﴿ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)﴾

 

[الأعراف]

 وكيف لا نرضى عن أصحاب رسول الله ( ص ) أو عن بعضهم وقد رضي الله ـ في عليائه ـ عنهم إذ يقول:

 

﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)﴾

 

[الفتح]

 والذي لا يرضى عنهم، فقد ردّ على الله كلامه، وهذا يقوده إلى الكفر والعياذ بالله ومن توقيره وبرّه توقير أصحابه وبرّهم، ومعرفة حقهم، والاقتداء بهم، وحسن الثناء عليهم، والاستغفار لهم، و الإمساك عما شجر بينهم، ومعاداة من عاداهم، وأن يُلتمس لهم ـ فيما نقل عنهم ـ أحسن التأويلات، ولا يذكر أحد منهم بسوء، فحبهم دين وأيمان وإحسان ؛ وبغضهم كفر ونفاق وطغيان .
* * *
 وقد أرشد النبي ( ص ) أمته من بعده إلى وجوب الإمساك عن الخوض فيما يمسّ صحابته فقال:

 

(( ليبلّغ الحاضر الغائب، الله الله في أصحابي لا تتخذونهم غرضاً من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ... ))

 وقد ورد عن النبي ( ص ) أنه قال:

 

 

(( إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا ))

 بل إنه صلى الله عليه وسلم بين أن الخيرية التي يريدها الله للمؤمن أن يحب أصحاب رسول الله، فقال:

 

 

(( إذا أراد الله برجل من أمتي خيرا ألقى حب أصحابي في قلبه))

 وقد بين النبي ( ص ) الواحد من أصحابه كألف، فلو أنفق الواحد من الناس مثل أحد ذهباً، ما بلغ مدّ أحد أصحابه، فقال:

 

 

(( دعوا لي أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا لم يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه ))

* * *
 والمسلمون ـ بعد القرون الثلاثة الأولى التي شهد النبي ( ص ) لها بالخيرية ـ المسلمون من دون دعاة إلى الله جُهَّال تتخطفهم شياطين الإنس والجن، من كل حدب وصوب، وتعصف بهم الضلالات من كل جانب، لذلك كان الدعاة إلى الله مصابيح الدجى، وأئمة الهدى، وحجة الله في أرضه، بهم تُمحق الضلالات وتنقشع الغشاوات، هم ركيزة الإيمان وغيظ الشيطان، وهم قوام الأمة، وعماد الدين، هم أمناء على دين الله يدعون الناس إلى الله بلسان صادق، وجنان ثابت، وخلق كريم فأعمالهم تؤكد أقوالهم، لذا فهم أسوة ونبراس يصلحون ما فسد و يقوموِّن ما اعوجَّ، لا يستخفون من الناس ولا يخشون أحداً إلا الله ولا يقولون إلا حسناً .
 ولن يفلح الدعاة إلى الله في دعوتهم، إلا إذا اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم الذي عصمه الله عن الخطأ في الأقوال، والأفعال والأحوال وأوحى إليه وحياً متلواً وغير متلو، وألزمنا أن نأخذ منه كل ما أمرنا به، وأن ندع كل ما نهانا عنه، وأن نتأسى بمواقفه وسيرته، لأنه القدوة، والأسوة الحسنة والمثل الأعلى .

 

إخفاء الصور