وضع داكن
19-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - موضوعات مختصرة : 45 - رمضان موسم الإنفاق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الزّكاة و الصّدقة :

 أيها الأخوة الكرام: رمضان موسم الإنفاق، وكان عليه الصلاة والسلام أجود من الريح في رمضان، وقد سمّى الله أداء المال للفقراء صدقة، لأنها تؤكد صدق إيمان الإنسان بالله، ولأنها تؤكد صدق محبته لله، فالمحبة من دون دليل دعوة لا قيمة لها.
 أيها الأخوة: الزكاة مأخوذة من قوله تعالى:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 الذي يلفت النظر في هذه الآية أن الله أمر النبي أن يأخذ ولم يأمر المؤمنين أن يعطوا ذلك أن الزكاة تؤخذ ولا تعطى، لأنها متعلقة بحق الفقير، والفقر يساوي الكفر، وكاد الفقر أن يكون كفراً، فلأن مصلحة الفقير أساسية، ولأنها تحفظ له كرامته ووجوده، لا يمكن أن تتعلق الزكاة بمزاج المؤمن، يدفع أو لا يدفع، لذلك هذه الآية كما فسرها المفسرون تتوجه للنبي لا على أنه نبي على أنه ولي أمر المؤمنين، حاكم:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 قال: من أموالهم وجاء المال جمعاً لأن الزكاة تجب في كل الأموال، في عروض التجارة، وفيما أخرجته الأرض من الزراعة، وفي الركاز - المعادن والثروات الباطنية- وفي المواشي والأنعام والعسل، الزكاة تشمل كل الأموال.

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 ما قال: خذ من أمواله، أيضاً جاءت الأموال جمعاً وأضيفت للجمع أي أن الزكاة تنطبق على كل المؤمنين ولا يستثنى واحد منها، لا يوجد استثناء أو طي ضريبة أو إلغاء زكاة.

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 تؤكد صدق إيمانهم بالله، وتؤكد صدق محبتهم لله، قد تؤمن ولا تحب، وقد تحب ولا تؤمن، لا بد من أن تؤكد الصدقة صدق إيمانهم ومحبتهم لله عز وجل.

 

وظيفة الزكاة :

 ما وظيفة الزكاة ؟ قال:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 تطهر الغني من الشح.

﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[سورة الحشر: 9]

 الشح مرض خطير يجعلك تعيش فقيراً لتموت غنياً، سألوا شاباً توفي والده منذ أيام إلى أين أنت ذاهب ؟ قال: ذاهب لأسكر على روح أبي، لذلك هذا الذي يضن بماله وبفعل الخير من أجل أولاده، أولاده قد ينفقون أموال أبيهم في معصية الله، لذلك: أندم الناس غني دخل بماله النار.
 روح الميت ترفرف فوق النعش في الجنازة كأنها تخاطب أهله: " يا أهلي يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم فأنفقته في حله وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة عليّ".
 ما من يوم إلا وملك الموت يقف بباب أحدكم خمس مرات حتى إذا رأى أنه قد انقطع رزقه، وانقضى أجله، ألقى عليه غمّ الموت، فغشيته سكراته، فمن أهل البيت الضاربة وجهها، والصارخة بويلها، والممزقة ثوبها، فيقول ملك الموت: " والذي نفس محمد بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم، وبكوا على أنفسهم، فو الله ما أذهبت لواحد منكم رزقاً، ولا قربت له أجلاً، وإن لي فيكم لعودة ثم عودة حتى لا أبقي منكم أحداً ".
 فهذه الصدقة التي هي الزكاة تؤخذ ولا تعطى، وتجب على كل مسلم، وفي كل أمواله، وتؤكد صدق إيمانه، وصدق محبته لله.
 وظيفتها: تطهر الفقير من الحقد، قد يحقد، يرى الأغنياء يأكلون، ويشربون، ويتمتعون، ويدخل لبيوتهم الفواكه النفيسة، والحلويات الجيدة، وأولادهم في أجمل ثياب، ومعهم أموال طائلة، هو محروم يحقد، أكاد أقول: تسعة أعشار العنف بالعالم سببه الحقد بين الفقير والغني، إنسان لا يملك ما يأكل.....
هنا في الشام تقف امرأة عند بائع فروج ماذا تشتري ؟ أرجل الفروج، هذه لا يأكلها إلا الكلاب، يأكلها البشر من شدة الفقر ! امرأة أجرت دراسة حول المسجونات والعاهرات المفاجأة أن خمساً وتسعين بالمئة من العاهرات لسنا فاسدات لكنهن فقيرات ! هذا الذي يجري عقد قران بخمسة وثمانين مليوناً لو وزع هذه الأموال على بيوتات المسلمين الذين يعانون من الفقر أشده، الفقير يطهر من الحقد، والغني من الشح، والمال من تعلق حق الغير به.
 قال: الدار تخرب بحجر فيها حرام ! والمال الحرام في المال هو جزء لم ينفق في سبيل الله، فهذا المال يتلفه الله عز وجل.

 

الزكاة تزكي نفس الغني :

 تسمع كلمة: فلان الفلاني له مبالغ ضخمة جمدت وصودرت.

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾

[ سورة البقرة: 276]

 لأن في هذا المال تعلق حق الغير به، قال:

﴿ وَتُزَكِّيهِمْ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 تزكي نفس الغني، يشعر الغني بامتداد، أنه رسم البسمة على وجوه البائسين، أدخل الفرحة على قلوب التعساء !
 والله مرة دخلت إلى بيت كأن الموت مخيم عليه، الأب يعمل عاملاً في معمل فقير جداً، بيت عربي وعنده خمسة أولاد، صار معه أزمة قلبية فصار مقعداً، يوجد بالبيت كآبة لا يعلمها إلا الله، علمت به امرأة ثرية فاتصلت بطبيب جراح وقالت له: اتصل بفلان وحدد له العملية، وخذ أجرها مني، كانت التكاليف حوالي أربعمئة ألف، اتصل به هذا الطبيب وهو من ألمع الأطباء، الوعد كان الأربعاء العملية أجريت بنجاح، فزرته بعد العملية والله يكاد أولاده يرقصون من الفرح! ماذا فعلت هذه المرأة ؟ أدخلت الفرح على هذا البيت، فلذلك الغني حينما ينفق ماله في سبيل الله يشعر بامتداده وبقيمته، لأن الغنى بالإسلام له دور خطير، فهو ليس من أجل الرفاه والترف والبذخ والاستعلاء والغطرسة، بل من أجل حل مشكلات المسلمين.
 والله حدثني عالم: شاب تعطل زواجه على مبلغ عشرين ألف من سنة ونصف ! لا يوجد معه فساعده هذا العالم قال: والله خرّ على الأرض ساجداً وبكى، أحياناً مبلغ بسيط تحل مشكلة شاب، فإذا إنسان كان في جو من الفقر يجب ألا يصرف ليرة إلا من أجل حاجاته الأساسية، الباقي يحل بها مشاكل المسلمين.

 

الزكاة تطهر و تنمي :

 الغني تنمو نفسه، الفقير يشعر نفسه أنه مهان لا أحد يحترمه، حينما يطرق بابه يقدم له الأموال والطعام واللباس يشعر أنه مهم في المجتمع.
 المجتمع لم ينس الفقير بل هو مهتم به، فصارت الزكاة تطهر وتنمي، تنمي نفس الغني، تريه عمله الطيب، تنمي نفس الفقير تريه أنه لم ينس ولم يهمل، وتنمي المال نفسه. ما تلف مال في بر أو بحر إلا بحبس الزكاة، فطهروا وحصنوا أموالكم بالزكاة.
 أخواننا الكرام: عندما يدفع الغني زكاة ماله جعل بيد الفقير قوة شرائية، أعط الفقير على العيد خمسة آلاف ماذا يفعل بها؟ يشتري بها الثياب والحلويات واللحم والطعام، من انتفع ؟ التجار، فأنت حينما تنفق المال يعود عليك ربحاً دون أن تشعر، هذه طريقة نظامية، لكن الإنسان إذا أدى زكاة ماله حفظ الله له بقية ماله.
 الله حدثني أخ قال: أريد أن أصدر، البضاعة موجودة، والسعر معقول، والدفع جيد، ومستودعي ممتلئ، شعرت بانقباض لا يوصف اشتد عليه هذا الانقباض حتى ألغى الصفقة، في العام القادم وضعوا ضريبة على المصدرين ألف وخمسمئة مليون، أقسم لي أحدهم أن كل جني عمره دفعه ضريبة !!! هذا الإنسان نجاه الله من الضريبة لأنه لم يصدر، فأنت حينما تؤدي زكاة مالك، الله يحفظ لك بقية مالك من التلف والضياع والخسارة والمصادرة، ومن ضريبة ترهق كاهلك.

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير. وفيما ورد في الأثر :" باكروا بالصدقة فإن البلاء لا تخطاها"وقد قيل: "ما عبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر".
 محسن سألته امرأة عطاء فأعطاها الكثير، قيل له: أتعطيها الكثير وكان يرضيها القليل ثم إنها لا تعرفك؟ فقال: إن كان يرضيها القليل فأنا لا أرضى إلا بالكثير وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.
 من هو الأريحي ؟ الذي يرتاح للعطاء، العطاء يريحه، وهذه علامة أهل الآخرة، إذا كنت من أهل الدنيا فالأخذ يريحك، وإذا كنت من أهل الآخرة فالعطاء يريحك. وهؤلاء الذين اختصهم الله بمنافع الخلق يقرهم على نعمهم ما بذلوها، فإذا منعوها سلبها منهم، إذا إنسان فتح الله عليه لأنه يعطي يوقف العطاء يقف الإمداد، فالإمداد بسبب العطاء.

(( أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا ))

[ الطبراني في المعجم الكبير والأوسط بسند حسن عن أبي هريرة ]

 عبدي :

(( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))

[ ابن ماجه عن أبي هريرة ]

إخفاء الصور