وضع داكن
19-04-2024
Logo
رمضان 1421 - دراسات قرآنية - الدرس : 20 - من سورتي الرعد والحجر - ما هي الثوابت التي يعتقدها المسلمون؟ .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

ثوابت المؤمن :

 أيها الأخوة، في حياة المؤمن بنيان ثابت، لفت نظري أن محاضراً ألقى محاضرة عن أمريكا، قال: ليس فيها شيء ثابت، كل شيء خاضع للبحث والإنكار، هذا نمط من التفكير، لكننا كمسلمين عندنا ثوابت، أول هذه الثوابت هذا الكون، يقر بإعجازه وعظمته، وما فيه من علم، و حكمة، ولطف، و دقة تقدير كلُّ إنسان حتى الملحد، فهذا الكون يدل على الله، يجسد أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، إنك إن أعملت عقلك فيه توصلت باليقين القطعي إلى أن لهذا الكون خالقاً عليماً حكيماً رحيماً، حتى إن أكبر عالم في الفيزياء قال: كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، حكيمة هي أحكم ما تكون، هو إنسان حي و لكنه ميت، أنت من خلال إعمال عقلك من خلال السماوات و الأرض تستنبط أن هناك إلهاً عظيماً، وخالقاً عليماً، ورباً رحيماً، كمال الخلق يدل على كمال التصرف، لا يعقل أن هذا الإله الرحيم الحكيم العليم أن يخلق الخلق سدى بلا هدف؟ أيعقل أن يعبث؟ مستحيل:

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً﴾

[سورة المؤمنون: 115]

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾

[سورة القيامة: 36]

 لا بد من أن يبلغهم، لا بد من أن يلفت نظرهم، لا بد من أن يبين لهم، فكانت الكتب السماوية، إذاً هذا الكتاب ما الذي يؤكد أنه كلام الله؟ إعجازه، أي فيه إعجاز علمي، و بلاغي، و إخباري، ونظمي، لا يمكن لإنسان عاقل أن يشك لحظة أنه من كلام البشر، إذاً هذا الذي جاء بهذا القرآن هو قطعاً رسول الله، انظر إلى التسلسل؛ آمنا بالله من خلال خلقه، وآمنا بالكتاب من خلال إعجازه، و آمنا بالنبي من خلال كتابه:

﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً﴾

[سورة الرعد: 43]

 أنت لست رسولاً:

﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾

[سورة الرعد: 43]

 من جاء بهذا الكتاب؟ ما دام الكتاب معجزاً الذي جاء به رسول الله، كل هذا منوط بالعقل، أن تؤمن أن لهذا الكون خالقاً عليماً حكيماً رحيماً لطيفاً من خلال خلقه، وأن تؤمن أنه لم يدَع خلقه من دون تبليغ، فوصَّل لهم القول، وقد أكد وشهد لهم أن هذا كلامه من خلال إعجازه، ثم إن هذا الذي جاء بهذا الكتاب هو رسوله، انتهى دور العقل، بعد القرآن جاء دور النقل.
 الآن قد يعجز عقلك عن إدراك حقيقة جاء بها القرآن، أخبرك عن الماضي السحيق، والمستقبل البعيد، وعن تاريخ الأمم والشعوب، وعن منهجك التفصيلي، افعل ولا تفعل، هذه المنظومة، الله تؤمن به من خلال خلقه، وكتابه من خلال إعجازه، و رسوله من خلال كتابه، ثم يخبرك الله عز وجل عن كل الحقائق، بل الشيء الذي يعجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، هذه ثوابت المؤمن.

القضايا في القرآن حسية و عقلية و إخبارية :

 الآن إذا قضية إخبارية أخضعها للبحث فهو غير مؤمن، أنت بعد أن آمنت أن الله عز وجل خالق السماوات والأرض، وبعد أن آمنت أن هذا القرآن كلامه، وأن الذي جاء به رسوله، دورك دور التلقي وليس دور أن تتحكم في النقل، أو أن تخضعه لموازين الأرض، أنت الآن تتلقى عن الله، هذا المنهج منهج علمي، وحينما تقسم الموضوعات إلى موضوعات حسية تعرفها بحواسك، وموضوعات عقلية تعرفها بعقلك، وموضوعات كبيرة جداً إخبارية، تعرفها من خلال الخبر الصادق، أي لن تستطيع أن تأتي بجديد أن هناك جنًّا، إلا أن الله أخبرنا بهذا، ليس عندك دليل قطعي على أن هناك حوضاً يوم القيامة يسقى منه المؤمنون، إلا أن الله أخبرنا بذلك، والنبي أخبرنا، شكل منظومة؛ قضايا حسية، وقضايا عقلية، وقضايا إخبارية، هذا من قوله تعالى:

﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾

[سورة الرعد: 43]

أيّام الله :

 هناك آية يقول الله عز وجل:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾

[سورة إبراهيم: 5]

 لا أحد منا إلا وعنده أيام الله، كان في ضائقة دعا الله عز وجل ففرج عليه، كان في كرب فاصطلح مع الله فأزاحه عنه، كان له عدو مخيف يهدده فنصره الله عليه، هذه أيام الله، حبذا لو تسجل، ومن حين لآخر اقرأها، تذكر نعمة الله عليك، كيف هداك إليه، وكل واحد له قصة لبدايته، عن طريق صديق، أو كتاب، أو شريط، أو مرور عابر في مسجد، هذا كله من أيام الله، هذه أيام الله تذكرك بالله، و تملأ قلبك محبة له.

كل إنجاز إن لم يوظف للآخرة سيدمره الله :

 قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾

[سورة إبراهيم: 5]

 يقول لك: إنجاز، هذا الإنجاز مهما كان ضخماً إن لم يُوظَّف للآخرة سوف يدمره الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾

[سورة إبراهيم: 18]

 أي أن تضيِّع حياتك كلها في عمل لا وزن له في الآخرة، أن تضيع حياتك كلها في عمل ليس له وزن في الآخرة، أي إذا الإنسان أتقن الأنغام وملأ حياته نغماً و طرباً، ثم جاءه الموت ماذا يفعل بهذه الأنغام؟ دائما فكِّر هذا العمل له مستقبل في الآخرة؟ له أثر مستقبلي؟ إن لم يكن له أثر مستقبلي ينبغي أن تلتفت عنه إلى غيره.

التأدب مع الله عز وجل :

 ثم إن هناك، أنا أقول لكم دائماً: إن الله من سننه الصارخة أنه يرخي الحبل للإنسان، لدرجة أن الإنسان يتوهم أنه طليق، وأن الشيء لن يكون إلا وفق مزاجه، وأن جهة لن تحاسبه، فجأة يفاجأ أنه صار في مشكلة كبيرة، وقد دمره الله عز وجل، هذا المعنى مستنبط من قوله تعالى:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾

[سورة إبراهيم: 42]

 الظالم يشعر أنه طليق، فيأكل المال الحرام، و يعتدي على الناس، ولا أحد يحاسبه، فيتوهم بسذاجة كسبية أن الله لا علاقة له بسلوكه، فيأتي الرد الإلهي:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

[سورة إبراهيم: 42]

 إذاً نهانا الله أن نظنه غافلاً، فهناك من يظنه غافلاً، وكيف يظنه غافلاً؟ أي الكافر يفعل ما يريد ولا يحاسب؟ إلى أن يقول المؤمن: أين الله؟ إذًا لأن هذا يقع حينما تشتد بالمؤمن بعض الشدائد يقول: أين الله؟ قال لي إنسان: مليون يؤدون الصلوات في الحرم المكي ويدعون، واللهُ ما نصرنا، إذاً أنت عليك أن تتأدب مع الله، هو الحكيم، هو الرحيم، جعل لكل شيء وقتاً مناسباً، لذلك من أدعية النبي:

((اللهم اجعلنى أخشاك حتى كأني أراك، وأسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت، واجعل غناي في نفسي، وأمتعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني، وانصرني على من ظلمني، وأرني فيه ثأري، وأقر بذلك عيني ))

[لسيوطي - الجامع الصغير عن أبي هريرة]

 كل شيء له وقت معلوم، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾

[سورة إبراهيم: 42-43]

بطولة الإنسان أن يرى الحقيقة في وقتها المناسب :

 الآن دقِّق في هذه الكلمات:

﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾

[سورة الحجر: 3]

 يعيشون في أمل:

﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾

[سورة الحجر: 3]

 معنى ذلك كل عقلك ينبغي أنْ يرى الحقيقة في وقتها المناسب، أما حين تراها بعد فوات الأوان فعقلك ما نفعك، هؤلاء قال عنهم الله عز وجل:

﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾

[سورة الحجر: 3]

 إذًا البطولة ألا تندم، و البطولة ألا ترى الحقيقة بعد فوات الأوان، يأكل و يتمتع.
 لماذا قال عليه الصلاة و السلام: " كأني بأهل الجنة، وبأهل النار يعذبون " من قول الله عز وجل:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾

[سورة النحل: 1]

 " أتى " فعل ماض:

﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾

[سورة النحل: 1]

 معنى هذا أنه لم يأت، أتى فلا تستعجلوه، أي حينما يعد الله عباده بيوم الحساب فكأنه وقع، وعد الله ينبغي أن تستقبله وكأنه وقع، لذلك ترى إنساناً ظالماً، أو منحرفاً، أو عاصياً كأنك تراه يعذب في النار، وترى شاباً مؤمناً صالحاً كأنك تراه ينعم في الجنة، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾

[سورة النحل: 1]

الابتعاد عن الغارق في شهواته و خفض الجناح للمؤمنين :

 هناك آية تسبب بعض الإشكال للناس، يقول الله عز وجل:

﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾

[سورة الحجر: 131]

 النبي يمد عينيه إلى زوجة بارعة الجمال، أيعقل هذا؟ النبي يمد عينيه لغير ما أحل الله له؟

﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾

[سورة الحجر: 131]

 من أدق تفسيرات هذه الآية أن الله عز وجل ينهى نبيه من شدة حرصه على هداية الخلق أن يتطلع إلى هداية إنسان غارق في حب الدنيا، حتى إن الدنيا زوجة له، هناك من يحب المرأة، وهناك من يحب المال، وهناك من يحب العلو في الأرض، وهناك من يحب السفر، وهناك من يحب الطعام، وهناك من يحب الجنس، هؤلاء مقبورون في شهواتهم، وكأن شهواتهم أزواج لهم، فهذا المقبور في شهوته الغارق في صبوته، المتفاني في خلته، هذا دعك منه، لا تمدن عينيك إليه:

﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾

[سورة الحجر: 131]

 هم اختاروا هذا لأنفسهم، فاخفض جناحك للمؤمنين، معنى هذا أن النبي عليه الصلاة و السلام منزه عن أن يمد عينيه لامرأة لا تحل له، ولكن معنى الآية أن الإنسان إذا أحب شيئاً كأنه زوجته، أعلى درجة من الالتحام ومن التشابك هو الزواج، فشهوته زوجته، والعوام يستخدمون هذه العبارة، يقولون: متزوج عمله، متزوج كذا، أي من شدة تعلقه بهذا الشيء، إنسان غارق في شهوته، محظور عليه أن يفكر تفكيراً طليقاً، دعك منه:

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾

[سورة الحجر: 131]

 أيها الأخوة ؛ أرجو الله سبحانه و تعالى أن ينفعنا بما علّمنا.

تحميل النص

إخفاء الصور