2001-12-03
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحظوظ التي آتانا الله إياها هي شيء موقوف على نوع استخدامه :
أيها الأخوة ؛ في آية :
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾
سبعة رجال أشداء لا يستطيعون حمل مفاتيح كنوز قارون ، ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى لا يحبه ، فالدنيا يؤتيها الله عز وجل للمؤمن والكافر ، لكن الآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل ، إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ، إذاً ليست مقياساً مادامت تعطى لمن تحب ولمن لا تحب ، مادام الله سبحانه وتعالى أعطى فرعون الملك وهو لا يحبه ، وأعطى قارون المال وهو لا يحبه ، وأعطى الملك لسيدنا سليمان وهو يحبه ، وأعطى المال لسيدنا عثمان وهو يحبه ، إذاً يعطي الدنيا والملك لمن يحب ولمن لا يحب هذا يعني أنها ليست مقياساً ، فهذا الذي له في الدنيا حظ كبير إذا توهم أن الله راض عنه لأنه أعطاه هذا الحظ الكبير فهو واهم .﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ﴾
الدنيا مهما عظمت هي متاع قليل :
أنا أقول كلمة : قل لي من يفرحك أقل لك من أنت ، هناك من يفرح بالمال فقط ، هناك من يفرح بامرأة جميلة تزوجها ، هناك من يفرح بمنصب رفيع تسلمه ، وهو لا يعلم أن هذا الفرح قد يكون سبب هلاكه ، الله عز وجل قال :
﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾
افرح لفضل الله ، افرح أن آتاك الله علماً .﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
الدنيا مهما عظمت سماها الله متاعاً قليلاً .﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾
يوجد عندنا بالشام هكذا سمعت من يملك قريب خمسة آلاف مليون ، وهناك بيل غيتس بأمريكا يملك تسعين مليار دولار ، الله ما سمّى المال حظاً عظيماً قال :﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾
فإذا كنت صادقاً تبحث عن الشيء الذي له عند الله شأن كبير لا تفرح بالدنيا ، إنها عرض زائل ، يأكل منه البر والفاجر ، والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل ، ويكفي أن الموت ينهي كل شيء ، ينهي غنى الغني وفقر الفقير ، قوة القوي وضعف الضعيف ، ذكاء الذكي وغباء الغبي ، نسب النسيب وتواضع الذي ليس له نسب ، كله ينتهي بالموت ، لكن ما الذي يبقى ؟ العمل الصالح .مقياس الغنى هو غنى العمل الصالح :
العمل الصالح وحده هو الذي ينفعك ، بل إن مقياس الغنى هو غنى العمل الصالح ، قال :
﴿ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
بالدنيا ، ولكن يحب الفرحين بفضل الله عز وجل ، آتاك الله إيماناً واستقامة وأعمالاً صالحة كبيرة جداً ، آتاك أولاداً أبراراً سعيت في تربيتهم ، آتاك زوجة صالحة ، هذه كلها من جنس الأعمال الصالحة ، أو لأنها تعينك على عمل صالح ، ألم يقل الله عز وجل :﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
لكل إنسان في الدنيا نصيب و نصيبه معرفة الله وطاعته :
أما الآية التي هي مركز هذا اللقاء وهذا الدرس ومن أخطر آيات هذه السورة قال تعالى :
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ﴾
آتاك اختصاصاً في اللغة الإنجليزية مثلاً ، قد تكون مترجماً ناجحاً جداً ، وقد تكون مراسلاً ، وقد تكون . . . . . أما حينما تستخدم هذا الاختصاص لترجمة التراث الإسلامي إلى اللغة الإنجليزية فأنت ابتغيت بهذا الاختصاص الدار الآخرة ، آتاك مالاً ، حينما توظف المال في خدمة المسلمين انقلب إلى نعمة ، هذا أمر بالقرآن ، وكل أمر في القرآن يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك .﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ﴾
لكن سبحان الله ألف الناس في مشارق الأرض ومغاربها أن الإنسان إذا توسع في دنياه ، وغرق في المباحات ، وألِف الطعام الطيب ، والبيت الفخم ، واللباس الرائع ، والمركبة الفارهة ، يقول سبحان الله هكذا قال الله :﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾
لكن سياق الآية لا يعني هذا ، أنت بالدنيا بمهمة ، لك في الدنيا نصيب ، ونصيبك في الدنيا أن تعرف الله ، ونصيبك من الدنيا أن تطيعه ، ونصيبك من الدنيا أن تسخر كل ما تملك في خدمة الخلق ، هذا نصيبك ، فإياك أن تدخل إلى الدنيا وأن تخرج منها ونسيت نصيبك من الدنيا .﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾
توجد عملية احتقار للآخرين ، غارق بالعمل لقمة رأسه لا صلاة ، ولا صيام ، يقنع نفسه بأن هذا العمل أليس عبادة ؟ إذا تركت الصلاة من أجل العمل لا ليس عبادة .﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾
الذي هو أن تعمل صالحاً .الإنسان بنيان الله وملعون من هدم بنيان الله :
ثم قال تعالى :
﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾
الله منحك نعمة الوجود ، ومنحك نعمة الإمداد ، ومنحك نعمة الهدى ، أحسن الله إليك أن خلقك ، وأن أمدك ، وأن هداك ، قال :﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾
لا تفسد حياة الناس ، والله هذه الكلمة تتسع لها المجلدات ، لا تفسد إنساناً ، ولا شاباً، ولا فتاة ، ولا موظفاً تدفعه إلى الرشوة ، ضيقت عليه ، ضيقت عليه ، هو فقير وبحاجة فسولت له نفسه أن يأكل مالاً حراماً ، أنت أفسدته ، لو أنك أعطيته حقه لما فسد ، هذا الذي يعمل المنكرات يفسد فتيات ، هي مصممة زوجة مخلصة ، أم رؤوم ، جدة واعية ، فلما دلها على طريق الفساد ، فالإنسان بنيان الله وملعون من هدم بنيان الله .﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾
أكبر ذنب يرتكبه الإنسان معصية الله وعدم معرفته :
مع الأسف الشديد يوجد أعمال كثيرة قائمة على إفساد الناس ، وعلى ترويج الرذيلة ، وعلى انحلال الخلق .
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾
وكلمة عندي هذه كلمة مهلكة .﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾
خطر في بالي إنسان ساقوه إلى الإعدام عليه مخالفة سير يسامحونه بها لا مشكلة ، انتهت حياته ، فأكبر ذنب أنك ما عرفت الله ، وأنك عصيته ، فإذا كان هناك مخالفات كثيرة هذه تطوى لأن الإنسان هلك بدخوله النار ، هو أراد العلو في الأرض .﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾
سابقاً إذا سمح لأحد بأخذ الفيزا نقول : الله يطعمها لكل مشته ، كأنها كعبة أو حج لبيت الله الحرام .﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
فأنت بالتعبير العامي تقول عن شخص : هنأه الله ، على ماذا ؟ على المال ؟ أنت من أهل الدنيا ، على المنصب الرفيع ؟ من أهل الدنيا ، نهنئه على ماذا ؟ إذا قلت بالتعبير العامي : هنأه الله على إيمانه الصحيح ، على أن الله سبحانه وتعالى أجرى على يده الخير فهذا صحيح ، أما لا تقل : هنيئاً لفلان إن لم تعلم أنه مستقيم على أمر الله ، أية هناءة ؟ هذه الدنيا تزول بلحظة ، والشيء الذي يلفت النظر ما تجمعه في عمر مديد تخسره في ثانية واحدة .﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾
الله عز وجل قصمه .﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾
من عبد الله في شبابه متعه الله في شيخوخته :
ختام هذه القصة قال :
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ﴾
لا يوجد كبر ولا مستكبر .﴿ وَلَا فَسَاداً﴾
لا إفساد البيئة ، ولا إفساد الأخلاق ، ولا العقول بنظريات ما أنزل الله بها من سلطان، ولا إفساد الأجسام بغذاء مسرطن ، تجد الغذاء مسرطناً ، والجو ملوثاً ، والإعلام طافحاً بالمنكرات ، يوجد فساد عريض .
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ﴾
الزوجة إذا رأت أن زوجها مضطر أن يتزوج عليها تقول له : ازن ما شئت لك أن تزني ولا تتزوج عليّ ، لا يهمها إلا سمعتها وأنه لم يتزوج عليها ، لا يهمها مصير زوجها وهناك من يقول ذلك .﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
العبرة من يضحك آخراً ، وحينما يأتي ملك الموت فإن كان من أهل الجنة يقول : لم أر شراً قط ، وإن كان من أهل النار ورأى مكانه في النار يصيح صيحة لو سمعها الناس لصعقوا يقول : لم أر خيراً قط ، فالعبرة للآخرة ، ولختام العمل ، ولخريف العمر ، أكثر الناس يتشابهون في الشباب أما في الخريف فيتفاوتون ، طبعاً من عبد الله في شبابه جعل الله له شيخوخة راقية ، عنده وعي ، وإدراك ، وكفاية ، وحوله أولاد أبرار ، فمن عبد الله في شبابه متعه الله في شيخوخته، ومن أسرف على نفسه في شبابه محقه الله في شيخوخته .