وضع داكن
16-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - موضوعات مختصرة : 51 - ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

شرح معنى " ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها ":

 أيها الأخوة الكرام: أمامي سؤال يقول السائل: ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منها، فالمصلي لا يكاد يسمع من أصوات ضوضاء الجوار، فهل تجوز له صلاة؟
 الحقيقة لنرجع إلى النبع - القرآن- كلكم يعلم أن ينابيع الأنهار تكون في أصلها صافية، ماء عذب زلال، فإذا فارت هذه الأنهار جاءتها الروافد، وقد تكون هذه الروافد مياهاً مالحة إذا نظرت إلى المصب وجدت ماء آسناً، من أين ينبغي أن تشرب؟ من الينبوع، والحقيقة مضى على هذا الدين العظيم ألف وخمسمئة عام دخل فيه ما ليس منه، أضيف عليه ما ليس منه، فالأولى أن نعود إلى الينابيع، هذه الصلاة ماذا قال الله عز وجل؟ قال:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾

[ سورة النساء: 43 ]

 دعك من أن هذه الآية نسخت، ولكن لماذا نهينا عن أن نصلي وقت عصر نزول هذه الآية ونحن سكارى؟ كي نعلم ما نقول، فإذا جاء إنسان لا يسكر ولا يشرب لكن إذا صلى لا يعلم ما يقول فحكمه حكم السكران !

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾

[ سورة النساء: 43 ]

 لذلك فيما ورد في الأثر يقول عليه الصلاة والسلام: " ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها "، أعرض عليكم اقتراحاً لو أنك أردت أن تصلي في الليل ووضعت أمامك مصحفاً كبيراً على قاعدة، لا تحمله في يدك، ولا تقلب صفحاته، وأنت في الصلاة، لكن قد يوضع على قاعدة أمامك فإذا قرأت الفاتحة وصفحة، وفي الركعة الثانية صفحة - وهذا ورد عند الأئمة الكبار ولا سيما الإمام مالك- أنت ماذا تفعل؟ تتلقى عن الله، كل ركعتين بصفحتين، إذا قرأت الفاتحة بخشوع وهدوء ثم انتظرت وقلت لله: يا رب اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، يقول الله لك:

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

[سورة الإسراء:53]

 قل لعبادي أن ينفقوا من أموالهم.

 

أكبر ما في الصلاة أن تذكر الله :

 تأتي آيات القرآن الكريم وكأنها جواب إلهي على دعائك، يا رب اهدنا الصراط المستقيم، فأنت حينما تقف في الصلاة، مهيأ أن تقف بين يدي الله عز وجل، ومهيأ أن تتلقى عنه إن كنت حافظاً، لكن أذكر هذا الذي يصلي طوال حياته: قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، يردد سورتين قصيرتين كل حياته، الصلاة لم يعد لها معنى فقدت معناها وخشوعها والتلقي عن الله فيها. ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها، فجرب بالنوافل مبدئياً، لكن عند الإمام مالك تجوز في الفرائض، هذا اختلاف بين الفقهاء، أنا أقلد الإمام مالك في هذا، إذا صليت العشاء والوتر والفجر وأنت تتلقى عن الله عز وجل من كتابه، كل يوم صفحتان من كل ركعتين لعلك تختم كتاب الله في أمد قصير، وهذا يجعلك مع القرآن كل يوم. ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها هذا الحديث مبني على قوله تعالى:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾

[ سورة النساء: 43 ]

 يوجد آية أخرى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه:14]

 فذكر الله أكبر ما في الصلاة، والدليل آية أخرى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

 أكبر شيء في الصلاة لا أن تقف ولا أن تنحني وتسجد وتتجه نحو القبلة فقط وقلبك ساه عن الله، أكبر ما في الصلاة أن تذكر الله في الصلاة.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

 قال بعض علماء التفسير: إن ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، أنت إذا ذكرته تذكره حامداً وشاكراً، أما إذا ذكرك الله منحك الأمن والسعادة والحفظ والنصر والتأييد.
 إنسان قدم لي ورقة فكتب: يرجى تقديم بيت بخمسين مليوناً، أنت ماذا كلفتك هذه؟ ورقة وخمس كلمات وتوقيع، جاءك بيت بخمسين مليوناً، فردّ الله عليك بأنه منحك السعادة والطمأنينة والأمن والراحة النفسية والحكمة والتوفيق والسداد وطلاقة اللسان والجرأة والوضوح، هذا هو فضل الله.
 لذلك المؤمن إذا دخل إلى بيت الله يقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، أي عطاء الله مطلق! إذا أشعرك بالأمن فقد رحمك، إذا أسبغ عليك صحته فقد رحمك، وإذا منحك الحكمة ومحبة الناس ودخلاً يكفي نفاقاتك وزوجة تحبك وتحرص على طاعتك، وإذا منحك أولاداً أبراراً كل هذا رحمة من الله، إذا دخل إلى بيت الله يقول: " اللهم افتح لي أبواب رحمتك" وإذا خرج منه يقول:" اللهم افتح لي أبواب فضلك."

 

الصلاة قرب من الله عز وجل :

 الآية الثانية:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه:14]

 الآية الثالثة:

﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾

[سورة العلق: 19]

 الصلاة قرب من الله، القرب كيف يكون؟ قال:

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾

[ سورة الكهف: 110 ]

 هؤلاء كلهم عبادك كلما أكرمتهم، وخدمتهم، وتواضعت لهم، وطمأنتهم، ومنحتهم الأمن، أما كلما تخيفهم فسيخيفك الله عز وجل، أما كلما أخفتهم فسوف يخيفك الله عز وجل، كلما ابتززت أموالهم سوف يتلف الله مالك، كلما أرهبتهم سوف ينخلع قلبك خوفاً.
 قصة قديمة جداً: رجل يريد أن يسافر لقبرص في أيام الصيف والازدحام شديد، لا يوجد مكان بالطائرة، وله صلات فتمكن أن ينزل اثنين بتهمة هم بريئون منها وصعد مكانهم يقول: من الساعة السابعة حتى الثالثة ليلاً لم نجد مكاناً في فندق أو بانسيون حتى سائق التكسي حزن عليّ وأخذني لعنده، هو يريد أن يشتري بضاعة ومعه نقود، جعله السائق ينام بغرفة الضيوف، قال: استيقظ إنسان ليلاً مثل الوحش وفتح الباب، قال: خفت خوفاً لم أخفه من يوم ولادتي، لأنك جئت بعدوان، الله كبير ! اشترى صفقة بخطأ بقائمة البضاعة أعطوه قائمة بضاعة ثانية ودفع جمركاً كاملاً، شحنها للشام أثناء بيعها قدم الأوراق التي معه هي ليس لهذه البضاعة لبضاعة ثانية اعتبروها تهريباً وجازوه بدفع مليون ليرة !! له أب صالح علم أنه سيذهب لهذا المكان بهذه الطريقة قال له: يا بني إذا كنت تذهب لتسعد فلن تسعد، وإذا كنت ذاهباً لتتاجر فلن تربح، الأب موحد قال: هذا الطريق خطأ، تذهب بعدوان على إنسان بريء تتهمه تهمة باطلة وتنزله وتصعد مكانه، الله كبير ! عندما تخطئ مع عباده يعاقبك بشدة، عد للمليون قبل أن تبتز أموال الناس وتكذب عليهم وتوهمهم وتبكي طفلاً وأرملة، قبل أن تحتال على إنسان، دائماً الأذكياء عندهم قدرات عالية جداً.

صلوات الناس حينما ترافقها المعاصي والآثام لا وزن لها عند الله :

 الآية الثالثة:

﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾

[سورة العلق: 19]

 أول آية:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه:14]

 الآية الثانية:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾

[ سورة النساء: 43 ]

 والآية الثالثة:

﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾

[سورة العلق: 19]

 لذلك ورد في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة طهور.
 مستحيل وألف ألف مستحيل أن تصلي وتخادع وتحقد وتظلم الناس وتأخذ ما ليس لك، لذلك صلوات الناس حينما ترافقها المعاصي والآثام لا وزن لها عند الله، قال بائع بندورة لي: يوجد مكان فيه كيلو البندورة بست ليرات جيدة جداً، ومكان سيئة جداً الكيلو بليرتين، فوجد إنسان أن البائع غافل، فملأ الكيس من النوع الجيد، لم ينتبه البائع ووضع فوقهم من النوع الرخيص، فقلت له: بلغه أن يضع عباداته بالحاوية، من أين أتيت بهذا الكلام؟ من السيدة عائشة.
 بلغها أن بعض من كان مع رسول الله فعل شيئاً حراماً قالت له: قولوا لفلان إنه أبطل جهاده مع رسول الله.
 مرة إنسان جاءه مبلغ ضخم جداً مقابل أن يفرج عن إنسان يتاجر بالمخدرات، هو رجل شريف ولم يقبل والآن هو بالسجن، يتاجر بصحة الشباب، لكن قيل له كلمة، إذا أخطأت فصلاتك لا فائدة لها، هو صاحب دين ويصلي، إذا إنسان أخطأ بالمعاملات أفقد صلاته قيمتها.
 لذلك ورد:" ليس كل مصل يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم عليّ فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها".

الصلاة طهور و نور و حبور :

 بقي الصلاة طهور: إذا كنت تصلي فعلاً طاهراً، والصلاة نور: إذا كنت تصلي فعلاً معك نور من الله لا ترتكب حماقة أبداً، يوجد نور كشاف هل يوجد إنسان في الأرض معه نور كشاف بمركبته ينزل بحفرة؟ يتلافها، يدهس إنساناً؟ يتلافاه، الأمور واضحة، أما إذا إنسان مشى بطريق كله وديان ومنعطفات وليس معه ضوء فالحادث حتمي، لذلك الكافر أعمى والمؤمن بصير.

﴿ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾

[ سورة الأحزاب: 43]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

[سورة الحديد: 28]

 الصلاة نور والصلاة طهور، والثالثة الصلاة حبور.

(( عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا ))

[سنن أبي داود عن سالم بن أبي الجعد]

 أنت عندما تأكل طعاماً لذيذاً ما الذي حصل؟ أنت اتصلت مع مادة فيها مسحة من جمال الله عز وجل، طبعاً إذا أكلت الفستق غير الفجل، كل شيء طعم، يوجد طعم طيب ببعض الشراب أو الأطعمة أو الفاكهة، ما معنى لذيذ؟ أثناء بلع اللقمة صار اتصال بين مضمون اللقمة وبين أعصاب الذوق، والله الأكل لذيذ من طبخه؟ فيه نفس طيب مثلاً، فبالصلاة تتصل مع أصل الجمال في الكون هذا التجلي، كانوا يصلوا قيام الليل ويبكون، يصلي قيام الليل بآية واحدة لا يشبع منها، يعيدها و يعيدها، فعندما تصلي صلاة صحيحة تتذوق طعم الصلاة الصحيح تصبح إنساناً آخر.
فالصلاة حبور، يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا ، لكن نحن الآن أرحنا منها يا بلال ! فرق كبير بين الواجب وبين الحب، بالحب أرحنا بها، بالواجب أرحنا منها، الصلاة عبء.

﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾

[سورة النساء: 142]

 الصحابة الكرام كانوا إذا صلوا في أعلى درجات سعادتهم، لذلك:

لو شاهدت عيناك مـن حسـننـــــا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـا
ولو ذقت من طعم المـحبـــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة  لمــــت غـريبــــاً واشتـياقاً لقربنـــا
فما حبنا سهل وكل مـن ادعى  سهولتـــــــــــه قـلنا لـه قـد جهلتنا
***

 فالصلاة حب وسعادة وطهور ونور وقرب وذكر وعقل.

الصلاة معراج المؤمن :

 هناك أحاديث أخرى:

((الصلاة معراج المؤمن))

[ السيوطي في شرح سنن ابن ماجه]

(( لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل عنه))

[عبد الرزاق ومحمد بن نصر فى كتاب الصلاة عن الحسن]

 لاحظت إنساناً دخل لعند وزير عادي من الوزراء العاديين، جلس أبعد قدميه ومسك الصحيفة يقرأها أمامه هل لاحظت أحداً هكذا؟ لا أبداً ! يجلس بأدب وغير مقبول أن تمسك مسبحة بيدك، فأنت بحضرة وزير تتأدب، وتجلس جلسة محترمة، وترتدي أرتب الثياب، وتنتقي كلمة لطيفة، فكيف إذا وقفت بين يدي ملك الملوك؟ قال: " أنا ملك الملوك ومالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد عصوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخط والنقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسبّ، الملوك وادعوا لهم بالصلاح، فإن صلاحهم بصلاحكم".

 

إخفاء الصور