وضع داكن
28-03-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 48 - من سور الحديد الواقعة المجادلة الحشرالممتحنة - المنافقين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

اقتران الترف بالكفر في القرآن الكريم :

 أيها الأخوة الكرام؛ في القرآن الكريم اقترن التَرَف بالكُفر. فالكافر حينما يكفر بالله واليوم الآخر، ويعتقد أن الدنيا هي كل شيء، لابدَّ من أن يكون مُتْرَفَاً، لابدَّ من أن يجمع المال مما حَلّ وحَرُم، لابدَّ من أن يستمتع بجسده بهذا المال؛ فيأكل، ويشرب، ويقترف الفواحش، فالترف من لوازم أهل الكفر، قال تعالى:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ﴾

[ سورة الواقعة : 45]

 فالإنسان المؤمن يأكل ويشرب من غير إسرافٍ ولا مَخْيَلَة، لا يوجد كبر ولا إسراف، هذه صفات المؤمنين.

النور يتأتَّى في الدنيا من معرفة الله والعمل الصالح :

 يوم القيامة..

﴿ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً﴾

[سورة الحديد: 13 ]

 أي أن هذا النور لا يتأتَّى في الآخرة، بل يتأتَّى في الدنيا من معرفة الله والعمل الصالح..

﴿ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾

[سورة التحريم: 8 ]

 أعمالهم الطيبة تُرْجِمَت نوراً يوم القيامة..

﴿ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾

[سورة الحديد: 13 ]

 في مواقف كثيرة يكون الباطن رحمة والظاهر عذاب، سيدنا عمر قال: " والله لو يعلم الناس ما في قلبي من الرحمة لأخذوا عباءتي هذه، ولكن هذا الأمر لا يناسبه إلا كما ترى ".
 وهذه الآية كل إنسان على اتصال بالله تفعل فيه فعل السحر، يقول الله عزَّ وجل:

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾

[سورة الحديد: 16]

 أيْ..

إلى متى وأنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدَّمت مسؤولُ

المصيبة لفت نظر للعودة إلى الله عز وجل :

 الآن يقول الله عزَّ وجل:

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾

[سورة الحديد:22 ]

 لا توجد مصيبة تأتي طائشة، لا يوجد مصيبة تأتي - بالتعبير الدارج - ارتجالية، المصائب مدروسة، المصائب وراءها حكيم، وراءها عليم، وراءها خبير، وراءها رب العالمين..

﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾

[سورة الحديد:22 ]

 طبعاً من قبل أن نبرأ المُصيبة، الإنسان يعرض، يُصِر، يرتكب، الآن يحتاج إلى يد الله تمتدُّ إليه حتى توقظه مما هو فيه، فتأتي المصيبة كي يعود إلى الله، كي تلْفِتَ نظره إلى الله عزَّ وجل..

﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾

[سورة الحديد:22-23 ]

 لكل شيءٍ حقيقة، وما بلغ عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطئه لم يكن ليصيبه، كلمة ( لو) ليست في قاموس المؤمن..

﴿ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾

[سورة الحديد:23 ]

 أيْ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه..

 

نور الله يعطي الإنسان القرار الحكيم والقَوْل السديد :

 ثم قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾

[سورة الحديد:28 ]

 يرحمكم في الدنيا والآخرة، معك كَفالَتان من الله عزَّ وجل..

﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

[سورة الحديد:28 ]

 هذا النور يعينك على اتخاذ القرار الصحيح، يعينك على التحرُّك السليم، يعينك على أن تكون حكيماً لأنك تَرى، لا يوجد إنسان يركب مركبة ومعه ضوء كاشف ويقع في حفرة، ولا يوجد إنسان معه مركبة فيها ضوء كاشف يرتطم بصخرة، لأنه يرى، من الذي يقع في الوادي؟ هو الذي لا يرى، فالنور يعطيك القرار الحكيم، والقَوْل السديد، والحكمة البالغة، ويعطيك العمل الطيِّب الذي هو ثمن الجنة.

الله مع المظلوم بالنصر و التأييد :

 هذه المرأة التي قالت: " يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهلٍ ومال وجمال، فلما كبرت سني، ونثر بطني، وتفرَّق أهلي، وذهب مالي قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي. ولي منه أولاد إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممته إليَّ جاعوا ".
 هذه المرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، وسيدنا عمر رآها في الطريق فنزل عن دابته، ووقف أديباً يستمع إليها، فقيل له: أتستمع إلى امرأة وأنت أمير المؤمنين؟ قال: " ما لي لا أستمع إليها وقد سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات ".
 أيْ أنَّ الله مع المظلوم، بكى النبي عليه الصلاة والسلام، ثم نزل حُكْم الظِهار، هذا الإنسان عليه أن يصوم ستين يوماً متتابعة تكفيراً لقوله لها: أنتِ عليَّ كظهر أمي. هي ليست أمك..

 

التناجي بالبر و التقوى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ ﴾

[سورة المجادلة: 9 ]

 أي بالمعاصي، والحديث عن النساء، وعن الانحرافات، وعن مُغامرات كل واحد، والعدوان؛ العدوان على الناس، على أموالهم، على أعراضهم، على مكانتهم، على سمعتهم..

﴿ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾

[سورة المجادلة: 9 ]

 البِر صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة. حَدِّثونا عن حَل لمشكلة الشباب، عن حل لمشكلة السَكَن، عن حل لمشكلة المسلمين، حدثونا عن الله عزَّ وجل، اجعل حديثك في محورين؛ في صلاح أمر المسلمين، وفي صلاح دينهم، هذا الموضوع المسموح به من قِبَل المؤمنين.

 

أشقى إنسان من يعادي الدين و أهل الحق :

 ثم إن الله عزَّ وجل يقول:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ﴾

[سورة المجادلة: 20 ]

 لا يوجد إنسان يقف في خندق معادٍ للحق، ربنا عزَّ وجل قال:

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَولاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾

[سورة التحريم : 4]

 فهل من المعقول من أجل امرأتين؛ السيدة عائشة والسيدة حفصة نزلت هذه الآية؟ ما معنى هذه الآية؟ أي إذا امرأة انتقدت نظاماً نعمل استنفاراً للقوات البرية والبحرية والجوية، معقول؟ فما معنى هذه الآية؟ أيْ أيها الإنسان إن وقفت في خندقٍ معادٍ للدين فاعلم من هو الطرف الآخر.
 أشقى إنسان على الإطلاق الذي يعادي الدين، ويعادي أهل الحق، ويتمنىَّ أن يطفئ نور الله بفمه، مع أن نور الشمس من حاول أن يطفئه بفمه يحتاج إلى مستشفى للأمراض العقلية، إنسان يقف أمام الشمس وينفخ عليها كي تنطفئ، هذا شيء مستحيل فكيف بنور الله؟

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾

[سورة التوبة: 32]

 الحق شامخ، ما ضرَّ السحاب نبح الكلاب، إذا كتل من السحاب تمشي في الأجواء، محمَّلة بملايين الأطنان، وجاء كلب نبح عليها فهل تقف؟ القافلة تمضي والكلاب تَعْوي.
 ما ضرَّ السحاب نبح الكلاب، وما ضرَّ البحر أن ألقى فيه غلامٌ بحجر، ولو تحوَّل الناس إلى كَنَّاسين ليثيروا الغبار على الإسلام ما أثاروه إلا على أنفسهم، ويبقى الإسلام هو الإسلام.
 أيْ أنَّ أيّ معركة مع الحق خاسرة، ولو تراءى للإنسان أنه سينتصر، هؤلاء كفار مكة أين مصيرهم ؟ في القليب، النبي سمَّاهم بأسمائهم واحداً واحداً:

((يا فلان، يا فلان، يا فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعد ربي حقاً، لقد كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، قالوا: يا رسول الله: أتخاطب قوماً جيَّفوا؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يجيبونني))

[ سنن النسائي ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ﴾

[سورة المجادلة: 20 ]

 والدعاء الذي ندعوه كل يوم: " سبحانك إنه لا يذل من واليت، ولا يعزُّ من عاديت ". أي مستحيل وألف ألف مستحل أن تطيعه وتذل، وأن تعصيه وتعِز، العاصي ذليل ولو بعد حين، والمؤمن عزيز ولو بعد حين، لذلك:

﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ﴾

[سورة المجادلة: 22]

قدرة الله على جعل تدمير الإنسان في تدبيره :

 الله عزَّ وجل قادر - وهذا من عظمة الله - أن يجعل تدمير الإنسان في تدبيره، يفكر، يفكر، يفكر، يخطط، يجمع، يطرح، يقسِّم، يضرب، ويتصرف، فيتدمَّر، والدعاء الشهير:

(( اللهمَّ اجعل كيدهم في نحرهم، وتدميرهم في تدبيرهم ))

[مختصر تفسير ابن كثير]

 طبعاً اليهود كانوا في عهد النبي أقوياء جداً، وعندهم حصون منيعة، وأغنياء. والآن الطرف الآخر قوي جداً، وغني جداً، وذكي جداً، واليهود كانوا في عهد النبي في قُرى محصنَّة؛ أغنياء، أقوياء، قال:

﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ﴾

[سورة الحشر: 2 ]

 أنتم..

﴿ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾

[سورة الحشر: 2 ]

 لا تخف ولو كان عدوك قوياً، الله أقوى منه، الله أحياناً يلقي في قلبه الخوف، هو وقوته وجبروته. هذا المعسكر الشرقي الذي كان عملاقاً، الذي كان كالطَوْد، قلعة منيعة، كيف تداعى من الداخل؟ لم يحاربه أحد، انهار داخلياً، وهذا مثل..

﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾

[سورة الحشر: 2 ]

الود أساس علاقة المؤمنين بعضهم ببعض :

 الآن الله يصف علاقة المؤمنين ببعضهم بعضاً..

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾

[سورة الحشر: 9 ]

 صَدِّق أن أجمل شيء بالحياة علاقة الود بين المؤمنين، يأتي أخ أحياناً مسافر، يجد مئة بيت يستقبله، ويدعوه إلى الطعام، والنوم، المؤمن يشعر و كأنه ضمن أسرة ولو كان غريباً، ولو كان بالنظام المدني أجنبياً، هذا أجنبي بقيد النفوس، أو بدائرة الهجرة والجوازات، قد يعد إنسان أجنبي، أما بمنطق الإيمان فهذا منا ونحن منه، له ما لنا وعليه ما علينا..

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

[سورة الحجرات: 10]

على الإنسان أن يكون عمله الصالح هو همّه الأول :

 قال..

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[سورة الحشر: 9 ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾

[سورة الحشر: 18 ]

 أيْ يجب أن يكون هَمُّك الأول ما الذي أعددته لربك يوم القيامة؟ ما العمل الذي تدخره ليوم القيامة؟ ما العمل الذي يُعْرَض على الله يوم القيامة؟ ما العمل الذي يصلح أن يكون مناراً لك يوم القيامة؟..

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾

 المُسْتَهْلَكات لا قيمة لها، اسكن في أي بيت، وكُل أي طعام، واذهب إلى أي مكان تشاء، كل شيء مُسْتَهْلَك لا قيمة له، العبرة العمل الصالح الذي تقدِّمه بين يديك يوم القيامة.

 

المسلم المقصر يزعزع الحق و يقوي الباطل :

 آخر آية وهي أخطر آية:

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾

[سورة الممتحنة: 5 ]

 كافر التقى بمؤمن، المؤمن كذب عليه، يرتاح الكافر، يعتبر نفسه هو الأصل، هو الصح، والإسلام غَلَط، الإسلام كله دين غير صحيح، والدليل المسلم كذب عليه. مسلم صنع صنعة غير متقنة هذه تقوي الكافر، كلما أخطأت في حضور الكافر، كلما أخطأت على مسمع الكافر ومرآه، الكافر يتمسَّك بكفره، ويتشبث به، ويحتقر الدين الإسلامي. فكل إنسان يسيء مع غير مسلم يكون قد مكَّن الكفر في قلب الكافر، وزعزع ثقة الكافر بالإسلام..

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾

[سورة الممتحنة: 5 ]

 فالكافر مَفْتون بكفره، فمن يقوي له كفره؟ مؤمن مقصر، مؤمن يكذب مثلاً، مؤمن يحتال، مؤمن يُدلي بتصريح كاذب.
 كل إنسان لم يحج يكتب تصريحاً فقط، فمرة تقدَّم أكثر من عشرين ألف طلب، معظمهم تصريحات كاذبة، جاء شخص قال: الحجي يكذب. قوي مركزه، عندما يغلط المؤمن أنت تقوي مركز الكافر، مثلاً جامعو الأموال، عندما أكلوا الأموال وما أعطوا أصحابها شيئاً، قووا مركز مَن؟ البنوك، فالمضاربة هي الطريق الشرعي لجمع الأموال، وكان مسموحٌ بها، لا يوجد على الإنسان حرج، أما عندما جاء أناس واستخدموا المضاربة استخداماً غير صحيح، وأخذوا أموال طائلة ولم يعطوا الناس شيئاً، فالناس تشبثوا بالبنوك الربوية، من قوَّى ثقة الناس بالبنوك؟ الذين أساؤوا في المضاربة. المضاربة طريق مشروع وحيد للاستثمار، فلما أساء المسلمون طريق المُضاربة قووا مركز البنك الربوي.
 هذه مشكلة المشاكل الآن؛ عندما يقصِّر المسلم، يدلي بتصريح كاذب، لا يتقن عمله، يكذب ويحتال، ويكشفه الكافر، فأنت تقوي له كفره، وتقنعه أن الكفر هو الصحيح والإسلام كذب، ودجل، وهذه أكبر جريمة، أنت زعزعت الحق وقوِّيت الباطل، كل مسلم مقصر زعزع الحق وقوَّى الباطل..

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[سورة الممتحنة: 5 ]

تحميل النص

إخفاء الصور