وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 44 - سورة التوبة - تفسير الآية 61، إيذاء النبي ترك سنته القولية والعملية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق :


 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع والأربعين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الواحدة والستين وهي قوله تعالى:

﴿  وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(61)﴾

[ سورة التوبة ]

 أيها الإخوة الأحباب، لابد من مقدمة تلقي ضوءاً على أبعاد هذه الآية، أولاً: النبي الكريم داعية من أكبر الدعاة إلى الله، النبي -عليه الصلاة والسلام- الداعية الأول، والدليل قوله تعالى: 

﴿ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً(45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً(46)﴾

[  سورة الأحزاب ]

 بل إن الله -سبحانه وتعالى- عدّ الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق، والذي يدعو إلى الله  عند الله في مكان عليٍّ، لقوله تعالى: 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(33)﴾

[  سورة فصلت ]


الدعوة إلى الله دعوتان؛ دعوة إلى الله خالصة ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله:


 فالأنبياء جميعاً دعاة إلى الله في المستوى الأعلى، هم قمم الدعوة إلى الله -عز وجل-، لأنهم معصومون عن أن يخطئوا بأقوالهم، وأفعالهم، وإقرارهم، إنهم معصومون، إذاً سيرتهم تشريع، فالنبي -عليه الصلاة والسلام-، أقواله تشريع، وأفعاله تشريع ، وإقراره تشريع، معنى السنة هناك سنة قولية، وسنة عملية، وسنة إقرارية، مجموع هذه السنن القولية، والعملية، والإقرارية هذه السنن تجمعها كلمة السنة الشريفة.

 فالله -عز وجل- بيّن أن هذا النبي الكريم هو النبي الأول، لأن الله -عز وجل- ختم بنبوته النبوات، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، ورسالته خاتمة الرسالات، وكتابه خاتم الكتب.

 أما أن تؤذي النبي! كيف؟ لا بد من تقديم؛ الدعوة إلى الله دعوتان، في هذا العصر دعوة إلى الله خالصة، ودعوة إلى الذات مُغلَّفة بدعوة إلى الله، يهمنا أن نعرف خصائص الدعوة الصادقة، الدعوة الصادقة أساسها الاتباع، بينما الدعوة إلى الذات أساسها الابتداع، قال: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورِع لا يتسع، أساسها الاتباع، فالله -عز وجل- يقول:

﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾ هو داعية إلى الله، الله -عز وجل- أرسله رحمة للعالمين، أرسله لهداية عباده جميعاً من دون استثناء، فالذين يؤذون النبي يؤذون أصل الدعوة، يؤذون هداية الله لعباده، فلذلك من أشقى الأشقياء من وقف في خندق مضادٍ للأنبياء، أشقى الأشقياء من كان في خندق معادٍ للأنبياء، الأنبياء قِمم البشر، معصومون، كمالاتهم فوق الشبهات.

 إذاً هناك دعوة خالصة أساسها الاتباع، ومن خصائصها التعاون، فالتعاون سلوك حضاري، والتعاون طريق إيجابي، والتعاون دليل التواضع، والله -عز وجل- قال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾

[  سورة المائدة ]


العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :


 بل إنه قد يغيب عن الإنسان أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، أيّ آية تقرؤها فيها أمر أو فيها نهي لك موقف منها، هناك من يتوهم أن الأوامر هي فقط خمسة، صوم، وصلاة، وحج، وزكاة، والنطق بالشهادة، هذه عبادات شعائرية يقابلها خمسمئة ألف بند بالعبادة التعاملية، والدليل لما سيدنا جعفر قابل النجاشي قال: حدثني عن هذا الدين؟ قال:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا-الآن دققوا- بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء))

[ أخرجه ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 هذه العبادة التعاملية، وكلام دقيق دقيق العبادات الشعائرية كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، لا يمكن أن تُقطَف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية، النبي سأل أصحابه:

(( أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار ))

[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

 إذاً العبادة الشعائرية، كالصيام، والصلاة، والحج، والزكاة لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية. 


الإيمان هو الخلق :


 النبي الكريم أمر بالصدق، أمر بالأمانة، بالاستقامة، بالتواضع، كل مكارم الأخلاق هي عبادة تعاملية، وحينما غفل المسلمون عن العبادة التعاملية وصلوا إلى ما وصلوا إليه، لأن الله -عز وجل- حينما وصف النبي، هو نبي، ورسول، و يُوحَى إليه، و، و، كل هذه الخصائص أغفلها الله لما مدحه قاله:

﴿  وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)  ﴾

[ سورة القلم ]

 لذلك قال الإمام ابن القيم: الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان .

 فهذا الإنسان الذي دعا إلى الله ينبغي أن يكون مطبقاً لمنهج رسول الله، وينبغي أن يتعاون مع بقية الدعاة، عندنا تنافس، وعندنا تعاون، التنافس سلوك متخلّف، أما التعاون سلوك حضاري، فالداعية إلى الله المخلص يتبع، ويتعاون، وشيء آخر يعترف بالآخر، هناك مصطلح جديد اسمه الإقصاء، الإنسان الذي له مصلحة مادية في الدعوة، أو يحصّل مكاسب دنيوية في الدعوة، يريد أن يُقصي الآخر، ألا يدع مجالاً للآخر أن يتعاون معهم إطلاقاً.


إيذاء النبي ليس بشتمه ولا بضربه ولكن بعدم استجابة دعوته :


 لذلك الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، لكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف، الذي أريد من هذه الآية أن ﴿َمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾ أي قد يتوهم متوهم أن إيذاء النبي تسبه أو أن تضربه مثلاً، هذا مستحيل لقوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) ﴾

[ سورة المائدة  ]

 لكن الإيذاء هنا ألا تؤمن به، الإيذاء ألا تستجيب له، مثلاً لمّا الطفل الذي علّق أباه على دراسته أمالاً كثيرة، أكبر إيذاء لوالده ألا يدرس، الطفل قد يكون مؤدباً، أكبر إيذاء يقوم به الابن تجاه والده ألا يدرس فقط.

فإيذاء النبي ليس بشتمه، ولا بضربه، إيذاء النبي بعدم استجابة دعوته، لأن رحمته كبيرة، هو أرحم الخلق بالخلق، فإذا رأى إنساناً شرد عن الله يتألم له لا عليه، لذلك الكبار يغضبون لا لذواتهم يغضبون لعمل الآخرين، لا لذوات الآخرين، يغضبون لعمل الآخرين.

﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾ فأنت حينما تستمع إلى حديث شريف ولا تعبأ به، هذا نوع من الإيذاء، آذيت نفسك وآذيت النبي أنك لم تستفد منه. 


من لم يستجب لأمر النبي و لم يطبق سنته فقد كذب به :


 لذلك سيدنا سعد له كلمة رائعة يقول: "ثلاثة أنا فيهن رجل" كلمة رجل في القرآن والسنة تعني أنه بطل:

﴿ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)﴾

[ سورة النور  ]

 يعني الذكر غير الرجل، هناك إنسان ذكر لكن ليس رجلاً، فالرجولة تعني البطولة: "ثلاثة أنا فيهن رجل" أي بطل، "وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس-سيدنا سعد- ما صليت صلاة فشُغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها، ولا سمعت حديثاً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا علمت أنه حق من الله تعالى" .

 أنا أقول كلاماً أرجو أن يكون واضحاً: إنسان يقرأ حديثاً دون أن يشعر بعقله الباطن لا يعبأ به، والدليل لا يستجيب له، لا ينفّذه، إذا كان هناك حديث شريف فيه أمر أو فيه نهي لمجرد أنك لا تستجيب له فأنت لم تعبأ به، مثلاً: لو زرت طبيباً وعالجك، وأعطاك وصفة طبية، أنت كنت مؤدباً جداً معه، وصافحته، وشكرته، ولم تشترِ هذا الدواء، عدم شرائك لهذا الدواء دليل أنك لست مقتنعاً بعلمه، هذا نوع من التكذيب، أنت كنت مؤدباً جداً معه، لما دفعت له أتعابه، وشكرته على معاينته لك، لمجرد أنك لم تشترِ الدواء فأنت لست واثقاً من علمه.

 هذا نوع من التكذيب، ما من داع لأن يكتب الإنسان مقالة ضد النبي الكريم، لأنه ما استجاب لأمر النبي، ما طبق سنته، ما أخذها كمنهج للحياة، ما رآها هي من عند الله، فهو قد كذبه:

﴿  وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾

[ سورة النجم  ]

 لأنه أخذ موقفاً سلبياً، هذا نوع من أنواع التكذيب، تماماً كالذي يزور طبيباً، طبيب جيد لكنه توهم أنه باختصاصه غير متفوق، فعدم شراء الدواء دليل أنه أعطاه مرتبة دون التي يتمنى. 


الإسلام منهج كامل :


 إيذاء النبي يكون بعدم تطبيقه لمنهجه، لذلك الإسلام لابد من أن يُؤخَذ بأكمله، منهج كامل، بحياتنا أشياء كثيرة لك أن تأخذ بعضها، وأن تدع بعضها الآخر، لكن هذا الدين دين كامل، يغطي كل حاجاتك، يغطي كل نشاطاتك، يغطي كسب مالك، إنفاق مالك، علاقتك ببيتك، مع زوجتك، مع أولادك، إمضاء وقت فراغك أحياناً، فإذا درست هذا الإسلام كدين تجده يغطي كل نشاطاتك من دون استثناء، وأنا أقول دائماً: من أدق خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية، ومن أكبر الموضوعات في الدنيا العلاقات الدولية، فهذا المنهج الإلهي الإسلامي يبدأ مع المؤمن من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج كامل، لكن المسلمين قصروه على العبادات الشعائرية، يصلي أما الدخل حرام، يصلي الإنفاق حرام، يصلي النشاط الاجتماعي مُحرّم، هناك اختلاط، وكشف عورات، وكلام لا يليق، وغيبة، ونميمة، وتجده يصلي، كيف الدين ضُغِط إلى الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، هذا الذي يعاني منه المسلمون اليوم.


من طبق سنة النبي في حياته فهو في مأمن من عذاب الله :


 إيذاء النبي-كلام دقيق- يعني فضلاً عن أن تؤذيه إيذاءً مادياً، وهذا الشيء شبه نادر، أو أن تؤذيه إيذاءً كلامياً عدم تطبيق سنته يعد إيذاءً له، عدم أخذ منهجه، قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) ﴾

[  سورة الأنفال ]

 آية دقيقة جداً، لها معنى واضح في حياة النبي الكريم، ما دام النبي بين ظهرانيهم هم في مأمن من عذاب الله، لكن ما معنى الآية بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى؟ المعنى يا محمد مادامت سنتك مُطبَّقة في حياتهم فهم في مأمن من عذاب الله، ما دامت سنتك، منهجك، أمرك ونهيك مُطبَّقاً في حياتهم فهم في مأمن من عذاب الله، أما إذا لم تكن مطبقة فمعهم بحبوحة ثانية: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ .

 فإما أن تكون وفق منهج رسول الله، فأنت في مأمن من عذاب الله، وإما أن تستغفر فأنت أيضاً في مأمن، أما لا يُطبّق، ولا يستغفر، فهو أصبح الآن مُعرَّضاً لتأديب إلهي.

 فإيذاء النبي هو عدم تطبيق سنته، لكن أنت دون أن تشعر حينما تقتني آلة بالغة التعقيد، عظيمة النفع، غالية الثمن، ماذا تفعل؟ تحرص على أن تقرأ تعليمات الصانع، وكلامي دقيق جداً، هذا القرآن هو في الحقيقة تعليمات الصانع، لأنك أنت أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك على سلامتك، وعلى سعادتك، وعلى أن تعيش حياةً آمنة مطمئنة ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع، فالصانع يقول لك: يجب ألا تؤذي النبي بعدم استجابتك لدعوته. 


الدين توقيفي ولا يحتمل الإضافة أو الحذف :


 مرة ثانية: إيذاء النبي قولاً أو فعلاً المعنى نادر جداً، والمعنى قلّما يحدث،  لأن الله يعصمه من الناس، لكن الذي يحصل عدم الاستجابة له، أو تسفيه سنته، أحياناً لا تفرق بين منهج الله وبين منهج البشر، منهج الله حق مئة بالمئة، لأنه من عند الله، طبعاً الله -عز وجل- ذاتٌ كاملة منهجه كامل، فالدين توقيفي، لأنه من عند الله لا يحتمل المناقشة، أنت بالدين لا تستطيع أن تضيف شيئاً، ولا أن تحذف شيئاً، كماله كمال مطلَق، لكن بإمكانك أن تحلل النصوص، أن تعمّق فهمك لها، أن تبحث عن تطبيقات لها، هذا كله من مجال الاجتهاد، أما أن تلغي نصاً، أو أن تضيف نصاً، فهذا شيء مستحيل، الدين توقيفي، ولا يحتمل لا الإضافة، ولا الحذف، لكن الواقع لما أضفنا على الدين ما ليس منه، ضعفنا، صار هناك فرق، وطوائف، واتجاهات غير صحيحة، لما أضفنا على الدين ما ليس منه، ضعفنا، فلما حذفنا من الدين الجهاد خُذِلنا، نفترق بالإضافة ونضعف بالحذف، أما إذا طبقنا الدين كما جاء من دون إهمال أي جانب، أما إذا بقي الدين على العبادات الشعائرية فلا يقدم ولا يؤخر.


زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :


 والدليل حديث شريف صحيح، والمؤمن يعتقد أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، فإذا وعد الله المؤمنين:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾

[  سورة النور  ]

 نحن لسنا مستخلفين. ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ والدين غير مُمَكَّن ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾ نحن لسنا آمنين، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، فإن كانت هذه الوعود غير محققة فالجواب الطبيعي والصحيح والدقيق أننا لم نكن بالمستوى الذي أراده الله -عز وجل-.

 فلذلك الاستخلاف في الأرض هذا شرف عظيم سمح الله لنا به، أن يستخلفنا عن ذاته العلية كي ننشر هذا الدين لخلقه ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾   كقانون ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي﴾ فإذا أخلّ الطرف الآخر بما عليه من عبادة فالذات الإلهية في حِلٍّ من وعودها الثلاث، هذا الواقع.

إذاً: إيذاء النبي عدم تطبيق سنته، وعدم تطبيق منهجه في بيتك، وفي عملك، وفي حِلِّك، وفي ترحالك، وفي كسب مالك، وفي إنفاق مالك ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ .


ما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل :


 أقول لكم هذه الكلمة: ما من مصيبة على وجه الأرض من دون استثناء إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، لذلك الجهل أكبر مشكلة، الآن نحن نقول أحياناً: العدو الأول: الاستعمار، العدو الأول: الصهيونية، العدو الأول: الجهل، الدليل، أن أهل النار وهم في النار قالوا:

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ(10)﴾

[  سورة الملك ]

 السبب هو الجهل، السبب أن الإنسان يحب نفسه، على وجه الأرض ستة آلاف مليون ما منهم واحد إلا وهو يحب لنفسه السلامة والسعادة، السلامة والسعادة مطلبان أساسيان لكل إنسان على وجه الأرض، من المؤمنين، وغير المؤمنين، من كل الطوائف، والمِلَل، والنِّحَل، والأعراق، والأنساب، فالسلامة والسعادة مطلبان لكل إنسان، لماذا يشقى الإنسان؟ ومطلبه الأساسي السلامة والسعادة، لأنه ما عرف طريق السلامة والسعادة، فالله -عز وجل- إذا أكرم الإنسان، ودله على طريق السلامة والسعادة فهو من المقربين من الله -عز وجل-، وهذا منهج الخالق.

 أنت لو سافرت إلى بعض بلاد العالم هناك من يعبد البقر، هناك من يعبد الشجر، هناك من يعبد الشمس والقمر، هناك من يعبد أمواج البحر، هناك من يعبد الجرذان في آسيا الجرذان، معابد عملاقة، أنا عندي مجلة ألمانية، فيها تفاصيل مذهلة، يعبدون الجرذان، فنحن كأمة الله -عز وجل- كرّمنا وشرّفنا أن نعبد الله -عز وجل-، خالق السموات والأرض.

 فإيذاء النبي المعنى الدقيق ليس أن تشتمه -لا سمح الله ولا قدر- ولا أن تناله بالأذى، لكن النبي يُؤذَى وهو في قبره، يُؤذَى بعدم اتباع سنته، أعطاك منهجاً كاملاً لسلامتك وسعادتك، كيف تكون زوجاً صالحاً، زوجة صالحة، ابناً باراً، أباً حكيماً، عاملاً متقناً، تكون سعيداً في الدنيا.

 فإيذاء النبي في الأعم الأغلب، والشيء الواسع والمستمر، عدم الأخذ بسنته، وهذا ناتج عن ضعف الإيمان بنبوته، هذا نبي معصوم، معه من الخالق منهج، هذا المنهج لصالحي. 


الدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم :


  دائماً وأبداً عندنا علاقة وضعية وعلاقة علمية كيف؟ أنا حينما أنهي ابني عن أن يمس مدفأة مشتعلة، فإذا عصاني ومسها تحترق أصبعه، العلاقة بين مس الأصبع واحتراق الأصبع علاقة علمية، مس المدفأة المشتعلة سبب احتراق الأصبع.

 أما حينما يكون للبيت بابان، أعطي الأمر لأولادي أن يستخدموا باباً واحداً، فإذا استخدم أحدهم الباب الثاني عاقبته، لكن لا يوجد علاقة علمية بين العقاب وبين استخدام باب للخروج، هذه علاقة وضعية.

أنت حينما تؤمن أن كل أوامر الله -عز وجل- ونواهيه، العلاقة بين الأمر والنتيجة علاقة علمية.

 فرضاً لو تصورنا مجتمعاً ينكر وجود الله أصلاً، وأخذ منهج الله -عز وجل- وطبقه مئة في المئة، يقطف كل ثماره في الدنيا طبعاً، والدليل: الغربيون بذكائهم فقط اكتشفوا أن الصدق ينجو به صاحبه، بإتقان العمل ترتفع المبيعات، فهم بذكائهم وصلوا إلى القواعد الإيمانية، هم عرفوا الإسلام بطابع عملي، أو بمنطلق عملي، فصناعتهم أحياناً متقنة جداً، ووعودهم دقيقة جداً، وأمورهم واضحة جداً، فتفوقهم ناتج من تطبيق الإسلام، لا لأنه منهج الله، بل لأنه طريقهم لأرباحهم الطائلة، فهذه النقطة دقيقة جداً، أحياناً الإنسان يقع بحيرة الغرب متفوق، والدليل أن الله قال:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)﴾

[ سورة الأنعام  ]

 أتقنوا الدنيا، أعطوا كل إنسان حقه، أخذوا بالأسباب فارتقوا، لذلك ابن أحد العلماء الكبار يقول: "إن الله ينصر الدولة الكافرة العادلة على الدولة المسلمة الظالمة" الأصل الدنيا تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم. 


الإنسان إذا خرج عن منهج الله اختل توازنه :


 إذاً أريد أن أصل إلى هذه الحقيقة أن إيذاء النبي الحقيقي عدم الأخذ بسنته، وعدم جعل هذه السنة منهجاً مُطبَّقاً في حياتنا، والآية التي تؤيد هذا المعنى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ .

﴿يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ أي هو يُتَّهم عند هؤلاء الذين شردوا عن الله -عز وجل- أنه يستمع لكل إنسان، ويصدقه، وكأنه ساذج، النبي قمة من قمم البشر الكبرى، معقول يكون عنده فهم سطحي؟ هذا مستحيل، لكن دائماً الإنسان إذا خرج عن منهج الله عنده حالة يقع بها وهي اختلال توازن.

 عفواً، طالب عنده شهادة ثانوية، والعلامات بالشهادة الثانوية لها أثر كبير في اختيار الكلية، لكن الطالب لم يكن يدرس، عنده حالة اختلال توازن، الآن يقول لك: لعل الأستاذ يعطيني السؤال؟ يتعلق بأفكار غير صحيحة، أو بأوهام، أو أنا أتوقع توقعات معينة يأتي منها السؤال فأنجح، فالإنسان عندما يقصّر يختل توازنه، وكل إنسان اختل توازنه يسعى إلى ترميمه، إما بالتعلق بفكرة غير صحيحة، الآن مفهوم الشفاعة مثلاً صحيح، يوجد شفاعة، لكن إنساناً أمضى كل حياته بالمعاصي والآثام وبالنهاية يأتي النبي فيشفع له هذا كلام مضحك، الشفاعة تنال المستقيم، الموحد، وهناك بحث طويل حول الشفاعة، لكن الإنسان عندما يعصي الله -عز وجل- يختل توازنه، يحتاج إلى ترميم هذا الاختلال عن طريق التعلق بأفكار غير صحيحة، أو عن طريق الطعن بالصالحين، حتى يرتاح، أحياناً الإنسان المستقيم هناك من يطعن به، ما السبب؟ العاصي اختل توازنه. فحتى يرمم نفسه يطعن بالإنسان المستقيم.

 مرة أستاذ سأل طالباً أين وظيفتك؟ قال له: لم نكتب الوظيفة، قال له: أنت كم واحد؟ يتوهم الطالب إذا قال لم نكتب الوظيفة كلنا، الوضع طبيعي، قال له: أنت واحد، قل: لم أكتب الوظيفة. ولا تقل: لم نكتبها.

 فالإنسان عندما يختل توازنه يُعمِّم، يقول: كل الناس وضعها هكذا، لا يحب أن يرى إنساناً مستقيماً، المستقيم يكشف له وضعه. 


كلام البشر فيه الخطأ وفيه الصواب أما كلام الوحي فكلام مطلق :


 إذاً: ﴿يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ طبعاً هذا من اتهامات كفار قريش للنبي الكريم، فردّ الله عليهم وقال: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾ أذنه تصغي إلى الوحي معه وحي السماء، النبي الكريم معه وحي السماء، معه منهج خالق السماوات والأرض، معه الصح المطلق، معه الحق المطلق، معه افعل ولا تفعل، معه تعليمات التشغيل والصيانة للإنسان، معه تعليمات سلامتك وسعادتك، وحي طبعاً كلام البشر فيه خطأ وفيه صواب، أما كلام الوحي فكمال الوحي كمال مطلق.

 فلذلك أنت عندما تقرأ أحاديث النبي الصحيحة أنت مع وحي السماء، إذا قرأت القرآن أنت مع وحي السماء، لذلك:

((  تَركْتُ فيكُمْ أَمْرَيْنِ لنْ تَضِلُّوا ما تَمسَّكْتُمْ بهما كتابَ الله، وسنّة رسولِهِ  ))

[ أخرجه مالك عن بلاغ ملك ]

 الكتاب والسنة إن تمسكنا بهما لن نضل أبداً. 


النبي بشر تجري عليه كل خصائص البشر :


 إذاً: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾ كل إنسان يخطئ ويصيب إلا الأنبياء فهم معصومون، فكلام النبي حق مئة بالمئة، وما نهاك إلا عن شيء يؤذيك، ولا أمرك إلا بما ينفعك، ثم إن النبي بشر، لو أن النبي كان مَلكاً معنا حجة، الكلام الدقيق:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[  سورة الكهف  ]

 الآية القرآنية أنه أنا يؤذيني ما يؤذي أي إنسان، وأخاف مما يخاف منه أي إنسان، أي أنه لولا أنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر لَمَا كان سيد البشر، في بعض أحاديثه:

(( وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))

[ أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]

 هو بشر، لولا أنه تجري عليه كل خصائص البشر لَمَا كان سيد البشر، يشتهي المرأة لكنه ضبط نفسه، يشتهي المال لكنه ضبط نفسه، فلولا أنه بشر وتجري عليه كل خصائص البشر لَمَا كان سيد البشر، لذلك:

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128)﴾

[  سورة التوبة  ]

 هو إنسان، في بعض الكتب "محمد الإنسان"، هو إنسان، لكنه انتصر على إنسانيته، وسما إلى ربه فكان سيد البشر.

 هناك من يقول: أن هذا نبي، هذا نبي فعلاً، وأنت لن تكون نبياً لكن أنت مُكلَّف أن تأخذ منه ما أمرك، والدليل:

(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين  ))

[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة  ]


السنة بيان نبوي وكلامي وعملي وإقراري لما في القرآن :


 إذاً: ﴿أُذُنُ خَيْرٍ﴾ يتلقى الوحي من السماء، وينقله لكم، الوحي هو القرآن، كيف فسره؟ بالحديث.

 بشكل أو بآخر، سنة النبي القولية، والعملية، والإقرارية، بيان نبوي لما في القرآن، إذاً السنة بيان نبوي، وبيان كلامي، وبيان عملي، وبيان إقراري، لِما في القرآن، إذا أردت أن تفهم القرآن فاقرأ سنة النبي العدنان بالضبط. 


التكذيب صفة من صفات أهل الدنيا :


﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي يصدق المؤمنين، من صفات بعض أهل الدنيا التكذيب، يكذب:

﴿  بَل هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ(9)  ﴾

[  سورة الدخان ]

 يشك في أي شيء ﴿هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾ كأن الله -عز وجل- وصف المجتمع في نهاية الزمان بصفتين؛ في شك من كل شيء، يلعبون، اللعب عمل غير هادف، فتجد مسابقات، واحتفالات، ومعارض، وأشياء كلها هدفها آني ومحدود ينتهي بزوالها، لكن لا يوجد أعمال كبيرة جداً ترقى بالإنسان إلى أبد الآبدين.

 فلذلك: ﴿هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾ اللعب قد يبدأ بلعبة أطفال، لكن أحياناً حياتنا لعب، هناك مثلاً أعمال كبيرة جداً لكن تنتهي عند الموت، الإنسان عندما يؤمن بالآخرة، أقسم لكم بالله وأنا أعني ما أقول: أنك إذا آمنت بالله الإيمان الحقيقي ثم آمنت باليوم الآخر، والملاحظة الدقيقة: أن أكثر ركنين من أركان الإيمان وردا في القرآن معاً الإيمان بالله واليوم الآخر، هناك إله له منهج، ويوجد يوم تُحاسَب عليه، أنت إذا آمنت بالله الإيمان الذي أراده الله، وباليوم الآخر الإيمان الذي أراده الله، لا يمكن أن تعصيه، أوضح مثل أسوقه للإخوة الكرام: أنت مواطن عادي، راكب مركبتك، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، وهناك شرطي آخر على دراجة، وضابط مرور بسيارة، وأنت مواطن عادي، هل من الممكن أن تتجاوز الإشارة الحمراء؟ مستحيل، لأن هذا الشرطي يأخذ رقم السيارة، فإذا لم تقف تبعك الشرطي الآخر، وإلا فهناك سيارة ثانية تتبعك، فأنت في قبضة هذا النظام وتحت سيطرة واضع هذا النظام. 


من يؤمن أن الله يعلم وسيحاسب لا يمكن أن يعصيه :


 أنت حينما تؤمن أن الذي أمر يعلم وسيحاسب لا يمكن أن تعصيه، والدليل:

﴿  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً(12)﴾

[  سورة الطلاق ]

 الله اختار من كل أسمائه: القدرة والعلم، يعلم، وسيحاسب، أنت لست مع خالق السماوات والأرض، مع إنسان مثلك إذا كان يعلم وسيحاسب.

 أحياناً التاجر يستورد، لكن هو يعلم يقيناً أن نسخة من هذا الاستيراد ذهبت للمالية فهل من الممكن أن يخفي عن المالية حساباته؟ كل شيء استورده نسخة من هذا الاستيراد يذهب إلى المالية، فإذا أخفى حساباته تُهدَر حساباته، ويتكلف بمبالغ طائلة.

 فأنت عندما تعرف إنساناً مثلك مثله، لكن يعلم وسيحاسب، لا تعصيه، فكيف بخالق الأرض والسماوات؟ ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ .

إذاً: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ لأن المؤمن صادق، الآن عندما أنت تكون صادقاً وإنسان يكذّبك تقع بحرَج كبير جداً، أما علاقة المؤمنين فإذا حدث صدق، فالنبي الكريم يؤمن للمؤمنين، أي شيء يقولونه له يصدقه. 


أشقى الناس قاطبة من كان في خندق معادٍ لأهل الحق :


﴿وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ﴾ ما الرحمة؟ كلمة واسعة جداً، فإيمانك رحمة، استقامتك رحمة، أن تعرف أن الله خلقك رحمة، أن تعلم علم اليقين أن بعد الموت حياة أبدية رحمة.

﴿وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ليس من السهل أن الله يرسل إنساناً كاملاً معصوماً لخدمة البشر، لرقي البشر، لسلامة البشر، لسعادة البشر، وأن تكون أنت في خندق مُعادٍ له.

 لذلك أشقى الناس قاطبة من كان في خندق معادٍ لأهل الحق، فإذا كنت مع الحق هذه نعمة كبيرة جداً، والحق واحد لا يتغير.

 أنا أقول دائماً: ما الحق؟ الحق دائرة تتقاطع في هذه الدائرة أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، هناك نقل غير صحيح، هناك حديث موضوع، حديث غير صحيح، تأويل آية غلط، خط النقل الصحيح نصاً وتأويلاً، وخط العقل الصريح، هناك عقل تبريري، فكل إنسان عاقل يرتكب المعاصي الكبيرة يعطيها تبريراً إيديولوجياً معيناً، وخط العقل الصريح، وخط الفطرة السليمة، هناك فطرة منطمسة، وخط الواقع الموضوعي، فإذا اجتمعت في دائرة خط النقل الصحيح، والعقل الصريح، والفطرة السليمة، والواقع الموضوعي، فأنت مع الحق والحق هو الله -عز وجل-.

﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الدنيا والآخرة، عذاب أليم في الدنيا لأنه خالف منهجه، فدفع ثمن المخالفة، بالآخرة كان مع الذين ساق الله لهم عذاباً شديداً.

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور