وضع داكن
25-04-2024
Logo
موضوعات قرآنية - الدرس : 05 - المال قوام الحياة - الربا.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

ما دمت قبلت حمل الأمانة فأعن نفسك بتزكيتها:

 أيها الأخوة الكرام, لأن الإنسان هو المخلوق الأول إذ قبل حمل الأمانة:

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾

[سورة الأحزاب الآية: 72]

 الأمانة نفسه التي بين جنبيه:

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾

[الآية: 9-10 سورة الشمس ]

 قد أفلح، فاز ونجح من عرفها بربها وحملها على طاعته، وأخفق و خسر خسراناً مبيناً من أبعدها عن الله و حملها على معصيته .
 إذاً الإنسان مكلف أن يزكي نفسه و هذه مهمته الأولى في الحياة، تزكية نفسه ثمن الجنة ، ثمن عطاء لانهائي، الثمن تزكية نفسه:

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾

[الآية: 9-10 سورة الشمس ]

المال والمرأة بهما تصعد وبهما تهوي:

 الإنسان حينما كلف حمل الأمانة أُعطي مقوماتها، مقوماتها كثيرة، أحد هذه المقومات الشهوات التي أودعها الله فينا، الشهوة حيادية ترقى بصاحبها أو تهلك صاحبها، سلم نرقى به أو دركات نهوي بها, حيادية، من هذه الشهوات المرأة:

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ

 -فعلاقة الإنسان بالمرأة هناك علاقة مشروعة وعلاقة محرمة، حب المرأة حيادي يمكن أن يوظف في الحق في الزواج، تنجب أولاداً، تربيهم تربية صالحة، تسعد بهذا الزواج طول حياتك، أو أن تقيم علاقة آثمة محرمة مع امرأة، هذه العلاقة المحرمة-:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ

 -إما أن تأتي بأولاد تعتني بصحتهم و بأناقتهم و لباسهم ولا تعنيك أخلاقهم أبداً، ينبغي أن تفتخر بهم يحملون أعلى الشهادات، وأب مؤمن يعتني بأخلاق أولاده وبإيمانهم وبدينهم-:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 14]

 آيات اليوم حول المال، المال قوام الحياة، المال محبب للإنسان، كيف أن المرأة هناك علاقة مشروعة في الزواج، وعلاقة غير مشروعة في الزنا، كذلك المال هناك علاقة مشروعة مع المال أن تكسبه حلالاً وأن تنفقه في وجوه مشروعة، وهناك علاقة محرمة بالمال أن تكسبه كسباً حراماً وأن تنفقه إنفاقاً حراماً، فالمال قوام الحياة، الله عز وجل حينما صمم المرأة صممها لتكون زوجة فقط، لا يوجد بالإسلام خليلة ولا عشيقة ولا سكرتيرة، يوجد بالإسلام زوجة، أم، ابنة، أخت، خالة، عمة، أي علاقات نسب كلها، علاقات مشروعة أساسها النسب كذلك بالإسلام المال قوام الحياة، علاقتك معهم الكسب أن يكون مشروعاً والإنفاق مشروع، صمم الله المرأة لتكون زوجة، وصمم الله المال ليكون عوناً لك على التقرب إلى الله عز وجل، وعلى كفاية نفسك وأهلك .

المال إن لم يكن متداولاً بين الناس لاختل المجتمع:

 الآن هذا المال كيف أراده الله أن يكون؟ أراده أن يكون موزعاً بين كل الخلق، أي فرضاً يوجد ببلدنا ألف مليار ليرة سوري نسميها الكتلة النقدية، هذه الكتلة النقدية ينبغي أن تكون موزعة بين كل الناس، كل إنسان عنده بيت وعنده حاجاته الأساسية، بيت مدفأ، يوجد طعام، يوجد شراب، يوجد معالجة صحية، فيه لباس، فيه مدرسة، فيه أقساط، فأصل التصميم بألا يكون دولة بين الأغنياء منكم، أصل التصميم أن يكون هذا المال موزعاً بين كل الناس، لا أقول بالتساوي ولكن يوجد حد أدنى ينبغي أن يناله كل إنسان، حد أدنى يجب أن ينال مالاً يليق بكرامته، أي سلوك مع المال يجعله مجمعاً في أيدٍ قليلة يبذخون و يتنعمون و يستكبرون و يحرم منه الكثرة الكثيرة يعمل خللاً اجتماعياً، أي أسلوب يجمع الأموال في أيدٍ قليلة و يحرم منها الكثرة الكثيرة، أحد أكبر أسباب هذا السلوك الخاطئ هو الربا، الربا ككرة السلة أنت مرتاح بلا جهد، بلا مخاطرة، بلا مغامرة، بلا سهر، بلا كد ذهن، أموالك تزيد آلياً، مالك يلد المال فمعناها أغنى إنسان لو معه مال وفير وضعه في البنوك تأتيه عائدات كبيرة منه، كبيرة جداً، لذلك حرم الله الربا لأنه يجمع الأموال في أيدٍ قليلة، و يحرم منها الكثرة الكثيرة، وشرع الله الأعمال، تجارة، صناعة، زراعة، خدمات، أنت طبيب، محام، مدرس، عندك محل تبيع سلعة غذائية، عندك ورشة عمل، نجارة، حدادة .... أنت تقدم شيئاً و تأخذ شيئاً، أي أنت لم تعش على أنقاض الناس، ما كنت عالة عليهم، قدمت وأخذت جهدك.

المال معاوضة والربا يلد المال فتوعد الله مرتكبيه بالحرب:

 بالمناسبة: ماذا تعني خمسمائة ليرة بالضبط؟ تصور سيارة رمل كلفنا فاعلاً أن ينقلها إلى داخل البناء فاشتغل اثنتي عشرة ساعة، عبأ الأكياس وحملها على ظهره ونقلها إلى الداخل أنت أعطيته خمسمائة ليرة، ماذا تعني هذه الخمسمائة؟ تعني جهداً بشرياً، وتعني خدمة، وتعني علماً، الطبيب درس ثلاثة و ثلاثين عاماً أنت عندك إحساس معين غير طبيعي بجسمك فزرته، فحص القلب والرئتين، عمل فحوصاً، شخّص المرض، وأعطى الدواء، فعلم هذا الطبيب ترجم إلى خمسمائة ليرة معك طبعاً، علم المحامي ترجم إلى أتعاب، علم المدرس ترجم إلى درس خاص، هذا سمان ذهب و أحضر من البزورية بضاعة واختار أفضل شيء و جاء و باعك إياها أمام منزلك هذه الخدمة تقابل الربح الذي له، الأمر دقيق جداً، المال قوام الحياة.
 فأنت لو فرضنا وعملت طريقة وكسبت مالاً من دون جهد اليانصيب مثلاً، من دون جهد الربا، من دون جهد الاحتيال، من دون جهد السرقة، من دون جهد الاغتصاب، من دون جهد كل طريق لكسب المال من دون جهد هذا محرم، من دون جهد الأموال تجمعت وتفرقت، هذا على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الشعوب، تجد شعوباً عندها أموال لا تأكلها النيران، أي يمكن بلوحة فنية ستين سنتيمتر بأربعين، بمائة و خمسين مليون دولار سعرها، ماذا بها؟ مهما كان الرسام؟ مهما كان نوع الرسم؟ مائة وخمسون مليوناً. أي يوجد أموال مخيفة، فحينما يختل نظام البشر, حينما تختل مناهج الحياة، تجد أموالاً مجمعة بدول، وفقراء لا يجدون لمدارسهم أبواب ونوافذ، لا يجدون مقعداً في مدرسة بكاملها، تجد أناساً يموتون من الجوع في طرف الأرض، وأناساً يموتون من التخمة في طرفه الآخر، الآن أكبر مشكلة في الدول الغنية موضوع ازدياد الوزن، تجد مائة و خمسون، مائة وستون، مائة وسبعون، مائة وعشرة، غير طبيعي أكل موفر ولذيذ و المال موجود و يوجد شهوات طاغية، فمعناها قضية المال قضية مركزية في الإسلام، أساسية جداً، غير معقول مائة ألف شاب يتمنون غرفة في أقصى مكان يتزوجون بها ولا يجدون، وعرس خمسة وثمانون مليوناً، ليلة واحدة غير معقول، فإذا اختل نظام المجتمع تجد أموالاً كثيرة جداً مجمعة بأيدٍ قليلة، وأيدي كثيرة محرومة من قوام الحياة، سببه الربا، لذلك لن تجد في القرآن كله معصية توعد الله على مرتكبها بالحرب إلا الربا، يقول لك: لم أعمل شيئاً أنا .

 

كل قرض جر نفعاً فهو حرام:

 مرة قال لي أحدهم: كلما جاء عالم إلى الشام من أمريكا، طبيب أعصاب عنده ذكاء لكن مع خبث، فكلما جاء شخص داعية يقول له: أستاذ إذا بنك أقرض للناس قرضاً ربوي ، هذا المقترض ممنون جداً حل مشكلته، وهذا المقرض البنك ممنون جداً نما أمواله، أين الحرام؟ كلما جاء شخص من هذه البلاد عنده هذا السؤال أمام أربعين، خمسين شخصاً، ماذا فعل البنك؟ حلّ مشاكل الناس، البنك ممنون والمقترض ممنون أين المعصية؟.
 فأنا سألني هذا السؤال، قلت له: امرأة فاتها قطار الزواج, وإنسان لا يجد ما يتزوج به, فالتقى مع المرأة, هل حلّ مشكلته وحلت هي مشكلتها؟ أين الحرام؟ فاندهش، على هذا المنطق كل شيء صار حلالاً، يوجد منهج إلهي أنت لا تعلم لكن الله يعلم، تجد إنساناً أولاده يموتون من الجوع أمامه, لأن شخصاً عمل أسلوباً في البيع و الشراء رفع بها الأسعار والدخل ثابت، القوة الشرائية ضعفت لأسباب كثيرة، هذا المال قوام الحياة، و حساس جداً, إذا اختل نظامه اختل كسبه واختل إنفاقه انشق المجتمع فقير حاقد وغني مستكبر .

لن ينهدم مجتمع إلا بسواعد أبنائه:

 أيها الأخوة, لماذا الزكاة تطهر؟ تطهر الغني من الكبر والشح، وتطهر الفقير من الحقد، أدق آية:

﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾

[ سورة الحشر الآية: 7]

 أساس المال أن يكون متداولاً بين جميع الناس، الصحة الاجتماعية أن يكون لكل إنسان بيتاً، مأوى، لا أقول بيتاً فخماً، مأوى فيه ظروف صحية، فيه شمس أقل شيء، تجد بيتاً تحت الأرض أو شمالياً روماتيزم، أمراض، أمراض في العظام، أمراض في الأولاد، الشمس أساسية، بيت صحي و طعام مغذٍ، الشعوب الفقيرة عندها جوع نوعي لا كمي، لا يوجد مواد مغذية أساسية، كلها مواد نشوية مالئة للبطن لكن لا يوجد فيها غذاء، وأحدث بحث في الذكاء هناك علاقة بين الذكاء والغذاء، فأنت يجب أن تهيء لكل إنسان أن يأكل أكلاً جيداً, وبيت صحي, و أولاده في المدارس, ويوجد رعاية اجتماعية, ويوجد ثياب واقية، أنت عملت عملاً كبيراً, وكل إنسان يسلك أساليب ملتوية في التجارة، يعمل احتكارات, ويقلل القيمة الشرائية بأيدي الناس, له الويل من الله يوم القيامة، كم أسرة انهارت من الفقر؟ كم ابن شرد عن والده لأن الأب ليس معه مال ليطعمه؟ لا يوجد معه مال ليعطيه حاجاته، فانصرف الابن عن أبيه، كم مأساة في المجتمع أساسها الفقر؟ وكاد الفقر أن يكون كفراً، فيجب على الإنسان أن يعد للمليار قبل أن يفكر في تخفيض القوة الشرائية في أيدي الناس، المال قوام الحياة يا أخوان .

 

وراء كل مشكلة الفقر وسبب الفقر الربا:

 تجد شاباً في مقتبل حياته, تعين في عمل هذه العشرة آلاف مثلاً؛ دبر أموره بهم, و استأجر بيتاً خارج دمشق, واشترى غرفة نوم بسيطة، وأحضر طعاماً للمنزل، سعد و أسعد، إذا لا يوجد عمل شاب بأول حياته, ولا يوجد إيمان يوجد انحراف، أكاد أجزم أن تسعين بالمائة من مشكلات الناس سببها الفقر، من سوء التربية الفقر، من سوء العلاقات الفقر، من الخصومات الفقر، وراء كل مشكلة الفقر، فلذلك العمل الذي ينمي هذه الأموال نماء طبيعياً, ويجعلها متداولة بين الناس جميعاً هذا عمل عظيم، والعمل الذي يجمع المال في أيدٍ قليلة ويحرم منها الكثرة الكثيرة هو عمل إجرامي في حق المجتمع، لذلك:

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية: 276]

 أي أربعمائة مليار موضوعين ببلاد الكفر، الآن جمدت، هذه يمحق الله الربا، المسلمون في أشد الحاجة إليهم، أثرياء المسلمين وضعوا أموالهم في البلاد البعيدة, فلما حصل ما حصل, جمدت هذه الأموال, كي تؤخذ منها نفقات العدوان, وثمن الأبنية المنهارة، ذهبت الأربعمائة مليار, عندما الله يقول: يمحق الله الربا ويربي الصدقات، لو أن إنساناً عنده إيماناً لنفع المسلمون بهذه الأموال، عمل مشاريعاً في الدول الفقيرة؛ السودان، الصومال، تموت من الجوع هذه الدول، وأربعمائة مليار في بلد بعيد تنمى نماء ربوياً فمحقت .
 وإذا ما لم يقيموا أمر الله عز وجل سلط الله عليهم عدواً يأخذ ما في أيديهم .
 أبداً المال يذهب كتلة واحدة حينما يكون حراماً، فقضية المال خطيرة جداً يا أخوان، قضية متعلقة بسلامة المجتمع، ماذا فعلت أنا؟ أخذت قرضاً ربوياً، أنت عملت كل شيء، أنت دعمت مؤسسة ربوية، دعمت نظام المال يلد المال من دون جهد، دعمت نظاماً أساسه يحطم المجتمع، فكلما ضعفت القوة الشرائية بأيدي الناس تنشأ مشكلات، ينشأ الفقر، ينشأ مع الفقر الحقد، مع الحقد أحياناً اليأس من الحياة، كثيراً يوجد انحراف أخلاقي سببه الضياع، سببه الصراع المزمن لا يوجد أمل يلتفت الشخص لشهواته المحرمة، أما إذا كانت سبل الزواج ميسرة ويوجد مبدأ وقيم وإيمان اختلف الوضع .
 فيا أيها الأخوة, قضية المال الإنسان يوم القيامة يسأل عن أشياء كثيرة، في مقدمتها المال، من أين اكتسبه, وفيمَ أنفقه؟:
 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لا تَزُولُ قَدَمُا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ, وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ, وعن مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟))

[في سننه أخرجه الترمذي ]

 إذاً: آيات الربا مخيفة:

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾

[ سورة البقرة الآية: 276]

 والشواهد كثيرة، تجد ملايين مملينة ذهبت أدراج الرياح بكلمة، بجرة قلم تذهب الملايين لأن الله عز وجل يأخذ المال الحرام مع أهله .

 

تحميل النص

إخفاء الصور