وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية - موضوعات مختصرة : 09 - موعظة - اختلاف الفقهاء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

اختلاف الفقهاء :

 أيها الأخوة الكرام، قد يسأل أحدكم هذا السُّؤال: لماذا الاخْتِلاف بين المجتهدين المسلمين في الأحكام الفِقْهِيَّة؟ وهل أراد الله تعالى هذا الاخْتِلاف؟! هذا موضوع دقيق جدًا، يُبْنى عليه تَصَرُّف سَوِيّ أو غير سَوِيّ، فالله تعالى أنْزلَ قرآنهُ الكريم على نبيِّه صلى الله عليه وسلَّم والقرآن الكريم كُلُّهُ قَطْعِيُّ الثُّبوت، وكُلُّه من عند الله، ولكنَّ مَدْلولات الآيات القرآنِيَّة بعضُها قَطْعِيُّ الدلالة وبعضها ظَنِيُّ الدَّلالة، ماذا تعني كلمة قَطْعِيُّ الدَّلالة وظَنِيُّ الدَّلالة؟ هناك مثل يُوَضِّحُ ذلك ؛ فلو قُلْتُ لكَ: أعْطِ زَيْدًا مِن الناس ألفًا وخمسمئة ليرة سورِيَّة، والمَبْلَغ مُحَدَّد وواضِح، وهذه العِبارة مُحْكَمَة، ودلالتُها قَطْعِيَّة ولا تحْتَمِلُ التَّفْسير ولا التَّرْجيح والاخْتِلاف، أما إذا قلتَ: أعْطِ زَيْدًا مِن الناس ألفَ دِرْهَمٍ ونِصْفَهُ، فالهاءُ هنا على مَن تعود؟! إذا أعَدْناها على الألف فعنى هذا ألف وخمسمئة، أما إذا أعَدْناها على الدِّرْهم فمعناه ألف ونصف دِرْهم، فنقول: العبارة هذه ظَنِيَّة الدلالة واحْتِمالِيَّة الدلالة، فهي تَحْتَمِل ألف وخمسمئة، وتَحْتَمِل ألف ونِصف دِرْهم، ولذلك القرآن الكريم بعض آياتِهِ قطعِيُّ الدَّلالة، وبعض آياتِهِ ظَنِيُّ الدلالة، والآن سؤال: لو أنَّ الله سبحانه وتعالى جَعَلَ كُلَّ آيات القرآن الكريم قَطْعِيُّة الدلالة فإنَّ الاجْتِهاد يُلْغى، ويلتغي دَور العلماء، ولا يوجَد أيّ خِلاف، لماذا شاَءَتْ حِكْمة الله أن تكون بعض آيات القرآن الكريم ظَنِيَّة الدلالة ؟ عندَئذٍ اخْتلفَ العلماء في اسْتِنباطاتهِم.

اخْتِلاف العلماء ليس اخْتِلاف تضادٍّ وتناقض إنَّما هو اخْتِلاف غِنًى واتِّساع :

 النُّقْطة الدقيقة التي أتمنَّى أن أُوَضِّحَها لكم أنَّ الإنسان حينما يتكلَّم كلامًا ظَنِيَّ الدلالة فهذا لِضَعْفٍ في لُغَتِهِ، هو يَقْصِد معنًى واحِدًا ولكن عبَّر عنه بألفاظ تَحْتَمِل معاني عديدة، ولذلك كُلّ القوانين حينما تَصْدُر يَقَعُ الناس في لبْس في فَهْمِها، فلا بدّ من أن يصْدر مرسوم تشريعي يُوَضِّح المقصود من بعض العبارات، فالإنسان إذا تكلَّم كلامًا ظَنِيَّ الدلالة، أو احْتِماليّ الدلالة كان هذا لِضَعْف في لُغَتِهِ، والسؤال الآن دقيق: الإله العظيم وربُّ العالمين، والمُطْلق في عِلْمِهِ، إذا جاءَتْ في كِتابِهِ الكريم آيةٌ ظَنِيَّةُ الدلالة، فكيْفَ نُفَسِّرُ ذلك ؟! نحن قلنا: إنَّ الإنسان إذا تَكَلَّمَ كلامًا ظَنِيَّ الدلالة فهذا لِضَعْفٍ في صِياغَتِهِ، أما الإله إذا تكلَّمَ كلامًا ظَنِيَّ الدلالة فلأنّ الله سبحانه وتعالى لَحَظَ في عِبادِهِ جانِبَ الثبات وجانبَ التَّطَوُّر، فجانب الثبات؛ كُلُّ الآيات المُتَعَلِّقَة بالجانب الثابت في الإنسان قَطْعِيَّةُ الدلالة، فمثلاً قوله تعالى:

﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

[سورة المائدة : 38]

 وقوله تعالى:

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة النور: 2]

 هذا كلامٌ واضِح لا يحْتاج إلى اختِلاف إطْلاقًا، ولكن هناك أحكام مثل الزكاة، قال تعالى:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة التوبة: 103]

 يا ترى ؛ هل عليَّ أن أدْفَعَ نقْدًا أم عَيْنًا ؟! فالقرآن ما حدَّدَ هذا ! القرآن جَعَلَ هذا مُبْهَمًا، فالعلماء اجْتَهَدوا، فذَهَب أبو حنيفة رحمه الله الذي عاش في البصْرة قال: يجوز أن تُدْفَعَ الزَّكاة نَقْدًا، والإمام الشافعي قال: يجب أن تُدْفَعَ عَيْنًا، وهذا الإمام عاشَ في ريف مِصْر، فالآن مثلاً لو أعْطَيْتَ إنسانًا فقيراً قمْحًا، لا يملك سيارة ولا شيء ويسْكن ببيت تحت الأرض ؛ هذا الكيس بلاء، ماذا يفْعَلُ به ؟ وأين يغْسِلُهُ ؟ وأين ينْشرهُ ؟ وأين يطْحَنُهُ ؟ أما لو أعْطَيْتَ هذا لإنسانٍ يعيش بالرِّيف، فالأمور مَيْسورة عليه ؛ الأرض واسِعَة ومعه الطاحونة ويُمْكن أن يعيش بِهذا القَمح سنة ! فالله تعالى لمَّا سكَتَ عن طريقَة دَفْعِ الزّكاة، واجْتَهَدَ العلماء فَبَعْضُهم قال: نقْدًا، والآخر قال: عَيْنًا، فهذا الحُكْم ظَنِيُّ الدلالة، والعلماء اجْتَهَدوا، فالله تعالى إذا قال كلامًا ظَنِيَّ الدلالة، أو احْتِمَاليَّ الدَّلالة فلأنَّهُ أراد كُلَّ الحالات التي يحْتَمِلُها، فالإنسان الذي يعيش في الرِّيف غير الذي يعيش في المدينة، والغنيّ غير الفقير، ومُجْتَمَع قديم وآخر حديث ؛ كُلّ شيء خاضِع للزَّمان والتَّطَوُّرات ؛ هذا تُغَطِّيهِ أحكامٌ ظَنِيَّةُ الدلالة، فالإمام مالك يرى أنَّ العَوْرة هي السَّوأة المُغَلَّظَة، فلو أنَّ الإنسان سيقَ للخِدْمة الإلْزامِيَّة وأُلْزِمَ أن يلبِسَ ثِيابًا قصيرة، فهذا يُعْتَبَرُ مُغطًّى عند الإمام مالك ! أما عند الأئمَّة الثلاثة فغير مُغَطَّى، ولو أنَّ الأربعة ملايين حاج انْطَلَقوا مِن مُزْدَلِفَة في وَقْتٍ واحدٍ، لأهْلَكوا أنفسَهم، فهناك من قال: تنطلق بعد العشاء، وآخر بعد منتصف الليل، وآخر بعد الفَجْر، فهذه الاجتهادات وَسِعَتْ كُلَّ الحالات، فالضَّعَفَة والنِّساء والأطفال ينطلقون بعد العِشاء، وبعضهم بعد منتصف الليل، والآخر بعد شروق الشَّمس، لذلك قالوا: اخْتِلاف العلماء اخْتِلاف رحْمة واتِّفاقهم حُجَّةٌ قاطِعَة، كما أنّ اخْتِلافهم ليس اخْتِلاف تضادٍّ وتناقض إنَّما هو اخْتِلاف غِنًى واتِّساع، فلا أعْتَقِدُ أنَّ في العالم فِقْهٌ يتَّسِعُ لِكُلِّ الحالات ؛ امرأةٌ جاءَتْها الدَّورَة قبل طواف الإفاضة، فهي عند الإمام أبي حنيفة عليها أن تذْبَحَ بدَنَة، وعند الشافِعي تَغْدو أميرة الحجّ ؛ ينتظِرُها مَن معها، وعند بعض الأئِمَّة ومنهم الإمام مالك يقولون: تَطوف البيْت في أثْناء انْقِطاع الدَّم ولا شيءَ عليها، لذا نحن إن كانتْ امرأةً مُوسِرَة نقول لها: اِذْبَحي بدنَةً وأطْعِمي الفقراء، ولو أنَّها امرأة لها ابْنُ في جدَّة أو في أحد مناطق الحجاز نقول لها: انْتَظِري إلى أن تنقَطِعَ الدَّورة، أما امرأةٌ مُلْحَقَة بِزَوْجٍ ولا تملِكُ شيئًا، فهذه نُفْتي لها على مذْهب الإمام مالك رحمه الله تعالى، فلِذلك إذا جاء الحُكْم ظَنِيًّا معنى هذا أنّ هُناكَ مجالاً للاجتهاد والاجتهاد كُلّه مَقبول لأنَّه يسَعُ الحالات كُلَّها.

 

عدم الإنكار على أيّ إنسان في قضية خلافية :

 الآن دَخَلْنا في موضوع ؛ وهو أنَّه لا يجوز أن تُنْكِرَ على أحَدٍ في قَضِيَّة خِلافِيَّة، فالله عز وجل أجاز للمريض الإفْطار، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

[سورة البقرة: 185]

 فقد كان أصْحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم في سَفَر- وأن تَصوموا خيرٌ لكم ‍! فإذا كان بالإمكان أن تَجْمَعَ بين السَّفَرِ والصِّيام فالأولى أن تصوم، أو أن تجْمَعَ بين المرضِ والصَّوم فالأولى أن تصوم- بعض أصْحابه أفْطَرَ أخْذًا بِمُطْلق الرُّخْصَة وبعْضُهُم بَقِيَ صائِمًا، ويبْدُو أنَّ الحرَّ كان شديدًا جدًّا، فبعد الظُّهْر ضَعُفَت قِوى الصائِمين وقَعَدوا، أما المُفْطِرون فنَصَبوا الخِيام، وذَبَحوا الأنعام، وطبَخوا الطَّعام، وقدَّموه للصائِمين، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُنَا ظِلًّا الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا فَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِينَ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وَامْتَهَنُوا وَعَالَجُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ ))

[ البخاري عن أنس ]

 فأحيانًا تكون لك أعْمال كثيرة جدًا، وهي كُلُّها لله تعالى، فلو أنَّكَ صُمْتَ يومًا نفْلاً ولم يكُن مِن عادَتِكَ صِيامُ النَّفْل لأقْعَدَكَ في البيْتِ هذا الصِّيام فالأولى أن تُفْطِر وأن تخْدُمَ الناس، أما المُتَقاعِد فلا عليه، لذا الأمور التي فيها رُخَص وخلافِيَّات ونَدْب لا يجوز لأحَدٍ أن يُنْكِرَ على أحَدٍ، فمثلاً موضوع تَحِيَّة المسْجِد في أوْقات الكراهة، وهذا مِن أوْسَع الموضوعات بالفِقْه فَمُلَخَّص المُلَخَّص ولا نُريد أن نَدْخل في تَفْصيلات تَحْتاج إلى دروس طَويلة، أنَّه روى الإمام مسلم عن عُقْبة بن عامِر الجُهَنِّي قال عليه الصلاة والسلام:

(( عن عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا، حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ

((

[ النسائي عن علي بن رباح]

 ففي أثناء الشروق إلى أن ترتَفِع مِقْدار رُمْحٍ، وقدَّرهُ العلماء بِعِشْرين دقيقة بالضَّبْط، وحين يقوم قائِم الظَّهيرة حتى تزول، وحين تميل الشَّمس إلى الغروب حتَّى تغيب، فهذه الأوقات مَكروهة، وهناك وقْتان آخران وردا في البخاري ومسلم:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 والحِكْمة من نهْي النبي عن هذه الأوقات أنَّ عُبَّاد الشَّمس يعْبُدونها وقْت الشروق، ووقْتَ الغُروب، ووقْتَ الانْتِصاف، أما الوقْتان الآخران فهذان وقتا الفريضَة، ولأنّ صلاة الفجْر مِن أهَمِّ الصلوات قال: لا صلاة بعدها، وذلك من أجل تُتْقِنَ صلاتها وخُشوعَها، فالنبي صلى الله عليه وسلَّم نهى عن صلاة بعد صلاة الفَجْر، وصلاة بعد صلاة العَصْر، فأصْبَح بالحاصِل عندنا خمْس صلوات مَكْروهة ؛ مِن بعد صلاة الفجْر وحتى تُشْرق، وأثناء طلوع الشمس وحتى ترتفع، وعند انتِصاف الشمس في كبِدِ السماء وحتى تزول، وبعد صلاة العصْر وحتى تغيب، وعند اصْفِرار الشمس وحتَّى تغيب.
 أما رأي العلماء الأجِلاء والسادة المُجْتَهِدون الأحناف والشافعيَّة، فعند الحنابلة مُحَرَّمُ أن تُصَلِّي أيَّ وقْتٍ في هذه الأوقات الخَمْسَة، وعند المالِكِيَّة مُحَرَّمة في الأوقات الثلاثة، ومكروه كراهة تنْزيهِيَّة في الوقتين الآخرين، أما عند السادة الأحناف فهُناك كراهة تَحْريمِيَّة؛ أن تُصَلِّيَ أيَّ صلاة في هذه الأوقات، أما عند الشافِعِيَّة فكراهةٌ تَحْريمِيَّة في الأوقات الثلاثة وتنْزيهِيَّة بالوَقْتَين ؛ إلا أنّ عند الشافِعِيَّة رُخْصَة لطيفة جدًا هِيَ أنَّ الصلاة إن كانت لِسَبَبٍ، كأن تفوتُكَ صلاة لم تُؤَدِّها، أو صلاة الكسوف، أو تَحِيَّة المَسْجِد، أو سُنَّة الوُضوء، أو سُجود الشُّكر، أو صلاة الجنازة، أو صلاة الاسْتِسْقاء ؛ فهذه صلوات لها أسْباب، فإذا كان السَّبب مُتَقَدِّماً فيجوز لك الصلاة، أما إن كان مُتَأخِّراً فلا يجوز، فلو أنَّك دَخَلْتَ المسْجِد، ودُخولك سبقَ الصلاة فحينها تُصَلِّي، وهذا عند الشافِعِيَّة، فهل بعد هذا التَّفصيل يمكن أن يُنْكِرَ أحدٌ على أحَدٍ، ونحن عندنا قاعِدَة عدم الإنكار إلا فيما اتَّفَق عليه العلماء، فكل المذاهب لها أدِلَّتُها، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا وراء كُلِّ برٍّ وفاجِر" ولم يقل عاص، فَمَن هو الفاجِر؟ الذي يرْتَكِب المعاصي جِهارًا في الطريق، فهذا إن أمَّ الناس لك أن تُصَلِّي وراءَهُ، مِن أجْل ماذا ؟! مِن أجل ألا تقَعَ الفِتْنة، كما أنَّهُ لا يجوز أن نخْتَلِفَ على صيام أوَّل يوم ؛ فالفِتنة أخْطر من الخِلاف، أنت بِبَلَدٍ مسلم وهناك وزير أوقاف ومُفْت وقاض شَرْعي، وصَوْمُكم يوم تصومون، واقْرؤوا القرآن ما ائْتَلَفَتْ عليه قُلوبكم فإذا اخْتَلَفْتُم فقوموا عنه.
 لذلك سبحان الله ! بعض المسلمين يفْتَعِلون خِلافات، وكأنَّه واجِبٌ علينا أن نخْتَلِفَ بالمساجِد ونصيحُ، مرَّةً كُنَّا في دَعْوَة رَسْمِيَّة وأذَّن مؤَذِّنٌ لِصَلاة المغرب، والأمر كُلُّه مُسَجَّل ومَنْقول نقلاً مباشَرًا، فأحدهم صاحَ صَيْحَةً أنَّه لم يدْخُل الوقت بعد، فالإنسان قد يدخل بِمَوضوعات يُسَبِّب فيها فتْنة كبيرة، فلما قال لك النبي: "صلِّ وراء كل برٍّ وفاجِر" هذا مِن أجل ألا تقَعَ في الخُصومة، فلو أنَّ مُوَظَّفًا له دَخْل حلال وآخر حرام، وقدَّم لك طعامًا، فلا تقل له: أنا لا أشْرب فإنَّ دخْلك حرام !! أما إن اغْتَصَب أمامك شيئًا وقال لك: كُلْ، فحينها لا تأكل، فإذا الحرام مَفصول فلا تأكل، أما إذا المال مَشْبوه فلك أن تأكل أو تدَع، فقد يكون أبوك وقد يكون أخوك، فإذا لم تأكل سبَّ وشَتَم وأثار فِتْنةً.
 لذا أيُّها الأخوة، إذا القَضِيَّة خِلافِيَّة لا يجوز أن تُنْكِر على أحدٍ له مذْهب، فما دام هناك جواز ومَنع الأصل وِحْدة المسلمين، والمسلمين ما ضَعُفوا إلا حينما تنازعوا، قال تعالى:

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾

[سورة الأنفال: 46]

تعقيد الأمور ليس لصالح المسلمين :

 نتعاوَنُ فيما اتَّفَقْنا، ويعْذُر بعضُنا بعْضًا فيما اخْتَلَفْنا، ونحن بِأمَسِّ الحاجة إلى الاجْتِماع في هذه الأيام، وقد تسْتَغْرِبون لِبَعْض المسلمين أن يَصِل بهم الأمر إلى الضَّرْب، ولم يكن الرِّفق في شيءٍ إلا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ من شيء إلا شانَهُ، فأحد المسْتشرقين تاب وأراد أن يدرس فأقام عند شيْخٍ فلم يزل ذلك الشيْخ في الطهارة والمياه والنَّجاسة إلى أن ضاقَتْ نفس ذاك المُتَعَلِّم فَهَرَب من هذا الشيخ إلى أن الْتقى بالشيخ محمَّد عبْدو وقصَّ عليه، فقال هذا الشيخ: الماء الذي تَشْربُهُ توضَّأ به، نحن مُهِمَّتُنا التَّوضيح والتَّلْخيص لا أن نُشَعِّبَها، لذا تَعْقيدُ الأمور ليس لِصالِح المسلمين.
 فهذا أحد المشايِخ بالمملكة أسْلَمَ على يَدِهِ عشرة من تايْلاند فأوَّل ما فعَل بِهِم ذهَبَ بِهِم لِيُطَهِّرَهم ويُخَتِّنَهم، عمليَّة جِراحِيَّة وألم !! لذا هناك مَن يسْتخدِم الأساليب الذي تُنَفِّر الناس من الدِّين.

تحميل النص

إخفاء الصور