وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية - موضوعات مختصرة : 62 - علاقتنا بالمولد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

من مدح النبي و لم يتبع منهجه فلن ينفعه مديحه أبداً :

 أيها الأخوة الكرام: في مناسبة ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام أحبّ في هذا اللقاء الطيب أن أوضح علاقتنا بهذه الذكرى، يوجد علاقات غير ناجحة مثلاً لو مدحنا النبي عليه الصلاة والسلام عمل طيب، وبذكر محمد تحيا القلوب، لكن لو اكتفينا بمديح النبي لا ننتفع أبداً يبقى النبي حيث هو، ونبقى نحن حيث نحن.
 كما لو أن ابناً على نقيض والده، أمضى حياته في مديح والده، والده عالم وهو جاهل، والده خلاقي وهو على نقيض ذلك، لو أمضى كل وقته في مديح والده يبقى الأب حيث هو والابن حيث هو، في كل مناسبة من مناسبات المولد نقيم احتفالات في البيوت، في المساجد، نستمع إلى مديح رسول الله، نطرب للمديح، وبين الخشوع والطرب شعرة صغيرة، قد يكون طرباً وليس خشوعاً، فإذا اكتفينا بالمديح والتبرك - لو ذهبت في العمرة وصليت في مصلى النبي فهذا تبرك، لو جلست في الروضة الشريفة فهذا تبرك - ولم نكن متبعين لمنهج النبي لن ننتفع بدعوته إطلاقاً.
 أخواننا الكرام: حالة حادة جداً أسوقها لكم، مرة سألني أخ: كنت في مولد في أحد مساجد دمشق فلما خرجت تبعني أخ وسألني عن رجل له عمل في الدعوة أعرف أن عقيدته زائغة، وأعلم أن سلوكه ليس على منهج النبي إطلاقاً، ولا أحب أن أذم أحداً، قلت له دققوا: لو التقيت برسول الله عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق، وهو المعصوم الكامل، وهو قمة البشر علماً وحكمة وفهماً ودراية وتواضعاً وشجاعة وكرماً وإنصافاً، ولم تطبق منهج النبي هل تنتفع به؟ قال: لا، لو فرضاً التقيت بإنسان كذاب دجال منافق ولا تعلم عنه ذلك، قال لك: يا بني كن صادقاً فصدقت، قال: غض بصرك، فغضضت، قال: كن أميناً فكنت أميناً، أرأيت إلى هذه المفارقة الحادة ؟ لم تنتفع بسيد الرسل وانتفعت بإنسان كذاب دجال، ماذا يستنبط من هذه الحالة الحادة؟ أن الأصل أنت، إذا اتبعت النبي فقد نجحت، وإن لم تتبع النبي فقد رسبت.
 هل تصدقون فيما ورد في الأثر أن أحد الذين كانوا مع النبي كان على فراش الموت طلب قميص النبي، الروايات تؤكد أن النبي عليه الصلاة والسلام ألبسه قميصه بيده، وبعد أن مات هذا الرجل قال عليه الصلاة والسلام: الآن استقر في جهنم حجراً كان يهوي به سبعين خريفاً.
 لا يجديك إلا أن تتبعه، لا يجديك أن تمدحه، أو تكتفي بمديحه، ولا أن تتبرك به، بل أن تتبعه هذه أول حقيقة.
 لكن مرة أحد الصحابة تمنى قميص النبي ولبسه قيل له: لماذا حرصت على قميص النبي؟ قال: إذا جاءني الملكان في القبر وسألاني عن ربي أقول: الله ربي، وإن سألاني عن ديني أقول: الإسلام ديني، إن سألوني عن نبيه أقول: هذا قميصه، هذا موضوع ثان.

علامة محبة الله اتباع النبي :

 أول حقيقة الاتباع، هذه هي علاقتنا بالذكرى، بل إن الله جلّ جلاله لم يقبل دعوة محبته إلا بالدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، قال:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾

[ سورة آل عمران: 31 ]

 علامة محبة الله اتباع النبي، النبي معصوم وقد عصمه الله من أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وإقراره، وأحواله، أربع حالات، إقراره سكوته، إذا شاهد شيئاً وسكت فقط النبي سكوته تشريع، النبي وحده إذا رأى شيئاً وسكت عنه فهو صح، لأنه نبي، ولا يمكن أن يجد خطأ ويسكت عليه مستحيل، لأنه مشرع، الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

[سورة الحشر: 7]

 من لوازم هذه الآية - والحقيقة أن كل أمر في القرآن يقتضي الوجوب - أن تتعرف إلى ما آتاك النبي، وإلى الذي نهاك عنه، معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم. لا أقل من أن يكون في بيت المسلم كتاب حديث صحيح، الحد الأدنى، أحياناً أستغرب عقد قران قدموا مصحفاً، عقد ثان قدموا أيضاً مصحفاً، صار في البيت مئة مصحف، ولا يوجد كتاب حديث واحد، ما الذي يمنع أن نقدم في عقود القران كتباً من السنة الصحيحة؟ واسألوا علماء المسلمين، اسأل عالماً جليلاً مخلصاً أي كتاب ينفع المؤمنين؟ قد يكون كتاب حديث في البيت ينفع المسلمين، فالمصحف صار متكرراً، كل عقد قران مصحف، والله هذا كتاب الله، لكن نريد مع المصحف كتاباً حديثاً، إذا قال الله عز وجل:

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

[سورة الحشر: 7]

 من لوازم هذا الأمر أن تتعرف إلى ما آتاك، وإلى ما نهاك، فلا بد من أن تحضر مجلس علم في السنة المطهرة هذه واحدة.

 

النبي الكريم مرشد المسلمين و قدوتهم :

 شيء آخر: العلماء قالوا: في حياة كل إنسان ثلاث شخصيات: شخصية تكونها أنت، وشخصية تتمنى أن تكونها، وشخصية تكره أن تكونها، الشخصية التي تتمنى أن تكون على طريقها من ؟ قولاً واحداً إذا كنت مؤمناً رسول الله، لأن الله عز وجل قال:

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾

[ سورة الأحزاب: 21]

 فهو مرشدنا وأسوتنا، بل إن مهمة القدوة أكبر بكثير من مهمة التبليغ، لأن التبليغ يحسنه أي إنسان إذا كان فصيحاً وذكياً، لكن القدوة لا يحسنها إلا الأنبياء والرسل.
 ما سبب إقبال الناس على دعوة الأنبياء؟ أن الأنبياء ما قالوا شيئاً وخالفوهم في أفعالهم.

تفوق المؤمن نابع من أن ظاهره كباطنه :

 مرة كنت عند أحد كبار الدعاة في مصر الشيخ الشعراوي التقيت معه مرتين، في المرة الأولى سألته في نهاية اللقاء عن نصيحة ينصح بها الدعاة، توقعت أن يقول كلاماً طويلاً فاجأني أنه قال كلمتين قال: ليحذر الداعي أن يراه المدعو على خلاف ما يدعوه إليه فقط ! لا تحتاج إلى صفة ثانية، أن تكون صادقاً مع ذاتك، المؤمن سبب تفوقه لا يوجد عنده ازدواجية، ولا باطن وظاهر، ولا خلوة وجلوة، باطنه كظاهره وبالعكس، خلوته كجلوته وبالعكس، سريرته كعلانيته وبالعكس.

(( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ يَقُولُ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا قَالَ قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ... ))

[ابن ماجة عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي]

 عندما انتخب وحيد القرن في واشنطن أثناء الانتخابات أراد أن يستغل خطأ سلفه في فضيحته مع مونيكا، فالبيت الأبيض صار فيه علاقات أنه يمثل دولة عظيمة، يتم فيه علاقات شائنة مع امرأة، فبدأ يستغل أخطاء سلفه، فتروي الأخبار أنه كان يضع لاقطاً على صدره فجاءه نائبه وهمس في أذنه كلاماً عن خصم له نسي وحيد القرن أن اللاقط على صدره، فتكلم كلاماً بذيئاً يترفع عنه سوقة الناس، ونسي أن اللاقط موجود، فهذا الكلام انتشر أمام مئة ألف ناخب، المؤمن لا يوجد عنده سريرة على خلاف علانيته، هو تمسح بالأخلاق وهو على خلاف ذلك، لكن الله عز وجل فضحه بهذه الطريقة.
 لي قريب رحمه الله مغرم بالأجهزة الحديثة ركب بين غرفة الضيوف والمطبخ أنترفون، يكون جالساً مع أصدقائه يقول لامرأته: اعملي لنا قهوة ينتقل الصوت للجانب الآخر فمرة كان الأنترفون مفتوحاً، عنده ضيوف أطالوا زيارتهم، ذهب لعند زوجته للمطبخ وقال لها: ما هل هناك أناس أغلظ من هؤلاء؟ المؤمن لا يوجد عنده سريرة خلاف علانيته، لا يوجد عنده أسرار.

(( ... تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ... ))

[ابن ماجة عن عبد الرحمن بن عمروالسلمي]

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[سورة فصلت: 33]

الحق هو الله :

 الدين لا يجوز أن تخفيه لأنه دين الله عز وجل، فالحق لا يخشى البحث، ابحث به حيث شئت، الحق لا يحتاج أن تكذب له أو عليه أو تبالغ به أو تقلل من خصومه، فالحق هو الله.
 لذلك أحد وزراء فرنسا، عمره سبعون سنة من أرقى عائلات باريس انتحر، مئة صحفي اجتهدوا في تفسير انتحاره ولم يجدوا سبباً، لا يوجد عنده مخالفة مالية، ولا فضيحة جنسية، وحكم فرنسا فترة طويلة، لماذا ينتحر؟ صحفي واحد وفّق بمعرفة السبب، هذا الرجل المنتحر كان ملحداً يبدو أنه كشف الحقيقة في السبعين فاحتقر نفسه كيف عاش عمراً مديداً مع الوهم؟ فكان هذا سبب انتحاره، كمسلم مهما امتد بك العمر هل ممكن أن تكتشف أنك كنت على خطأ؟ هذه أكبر نعمة مهما امتد بنا العمر لا يمكن أن نكتشف أننا كنا مخطئين باتباع هذا الدين لأنه دين الله.
 هذا الكتاب الذي بين أيدينا من ألف وأربعمئة عام هل تصدقون أن التقدم العلمي الذي لا يصدق لم يستطع أن يكشف آية واحدة تخالف العلم، لأنه كلام الله.
 قال إنسان: هل عندك دليل ؟ قلت له: إذا عشت ألف سنة غير خيل وبغال وحمير ونوق لا يوجد، فلما قال القرآن:

﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾

[ سورة النحل : 8]

 لو كان القرآن كلام رسول الله ما كان في حياته إلا هؤلاء، أنت الآن راكب جامبو، سبعمئة وسبعة وسبعون. عندما ذهبت لماليزيا أمامي على المقعد إنترنت ومحطات الأخبار كلها واثنا عشر قناة وأنت راكب في الطيارة هذه أحدث طائرة، فإذا إنسان ركب طائرة حديثة جداً وقرأ القرآن:

﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾

[ سورة النحل : 8]

 يوجد طائرات اليوم وقطارات وسيارات فارهة لأنه كلام الله قال:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل : 8]

 لو كلام عبد الله لكانت الآية:

﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾

[ سورة النحل : 8]

 النبي لم ير إلا هؤلاء، أما لأنه كلام الله عز وجل فقال:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل : 8]

 لا يمكن أن تظهر حقيقة علمية تصادم آية، فمن نعم الله الكبرى مهما امتد بنا العمر لا يوجد عندنا شك أننا على خطأ باتباع هذا الدين، أما الذين ألحدوا بالله عز وجل فسيندمون.
 مرة قلت كلمة: من بلغ العشرين ولم يكن علمانياً فلا قلب له، لم ير الطبقات الفقيرة المسحوقة، ومن بلغ الأربعين ولم يكن علمانياً فلا عقل له، جاهل، من فضل الله الأخبار طيبة، من فضل الله الفصائل المقاومة العلمانية الآن أيقنت أن الدين هو الطريق الوحيد للآخرة، وقد حجوا في هذا العام، من كانوا يتزعمون مقاومات من أعلى مستوى هم علمانيون ملحدون الآن حجوا بيت الله الحرام ورجعوا وقالوا: الإسلام هو الحق، وهو الطريق إلى السعادة والنصر.
 لذلك: عندما رأى هارون الرشيد سحابة قال: اذهبي أينما شئت يأتيني خراجك، أقيس عليها: العلمانيون أفضل عبارة لهم اذهبوا أينما شئتم في النهاية عائدون إلينا، لاحظ كل من كان منحرفاً في عقيدته يرجع إلى الدين مرغماً، واحد وراء واحد.

 

تحميل النص

إخفاء الصور