وضع داكن
19-04-2024
Logo
رمضان 1421 - دراسات قرآنية - الدرس : 05 - من سورة الأنفال - الاستجابة إلى الله .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الحياة الحقيقية تكون بالاستجابة لله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ربنا جل جلاله له سنن، ومشكلة المسلمين اليوم أنهم ليسوا مستعدين أن يغيِّروا شيئاً من حياتهم، لكنهم ينتظرون من الله أن يغيِّر سننه، وهذا مستحيل، إن لم نغيِّر لا يغيِّر، نغيِّر نحن حتى يغيِّر الله ما بأحوالنا. الآية الكريمة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

[سورة الأنفال: 24]

 أحد كبار العلماء استنبط من هذه الآية أشياء كثيرة؛ استنبط أن الحياة الحقيقية هذه في الاستجابة إلى الله، الحياة النافعة في الاستجابة إلى الله، الحياة التي تليق بالإنسان في الاستجابة إلى الله، الحياة التي خُلق الإنسان لها في الاستجابة لله، الحياة التي تتصل فيها نِعم الدنيا بنعم الآخرة هي في الاستجابة لله.
من قوانين الله عز وجل أن الله يدعونا دعوة بيانية، قرآن، وسنة، وخطبة، ودرس، وشريط، دعوة بيانية، أنت في راحة، وفي سلامة، و في بحبوحة، صحتك طيبة، أولادك أمامك، زوجتك مطيعة، فإن لم نستجب أنت تختار أن تدخل نفسك في مرحلة ثانية.
 النقطة الدقيقة أيها الأخوة، الحياة الحقيقية في الاستجابة لله عز وجل، ومن فاته جزء من هذه الاستجابة فقد فاته جزءٌ من الحياة الحقيقية، إذًا أكمل حياة الإنسان حياة استجابته الكاملة لله عز وجل،

﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

[سورة الأنفال: 24]

 ماذا فُسرت؟ قال بعضهم: إذا دعاكم إلى الحق، الحق تحيا به القلوب، الحق الشيء الثابت و الهادف، إذا دعاكم إلى القرآن، إذا دعاكم إلى الإسلام، إذا دعاكم إلى الجهاد، هذه كلها تصب في خانة واحدة، إذ أنت حينما تستجيب لله استجابة تامة تكون حياتك كاملة:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

 وصف الله الكفار بأنهم أموات، وقال تعالى:

﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾

[سورة فاطر:22]

 يا بني مات خزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، قال بعض العلماء - كما قلت قبل قليل -: إلى الحق، إلى القرآن، إلى الإسلام، إلى الجهاد، الجهاد يقوِّي الأمة، ويرفع شأنها، ويجعلها عزيزة، و قال بعضهم: إن الجهاد له خير كبير؛ في الدنيا إعزاز، وفي البرزخ قبل الجنة، و قبل اليوم الآخر:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾

[سورة آل عمران:169]

 وفي الآخرة لهم الدرجات العلا، وهذا الإسلام منهج كامل، فأيُّ فقرة حُذفت منه انعكست على حياتنا، منهج كامل، يجب أن يؤخذ كلية، أما أن نستقي منه ما يعجبنا، وما هو مريح لنا، وما يتماشى مع مصالحنا، فهذا هو الإسلام، وليس هو الإيمان.

معرفة الله و طاعته هي حياة القلب :

 أيها الأخوة، لأن الإنسان لم يستجب، دُعي فلم يستجب، ما من خطبة تُلقى، وما من قرآن يتلى، وما من درس علم ينعقد، إلا هو دعوة إلى الله، أو دعوة إلى الحياة، الإنسان إن لم يستجب لله ميت ولو كان حيًّا، بل هو يشترك مع أحقر البهائم، أحقر حيوان له قلب ينبض، وعضلات تتحرك، و يأكل، ويشرب، و يلتقي مع أنثاه، و ينجب، فإذا اقتصرت حياة الإنسان على هذه الأساسيات المادية هو والحيوان سواء، أما المؤمن فيتميز بحياة قلبه، معرفة الله عز وجل هي حياة القلب، وطاعته حياة القلب، وطلب العلم حياة القلب، والعمل الصالح حياة القلب.
 لو أن الإنسان لم يستجب، المشكلة أن هناك طريقين لا ثالث لهما، إما أن تكون مستجيباً، وإما أنك متبع للهوى، وليس هناك حل ثالث، إما أن تكون مستجيباً لله وإلا هذا الدليل:

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾

[ سورة القصص: 50]

 طريقان لا ثالث لهما ؛ الاستجابة أو اتباع الهوى، وهذا التقسيم حقيقي للبشر.

البشر على اختلاف مللهم رجلان لا ثالث لهما :

 البشر على اختلاف مللهم ونحلهم وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وأجناسهم و لغاتهم ومذاهبهم رجلان؛ رجل استجاب لله، ورجل اتبع الهوى، والهوى منوّع، حب المال هوى، وحب النساء هوى، وحب السيطرة هوى:

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾

[ سورة القصص: 50]

 يكاد المؤمن يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب، بمعنى أنه إذا لم يستجب لله تنتظره مصيبة، تنتظره شدّة، هذه لمن؟ لمن آمن، أما غير المؤمن:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾

[ سورة الأنعام: 44 ]

 هؤلاء إلى جهنم و بئس المصير، أما المؤمن الذي آمن إن لم يستجب تنتظره معالجة، تأديب، شدّة، ضائقة، خوف، همّ، حزن، مرض، وهذه حقيقة ثابتة، حينما تؤمن بها قطعاً تستجيب طواعية، فإن لم يستجب، يقول الله عز وجل:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة السجدة:21]

طرق الله عز وجل في تأديب عبده المؤمن :

 في الدعوة البيانية أكمل شيء أن تستجيب، في التأديب التربوي أكمل شيء أن تتوب، جاءت شدة يجب أن نتوب إلى الله، يجب أن تعتقد أنه ما من شدة إلا بذنوبنا، لأن الله غنيٌّ عن تعذيبنا، ما من شدة يسوقها الله عز وجل إلا لخلل في إيماننا، أو في استقامتنا، أو في علاقتنا بالله عز وجل، تأتي الشدة، أكمل شيء في الدعوة البيانية أن تستجيب، وأكمل شيء في التأديب التربوي أن تتوب، فإذا لم يتب هناك طريقة ثالثة لكنها خطرة، مثلاً مئة مؤمن مقصِّر، بالشدة قد يستجيب ثمانون، لكن مئة مؤمن مقصِّر بالمرحلة الثالثة الإكرام الاستدراجي قد لا يستجيب عشرون، امتحان الشدة أقرب للنفس، وأضمن للنتائج، أما امتحان الرخاء ففيه غرور، فيه استمراء للحياة، في الامتحان الثالث:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾

[ سورة الأنعام: 44 ]

 إكرام استدارج، أما الرابع فهو القصم:

﴿ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 44 ]

 كلام ربنا واضح كالشمس، دعوة بيانية أكمل موقف فيها أن تستجيب، تأديب تربوي أكمل موقف فيه أن تتوب، إكرام استدراجي أفضل موقف فيه أن تشكر، فإن لم تؤثر فيك الدعوة البيانية ولا التأديب التربوي ولا الإكرام الاستدراجي لا بد من ساعة يفارق فيها الإنسان الدنيا على غير طاعة الله عز وجل.
يا أيها الأخوة ؛ علامة المؤمن أنه يشعر بشكل واضح جداً أنه حيٌّ، متى يشعر بهذا الشعور؟ إذا التقى بأناس شاردين عن الله عز وجل، إذا التقى بأناس شاردين يشعر بحياة الإيمان، همّهم بطنهم وفرجهم، والمال والنساء، أما المؤمن فله هموم أخرى، هم المؤمن ليس كهم الناس، همه الله ورسوله، همه أن يحقق رسالته، همه أن يؤكد ذاته، همه أن يعرف ربه، همه أن يستقيم على أمر الله عز وجل.

من يعلم أن الله يعلم يستقيم على أمره :

 ثم يقول الله عز وجل :

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾

[سورة الأنفال:24]

 الله عز وجل لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى، وأنت حينما تعلم أن الله يعلم لابد من أن تستقيم على أمره، لأن الله يعلم، وأفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيثما كان، هذا أفضل إيمان، فنحن في رمضان، الاستجابة تامة، أرجو الله سبحانه و تعالى أن تكون هذه الاستجابة مستمرة إلى نهاية العام، لأن الله ما اصطفى هذا الشهر وحده، اصطفاه ليكون منطلقاً إلى صفاء يسري طوال العام، وما اصطفى الكعبة البيت الحرام إلا ليشيع الصفاء في كل مكان، وما اصطفى سيد الأنام إلا ليكون قدوة لكل البشر، أما اصطفى مكاناً هو بيته الحرام، واصطفى زماناً هو رمضان، واصطفى إنساناً هو سيد الأنام، فالإنسان يلاحظ أن معظم المسلمين يسعدون في رمضان، فإذا انتهى رمضان عادوا إلى ما كانوا عليه قبل رمضان، إنهم:

﴿ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً﴾

[سورة النحل:92]

 ما فعلوا شيئاً، صعدوا ونزلوا، أما المؤمن فيصعد ويستمر، وهكذا، فأنا هذه تذكرة، أنت ألِفت أن تصلي الفجر في جماعة في رمضان، حبّذا لو تستمر على هذه الطاعة بعد رمضان، ألِفت غض بصرك الحازم، حبذا لو يستمر هذا الغض بعد رمضان، ألفت ضبط اللسان الكامل، حبذا لو يستقيم هذا بعد رمضان، فالعبرة أن رمضان منطلق، أو إقناع، أو تقوية إرادة، وحمل على الطاعة التامة، فالسعيد من أكرمه الله بهذه الطاعة على الدوام.

تحميل النص

إخفاء الصور