وضع داكن
18-04-2024
Logo
رمضان 1421 - دراسات قرآنية - الدرس : 01 - من سورة البقرة - التقوى.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

شهر رمضان شهر المغفرة .

 أيها الأخوة الكرام ؛ يقول الله جل جلاله :

﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الذاريات الآية:55]

 أذكركم ببضعة أحاديث شريفة متعلقة برمضان :
 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ارتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال :

((آمين ثم ارتقى ثانية فقال: آمين ، ثم ارتقى ثالثة فقال: آمين ، ثم استوى فقال : آمين ، فقال أصحابه على ما أمنت يا رسول الله ؟ قال : أتاني جبريل فقال: يا محمد رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك ، فقلت آمين ، ثم قال : رغم أنف امرئ أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ، قلت آمين ، وقال: رغم أنف امرئ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له ، فقلت آمين ))

[أخرجه ابن أبي شيبة]

 نحن في شهر المغفرة ، بإمكانك أن تطوي صفحات الماضي كلها ، بإمكانك أن تصطلح مع الله ، بإمكانك أن تعود كيوم ولدتك أمُّك ، بإمكانك أن تُلغى جميع الذنوب ما لم تكن متعلقة بالعباد ، فرصة ذهبية لتنجو من كل ذنب سابق .

(( فمن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ))

(( ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه ))

 أحاديث ثلاثة .

(( رغم أنف امرئ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له ، فقلت آمين ))

 مناسبة ذهبية ، وفرصة ذهبية كي تعود إلى الله و تصطلح معه .

 

التقوى .

 أيها الأخوة ؛ أن يُغفَر لك ، أو أن يغفر الله لك هذا إنجاز كبير جدا ، لذلك هناك آية في سورة البقرة تليت في الصلاة ، هي آخر آية نزلت في القرآن الكريم ، وهي قوله تعالى :

﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾

[سورة البقرة الآية:281]

 أي كل حركة تتحركها ، وأي عطاء ، أي منع ، أي صلة ، أيّة قطيعة ، أي غضب ، أي رضى ، أي ابتسامة ، كل عمل تفعله دقِّق أنك سوف تُحاسب عليه :

﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾

[سورة البقرة الآية:281]

 فالمؤمن يعيش المستقبل ، لأن الماضي مضى .
 ما مضى فات والمؤمَّل غيب ولك الساعة التي أنت فيها
 ما مضى فقد ، مضى كلمح البصر ، بخيره وشره ، ولا تملك من المستقبل ولا دقيقة ، من عدّ غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت ، من قال : غدًا سأفعل كذا ، إنه لا يعرف الموت ، لا تملك إلا هذه اللحظة .
 ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها
 في هذه الساعة بإمكانك أن تفعل كل شيء ، بإمكانك أن تتوب ، بإمكانك أن تستغفر ، بإمكانك أن تصطلح مع الله ، بإمكانك أن تقلع عن كل معصية ، بإمكانك أن ترد كل حق ، اكتب ، تعامل مع الله بوضوح ، تعامل معه بإخلاص ، ناجِه وكأنك تراه ، أعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، حالة القرب مع الله حالة مسعِدة ، ولا شيء في الأرض يسعد غير هذه الحالة ، أن تكون مع الله ، أن تكون قريبا منه ، ألاّ تكون محجوبًا عنه ، هذا الشهر شهر الطاعة ، شهر الصلح ، شهر التوبة ، شهر الغفران ، الإنفاق ، القرآن ، فعاهِد نفسك قبل أن تقول كلمة ، قبل أن تنطق ، بمَ أنطق ؟ سئل أحد العارفين : متى أسكت ، ومتى أتكلم ؟ فقال : إذا حدّثتك نفسُن أن تصمت فتكلّم ، وإذا حدّثتك نفسك أن تتكلم فاصمت ، حينما ترغب النفسُ ألاّ تقول ، فقل الحق ولو كان مرًّا ، حينما ترغب النفس أن تتكلم فاسكت ، فالقضية في هذه الآية :

﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾

[سورة البقرة الآية:281]

 لا مانع للإنسان أن يجعل جرداً لعلاقاته ، ولبيته ، ولأهله ، وأولاده ، وبناته ، لدخله ، وإنفاقه ، يدقق في عاداته اليومية ، في كل حركاته اليومية ، هل هناك حركة لا ترضي الله ؟ هل هناك دخل لا يرضي الله ؟ هل هناك إنفاق لا يرضي الله ؟ هل هناك تقصير في العبادت ، قضية مراجعة النفس قضية من صلب عمل رمضان ، لا تنسى أنّ ترك الطعام والشراب وحده صيام لا يرقى بالإنسان ، هذا صيام البهماء والعامة والذين لا يعرفون الله ، لكن صيام المؤمن عن كل مخالفة ومعصية ، إنما صيام الأتقياء عما سوى الله ، فحينما تتعاهد مع نفسك ، يقول الله عز وجل :

﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾

[سورة الأعراف الآية:102]

 كن أنت من النموذج الأول ، قال تعالى :

﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾

[سورة النجم الآية:37]

 وفّى ما عاهد الله عليه ، فهذه الأيام الثلاثون تمضي سريعا كلمح البصر ، لكن إذا فاز أحدنا بالمغفرة في رمضان وبالعتق من النار فقد حصّل خيري الدنيا والآخرة .

 

التجارة الرابحة تكون بالتعامل مع الله

 ويا أيها الأخوة الأكارم ؛ هنا آيات كثيرة قد تليت في البيع والقرض الحسن ، خطر في بالي أن الإنسان لما يوازن موازنة مادية يقع في خطأ كبير ، أيُّهما أربح لي أن أقرض قرضًا حسنًا أم أقرض قرضاً ربويا ؟ بالحسابات القرض الربوي أربح ، الموازنة يجب أن تكون بين الدنيا و الآخرة ، بين حياة قصيرة محدودة ، وبين الأبد في جنة عند الله عز وجل ، فإياك أن توازن بين عمل وعمل ، وبين تجارة و تجارة ، وبين بلد وبلد ، و بين حالة وحالة ، اجعل موازنة بين الدنيا والآخرة ، وخذ موقفاً من مواقف أهل الإيمان ، لذلك في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة و السلام :

((اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك ))

[أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما]

 الشباب نشاط وحيوية ، النبي عليه الصلاة و السلام عيّن أسامة بن زيد قائدا للجيش ، وفي هذا الجيش أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، شاب ، يا تُرى شبابنا من هذا المستوى ، شاب في الثامنة عشرة من عمره من جنوده أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، فيا أيها الشباب ريح الجنة في الشباب ، أنا كنت في موضوع كله حول الشباب في هذه السفرة ، حول طاقات الشباب ، وحول توجيه الشباب ، وحول عمل الشباب ، وحول إقبال الشباب ، الشباب أمل الأمة ورمز حيويتها وتجدُّدها ، إن النبي عليه الصلاة والسلام اعتنى بالشباب ، قال الله عز وجل :

﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾

[سورة الكهف الآية:13]

 فيا أيها الشباب اغتنموا شبابكم ، اغتنم خمسا قبل خمس ، شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، الصحيح خالي البال ، أما المريض فقد شُغل بمرضه ، فالإنسان إذا كان صحيحا كان خالي البال ، يمكنه أن يفكر و أن يعمل ، وأن يقدّم ، وأن يفعل كل شيء ، فإذا مرض دخل في عالم آخر ؛ دخل في همِّ المرض ، شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، قد تقبل الدنيا على أحد المؤمنين ، يمكن أن يستغلها و يوظفها في العمل الصالح ، لأنها سريعا ما تذهب عنه ، وغناك قبل فقرك ، حياتك قبل موتك .
 أيها الأخوة ؛ أرجو الله سبحانه وتعالى أن يفوقنا في هذا الشهر الفضيل إلى متابعة الترقي ، لا مدافعة التدني ، هذا رمضان يمكن أن تكون فيه في أعلى عليِّين ، ويمكن أن يأتي يوم العيد و أنت أسعد الناس .
 عَنْ أًبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ :

(( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ))

[أخرجه البخاري ومسلم]

 يوم يفطر حقَّق نجاحا كبيراً ، لذلك تأتي أعيادُ المسلمين عقب عبادات كبرى ، فالعيد الأول ؛ عيد الفطر يأتي عقب عبادة الصيام ، والعيد الثاني ؛ عيد الأضحى يأتي عقب عبادة الحج ، فنحن أعيادنا أعياد فرح بعباداتنا ، وهذا من نعم الله الكبرى ، والدنيا جيفة طلابها كلاب ، والدنيا دار مَن لا دار له ، ولها يسعى مَن لا عقل له ، ويقول عليه الصلاة و السلام ، واللهِ هذا الحديث يقصم الظهر .
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))

[أخرجه الترمذي والنسائي]

 يعني الإنسان لو أعرض عن الدين ، وأقبل على الدنيا لا بد أنْ يُصعق في أحد الأيام بإحدى هذه الثلاث ، " فقرا منسيا ، غنى مطغيا ، مرضا مفسدا ، هرما مفندا ، موتا مجهزا ، أو الدجال ، فشر غائب ينتظر ، والساعة أدهى وأمر .
 يا أيها الأخوة ؛ هناك تعليق حول هذا الشهر الكريم ؛ معظم الناس يجعلونه شهر المناسبات الاجتماعية ، الولائم ، والاحتفالات ، واللقاءات ، والسهر الطويل ، واللهِ المؤمن الصادق يجعله موسم عبادة ، ممكن أن يجمد نشاطاته إلى ما بعد العيد ، هذه اللقاءات الحارة التي تنتهي إلى وقت متأخر من الليل ، والتي قد يقال فيها ما لا يجوز ، هذه اللقاءات ينبغي أنْ نخفِّفها في رمضان أو نلغيها ، وأن نكتفي في هذا الشهر كعبادة خالصة لله عز وجل ، لو أنك أحكمت العبادة لجاءك من الله سمِّه التجلي ، أو سمه سكينة ، أو سمه رحمة ، هذه الرحمة تـأتيك فتراها أعظم شيء في الوجود ، أن يرحمك الله ، لعلكم ترحمون ، إذا رحم الله العبد ، يقول الله عز وجل :
 " إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني ، وحق على المزور أن يكرم الزائر "
 أنت حينما تصلي الفجر في جماعة ، والعشاء وقيام الليل في جماعة ، لعلى الله عز وجل يفتح عليك بأنواره وتجلياته ، ولعلى الله عز وجل يكرمك بسكينة خير من الدنيا وما فيها ، يكرمك بحكمة لا تقدَّر بثمن .

 

تحميل النص

إخفاء الصور