وضع داكن
25-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - موضوعات مختصرة : 53 - التوبة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

كلّ إنسان مأمور بطاعة الله :

 أيها الأخوة الكرام: الله جل جلاله يقول:

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة النور : 31]

 مركز الثقل في الآية كلمة جميعاً، سأوضح هذا بمثل؛ عندك جهاز هاتف، ولك مئة صديق ليس عندهم هاتف، ما قيمة هذا الجهاز؟ أما إذا كان جميع من حولك عندهم مثل فهذا الجهاز عندئذٍ تقطف ثماره.
 نحن مكلفون بطاعة الله في زمن الفساد، والفجور، والزنا على قارعة الطريق، والنساء الكاسيات العاريات، وشيوع الربا، لكن نحن لأن المؤمنين قلة، ولأنهم محدودون، ولأن الخط العريض في المجتمع متفلت، لذلك لا تقطف ثمار هذا الدين، نحن مكلفون بطاعة الله، ولنا عند الله أجر كبير، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا أنتم أصحابي أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، أجره كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم؟ قال : بل منكم، قالوا: و لمَ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون ))

[ الترمذي عن أنس]

 فمعنى ذلك أنك مأمور بطاعة الله في أصعب الأزمنة، وفي أشد الفتن، وفي تفلت الناس من منهج الله، ولك عند الله أجر كبير، أما كمنهج، أما منهج هذا الإله العظيم فلا تقطف ثماره إلا إذا كان جميع الناس ملتزمين.
 ذكرت هذه المقدمة لسبب: لو إنسان ذهب إلى مكة أو المدينة في أيام الحج أو العمرة، هناك الحجاب إلزامي، يعيش شهراً أو شهرين لا يأتيه خاطر واحد نسائي، لا يوجد مثيرات خارجية أبداً، فإذا الناس تابوا جميعاً ارتاحوا.
 النقطة الدقيقة التي أعلق عليها أهمية لو وضعنا إنساناً ضمن غرفة أربعة جدران صماء، ولم نقدم له طعاماً يجوع أم لا يجوع ؟ يجوع جوعاً شديداً، فالجوع باعثه داخلي، حاجة الطعام والشراب تبدأ من الداخل، لذلك للمسلم في حالات نادرة جداً أن يأكل لحم الخنزير قال:

﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة البقرة : 173]

 والضرورة تقدر بقدرها، أي بالقدر الذي يتجنب الموت، لا أن يشبع بل يتجنب الموت فقط، لو أصابته غصة، وكادت تودي به، ولم يجد إلا كأس خمر بإمكانه أن يستخدم كأس الخمر لإمرار هذه الغصة، معنى هذا أن الدافع إلى الطعام والشراب دافع داخلي، إذاً عندنا أكل اضطراري، ولو كان من مادة محرمة.

ضبط المثيرات الخارجية أساس الراحة و الصفاء :

 الآن الدافع إلى الجنس، الحقيقة يبدأ من الخارج لا من الداخل، الآن إذا إنسان مشغول جداً وبعيد عن أي مكان فيه فتن، أو مشاهدات، أو طرقات، أو مجلات، أو أفلام، أو ما إلى ذلك، تجد لا يأتيه خاطر إطلاقاً، فمنهج الله عز وجل أن تكون المرأة محجبة، فإذا حجبت عاش الشباب في راحة، وفي صفاء، وفي هدوء.
 حدثنا أستاذ لنا في الجامعة اختصاصي في علم النفس أن الجهاز التناسلي لا يتأثر إلا بالإثارة في عدم التلبية، أما لو لم يكن هناك إثارة فيمكن أن تعيش حياة هادئة ناعمة رخية من دون زوجة إلى أن يسمح الله لك بالزواج، لذلك الله عز وجل أمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم، ذلك أن منظر المرأة يحرك الشهوة، وأمر النساء:

﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾

[ سورة الأحزاب: 32 ]

 هناك دراسة عن الجنس النفسي، أن المرأة تحب في الرجل مكانته وكرمه وبطولته، وإن رأت رجلاً عارياً تلبسه بخيالها، الرجل يحب بالمرأة شكلها فإن رآها لابسة يعريها بخياله، فهناك نقطة دقيقة، هناك فرق دقيق بين الشهوة عند المرأة وعند الرجل، لذلك نحن عندنا تعدد، لكن المرأة لا يسمح لها بالتعدد، نظراً للفروق الدقيقة في الميول الجنسية بين الذكور والإناث.
 أنا كل كلامي أنك إذا ذهبت إلى الحج أو إلى العمرة وكان الحجاب إلزامياً في هاتين المدينتين هذا فيما أدري سابقاً الآن لا أدري ماذا حصل، إذا كان الحجاب إلزامياً في هاتين المدينتين تشعر أن الحياة مريحة وسهلة، لا يوجد أية مشكلة، لذلك إذا كنا جميعاً مؤمنين، جميعاً صادقين، جميعاً مخلصين، جميعاً لا نغش، جميعاً لا نكذب، جميعاً لا نحتال، والله ظهر الأرض خير من بطنها، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلائكم، وأمركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

 إذاً قال الله عز وجل:

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة النور : 31]

ارتباط الاستقامة بالبيئة :

 النقطة الثانية:
 الآن في مجتمع الفساد، أنا أذكر الأخ الكريم أنه لا يمكن أن يستقيم إذا كان في بيئة سيئة، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119]

 أمر إلهي، كأن الله يقول: لن تستطيعوا أن تتقوني يا عبادي إلا إذا كنتم في بيئة صالحة، والآية ببعض معانيها.

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف : 28]

 إذاً هناك شيء بالمنهج الإلهي يجب أن تغير من تعرف قبل أن تعرف الله.
 مرة أخ من إخواننا الكرام هنا في المسجد، قال لي كلمة أنه استمع إلى الدرس فسرّ، نذهب إلى البيت فننسى ما القصة ؟ فكان جوابي مختصراً، قلت له: غيّر الطقم. فكل إنسان عنده طقم أصدقاء، له سهرات أسبوعية، زيارات، لقاءات كثيرة، هذا الطقم إذا لم يكن مؤمناً، إذا لم يكن منضبطاً، لن تستطيع أن تستقيم وأنت مع هؤلاء.
 والله أيها الأخوة جاءني رجل قال لي: أنا أسرفت على نفسي في المعاصي، بل قال: ما من معصية إلا وقد اقترفتها، وغارق في الجنس، وفي الملاهي، والراقصات وأصدقاء السوء، وشرب الخمر، أصابه مرض عضال في قلبه، دخل إلى المستشفى، قال لي: وأنا في العناية المشددة بكيت بكاء شديداً، ثم قلت: يا رب أتحب أن أقابلك عارياً بمعاصيّ ؟ أعطني مهلة أتوب إليك، فالله عز وجل استجاب له، أعطاه مهلة أزيحت عنه هذه الجلطة، وعاد إلى حياته الطبيعية، جاء إلى المسجد، صباحاً في بيته، وظهراً في هذا المسجد، وعصراً هناك لقاء، أنا دروسي يوم الجمعة و السبت و الأحد و الاثنين سابقاً، قال: لا يكفي أيضاً يريد الثلاثاء والأربعاء والخميس، قلت له: والله لا يوجد عندي إمكانية، أنا عندي عمل، أقبل على الدين إقبالاً منقطع النظير، كلما جلس يبكي من شدة التأثر، مرة ناجى ربه قال له: يا رب كل هذه السعادة بالقرب منك لمَ لم ترسل لي هذا المرض قبل عشر سنوات؟ أرأيتم إلى هذا التألق؟! حنّ إلى أصدقائه القدامى، فعاد إليهم فعاد إلى ما كان.

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف : 28]

 أحد كبار تجار حلب أسرف على نفسه بالمعاصي، وبشرب الخمر، ثم تاب وذهب إلى الحج، وأقلع عن شرب الخمر، هذا الذي حدثني أحد أقربائه، قال لي: مرة كنت جالساً مع أصدقائي القدامى، فجاؤوا بالخمر، هو معاذ الله لا يشرب، هو تائب، قال له أحد أصدقائه كم كلفتك تلك الحجة؟ قال له: مئة ألف، قال له: هذه مئة ألف واشرب معنا، أقسم بالله أنه دفع له مئة ألف ليشرب معه وشرب وعاد إلى ما كان عليه.
 مطعم هنا في الشام يبيع الخمر تاب توبة نصوحة، طبعاً لما تاب أقلع عن بيع الخمر، لحكمة يريدها الله هبطت غلته للعشر، كل رواد المطعم ممن يشربون ما عادوا يترددون إليه، له أصدقاء اتهموه بالجنون، يقول لك: مجنون رزق يأتيك، فعاد إلى بيع الخمر ومات بعد اثني عشر يوماً من نكس التوبة.

الإنسان مع المؤمنين يزداد إيماناً و مع الفجار يزداد كفراً :

 أنا ألح على موضوع الأصدقاء، موضوع الأقرباء، أنت مع المؤمنين تزداد إيماناً، مع المؤمنين تحب الله عز وجل، مع المؤمنين تشعر نفسك مقصراً، لكن مع الفساق والفجار تجد الدنيا لا يوجد فيها شيء، إذا الإنسان لم يكن سعيداً لماذا يعيش؟ هذا منطق الكفار.

﴿ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾

[ سورة الأنعام: 29 ]

﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾

[ سورة المؤمنين: 37 ]

 هذا منطق الناس الحقيقي، لا يوجد مسلم لا يقر بالآخرة، لكن عملياً لا يعمل لها إطلاقاً " إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا " الله ماذا قال ؟ قال:

﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾

[ سورة الإنسان : 27]

﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾

[ سورة المدثر : 8-10]

 هل يوجد واحد منا لن ينزل في هذا القبر؟ بصراحة نحن فوق الأربعين عدا القلة منا، من دخل بالأربعين دخل في أسواق الآخرة، ولو سأل نفسه سؤالاً محرجاً متعباً هل بقي بقدر ما مضى ؟ الجواب في الأعم الأغلب: لا، كيف مضى الذي مضى؟ وسيمضي الذي بقي، وهناك جنة يدوم نعيمها أو نار لا ينفذ عذابها.
 فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يقبلنا، إذاً موضوع الدرس كله عن الصحبة، لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله ويدلك على الله مقاله.

 

إخفاء الصور