وضع داكن
19-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - موضوعات مختصرة : 48 - التوبة إلى الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

في حياة المسلم أشياء مقدسة عليه الحفاظ عليها :

 أيها الأخوة الكرام: الإنسان أحياناً يشرد عن الله، تزل قدمه، ويقصر ويتجاوز حدوده، فيسأل ما العمل؟ لا يوجد جواب أبلغ من أن تتوب إلى الله، لأن الله سبحانه وتعالى فتح باب التوبة على مصاريعه، بل إنه يحب أن تتوب إليه لقوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾

[سورة البقرة: 222]

 بل إن الله يريد أن يتوب عليك لقوله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾

[سورة النساء: 27]

 وقد أنبأنا من خلال قول النبي عليه الصلاة والسلام أن هناك مناسبات عديدة كي يفغر لك ما سبق، جملة وتفصيلاً، من هذا يقول عليه الصلاة والسلام:

(( مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 إنسان عليه دين عشرة ملايين، وأملاكه كلها محجوزة المنقولة وغير المنقولة قيل له: اذهب للمكان الفلاني وافعل كذا وكذا تسقط عنك كل هذه الذمم، هل يتردد لحظة ؟

(( مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 و:

(( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 قلت سابقاً مرة ثانية:

(( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 و:

(( عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ.... قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا... ))

[مسلم عن ابن شماسة المهري]

 إنسان مقيم في بلد يعصى الله فيه على قارعة الطريق والآن هناك شدة، كان هؤلاء الذين أقاموا مع المشركين في بحبوحة كبيرة، وفي اعتزاز، أحدهم إذا ملك جواز سفر لهذه الدولة التي تطغى على العالم كله يمشي بالعرض معه جواز، أو معه كرت أخضر الآن ساق الله لهم من الشدة ما أسقط قيمة هذا الجواز، ملامحه شرق أوسطية حققوا معه، معه جواز لا يهم حققوا معه، سقطت قيمة الجواز والكرت الأخضر ولم يبق إلا تهمة واحدة لماذا أنت مسلم ؟ ولعل هذه الشدة من رحمة الله تعالى لهذه الجالية التي آثرت أن تقيم مع هؤلاء المشركين على أن تقدم خدمات لأمتها ووطنها، على كلّ الهجرة الآن تصبح بين مدينتين كمكة والمدينة، بلد لا يوجد شيء فيه اسمه حرام، كنت في مؤتمر بأميركا قام أحد المحاضرين وقال: ليس في هذا البلد شيء مقدس كل شيء خاضع للبحث والدرس والرفض، بينما في حياة المسلم هناك أشياء مقدسة، دينه مقدس، نبيه، قرآنه منهج الله مقدس، أعلام الأمة من أهل الحق مقدسون عندهم.

باب رحمة الله مفتوح مدى الأيام :

 لذلك أيها الأخوة: ورد في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله"، وأعلم والله علم اليقين أن عدداً ليس بقليل من أطباء لهم هناك دخل فلكي يقدر بمليونين، أو ثلاثة ملايين، أو خمسة ملايين، أو عشرة بالشهر، وتركوا وعادوا لبلدهم ليعالجوا المسلمين، هؤلاء أبطال عند الله، والله أعرفهم تركوا هذه البلاد قبل الحادي عشر من أيلول قبل أن تنشأ هذه الأزمة وهم في أعلى درجة من الرخاء، لكن شعروا بعذاب نفسي أنهم يعالجون أعداء الأمة، فأرادوا أن يعالجوا هذه الأمة جاؤوا لهذا البلد واشتروا عيادات متواضعة ودخلهم كان متواضعاً، طبعاً يوجد تعقيدات معروفة ومع ذلك أرادوا وجه الله ووجه الدار الآخرة.
 لذلك المناسبة الأولى:

(( مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 المناسبة الثانية:

(( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 المناسبة الثالثة:

(( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 المناسبة الرابعة:

((...أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا... ))

[مسلم عن ابن شماسة المهري]

 إنسان ترك بلد مصالحه فيها محققة مئة في المئة وجاء لبلد ليكون جندياً للحق، هذا يعفو الله عنه عما مضى.
 المناسبة الخامسة:

(( من تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً أنسى الله حافظيه وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ))

[ أبو العباس بن تركان الهمذاني في كتاب التائبين عن أبي الجون ]

 والتوبة مقدور عليها، لمجرد أن تقول: يا رب لقد تبت إليك، يقول الله لك: وأنا عبدي قد قبلت ، لذلك ورد في بعض الآثار القدسية:" إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، فإن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها".
 فأسوق هذه الأحاديث في مناسبة انقضاء رمضان، لأن باب رحمة الله مفتوح على مدى الأيام.

الدين الإسلامي دين يسر :

 لذلك أنا أتحفظ حينما يقال لبعض التائبين: لا بد من أن تصلي ثلاثين سنة ماضية، ماذا نفعل بهذه الآيات والأحاديث؟ ينبغي أن تصلي كل فرض فاتك من ثلاثين سنة سابقة، كأننا نكرهه بالتوبة، ونحمله على ألا يتوب ونحمله فوق طاقته.
 أنا أقول والله متأكد من كلامي أن الإنسان إذا تاب توبة نصوحة سقط عنه كل شيء ماض، لا تحمل نفسك ما لا تطيق، لا تكن متعنتاً في الدين، هذا الدين دين يسر، القضية خلافية هناك من يتشدد ويقول: لا بد من أن تصلي صلاة عن كل سنة فاتتك، وهناك من يقول كالإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " إن النوافل والسنن تحول عند الله إلى فرائض"، وهناك من يقول: " لمجرد أن تتوب لا شيء عليك"، هذه قضية فيها اختلاف، بعضهم قال:" اختلاف أمتي رحمة"، فإذا كان الإنسان ذا همة ضعيفة لا تحمله فوق طاقته، لا تقل له: ينبغي أن تصلي عن ثلاثين سنة.
 طرفة: إنسان التقى بشيخ قال له: لا أصلي لأن صلاة الفجر لا أستطيعها، قال: دعك من هذه الصلاة، صل أربع فروض، أفتى له بأربع، فيوجد علماء تقليدون سمعوا بهذه الفتوى فأقاموا النكير، فالتقى بهم قال: أقنعته بأربع أنتم أقنعوه بالخامسة، فالإسلام اليوم ضعيف يحتاج للباقة ونعومة ولطف وتسهيل للتائبين.
 أخ من إخواننا لزم الدروس فترة طويلة ثم انقطع فجأة، سألت عنه قال: له عمل لا يتناسب مع ما تدعو إليه، وجد نفسه في تناقض كبير فترك الدروس، ماذا يعمل؟ عنده محل بأحد أحياء دمشق الراقية يبيع مذهبات، فضيات، كؤوس غالية جداً، كريستال، هذه كلها محرمة فذهبت إليه وقلت له: تظن أنني سأطلب منك أن تتلف هذه الحاجات كلها؟ رأسمالك الوحيد أفتي لك أن تبيعها وتغير مصلحتك، كاد يختل توازنه من فرحه.
 قصة قديمة: تملك مليون في هذه البضاعة معقول أن أطلب منك أن تكسرها وتضعها في القمامة ؟ الله لم يكلفك فوق طاقتك بع البضاعة واسترد رأسمالك وغيّر مصلحتك.

عدم تحريم ما أحلّ الله :

 الحقيقة كل إنسان يستطيع أن يفتي بالرفض لأن هذا سهلاً، إذا إنسان كلما سألك أمراً تخبره: هذا حرام، لا تكلفه شيئاً، شك فيها ليس متأكداً فحرمها.
 أخ من إخواننا بحالة فقر لا توصف، يعمل في الموزاييك، فجاءه عرض خمسمئة بيت مصحف موزاييك يحل مشاكله لخمس سنوات قادمة قال: لأن الذي عرض عليه العرض غير مسلم فرفض العرض، توهم أنه حرام، النبي تعامل مع أهل الكتاب من قال لك إنه حرام؟ ! وبيت مصحف ماذا تفعل أنت؟ يوجد جهل شديد، كل إنسان يفتي بالرفض لأنه لا يكلف شيئاً، لست متأكداً تقول: حرام، لا ‍! كلما كنت جباناً بالفتوى تكون كبيراً عند الله عز وجل، اطلب منه يومين لتراجع المعلومات، لا تخبره مباشرة، هذا الذي يحرم ما أحل الله هذا الإنسان أذهب من يده فرصة وفاء ديونه، وحلّ مشاكله، ويتمتع بدخل وفير لخمس سنوات قادمة.
 أيها الأخوة: لذلك من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ شَكَّ مُوسَى عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ))

[أبو داود عن جابر]

 في بعض حالات لك أن تتيمم دون أن تغتسل وأنت جنب، تتيمم وتصلي، لذلك قال بعض العلماء: العوام لأن يرتكبوا الكبائر أهون عند الله من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون .

العبرة بالتطبيق :

 أيها الأخوة: لا زلنا في الدرس الثاني بعد رمضان نؤكد أن أبواب التوبة مفتوحة على مصاريعها، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الصيام يهدم ما كان قبله، ومن حجّ فلم يفسق ولم يرفث رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
 أيها الأخوة: نحن بعد رمضان نعود كما كنا قبل رمضان، قال: عظني ولا تطل؟ فتلا عليه آية واحدة، قال: كفيت، قال: فقه الرجل، القضية تحتاج لتطبيق.
 أقول لكم هذه المقولة: والله لو كل مسلم طبق واحد بالمليون مما يعلم لكان في أعلى عليين! مما عنده من أشرطة، ودروس، وخطب، ومحفوظات، وآيات، وأحاديث، هذه مشكلتنا بالتطبيق، لن تتألق ولن يرضى عنك الله إلا إذا طبقت وكنت صادقاً في طلبك.
 مرة أحد الخطباء في المساجد اقترح اقتراحاً أن يصمت سنة نهائياً، لأن الكلام لا يفيد، وأن نعمل، نحن بحاجة إلى عمل لا إلى قول، لا يوجد فكرة لم أذكرها ولا يوجد شاهد لم آتِ به، ولا يوجد مثل ألهمني الله أن أبينه لكم إلا و بينته، العبرة بالتطبيق، انتهى ما عليّ وبقي ما عليكم، دائماً الله عز وجل يسأل المتكلم والسامع، يسأل المتكلم: هل كنت صادقاً فيما تقول؟ وهل طبقت ما تقول؟ وهل كنت مخلصاً فيما تقول؟ يسأل السامع: هل طبقت الذي استمعت إليه؟ فلا بد من التعاون إن شاء الله، وأنا معكم دائماً إن شاء الله.

إخفاء الصور