وضع داكن
28-03-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 35 - من سورة النمل - الإيمان والفطرة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الإيمان هو الفطرة كلها :

 أيها الأخوة؛ الإيمان جزءٌ من الفطرة، بل هو الفطرة، أي أنت جُبلت على أن تؤمن، جبلت على أن تؤمن، إن لم تؤمن اختل توازنك، والإنسان قد تكون مصالحه مع الكفر أو مع الفسق، فيستخدم عقله، وهو أداة الهدى الوحيدة، يستخدمه لتغطية انحرافه، ولكن في أعماق أعماقه يشعر أنه مخطئ، هذا المعنى أشير إليه في هذه الآية الكريمة:

﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ﴾

[ سورة النمل: 14 ]

 أحياناً الإنسان يظلم، ليجر الخير إلى نفسه، أو من باب الكبر، فالجحود سببه الانتفاع بالمادة، أو الاستعلاء، أما النفس فتوقن بالحقيقة، لأن جبلتها تنطبق على الإيمان تماماً، قال تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم: 30 ]

 والإنسان حينما يسلك طريق الإيمان يرتاح، لأنه كالسيارة تماماً، صممت لطريقٍ معبد، فإذا سرت بها في طريقٍ وعر تكسرت، وأتعبتك، وأتعبتها، أما إذا سرت بها في طريقٍ معبد فتريحك وترتاح، فالنفس البشرية مفطورةٌ على أن تعرف الله، وعلى أن تلجأ إليه، وعلى أن تقبل عليه، وعلى أن تطيعه، هذه جبلتها:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾

 أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هو ما ينطبق على الفطرة:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الروم: 30 ]

 هذه حقيقة، وكل إنسان تاب من المعاصي، انتقل من جاهليةٍ إلى إسلام يؤكد هذا المعنى، يقول: أنا ارتحت، شعرت براحة كبيرة، سببها أن ضغط الفطرة كان يقلقه، وما الشعور بالكآبة في العالم، وهو المرض الأول، إلا بسبب أن الفطرة الإنسانية سليمة، فإذا انحرف الإنسان:

﴿ ظُلْماً وَعُلُوّاً ﴾

 فتعذبه فطرته، فتكون الكآبة، الآية الكريمة:

﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾

[ سورة النمل:14]

العمل الصالح مهمة الإنسان في الحياة الدنيا :

 النقطة الثانية في هذا الدرس قال:

﴿ وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾

[ سورة النمل: 19 ]

 كأن مهمتك في الحياة الدنيا أن تعمل عملاً صالحاً يرضي الله:

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾

  والكلمة دقيقة، ما كل عملٍ صالحٍ يرضي الله، وما كل ما تتوهم أنه يرضي الله هو عملٌ صالح، فلابد من أن يكون العمل وفق السنة تماماً، ولابد من أن يكون خالصاً لله عز وجل، فالعمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً، صواباً.
 وقد ترون أن هناك أعمالاً تبدو صالحة، لكنها ليست وفق منهج الله عز وجل، فقد تقام حفلةٌ غنائيةٌ ساهرة، لرصد ريعها للأيتام، مثلاً هذا عمل صالح فيما يبدو، معاونة الأيتام، ولكن لا عن طريق الغناء والرقص، فالعمل الصالح يجب أن يكون مطابقاً السنة، ويجب أن يكون خالصاً لوجه الله عز وجل، دائماً هذان شرطان، كل منهما شرطٌ لازمٌ غير كافٍ، لا يكفي أن يكون العمل في ظاهره وفق السنة، لابد من إخلاص العبد له، ولا يكفي أن تكون مخلصاً، وأن تفعل شيئاً خلاف السنة، لابد من أن تجمع بين الإخلاص، وبين منهج الله عز وجل، عندئذٍ يقبل العمل، والإخلاص عبادة القلب، والانصياع عبادة الجوارح، فالجوارح يجب أن تنصاع لله عز وجل، والقلب ينبغي أن يكون مخلصاً لله:

﴿ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾

[سورة الزمر : 2]

﴿ أَعْبُدَ اللَّهَ ﴾

 هذه السلوك الظاهري، من الداخل إخلاص لله عز وجل.

 

حاجة القيادة إلى قوة و شدة :

 أما قول سيدنا سليمان:

﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ* لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾

[ سورة النمل:20-21]

 فيبدو أن القيادة تحتاج إلى قوة، وإلى شدة، أذكر أن سيدنا عمر هاب الناس شدته، فشكا إليه أحد أصحاب رسول الله، قال: والله يا أبا ذر لو يعلم الناس ما في قلبي من الرحمة لأخذوا عباءتي هذه، ولكن هذا الأمر لا يناسبه إلا كما ترى، أي إنسان يكون بموقع الإدارة، موقع القيادة، لو كان سهلاً، ليناً، متساهلاً، متسامحاً، الأمور تتفلت، الإنجازات تنعدم، فلابد من الشدة.

 

من أراد أن يتخذ قراراً صحيحاً فعليه أن يحقق مع طرفي النزاع :

 ثم قال تعالى :

﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ* لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ* فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ* إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ* وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ* أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ* اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة النمل:20-26]

 أجمل ما في هذا المقطع التحقيق، أنت كأب، عم، جاءتك ابنتك تشكو زوجها، معظم الآباء يأخذ موقفاً، سمع من ابنته، وأخذ موقفاً، هذا الطرف الآخر لا يُسأل؟ هذا الطرف الآخر، هذا الزوج المسكين لا يُسأل؟ ماذا فعلت معك ابنتي؟ لم سمعت من طرفٍ واحد؟ سيدنا سليمان، طبعاً هذا سلوك قويم، لكن هذا منهج حكيم، قال:

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾

[ سورة النمل:27]

 الملاحظ بالمناسبة لو إنسان شكا لك عن إنسان، سوف يتكلم بكلام مثلاً قدره نصف ساعة، لو جمعت الاثنين معاً، يتكلم فقط ثلاث دقائق، الإنسان حينما يتكلم وحده يأخذ حريته، يجر الأمور كلها لصالحه، الأشياء التي أخطأ بها يعتم عليها، لا يذكرها، والأشياء التي لصالحه يضخمها، فأنت تسمع من شخص لا تملك إلا أن تقول له: والله معك حق، وتحس أن الإنسان الآخر إنسان حقير، صغير، ظالم، معتد، أما إذا سمعت من الطرف الآخر فتنعكس الآية.
 فأنا أرى أن الإنسان إذا أراد أن يصلح بين اثنين، لا تستمع من طرفٍ واحد، استمع منهما معاً، لو جمعتهما في مجلسٍ واحد، أي قلّ ما يقال إلا الصواب، لأن الطرف الثاني جاهز يكذب، إذاً قال:

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾

[ سورة النمل:27]

 نحن نتوهم أن القاضي هو القاضي فقط، كل واحد منكم قاض وهو لا يشعر، قاض بين أولاده، قاضٍ بين بناته، قاضٍ بين أصهاره وبناته، قاضٍ بين إخوته، قاضٍ بين عماله، قاضٍ مع موظفيه، فأنت أي إنسان له موقع قيادي، مدير شركة، مدير مدرسة، هو قاض، فالقضاء يمارسه كل مسلم كل يوم، وهناك إنسان اختصاصي بالقضاء، هؤلاء القضاة التقليديون، أما الأب فهو قاض، فلو أنه استمع من طرفٍ واحد وأغفل الطرف الثاني فقد ظلم:

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾

[ سورة النمل:27]

 عود نفسك دائماً تحقق، عود دائماً نفسك تتخذ قراراً وفق معلومات صحيحة، أما أن العصر عصر المعلوماتية، أي قرار من دون معلومات صحيحة قرار أخرق، والإنسان قد يندم كثيراً، لو أخذ موقفاً بتوجيه من جهة واحدة، أو بإعلام جهة واحدة، قد يقع في ظلمٍ شديد:

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾

[ سورة النمل:27]

صاحب المبدأ لا تحل قضيته بالمال :

 في القصة نقطة دقيقة، أن الإنسان إذا انتفع من دعوة، فالدعوة ساقطة، أما إذا لم ينتفع منها إطلاقاً فهو صادق، الملكة بلقيس قالت:

﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل: 34 ]

 أي من شأن الملوك أنهم يفعلون هكذا:

﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾

[ سورة النمل: 35]

 هذا الإنسان أرسل لها رسالة، قال:

﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل: 30-31]

 جاءتها دعوةٌ من سليمان الحكيم، عليه أتمّ الصلاة والتسليم، فهي أحبت أن تتأكد ما إذا كان نبياً حقاً أم يدعي النبوة، ما هو الضابط في هذا الأمر؟ أرسلت له هديةً ثمينة، فإن فرح بها فليس بنبي، رجل مصلحة، والآن أي إنسان يتكلم بكلام أكبر منه، يأخذ قرشين ويسكت، انتهت العملية كلها، فإذا شخص صاحب مصلحة، تنتهي مشكلته بالمال، أما صاحب المبدأ: لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي، فأنت تكشف صاحب المبدأ الصادق من صاحب المصلحة الكاذب بقضية الإغراء المادي، فالمادة تنهي صاحب المصلحة، يكون قد كبر الأمر لدرجة غير معقولة، لم يعد يتكلم بكلمة واحدة، وأحياناً الإنسان يكون متحمساً لمادة بالقانون، بعد ذلك يسكت رأساً، كيف مررتها بعد ذلك؟ معنى هذا أن القضية مصلحة فقط، أما إذا الإنسان يكون صاحب مبدأ، لو تعطيه وزنه ذهباً لا يغير، فهذه نقطة دقيقة.

﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ* فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ ﴾

[ سورة النمل: 35-36 ]

 الرسول:

﴿ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ* قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل: 36-38 ]

 الآن يوجد نقطة ثانية، أول نقطة: أن الإنسان إذا كان صاحب مبدأ، لا تحل قضيته بالمال، أما إذا كان صاحب مصلحة فتحل بالمال، فأنت تعمل فاصلاً، أو مؤشراً، أو ضابطاً لكشف الإنسان صاحب مبدأ أم صاحب مصلحة.

الخضوع و العقل سبب هداية الإنسان :

 يوجد قصة عمرها حوالي ثمانين سنة، قديمة جداً، جيء بأجهزة تلغراف- عندما كان هناك اتصال عن طريق التلغراف- في بلد إسلامي، العلماء اعتبروا هذا بدعة، ولا يجوز، ووقفوا موقفاً قاسياً جداً، هناك رجل ذكي جداً سافر الملك ولم يترك أعطيات لهؤلاء الذين اعترضوا على التلغراف، فلما راجعوه، قال لهم: والله ما ترك شيئاً، انزعجوا انزعاجاً شديداً، قال لهم: يوجد جهاز أحضرناه حديثاً، أنا سأتصل فيه بأوروبا، إذا أعطاني أمراً أعطيكم، فاستخدم الجهاز أمامهم، وجاء الكلام بالإيجاب، أعطاهم أعطياتهم، فرضوا عن هذا الجهاز، ولم يعد بدعة بالنسبة لهم، كان الجهاز بالنسبة لهم بدعة، و عندما كان هناك مقابل أصبح هذا الجهاز مهماً.
 الإنسان عندما يأخذ وينتهي انتهى من سلم القيم، انتهى من سلم المبادئ، فهذه نقطة، والثانية: هذا الذي يهتدي، يحتاج إلى عقل:

(( قوام المرء عقله ))

[الحارث عن جابر بن عبد الله ]

 ويحتاج إلى خضوع، فلو أن الإنسان على شيء من الدنيا، وتفكيره ضعيف، مستحيل أن يهتدي، أي إذا شخص أوتي الدنيا فجأةً، يختل توازنه، لا يعود يسمع كلمة لأحد، فسيدنا سليمان أدرك هذه النقطة، أول شيء أراد أن يمتحن عقلها، وذكاءها، بأن جاء بعرشها وعمل فيه تغييراً بسيطاً ليرى ماذا تجيب:

﴿ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ﴾

[ سورة النمل: 42]

 هي يبدو أنها أجابت أول جواب دبلوماسي في القرآن الكريم:

﴿ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾

[ سورة النمل: 42]

 فإن كان هو:

﴿ قَالَتْ كَأَنَّهُ ﴾

 وإن لم يكن هو

﴿ قَالَتْ كَأَنَّهُ ﴾

﴿ كَأَنَّهُ ﴾

 غطت هو أو ليس هو، إذاً عقلها راجح، هي ملكة، هي ندةٌ له، كيف تخضع له؟ أدخلها إلى قصرٍ، أرض القصر من بلور صاف جداً، وتحت البلور ماء، فتوهمت أنه ماء:

﴿ وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ﴾

[ سورة النمل: 44]

 بدت ساذجة:

﴿ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ﴾

[ سورة النمل: 44]

 صغرت، فهذا الذي يجب أن يشعر أنه أقل من الذي يوجهه، صغرت، وامتحن عقلها، فكان امتحان عقلها من جانب، وخضوعها له من جانب آخر سبب هدايتها.
 إنسان فرضاً يتصدى للدعوة، وعنده شخص مثقف، يتكلم كلاماً خاطئاً، مستحيل يخضع له، لماذا غلط الشيخ مثلاً؟ هذا إنسان مثقف، وجلس بدرس علم، والشيخ بدأ يخطئ مثلاً، هذا المثقف مستحيل أن يمشي مع هذا الشيخ، مستحيل، كل شيء تكلمه غلط، إذا تكلم بأمور علمية.
 واحد من أحد الذين يعملون بالدعوة، كل الدعاة تكلموا بالعلم، قال لنفسه: أنت كذلك تكلم مثلهم، قال لهم: يا بني صعدوا إلى الشمس، فقال له أحدهم: سيدي لسان لهب الشمس طوله مليون كيلو متر، شرد، ثم قال: والله صحيح، و لكنهم صعدوا بالليل.
 هذه نقطة مهمة، لا تقدر أن تستوعب إنساناً مثقفاً إذا كنت تقوم بالغلط في الأمور العلمية، لا تقدر أن تشد إنساناً لغوياً إذا أنت لغتك ضعيفة، لا تقدر أن تشد إنساناً متفقهاً إذا كان فقهك ضعيفاً، إذا أراد الإنسان أن يكون داعية يجب أن يكون مستوعباً لثقافة العصر، حتى يشد الناس له، هذه نقطة مهمة جداً، بعهد سيدنا سليمان ملك، ملك عظيم، رب:

﴿ وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾

[ سورة ص: 35 ]

 فلما جاءت ملكة تبين أنها لا تعرف، غلطت، طبعاً كشفت عن ساقها، يوجد تفسير آخر مضحك جداً، أنه بلغه أن رجليها رجلي حمار، هذا التفسير جاء بالإسرائيليات، أما هذه القصة فأراد أن يحجمها، فأدخلها إلى

﴿ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ﴾

  فلما رأت الماء في هذا الصرح نسيت، أو لم تنتبه إلى أن هذا الماء يجري تحت بلور صاف

﴿ وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ﴾

  فالخضوع زائد العقل سبب الهداية، أما إنسان أقوى منك فمن الصعب أن يستمع لك، أو أعلى منك من الصعب أن يستفيد منك، فمن أراد أن يدعو إلى الله فيجب أن يكون عالماً، وأن يستوعب ثقافة العصر، الآن مهما الإنسان أتى بعلم، إذا قال لك: الأرض مسطحة، انتهى، قد يكون على علم بأعلى درجة، وهذا شيء قد يقع، أما حينما يقول في قضية دنيوية: الأرض مسطحة، ويصر عليها، فهو بهذا الكلام أهدر علمه، فالإنسان لا يستطيع أن يتصدر الدعوة إلى الله إلا إذا استوعب ثقافة العصر، وكان دقيقاً جداً فيما يقول، حتى تشد المثقفين، فهذه القصة أساسها أن:

(( قوام المرء عقله، ومن لا عقل له لا دين له ))

[الحارث عن جابر بن عبد الله ]

 والشيء الثاني: الخضوع، التحجيم، فسيدنا سليمان حجمها، وامتحن عقلها، حينما امتحن عقلها نجحت، أعطت جواباً ذكياً جداً، فلما حجمها خضعت ثم قالت:

﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

[ سورة النمل: 44]

 أي سلمت بهذه الطريقة.

 

تحميل النص

إخفاء الصور