وضع داكن
23-04-2024
Logo
مختلفة - الجزائر - المحاضرة : 05 - معاني الابتلاء - الدين قوام حياتنا وسبب سلامتنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أُمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

علة وجود الإنسان في الأرض أن يعبد الله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام، ورد في الآثار القدسية هذا النص، يقول الله عز وجل:

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري، أهل مودتي، أهل شكري، أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))

[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

 أيها الأخوة الكرام، علة وجود الإنسان في الأرض أن يعبد الله والدليل:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 الإنسان حينما يعرف سرّ وجوده في الأرض، وغاية وجوده، تصح حركته، لا تصح حركة الإنسان في الأرض إلا إذا عرف سرّ وجوده و غاية وجوده.

 

 

الإنسان كائن متحرك :

 بالمناسبة الإنسان كائن متحرك، ما الذي يحركه؟ حاجته إلى الطعام والشراب، حفاظاً على بقائه كفرد، حاجته إلى الطرف الآخر، إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع، و حاجته إلى تأكيد ذاته حفاظاً على تفوقه.
 هذه الحاجات الثلاثة تحرك الإنسان، إذاً هو كائن متحرك، هذه الحركة إما أن تصح فيسلم ويسعد، وإما ألا تصح فيهلك ويشقى، الأمر خطير، كلام بالتعبير المباشر المعاصر، كلام مصيري يحدد مصير الإنسان، موضوع الحرفة مثلاً ليست مصيرية، أية حرفة تحترفها قدمت لك دخلاً معقولاً عشت بهذا الدخل كأي إنسان، لكن الدين قضية مصيرية إما سلامة وسعادة في الدنيا والآخرة، وإما شقاء وهلاك في الدنيا والآخرة:

 

 

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 18 ]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية: 21 ]

 سواء محياهم مبدئياً دعك من الآخرة في الدنيا في هذه الدنيا:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص: 61]

 أيها الأخوة الكرام، قضية الدين ليست وردة توضع على صدرك، لا، قضية مصيرية إما سلامة وسعادة في الدنيا والآخرة، وإما شقاء وهلاك في الدنيا والآخرة.

 

باب التوبة مفتوح على مصراعيه إلى يوم القيامة :

 أيها الأخوة الكرام،

(( ... إن تابوا فأنا حبيبهم...))

 باب التوبة مفتوح إلى يوم القيامة وأقوى دليل:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر: 35 ]

 أسرفوا أي بالغوا في المعاصي والآثام:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر: 35 ]

 لذلك باب التوبة مفتوح على مصراعيه:

﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾

[سورة البقرة: 222 ]

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ أخرجه ابن ماجه عن ثوبان]

الشدائد من أجل أن نرقى إلى الله عز وجل :

 إذاً أيها الأخوة الكرام، قضية الدين قضية مصيرية، سلامة وسعادة، أو شقاء وهلاك في الدنيا والآخرة، والإنسان حينما يصطلح مع الله، دققوا في هذا النص: "إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله"، ما خصائص هذا الذي اصطلح مع الله، ورد في بعض الأحاديث:

(( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ))

[ الترمذي عن أنس]

 أيها الأخوة الكرام:

(( ... إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم...))

[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

 كل الشدائد - وأنا أبين بشكل مطلق - كل الشدائد ما صغر منها وما كبر، وما كان حسياً ونفسياً، كل الشدائد من أجل أن نرقى إلى الله، والنص الدقيق في ذلك:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 21]

أنواع المصائب :

 لذلك بعض العلماء صنفوا المصائب تصنيفات عديدة، مصائب تصيب غير المؤمنين، مصائب ردع أو قصم، إذا كان فيه بقية خير ردع، لا يوجد فيه خير قصم، هذه الشدائد تصيب غير المؤمنين، لكن المؤمنين شدائدهم من نوع آخر، فكل شِدة تصيب المؤمن بعدها شَدة إلى الله، وكل محنة تصيب المؤمن بعدها منحة من الله، فالمصائب للمؤمن موظفة للخير المطلق، الدليل:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 155-157 ]

 قال بعض علماء التفسير: إنا إليه راجعون بها، لذلك قيل: ومن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن شكر اقتناه.

 

فهم المصائب جزء أساسي من الدين :

 أيها الأخوة الكرام، بربكم أيهما أفضل: أن يصاب الإنسان بالتهاب معدة حاد ويفرض عليه الطبيب حمية قاسية جداً جداً؟ أم يصاب بمرض خبيث ويسأل الطبيب ماذا آكل؟ يقول له: كُلْ ما شئت، لذلك الطرف الآخر:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

 أما المؤمنون:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 155-157 ]

 لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة، وفهم المصيبة جزء من الدين، جزء من عقيدة المسلم، بين أن ترى المصيبة معالجة إلهية رحيمة حكيمة لطيفة، وبين أن ترى المصيبة غضب إلهي، فرق كبير، لذلك مصائب المؤمن مصائب دفع، سرعة بطيئة تأتي مصيبة تضاعف السرعة إلى الله، تصلي قيام الليل، تتقن الصلوات، تغض البصر، تنفق مالك، دفع، وأحياناً يكون لهذا الإنسان عند الله مكانة علية عمله لا يكفي لبلوغها، تأتيه مصيبة فيصبر عليها، فيرتقي إلى المكان الذي أراده الله له، فلذلك فهم المصائب جزء أساسي من الدين.

 

الله عز وجل يرسل الشدائد رحمة بالعباد :

 مرة ثانية: ومن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، ما من عثرةٍ ولا اختلاج عرقٍ ولا خدش عودٍ إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر، أنت حينما تفهم على الله تكون قد قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله، حينما تفهم على الله لا تكون ساذجاً، هناك كلمات تتناقض مع الدين، يقول لك: يوم لك ويوم عليك، من قال هذا؟ هذه لا يوجد بها لا آية ولا حديث، قلب لي الدهر ظهر المجن، أصابتني الأيام بسهامها، كله كلام ليس له معنى، هناك إله يرسل الشدائد رحمة بالعباد، والآية الكريمة:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 21]

من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة :

 أيها الأخوة الكرام، أنا أخاطب الشباب، من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة، هذا الشاب حينما ينشأ في طاعة الله يفكر في خدمة المسلمين، يفكر في الدعوة إلى الله، يوظف قدراته في خدمة الحق، و ما من شيء أحبّ إلى الله من شاب تائب، إن الله يباهي الملائكة بالشاب التائب يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي.
 أيها الأخوة الكرام، حقيقة أقدمها لأخوتنا الشباب وما أكثرهم في هذا المسجد، وهذه ظاهرة صحية كبيرة جداً، ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، بالدين لا يوجد حرمان هناك تنظيم، اشتهيت المرأة تتزوج، اشتهيت المال تعمل عملاً مشروعاً، ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، فلذلك لا بد من طلب العلم، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل.
 أيها الأخوة الكرام، معظمكم يحمل هاتفاً خلوياً أليس كذلك؟ هذا الهاتف ماذا يحتاج من حين لآخر؟ إلى شحن، إن لم تشحنه لم يعد هاتفاً، انتهى كلياً، وأنت شبه نفسك بهذا الهاتف لا بد من شحن، شحن أسبوعي بخطبة الجمعة، شحن يومي بالصلوات الخمسة، شحن سنوي برمضان، شحن بالعمر مرة الحج، الحج شحنة عالية جداً، ورمضان شحنة مكثفة جداً، والصلوات الخمسة شحنة يومية، وصلاة الجمعة شحنة أسبوعي.

المؤمن مستقيم علامة إيمانه استقامته :

 لذلك يقول أحدهم: الحمد لله أدركت صلاة الجمعة في الركعة الثانية، أين الخطبة؟

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الجمعة: 9 ]

 افتحوا التفاسير ما معنى

﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

 ؟ قال العلماء: ذكر الله سماع خطبة الجمعة، نحن بإسلامنا العظيم عندنا عبادة تعليمية هي خطبة الجمعة، عندنا عبادة تعليمية، هذه الخطبة فيها آية، فيها حديث، فيها قصة، فيها حكم فقهي، أنت كل أسبوع عندك شحنة علمية وروحية، هذه الشحنات المتتابعة تثمر إيماناً، تثمر استقامة، عفواً أنت لا تدري عظمة الإيمان الذي تملكه، الإيمان الذي تملكه يمنعك من مليون عمل خطأ دون أن تشعر، المؤمن مستقيم علامة إيمانه استقامته، لذلك:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾

[ سورة فصلت الآية : 30 ]

 من لوازم الإيمان الاستقامة، للتقريب: أنت راكب سيارة تمشي في الطريق، الإشارة حمراء وهناك شرطي واقف، وضابط واقف، وشرطي على دراجة نارية، وأنت مواطن عادي هل من الممكن أن تخالف؟ لا، لماذا لا تخالف؟ لأن علم وزير الداخلية الذي أصدر قانون السير علمه يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك من خلال حجز المركبة، أنت إذا أيقنت أن إنساناً مثلك لكن علمه يطولك وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه فكيف بخالق السموات والأرض علمه يطولك وقدرته تطولك؟ مثل بسيط جداً مع شرطي على تقاطع طريقين والإشارة حمراء، والشرطي معه صلاحية أن يكتب مخالفة قد تكون برقم كبير جداً، أو يحجز المركبة، لا يمكن أن تعصيه، فكيف بخالق السموات والأرض حياتك بيده، الموت بيده، الرزق بيده، نجاح الزواج بيده، نجاح الأولاد بيده، صحتك بيده، قلبك بيده، الشريان التاجي بيده، الورم الخبيث بيده:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

[ سورة هود : 123 ]

الله عز وجل ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر بيده :

 متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك، قال لك :

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْر كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ﴾

 بعد أن طمأنك، ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك قال:

﴿ فَاعْبُدْهُ﴾

 أنت حينما توقن أن الأمر كله بيد الله عندئذ تتجه إلى الله وحده، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، وما من نقص في الإيمان، ما من مخالفة إلا بسبب ضعف التوحيد، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً.

(( ...وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، ... ))

[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

 لذلك بالمستشفيات غرفة تسمى عندنا في الشام: غرفة العناية المشددة، وأنا أقول لكم: المؤمنون في أي مكان في العالم الإسلامي هم في العناية المركزة، في متابعة من الله، أقسم لكم بالله إذا رأيت أن الله يتابعك ويحاسبك، فاستبشر هناك أمل كبير أن تكون مؤمناً كبيراً، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه، إذا أحبّ الله عبده عجّل له بالعقوبة، متابعة، فالإنسان يجب أن يفرح إذا وجد أن الله يتابعه.
 أيها الأخوة الكرام،

(( إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم- كيف؟- أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب...))

 أريد بهذا اللقاء الطيب أن أضع أيديكم إن شاء الله على حقيقة المصيبة:

(( ... أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، ...))

[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

على الإنسان أن يفهم المصائب فهماً إيمانياً :

 لذلك من أدق معاني قوله تعالى:

﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾

[ سورة لقمان: 20 ]

 النعم الباطنة هي المصائب للمؤمن طبعاً، أنا والله أحياناً أدخل إلى مسجد أجد جمعاً غفيراً، أقول: معظم هؤلاء الأخوة الكرام ساق الله لهم بعض الشدائد بلطف فساقهم إلى بيته الكريم، ساقهم إلى عبادته، الله عز وجل رب رحيم، الأب مثلاً إذا قال له ابنه في الصف الخامس: أريد ألا أدرس، قال له: كما تريد من أول كلمة، هذا نام للظهر، شيء مريح، لا يوجد مدرسة، ولا معلم، ولا وظائف، ولا عقاب، سُرّ كثيراً، لكن عندما كبر لا يملك شهادة، ولا وظيفة، ولا دخلاً، ولا زواجاً، فحقد على أبيه، قال له مرة: يا أبت حينما قلت لك وأنا صغير أحب ألا أدرس لمَ لم تضربني ضرباً مبرحاً؟ اسمعوا الآية:

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا ﴾

[ سورة القصص: 47 ]

 الرسول المصيبة، قال:

﴿ رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة القصص: 47 ]

 هذه المصائب ينبغي أن نفهمها فهماً إيمانياً، ينبغي أن نفهمها فهماً توحيدياً، مصائب غير المؤمنين مصائب ردع وقصم، مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع، مصائب الأنبياء مصائب كشف، ينطوي على كمال مذهل، يمشي النبي عليه الصلاة والسلام على قدميه ثمانين كيلو متراً في صعود لا يحتمل إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإيمان، يغرون صبيانهم أن يضربوه، يأتي ملك الجبال وقال له :

(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))

[ متفق عليه عن عائشة]

 مصائب غير المؤمنين مصائب ردع وقصم، مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع، مصائب الأنبياء مصائب كشف لكمالاتهم.

 

الدين قوام حياتنا وسبب سلامتنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة :

 أيها الأخوة الكرام، لا بد من أن نأخذ هذا الدين بشكل عملي، وشكل علمي، وشكل تطبيقي، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
 يا أيها الأخوة الكرام، الدين قوام حياتنا، سبب سلامتنا، سبب سعادتنا في الدنيا والآخرة، الدين منهج تفصيلي، أنا أتألم أشد الألم ممن يتوهم أن الدين صوم، وصلاة، وحج، وزكاة، والله لا أبالغ الدين منهج تفصيلي قد يصل لمئة ألف بند، يبدأ من فراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية، من أخصّ خصوصيات الإنسان إلى أعظم موضوع في الحياة، من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، فلابدّ من أن ننظر إلى هذا الدين نظرة إكبار وتعظيم، ينبغي أن نقبل على طلب العلم، ينبغي أن ندقق في حياتنا اليومية، ما السبيل إلى أن نكون كما يريد الله عز وجل؟
 أرجو الله سبحانه وتعالى لكم التوفيق والنجاح، وأن يحفظ لكم إيمانكم، وأن يحفظ لكم أهلكم وأولادكم، وأن يحفظ لكم صحتكم وأموالكم.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور