وضع داكن
20-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 18 - من سورة التوبة - رضا الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

على الإنسان أن يكون في طاعة الله و أن يرضى الله عنه :

 أيها الأخوة الكرام؛ من سورة التوبة قوله تعالى:

﴿ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾

[سورة التوبة:96]

 الآن بالأرض يوجد ستة آلاف مليون إنسان، لو أن ستة آلاف مليون إنسان رضوا عنك، ومجدوك، ومدحوك، ورفعوك، وأثنوا عليك، وقدسوك، ولم يكن الله راضياً عنك، أنت أشد الخاسرين، ولو أن إنساناً ذمه أهل الأرض، ورضي الله عنه، فهو أول الرابحين، فالعبرة أن يرضى عنك، من إليه المصير، من ستكون في جنته إلى أبد الآبدين، العبرة أن يرضى الله عنك.
 بالمناسبة أيها الأخوة أولاً لا تفرح بمديح الناس لك، الناس لهم الظاهر، وقد تكون ذكياً اجتماعياً، فيبدو منك كل كلام طيب، وكل عمل طيب، وأنت لست كذلك:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾

[سورة البقرة :204-205]

 فالإنسان آتاه الله قدرات عالية جداً، فبإمكانه أن يمثل، وبإمكانه أن ينتزع إعجاب الناس، وبإمكانه أن يستحوذ عليهم، وبإمكانه أن يظهر بأعلى مرتبة، فلو أن الناس جميعاً مدحوك، وأثنوا عليك، ومجّدوك، وقدسوك، ولم يكن الله راضياً عنك، لم تستفد شيئاً، وأنت أول الخاسرين، وإذا أهملك الناس، وعتموا عليك، ولم يأبهوا لك، وكنت راضياً لله عز وجل فأنت أول الرابحين.
 دخل على النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من فقراء الصحابة، فهش له وبش وقال النبي الكريم:

(( أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه، قال: أومثلي؟ قال: نعم يا أخي، أنت خاملٌ في الأرض، علمٌ في السماء ))

[ورد في الأثر]

 ابتغوا العزة عند الله، ابتغوا الرفعة عند الله، الله عز وجل الطريق إليه سالك، بمعنى العلاقة معه واضحة، لمجرد أن تستقيم على أمره، وأن تخلص له، قربك.

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

[سورة الحجرات:13 ]

 ليس في الإسلام طبقية، ولا كهنوت، ولا طبقة رجال دين:

﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾

[ سورة يونس :62-63]

 فحينما تخلص لله عز وجل، وتستقيم على أمره، وتنفع عباده، قربك الله، فإذا كنت مع الله من يستطيع أن يكون عليك؟ إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ وماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟

الإخلاص لله و مطابقة العمل لشرع الله :

 أنا أريد من هذه الكلمة، الإنسان بذكاءٍ شديد قد ينتزع إعجاب الناس، وقد يثنون عليه، العبرة أن يرضى الله عنه، العبرة أن يكون على منهج الله مطبقاً، وعلى صراط الله المستقيم سالكاً، هذه العبرة، العبرة أن تكون في طاعة الله، وأن تكون هذه الطاعة خالصةً له، فإن حصّلت هاتين الطاعة والإخلاص ما فاتك من الدنيا شيء أمدحك الناس أم ذموك، أرفعك الناس أو وضعوك، هذا شيءٌ ليس من شأنك من شأن الله، لكن الله عز وجل قال:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح :1-4]

 مستحيل أن تخطب وده وألا يرفع ذكرك، يرفع ذكرك بين الناس، ويجعلك من المقربين.

﴿ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾

[سورة التوبة:96]

 المعول عليه أن يرضى الله عنك، المعول عليه أن تكون مطيعاً لله، أما الناس فماذا يفعل الناس لو استحق الإنسان عقاباً من الله مؤلماً؟ ماذا يفعل الناس لو أذهب الله للإنسان عقله؟ أقرب الناس إليه يسعى لوضعه في مستشفى المجانين، أقرب الناس إليه، ماذا يفعل الناس لو أن الإنسان انقلب إلى حسابٍ عسيرٍ مع الله عز وجل؟
 إذاً من هذه الآية نستنبط لا تعبأ بنظرة الناس إليك، اعبأ بأن يكون عملك مطابقاً لشرع الله عز وجل، وأن تكون مخلصاً لله عز وجل، هذه واحدة.

الأخذ بالظاهر والله وحده يتولى السرائر :

 بالمناسبة أيها الأخوة؛ ذكرت اليوم في درس الجمعة، يوجد نعمتان كبيرتان جداً، النعمة الأولى: أن الله جعل لك باطناً، وظاهراً، أنت قد تقف وتصلي، قد تدخل المسجد وتصلي، الظاهر إنسان مؤمن، وصالح، والباطن قد يكون عكس ذلك، من رحمة الله بنا أنه حجب عن الناس باطننا، لا أحد يعلم ما في نفسك إلا الله وأنت، ومن نعمة الله أيضاً أنه مطلعٌ على بواطننا، لا تخفى عليه خافية، لو أن الناس تكاشفوا لما تدافنوا، لو تكاشف الناس، الإنسان أحياناً يتكلم كلمة قاسية، تؤدي إلى قطيعةٍ، مدتها خمسٌ وعشرون سنة، أحياناً من كلمة واحدة، لو أن الناس تكاشفوا، وكل إنسان اطلع على باطن الآخر، وجد الحسد والحقد، وتفاضح الناس، وتقاطعوا، وتدابروا، لكن الله سبحانه وتعالى رحمةً منه يظهر للناس الحسن، ويخفي القبيح.
 سيدنا الصديق لما مُدح قال: اللهم اجعلني خيراً مما يقولون، وحقق فيّ ما يقولون، الترتيب هكذا، اللهم حقق فيَّ ما يقولون، واجعلني خيراً مما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.
 أرأيت إلى هذا الكلام الدقيق جداً؟ إذاً أنت لك باطن، ولك ظاهر، الباطن محجوب عن الخلق، وهذه رحمة الله بنا، الظاهر ظاهر للخلق، والنبي علمنا أن نحكم بالظاهر، وأن الله وحده يتولى السرائر.
 ضربت مثلاً أن إنساناً ذهب إلى بلد غربي، ودخل مركزاً إسلامياً وبصحبته فتاة، عقد عليها عقده الشرعي الصحيح، إيجاب، وقبول، ومهر، وشاهدان، هذا العقد شرعي مئة بالمئة، وليس في الأرض كلها إنسان يستطيع أن يأخذ عليه شيئاً، باطن هذا الإنسان أنني حينما أنهي دراستي سوف أطلقها، وأتزوج من الشام بفتاةٍ مسلمةٍ، رائعةٍ، من أسرةٍ راقية، عند الإمام الأوزاعي إن لم يصحب عقد القران نية التأبيد فهو زنا، باطنه من يعرفه؟ الله جل جلاله، فالله عز وجل كلفنا أن نأخذ بالظاهر، وهو وحده يتولى السرائر، لكن الله حينما أخبرنا أنه مطلعٌ على سرائرنا، هذا أكبر رادع لنا، عن أن نكن الحقد للآخرين، أخبرنا أنه لا تخفى عليه خافية، أخبرنا بأنه:

﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾

[ سورة طه:7 ]

 إذاً حينما أخبرنا أنه مطلعٌ علينا، هذا رحمةٌ بنا أيضاً، كي نستقيم على أمره، وكي نخاف منه، فأنت مكشوف عند الله، مستور عن الخلق، لو أخطأت مع الله تتوب، والناس لا يعرفون شيئاً، لو أخطأت مع الله في باطنك، ثم تبت مما أخطأت به، الناس لا يعرفون شيئاً لكن الله يعفو، أما الإنسان فلا يعفو.
إذاً نحن في رحمتين: رحمة أن الله مطلعٌ على سرائرنا، ورحمة أن الله حجب بواطننا عن الناس.

من لم يتب إلى الله فضحه الله في شرّ عمله :

 ولكن لكرامة المؤمن عند الله أعطاه فراسة، فالمؤمن عنده فراسة:

(( اتَّقُوا فِراسَةَ المؤمن، فإِنه يَنظُرُ بنورِ اللّه ))

[ الترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

 والإنسان إذا لم يطهر باطنه، وأوهم الناس بشيء، وأخفى شيئاً، وأراد أن يجعل هذا مبدأً ثابتاً، الله يفضحه، يفضحه في شر عمله، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾

[سورة آل عمران:179 ]

 هذه آية أيها الأخوة؛ هؤلاء الذين:

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾

[ سورة التوبة:75-77]

 الإنسان إذا استمر على المعصية أمداً طويلاً قسا قلبه، لذلك المؤمن الصادق يتوب من قريب، أي لمجرد أن يقع في مخالفةٍ يتوب منها سريعاً، ومعنى قول النبي:" المؤمن مذنب تواب " أي كثير التوبة، وتوبته دائماً تلي الذنب، أما إذا طال أمد المعصية فيقسو قلب الإنسان.

على الإنسان أن يكون من الباذلين لا من المنتفعين :

 هناك مرض بين المسلمين مستشر، وصف في هذه الآية:

﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾

[ سورة التوبة:81 ]

 بالإسلام يوجد أشياء فيها وجاهة، فيها مكاسب، فإذا كان هناك دعوة لا أحد يتخلف، إذا كان هناك عمل لا أحد يأتي، أي دائماً المكاسب سهلة، الإنسان يريد وجاهة، يريد احتفالاً، يريد أن يدعى إلى ولائم، أما أن تقدم شيئاً من جهدك، من وقتك، من مالك، تجد تلكؤاً، فسهل جداً أن تكون في الصف الأول في كل احتفال، لكن ليس من السهل أن تكون في الخندق الأول في كل قتال، فرق كبير، فالعبرة أن تكون من الباذلين، لا أن تكون من المنتفعين.

ضمّ الآخرة للدنيا عند الموازنة بين شيئين :

 الإنسان لا ينبغي أن يقيس الأمور بمقياس دنيوي فقط، هذه نصيحة لوجه الله، إن أردت أن توازن بين اثنين، أو بين بلدين، أو بين أمتين، أو بين جهتين، ضم الآخرة للدنيا، ثم وازن، فإذا ذهبت إلى بلد فيه غنى، وثراء، وكل شيء على ما يرام، غنى ما بعده غنى، أناقة، تزيينات، بيوت، طرقات، جامعات، ضم الآخرة إلى ذلك:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾

[ سورة الأنعام :44 ]

 بطولتك لا أن تقيس في الدنيا فقط، إن قست في الدنيا فقط هناك مشكلة، يختل توازنك، يجب أن تضم الآخرة إلى الدنيا، ثم وازن بين الجهتين، بين الرجلين، بين الأمتين، بين المدينتين، بين الجماعتين.

﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ﴾

[ سورة التوبة :85 ]

 توجيهٌ إلهي، إذا إنسان فاسق، فاجر، بان ماله من الحرام، غير منضبط، لا يرعوي، لا يتجه إلى الله أبداً، دخلت إلى بيته فدهشت، قال تعالى:

﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾

[ سورة التوبة:85 ]

الله تعالى يسترضى بالمال :

 مرةً ثالثة ورابعة: الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير:

(( صدقة السر تطفئ غضب الرب

((

[الطبراني عن عبد الله بن جعفر ]

(( بادِرُوا بالصدقة، فإنَ البلاء لا يتخطَّاها ))

[ زيادات رزين عن علي بن أبي طالب ]

 الله يسترضى بالمال، شخص أخطأ، وأراد أن يرمم هذا الخطأ، أن يقترب من الله، لا يوجد إلا طريق أن تدفع مالاً من كسبك الحلال تسترضي به الله عز وجل، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة التوبة :104]

 من رحمته بنا إذا ابتعدنا عنه بمعصية جعل لك سبباً لترميم هذه المعصية، جعل لك سبباً للقرب منه،

﴿ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾

حالة خاصة للسابقين السابقين :

 هناك حالة لكن خاصة، هذه للسابقين السابقين، قال:

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾

[ سورة التوبة :111]

 أنت بعت بيعاً قطعياً، شخص باع بيتاً، قبض ثمنه بالتمام والكمال، الذي اشترى البيت أراد أن يلغي حائطاً بين غرفتين، لك أن تعترض عليه؟ يقول لك: ليس لك دخل، أنت بعتني، وسع هذا المثل، أنت ما بعت نفسك لله عز وجل، رفعك، خفضك، أعطاك، منعك، لفت نظر الناس إليك، أغفلك، دخلك محدود، غير محدود، أنجبت، لم تنجب، ما دمت بعت بيعاً حقيقياً ليس لك أن تعترض، هذه مرتبة السابقين السابقين، الذين باعوا أنفسهم لله:

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى ﴾

 شراء قطعياً،

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾

 انتهى الأمر، ما دام بعت، والبيع قطعي، والشاري هو الله، والثمن معروف، وقبضت منه دفعة على الحساب، هذه جنة القرب، دفعات على الحساب، أما الجنة الحقيقية ففي الآخرة:

﴿ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

[ سورة التوبة :111]

 من هؤلاء الذين باعوا أنفسهم؟

﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة التوبة :112]

أدب النبي عليه الصلاة والسلام :

 يوجد سؤال، هؤلاء:

﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾

[ سورة التوبة :118]

 تاب الله عليهم، وانتهى الأمر، ما الذنب الذي اقترفه النبي حتى تاب الله عليه؟ هكذا الآية:

﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾

[ سورة التوبة :117-118]

 هذا أدب رفيع، أي جبراً لخاطر هؤلاء الثلاثة، تاب الله على النبي جبراً لخاطرهم، أنت لا تدع الإنسان يستوحش، جماعة من أصحاب النبي صلوا الظهر، وتناولوا طعام الغداء مع النبي، ثم دخل وقت العصر، وينبغي أن يصلوا العصر، كلهم متوضئون، يبدو أن أحدهم انتقض وضوءه بريحٍ، فالنبي من شدة كماله، وستراً لحاله، قال:

(( كل من أكل لحم جزور فليتوضأ، قالوا: كلنا أكلنا، قال: كلكم فليتوضأ ))

 أي ستر حاله، هذا أدب يعلمنا إياه الله عز وجل، لا تدع إنساناً هكذا، تحرجه، تحمر له وجهه، تضعه في زاوية ضيقة، تضيق عليه، اترك الأمر عاماً، كان عليه الصلاة والسلام لا يواجه أحداً بما يكره، يخطئ إنسان خطيئة، يقول على المنبر: " ما بال أقوامٍ يفعلون كذا وكذا "، أقوام، عمم، هذا من أدب النبي عليه الصلاة والسلام، لم يكن يحمر وجه أحد، لم يكن يخجل أحداً، لم يكن يضيق على أحد، لم يكن يحرج أحداً، فالله عز وجل هكذا علم النبي:

(( أدبني ربي، فأحسن تأديبي ))

[ من الجامع الصغير عن ابن مسعود ]

﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ﴾

 لم يفعل النبي شيئاً، لكن قال: توبة الله على النبي جبراً لخاطر هؤلاء الذين قصروا:

﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾

أمية النبي وسام شرفٍ له لأن الله تولى تعليمه :

 الرحلة في طلب العلم في هذه الآية:

﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾

[ سورة التوبة :122]

 هذه الرحلة في طلب العلم، النبي عليه الصلاة والسلام عرف نفسه للعالمين نبياً مرسلاً يتبع ما يوحى إليه، أعداء الدين شاؤوا أن يطرحوه على الناس بوصفٍ آخر، عبقري مصلح كبير، قائد فذ، هو نبيٌ مرسل، يتبع ما يوحى إليه، الذي جاء به ليس من ثقافته، ولا من خبرته، ولا من اجتهاده، ولا من بيئته، الذي جاء به وحيٌ من السماء.

﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾

[ سورة النجم: 4-5 ]

 بل شاءت حكمة الله أن يجعل النبيّ أمياً، الأمية في حقه منتهى الكمال، لأن الله تولى تعليمه، معنى أنه أميّ، أن وعاءه نظيفٌ من كل ثقافةٍ أرضية، لئلا يختلط وحي السماء بثقافة الأرض، لئلا يُسأل كل مرةٍ، يا رسول الله: هذا الكلام من عند الله أم من عندك؟

﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت : 48]

 فأمية النبي وسام شرفٍ له، لأن الله تولى تعليمه، وهذه حكمة بالغة، لكن أميتنا وصمة عارٍ بحقنا، الشخص العادي الله عز وجل لا يعلمه مباشرةً، النبي قال:

(( إنما العلم بالتعلم ))

[أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء ]

 نحن إن لم نطلب العلم من بعضنا بقينا جهلاء، فأميتنا وصمة عارٍ بحقنا، وأمية النبي وسام شرفٌ له، لذلك الطرح الإلهي:

﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة يونس : 15]

 هذه هوية النبي، نبيٌّ، مرسلٌ، يتلقى الوحي من السماء، ويتبع ما يوحى إليه

التطور المذهل في كافة مجالات الحياة :

 ثم قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى ﴾

[ سورة يونس : 24]

 أينما ذهبت الآن في العالم زينة ما بعدها زينة، أناقة ما بعدها أناقة، جمال ما بعده جمال، البيوت مزينة، المحلات مزينة، المركبات مزينة، الطائرات مزينة، أناقة عالية جداً:

﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا ﴾

[ سورة يونس : 24]

 قال علماء التفسير: بعض:

﴿ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ ﴾

[ سورة يونس : 24]

 هذا شيء نراه بأعيننا كل يوم، أي بقعة في العالم تحت مرمى مراصد الأقوياء، وأقمارهم الصناعية، على مستوى رجل مستلق على الأرض، مصور على الأقمار الصناعية، وأي بقعةٍ في الأرض تحت مرمى صواريخهم، الحرب البرية انتهت الآن، لا يوجد غير ضرب البنية التحتية، قصف إلى أن يدمر كل شيء، جندي واحد لا يوجد، فأي بقعةٍ تحت مرمى مراصدهم الفلكية، وأي بقعةٍ في الأرض تحت مرمى صواريخهم التي تحكم إصابتها إلى درجة مذهلة، بالمدخنة تنزل قنبلة، في غرفة النوم بالضبط، كلها حسابات دقيقة جداً، تطور بالحرب مذهل، قنبلة عطلت الكهرباء في حرب البلقان، لم يعد هناك كهرباء، قنبلة واحدة:

﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾

[ سورة يونس : 24-25]

 كأننا في آخر الزمان.

قوانين الله عز وجل :

 من عدة أيام انطرح موضوع قوانين الله عز وجل، قلنا: يوجد قانون للعداوة والبغضاء:

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾

[سورة المائدة :14 ]

 وعندنا قانون للتيسير:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾

[سورة الليل5-7]

 الآن عندنا قانون العزة والذلة، دققوا:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾

[ سورة يونس: 26 ]

 الجنة،

﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾

 النظر إلى وجه الله الكريم،

﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

 إذا الإنسان أحسن عمله، واستقام، وكان صادقاً، وأميناً، وواضحاً، وما نافق، ولا دلس، ولا خدع، إذا كان مستقيماً تجده عزيز النفس، أول مكافأة من الله للمستقيم أنه يجعله عزيزاً:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾

 في أقوالهم، وأفعالهم، وحرفهم، وبيوتهم، مطلقة:

﴿ الْحُسْنَة ﴾

 الجنة،

﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾

 النظر إلى وجه الله الكريم:

﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

[ سورة يونس: 27 ]

 أنت إذا أحسنت في عملك، وفي قولك، وفي إدارتك، وفي تجارتك، وفي تربيتك، وفي بيتك أعزك الله، وإن أخطأت أذلك الله، قضية العز والذل هذه قانونها.

تحميل النص

إخفاء الصور