وضع داكن
29-03-2024
Logo
رمضان 1421 - دراسات قرآنية - الدرس : 15 - من سور الشعراء والجن والأنفال وهود والبقرة - النية .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

الإخلاص لله تعالى هو الدين كله

أيها الأخوة الكرام ؛ تعلمون جميعاً أن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، وأن العمل الصالح يقيم من زاويتين ، من زاوية الإطلاق ومن زاوية مطابقته لسنّة رسول الله ، فمن فعل شيئاً بنية مخلصة ولم يطابق سنّة رسول الله لا يقبل ، ومن فعل ما يطابق سنة رسول الله ولم يكن مخلصاً لا يقبل ، فالنبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الجامع المانع يَقُولُ :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول :

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))

[أخرجه البخاري ومسلم]

ما الذي يكشف لك إخلاصك أو عدمه ؟ الحقيقة الإخلاص أخطر ما في الدين ، قال بعضهم : إنه نصف الدين ، وقال بعضهم الآخر : إنه الدين كله ، لأن الله عز وجل يقول :

﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ﴾

[سورة الزمر الآية:2]

أي أجعل جوارحك وفق منهج الله ، العين تعبده بغض البصر ، واللسان يعبده بضبط الأمور لا غيبة ولا نميمة ولا شيء من ذلك ، واليد تعبده بأن لا تفعل إلا ما يرضيه .

﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً﴾

[سورة الزمر الآية:2]

القلب عبادته الإخلاص ، الجوارح عبادتها الانصياع ، فإذا مبدئياً قلنا الإخلاص نصف الدين ، فإذا لم نكن مخلصين لا قيمة لعبادتنا ، إذاً هو الدين كله ، ما الذي يكشف لك أنك مخلص؟ أن يكون عملك في السر كعملك في العلانية ، أن تصلي وحدك كما تصلي أمام الناس ، أن تغض البصر وحدك كما تغضه أمام الناس ، أن تتقن العبادات وحدك كما تتقنها أمام الناس ، فإن لم يكن هناك فرق إطلاقاً بين خلوتك وجلوتك ، وسرك وعلانيتك ، فهذا مؤشر إيجابي على أنك مخلص ، هذه واحدة ، المؤشر الثاني : أنك إذا فعلت عملاً صالحاً ولم تتلقى لا تكريماً ولا مديحاً لا تتأثّر ، لأنك فعلت هذا من أجل الله ، فردود فعل الخلق ، لا قيمة لها عندك إطلاقاً إن رضيت أو إن سخطت ، إن أقبلت أو إن أدبرت ، إن سمّنت أو لم تسمن ، إنك فعلت هذا ابتغاء وجه الله ، والذي فعلته من أجله عليم بصير يعلم ما تنطوي عليه وما الذي دفعك إليه ، إذاً أنت إذا كنت مخلصاً نجوت من عيب شديد هو استهزاء المديح ، أكثر الناس لا بد من أن يتحركوا ويتكلموا كي يُثيروا الناس حولهم للمديح ، إنك إن أخلصت لله عز وجل لا تبتزّ المديح من أحد ، ولا تعلق أهمية على مديح الناس لك ، ولا على تقديرهم ولا على ثنائهم ، إنك تبتغي بهذا وجه الله .
من مؤشرات الإخلاص لله عز وجل أنه إذا فعلت عملاً طيباً ، هذا العمل رُفع إلى الله ، ما الرد الإلهي على هذا العمل الطيب المخلص ؟ أن الله يملأ قلبك غنى وسعادة ، وهذا في تقديري هو الثواب ، والثواب مِن ثاب أو رجع ، فإذا عملت عملاً صالحاً ، وصعد هذا العمل إلى الله عز وجل ، عاد من الله سكينة تملأ قلبك ، فهنا ثلاث مؤشرات ، المؤشر الرابع : أنك لا تبتغي أجراً من أحد ، مرة ضربت مثل ملك قال لمعلم ، أعطِ ابني دروس وأنا أحاسبك ، هكذا فهم الناس أن الملوك عطاءها كبير ، أقل عطاء بيت ، فهذا المعلم علّم الابن أربعة دروس ، ثم طلب الأجرة ، فسُئل كم هي ؟ قال : خمسمائة ليرة ، فقال الملك : تفضلها ‍! ظن نفسه ذكي أنه طالب بحقه ، لكن فاته الأمر أنه لو ترك للأب لأعطاه بيت وسيارة مثلاً ، فحينما طالب المعلم الابن بأجرة الدروس كان أحمقاً ، أنت حينما تطلب أجراً على عمل صالح يجب أن تعلم أن أي شيء تأخذه لا قيمة له أمام ما وعدك الله به من عطاء ، وكل من عرف الله وعرف ما عنده وعرف جنته وعرف توفيقه في الدنيا لا يمكن أن يطلب على عمله الصالح أجراً ، لاحظ يتفاوت الناس بطلب الأجر بتفاوتهم في معرفة الله ، فالمؤمن لا يريد شيئاً ، ولا مديحاً ولا ثناءاً ، هناك قصص للصحابة التابعين شيء لا يصدق لم يقبل أن يُذكر اسمه إطلاقاً ، وفعل هذا من أجل الله ، وكلما كان إخلاصك أشد كنت الأقرب إلى الله ، وكان عملك مسهلاً ، أحياناً الإنسان ينسى تهمّه سمعته ، رجل صلى وراء الإمام أربعين سنة ما فاتته تكبيرة الإحرام ، ذات مرة غفل قال : ماذا يقول الناس عني ؟ عبادة أربعين عاماً ذهبت أدراج الرياح لأنه ما كان بها مخلصاً لله ، كان يريد تثبيت مكانته عند الناس .
فيا أيها الأخوة ؛ الإخلاص الإخلاص ، والإخلاص من علامة الصادقين .

﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾

[سورة يس الآية:20]

من هم ؟ لهم ألف صفة ، كلها أمثلة ، قال :

﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

(سورة يس)

هذا ذكرته بقوله تعالى :

﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ﴾

[سورة هود الآية:51]

فعلامة إخلاصك أنك لا تطلب من الناس أجراً ، هذه واحدة .

 

مجالات تأديب الله

الشيء الثاني : أن الله كما أقول دائماً ثبّت أشياء كثيرة وحذف أشياء قليلة فالذي ثبّته استقرار النظام وجراحة الأنام ، دورة الأفلاك الثالثة يمكن أن تتنبأ أن الشمس سوف تشرق بعد مائة عام يوم 7-12 2800 فرضاً والساعة 5و3دقائق ! ثبات عجيب ، بل إن أدق ساعة في العالم هي ساعة بيك بن تضبط على حركة النجم ! وقد تختلف ثانية أو جزءاً من الثانية في العام كله ، أيهما أدق الساعة أم حركة النجم ؟ حركة النجم هي الأدق ، إذاً ثبّت أشياء كثيرة خصائص المواد والبلوغ دورة الأفلاك إلى ما لا نهاية له ، لكن حرق الصحة والرزق من أجل أن يؤدبنا ، فمجالات التأديب الرزق والصحة .

﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾

[سورة الجن الآية:16]

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾

[سورة المائدة الآية:66]

﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾

[سورة هود الآية:90]

﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً﴾

[سورة نوح الآية:10]

﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾

[سورة نوح الآية:12]

فقضية الرزق وسيلة للتأديب ، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه :
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلا الْبِرُّ ))

[أخرجه ابن ماجه]

وأدبنا بالصحة ، أحياناً الإنسان يكون شارداً وساهٍ ولاهٍ تأتيه مشكلة صحية فتزيده قرباً من الله عز وجل ، إذاً :

﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾

[سورة هود الآية:52]

آمان المؤمنين وثقتهم بالله

النقطة الثالثة في هذه الآيات : أن حالة الأمن التي يعيشها المؤمن لا يمكن أن تقدر بثمن ، لو كنت وسط غابة من الوحوش وأنت مع الله فلا تخشى شيئاً لأن كل هذه الوحوش بيد الله ، ناصيتها بيد الله ، إن شاء أطلقها وإن شاء منعها ، فعلاقتك مع الله ، المعنى فهمه سهل ، أما أن تعيشه ، القوي أمام القوي وتراه يفعل ما يريد ، وإذا بَطَشَ ، بَطَشَ بطشة جبار ، ومع ذلك إذا كنت مع الله حماك منه ، هناك حالات من أصعب الحالات : أن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كان مع أصحابه باتجاه البحر ، فتبعهم فرعون ، وما أدراكم ما فرعون ، لا أمل من النجاة أبداً !

﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾

[سورة الشعراء الآية:61]

البحر أمامنا ، وفئة قليلة مستضعفة ، وفرعون بكل جبروته وقوته وظلمه من ورائهم

﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾

[سورة الشعراء الآية:61-62]

فأنت حينما تعتصم بالله تشعر أنك أقوى الأقوياء ، إن أردت الأمن فكن مع الله ، في أي مكان في أي زمان في أي ظرف إذا كان الله معك فمن عليك وإذا كان عليك فمن معك لذلك قال تعالى :

﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[سورة هود الآية:55-56]

هناك شيء : كلمة على تفيد الإلزام ، الله عز وجل الزم نفسه بالاستقامة ، معاني يقولها بعض الناس : أنه لعلك تعبده كل حياتك وقبل أن يموت الإنسان تذل قدمه فيستحق النار ، هذا ليس من أفعال الله عز وجل .
ما دمت مطيعاً له فأنت في بحبوحة ، وأنت في عناية .

﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[سورة هود الآية:55-56]

قوم لوط وعقابهم

أما فعل قوم لوط ، العلماء قالوا : هناك فعل يخالف الحكم الشرعي و حرام ، الزنى حرام لأن الزنى مخالف للحكم الشرعي ، لكن هناك عمل يخالف الفطرة ، يخالف أصل التصميم ، الإنسان مُصمم لأنثى ، والأنثى مصممة لرجل ، تقول له : أي بنيتي إنك فارقت العش الذي فيه درجت إلى بعل لا تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، كوني له أمة يكون لك عبداً ، لو أن الوصية تركت بفضل أدب ، تركت لذلك منك ، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل ولو أن المرأة استغنت عن الزوج بغنى أبويها أو لشدة حاجتهما إليها لكنت أغنى الناس عنها ، ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال ، لأصل التصميم ، فالزنى عقابه الجلد ، طبعاً إذا كان غير محصن ، ولأن الشذوذ مخالف لأصل التصميم ، مخالف لأصل الحكم الشرعي وللوضع ولفطرة الإنسان ، لكن ما ظن هذا العصر ؟ وقد أصبح هؤلاء الشاذون يحملون بطاقات ، ولهم ممثلون في المجال ، ورؤساء في بلاد الغرب يسترضونهم لأنهم يسمحون أن يعينوا في الوظائف وفي الجيش وما نجح أحد رؤساء أميركا إلا لأنه وعد هؤلاء بأن يعاملوا كأسوياء ، فقد سارت مسيرات في أوروبا بأعداد لا تصدق مائة ألف يطالبون بحقوقهم .

﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾

[سورة العنكبوت الآية: 28]

وهذا مرض الإيدز سبعين بالمائة من أسبابه السلوك ويبدو أنه قديم .

﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾

[سورة هود الآية:77]

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة العنكبوت الآية:4]

نقطة تثير الجدل : قال يا قوم هؤلاء لنا أيعقل لنبي كريم يرى أناساً منحرفين شاذين أن يعرض عليهم بناته ؟ هذا شيء غير مقبول ، لكن بعض العلماء قال : الأنبياء مكانتهم في المجتمع كمكانة الآباء ، فالنبي الصادق والعالم الصادق يرى كل بنات المؤمنين كأنهن بناته ، أنتم منحرفون البديل أنثى امرأة فأنتم تطلبون الشهوة ، من طريق شاذ منحرف .

﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾

[سورة هود الآية: 78-79]

الشيء الدقيق : الذي يؤكد الولاء والبراء أن امرأته أهلكت مع قومها لا لأنها تحب هذا الفعل ، ولكن لأنها أقرت قومها على أفعالهم وهويتهم ، ومن هوي الكفرة حشر معهم لفت نظري في هذه السفرة الأخيرة أن الإنسان إذا عاش مع قوم منحرفين مع الأيام يألف انحرافهم ! ولا يرى في هذا العمل شيئاً شنيعاً ، والشيء الغريب أن هذا العمل في بلاد أخرى يتمتع به أناس من علية القوم ، مرة وزير بريطاني يحاكي وزير الصحة في مؤتمر صحفي قال : أنا شاذ ! وقد تجد مدير شركة حاكم ولاية قاضي كبير ، شخصيات بِأعلى المناصب شاذون وفي بريطانية كذا زواج من ذكر وذكر! وتعليق الزواج في مؤتمر السكان ليس زواجاً بين ذكر وأنثى بل بين شخصين ! بصرف النظر عن جنسهما ! إذاً نحن وصلنا إلى دركات دنيا في الحياة الاجتماعية .
لكن أيها الأخوة ؛ ما من انحراف أخلاقي إلى وراءه مخالفة لمنهج الله ، وكل تقصير في تربية الأولاد وفي الاهتمام بهم ، وفي عدم الأخذ بقواعد الشرع في العلاقات الاجتماعية قد يفضي هذا إلى ذلك الانحراف ، الإنسان معافى في هذه الانحرفات هو في بحبوحة كبيرة ، لذلك قال الله عز وجل :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:33]

أنت فيهم في حياتك ، فما معنى الآية بعد مماتك ؟

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

[سورة الأنفال الآية:33]

وما كان الله ليعذبهم وسنتك مطبقة فيهم أمرك ماثلاً في الحياة الدنيا ، إذا حياتنا وفق منهج رسول الله نحن في بحبوحة من عذاب الله ، بحبوحة تطبيق السُنّة وبحبوحة الاستغفار ، حتى لو زلّت القدم أنت مع بحبوحة ثانية ، بحبوحة أن يعصمك الله عز وجل مما ابتلي به الآخرون ، وجدت في قضايا الجنس أهم نقطة فيها أنه لا بد من أن تدع هامش أمان بينك وبينها ، فإذا خرقت هذا الهامش زلّت القدم ، هامش أماني ، فالخلوة خرق لهامش الأمان ، وإطلاق البصر خرق لهامش الأمان ، وصحبة الأراذل خرق لهامش الأمان ، وأن تطّلع على أعمال فنية ساقطة خرق لهامش الأمان ، وأن تقرأ قصصاً ماجنة خرق لهامش الأمان ، وأن تصحب المنحرفين خرق لهامش الأمان

﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾

[سورة البقرة الآية:229]

مادام بينك وبين هذه المعصية بالذات هوامش فأنت في مأمن ، أما إذا خرقت هذه الهوامش وأكاد أقول تسع وتسعين بالمائة من الفواحش لم يكن في نية أصحابها أن يفعلوها ! أما لأنهم خرقوا هامش الأمان زلّت أقدامهم ، لأن الله هو الخبير قال :

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾

[سورة الإسراء الآية:32]

ما قال : ولا تزنوا ، قال :

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا ﴾

[سورة الإسراء الآية:32]

لأن هذه المعصية لها قوة جذب ، مادام بينك وبينها هامش أمان فأنت في حصن حصين ، أما إذا خرقت هذا الهامش اختلف الأمر .
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضى عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم

 

تحميل النص

إخفاء الصور