وضع داكن
19-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 30 - من سورة الحج - مدافعة الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

مشكلة الإنسان مع نفسه و ليست مع آيات الله تعالى :

 أيها الأخوة الكِرام؛ حيثما قرأتم في القرآن الكريم آية فيها حقٌ للمؤمنينَ على الله أو عندَ الله ولم تُحقق، أو حيثما قرأتم في القرآن آية فيها وعدٌ من الله للمؤمنين ولم يُحقق فينبغي أن نتهم إيماننا، لأنَّ زوالَ الكون أهون على الله من ألا يُحقق وعدهُ للمؤمنين، فإذا قالَ اللهُ عزّ وجل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾

[سورة الحج: 38]

 فإذا بدا لنا أنهُ لم يُدافع عنا ما معنى ذلك؟ نتهِمُ إيماننا، إذا قالَ اللهُ عزّ وجل:

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

[سورة النور: 55]

 فإن لم يُمكنّا في الأرض معنى ذلك أنَّ ديننا لم يرتض به إطلاقاً، لو ارتضاهُ لمكنّنا، فكلما قرأتَ آية فيها وعدٌ من الله، أو فيها حقٌ للمسلِمِ على الله، ولم يقع الوعدُ، ولم يُحقق هذا الحق فلنعلم عِلمَ اليقين أننا في مُشكلةٍ مع أنفُسِنا وليست مع هذهِ الآيات، هذهِ واحدة.

 

نِعمٌ كثيرةٌ جداً لا نعرِفُها إلا إذا فقدناها :

 الشيء الثاني: هناكَ نِعمٌ كثيرةٌ جداً لا نعرِفُها إلا إذا فقدناها، فالنعمةُ التي ينعِمُ بِها على العالم الثالث قبلَ بضعِ سنوات نعمةُ تو ازن القِوى، فمن توازن القِوى عاشَ الضعفاء وعاشَ الفقراء وأخذوا من الطرفين، أما حينما أصبحَ للعالم قطبٌ واحد يتحكّمُ بِهِ كيفَ يشاء، ويُنزِلُ عقوباتِهِ كيفَ يشاء، ويأخُذُ ثرواتِهِ كيفَ يشاء، فهذهِ نعمةٌ فقدناها، وما كُنا نعرِفُ قيمتها يومَ كانت.

نصر دين الله بتطبيقه و إعلاء كلمته :

 قالَ تعالى:

﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾

[سورة الحج: 40]

 النقطة الدقيقة

﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾

 أنتَ كيفَ تنصُرَ دينَ الله مع أنَّ اللهَ غنيٌ عن نُصرَتِك؟ تنصُرُهُ بتطبيقِهِ، وكُلما كَثُرَ المُطبِقون كُلما سَهُلَ على الباقين تطبيقُ الدين، نحنُ في نُزهة لا أقول نحنُ مجموعة من الناس فإذا لم يَقُم أحد بِصلاة الظُهر يُصبِحُ هذا إحراجاً للباقين، لو أنهم جميعاً هبّوا وصلّوا الظهر، لو أنَّ الناسَ جميعاً أدَّوا زكاةَ مالِهم، كُلما كثّرتَ سوادَ المُسلمين المُطبِقين انتَشَرَ الدين، فنصرُ دين الله أن تُطَبِقُهُ فقط، وأن تُعلي هذا الدين، الإنسان أحياناً يُمكّن في الأرض، المُعلّم غير المدير، والمدير غير مدير التربية، ومدير التربية غير وزير التربية، طبعاً الذي يقود سرية غير قائد فرقة، فكلما علا مقامُكَ في الأرض أنتَ مُكلّف بِمهام كبيرة، لأن الأمر بيدك، أنتَ عندك معمل، فيه عشرون عاملاً، بإمكانِكَ أن تُكرِمَهُم نظيرَ أدائِهم للصلوات فصلّوا، صلّوا لأنّكَ تريدُ لَهُم أن يُصلّوا، حفزتهم على الاستقامة، أعنتَ ضعيفَهُم، زوجّتَ أعذَبَهُم، فأنتَ بإحسانِكَ وسلطَتِكَ عليهِم سيّرتَهُم في طريقِ الحق، فلما مكّنَكَ اللهُ لا من أجلِ أن تُنشئ مكتباً فخماً، وأن تجعل عدة موظفين على الأبواب، لا، من أجلِ أن تُطبِقَ الحق:

﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾

[سورة الحج: 41]

 كلما رَفَعَ اللهُ من مقامِكَ، جعلك مدير معمل معنى هذا أن عندك ثمانين عاملاً بإمرَتِك، ثمانون عاملاً تُنفِقُ عليهِم، توجيهك مقبول عِندهم وأنتَ قدوة لهم، فإذا كُنتَ أنتَ مُصليّاً، وأنتَ صائم، وأنتَ تَغُض البصر، وأنتَ تتواضع لهم، سيّرتهُم كُلهم في طريقِ الإيمان، فأنتَ حينما تُمكّن ينبغي أن تُقيمَ الصلاةَ لكَ ولِغيرِك:

﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾

[سورة الحج: 41]

 لا تفرح بالعلوِ في الأرض لمجرّد العلو هذا فرحٌ إبليسيّ، افرح بمكانٍ أعطاكَ اللهُ إيّاه، افرح إذا مكَّنَكَ اللهُ في الأرض من أجلِ أن تنشُرَ دينَه، من أجلِ أن تُقيمَ الحق، من أجلِ أن تنشُرَ الخير، فسيدنا يوسف قالَ:

﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة يوسف: 55]

 طَلَبَ التمكينَ في الأرض لأنّهُ سيتخِذُ هذا المنصِب لِخدمةِ الناس، دائماً وأبداً الحظوظ ومنها المنصِب الرفيع إما أنّها سُلّمٌ ترقى بِهِ، أو دركاتٌ تهوي بِها، إذا سخرتَ هذا المنصب لِخدمة الناس، ولإحقاق الحق، ولإنصاف المظلوم، ولإكرام الضعيف، ولإطعام الجائع، ولرعاية الأرملة، فقد حققتَ الأملَ من التمكينِ في الأرض، والآية واضحة جداً:

﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾

 سيدنا عمر بن عبد العزيز قال: " تاقت نفسي إلى الإمارة فلما بلغتُها تاقت نفسي إلى الخِلافة فلما بلغتُها تاقت نفسي إلى الجنة "، ماذا يُفهم من هذا الكلام؟ أنّهُ تاقت نفسُهُ للإمارة ثمَّ للخِلافة من أجلِ أن يتخِذَها وسيلةً للعملِ الصالح، وسيدنا سليمان قال:

﴿ وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾

[سورة ص: 35]

 ماذا أرادَ من المُلك؟ أن يكونَ أداةً للخير، وكُل شيء حيادي في الأرض، المنصب حيادي يمكن أن يكونَ أداةَ شر، ويمكن أن يكونَ أداةَ خير، والمال كذلك، والصحة كذلك، والذكاء كذلك، وطلاقة اللِسان كذلك، وأيُّ حظٌ يأتيه الإنسانُ سلّمٌ يرقى بِهِ أو دركات يهوي بِها.

 

النصوص ظنيّة الدلالة تُغطي المتغيرات وقطعية الدلالة تغطي الثوابت :

 يوجد نقطة دقيقة جداً أرجو اللهَ سبحانهُ وتعالى أن يُعينني على توضيحِها، الآية الكريمة:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾

[سورة الحج: 52]

 فرقٌ كبيرٌ جداً بينَ أن تُعيدَ الهاء على النبي، وبينَ أن تُعيدَ الهاء على الشيطانِ نفسِهِ، إلا إذا تمنى هذا النبي ألقى الشيطانُ، إن فهِمتَ الآية ألقى الشيطانُ في أمنية النبي هذا معنى، أو ألقى الشيطان في أمنيته هوَ هذا معنى آخر، فرق كبير جداً، الحقيقة هذهِ العبارة تندرج تحتَ نوع من التعبير اسمه: التعبير الاحتمالي أو التعبير ظنيّ الدلالة، إلهٌ عظيم ما الحِكمةُ أن يأتي في بعض كلامِهِ كلامٌ ظنيّ الدلالة؟ الإنسان أحياناً يقول كلاماً ظنيّ الدلالة لِضعفِهِ في اللغة، وهذا واضحٌ في القوانين كثيراً، تأتي مادة قانونية فضفاضة يُفهمُ مِنها حالات كثيرة لابدَ من مجلس استشاري اجتهادي يُفسر هذه المادة، ليضع لها حدوداً ضيقة، لِئلا يقعَ الإشكالُ بينَ الناس، لكن هذا ينطبِقُ على البشر، أما خالِق البشر إذا جاءَ في كلامِهِ كلامٌ ظنيّ الدلالة فيحتمل هذا الكلام الإنسان، فيه ثوابت وفيه متغيرات، النصوص قطعيةُ الدلالة تُغطي الثوابت:

﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾

[سورة المائدة: 38]

 النص قطعي الدلالة لا يحتمل تفسيراً ولا تأويلاً ولا توجيه ولا ولا... إطلاقاً ولا اجتهاداً، لكن:

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾

[سورة البقرة: 43]

 يا ترى ممكن أن أعطي مالاً؟ ممكن، ممكن أن أعطي مواد عينيّة؟ ممكن، الكلمة واسعة احتمالية الدلالة، العلماء اجتهدوا، واللهُ أعلم الآيات قطعية الدلالة تغطي الثوابِت في الإنسان، بينما الآيات ظنيّة الدلالة تُغطي المتغيرات في الإنسان، فأنتَ في بلدةٍ كبيرةٍ كبلدتِنا أهم شيء تعطي مالاً، لو أعطيتَ فقيراً كيسَ قمح ماذا يفعلُ بِهِ في دمشق؟ أينَ سيغسِلُهُ؟ وأينَ سينشُرُهُ؟ وأينَ سيطحَنُهُ؟ وأينَ سيخبِزُهُ؟ والخبز مدعوم وغير مدعوم طبعاً ويوجد سياحي، يوجد خمسون نوعاً، أمّا أعطِ هذا الكيس لإنسان في الريف فيأكُلُهُ طَوالَ العام، المطحنة جاهزة، والتنور جاهز، فرقٌ كبير بينَ أن تُعطي قمحاً في دمشق وبينَ أن تُعطي قمحاً في الريف، إذاً العلماء أجازوا أن تُعطى الزكاةُ عيناً، وأجازوا أن تُعطى الزكاةُ نقداً، إذاً هذا النص ظنيّ الدلالة يُغطي كل المتغيرات في الحياة بين المدينة والريف وبين الغِنى والفقر، إنسان غير حكيم بإنفاقه، يُدخن فرضاً، أعطِهِ مبلغاً من المال في العيد يُنفِقُهُ على دُخانِهِ وقد يجوعُ أولادُهُ، إنسان غير منضبط، غير مستقيم، مِثلُ هذهِ الحالة تُعطيهِ غِذاء، أما إنسان حكيم بِحكمة بالغة وفقير فأعطِهِ مبلغاً من المال هوَ يُحسِنُ إنفاقَهُ، يَسُد بعض ديونِهِ، يأتي ببعض الطعام لأهلِهِ في البيت، إذاً النصوص ظنيّة الدلالة تُغطي المتغيرات، بينما قطعية الدلالة تغطي الثوابت، وأغلبُ الأوامر والنواهي قطعيةُ الدلالة، في الحالات التي جاءَ فيها النص ظنيّ الدلالة تكون المتغيرات، هنا:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾

[سورة الحج: 52]

 المعنى الذي يليقُ بِكمالِ الأنبياء أنَّ النبي تمنّى هِدايةَ قومِهِ، والشيطان تمنّى في نفسِهِ إضلالَهُ، المعنى رائع، أما إذا قُلت: إنَّ الشيطانَ وَصَلَ إلى النبي وألقى في أمنية النبي شيئاً، أليسَ هناكَ حصانة للنبي ؟ الشيطان إذا وَصَلَ إلى النبي وألقى في أمنيتِهِ أينَ حصانَتُهُ؟ أينَ قولُ النبي:

(( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَ رَافِعَاتٍ أَصْوَاتَهُنَّ، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَ عُمَرَ انْقَمَعْنَ وَسَكَتْنَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ تَهَبْنَنِي وَلا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْنَ: إِنَّكَ أَفَظُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَأَغْلَظُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَا عُمَرُ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ ))

[أحمد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ]

 هذا يتناقض مع الآية، إذاً هذهِ الهاء تعودُ على الشيطانُ نفسِهِ.

 

الحكمة من أن الله لم يخبرنا بشكل صريح أن الأرض كرة :

 يوجد نقطة دقيقة؛ الأرض كرة، شيء ثابت، لماذا ربنا جلَّ جلاله ما قالَ في بعض آياتِ هذا القرآن: الأرضُ كرةٌ وانتهى الأمر؟ لماذا لا توجد هذهِ الآية وهناك أكثر من عشرين آية تُشير إلى أنها كُرة؟ رب العالمين حكيم، العرب الذينَ نَزَلَ عليهم القرآن يرونَ الأرض مسطحة لم يكن هناك مراكب فضائية، ولا أقمار صناعية، ولا كان مصورات جغرافية، لم يكن هناك شيء، يوجد أرض مسطحة، فلو أنّهُ أخبرهم أنها كُرة لاختل توازُنهُم، ولو لم يأتِ في القرآنِ ما يُشير إلى أنها كُرة لاختل توازُننا نحنُ، و لكن هناك آيات كثيرة تُشير إلى أنَّ الأرضَ كُرة، اليوم وردت آية تُشيرُ إلى أنَّ الأرضَ كُرة، لكن علماء الهندسة يعرِفونها، لا يوجد شكل عنا بالأرض إن تحرك على محور أمام منبع ضوئي إلا ويأتي الضوء فجأةً إلى بعض سطوحِهِ إلا الكُرة فيتداخل، الكُرة إذا دارت أمام منبع ضوئي منطقة الظلام المنطقة المعاكسة للمنبع الضوئي، ومنطقة الضوء المقابلة، يوجد منطقة بينَ بين، فيها تداخل، كيف الإنسان عِندَ الفجر خيط أبيض هذا الخيط يزداد ويزداد و يزداد إلى أن تُشرِقَ الشمس، ماذا حصل؟ تداخلَ النور بالظلام، قالَ تعالى:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾

[سورة الحج: 61]

 من المغرب حتى العشاء تداخل ضوء النهار مع الليل، ومن الفجر حتى شروق الشمس تداخل النهار مع الليل، وليسَ في الهندسةِ شكلٌ يقبل هذا الشيء إلا الكرة، أما المُكعّب فلهُ حروف إذا تحرك يأتي الضوء فجأةً، الموشور كذلك، أما الكرة وحدها الضوء والظلام يتداخلان، هذه إشارةٌ إلى أنَّ الأرضَ كرةٌ في القرآن الكريم، لكن سامَحَ اللهُ الذينَ قالوا إنها مسطحة، أنا سمعت عن جريدة في فرنسا " Le Monde " بالخط العريض أنَّ أحد العلماء المسلمين يقول: الأرض مسطحة، هذا بعدَ الصعود للقمر، وبعدَ أنها صورِت بالآلات الطبيعية، عالِمٌ يقول: الأرضُ مُسطحة، نُقِلَ قولهُ إلى العالم الغربي، عندئذٍ نُتهمُ نحن في عقلِنا.

 

الصفة قيد :

 أخواننا الكرِام؛ نحتاجُ إلى علم المنطق أحياناً، نحنُ في علم المنطق الصفة قيد.. قيد.. أي تقول كلمة تشمل ستة آلاف مليون، إنسان ستة آلاف مليون، أضف كلمة مسلم تصبح ملياراً ومئتي مليون، من الستة آلاف إلى المليار والمئتين، أكتب عربياً بجانبها، العرب كم واحد؟ أصبحوا مئتي مليون، أكتب مثقفاً أصبحوا خمسمئة ألف مثلاً، كلما أضفت كلمة تضيق الدائرة إلى أن تنطبق على واحد أحياناً، إذاً لو طبقّنا هذهِ القاعدة المنطقية:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[سورة المؤمنون: 1]

 المؤمن مؤمن والحمد لله، كُل الناس مؤمنون:

﴿ َالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾

[سورة المؤمنون:4-8]

 ضاقت الدائرة:

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا قَالَ: لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ ))

[أحمد عن أنس ]

 إنسان يصلي ويصوم لو خانَ الأمانة أو نَقَضَ العهد لأُهدرت صلاتُهُ وصيامُهُ، في الحديث الصحيح عن عائشة رضي اللهُ عنها قالت - طبعاً حديث يحتاج إلى تفسير طويل -: " قولوا لفلان إنه أبطلَ جهاده مع رسول الله " إذا الإنسان نَقَضَ العهد أو خانَ الأمانة أبطَلَ عباداتِهِ من خلالِ هذا الحديثِ الصحيح:

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))

[أحمد عَنْ أبي أمامة]

 إذا كَذَبَ أو خان انتَقَضَ إيمانُهُ:

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

[سورة المؤمنون:9-11]

لكل إنسان مكان في القرآن الكريم :

 نحن في درس سابق هناك آية فاتني أن أذكُرَها لكم حينما ذَكَرَ اللهُ القرآن قالَ:

﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

[سورة الأنبياء: 10]

 إذا إنسان قرأ القرآن يجب أن يعلم هوَ من أيّ نموذج، هل ينطَبِقُ عليهِ هذا النموذج؟ أما:

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾

[سورة البقرة: 14]

 هذا نموذج ثان، يوجد نماذج كثيرة:

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[سورة آل عمران:133- 134]

 هذا نموذج، نموذج ثان:

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾

[سورة آل عمران:135]

 هذا نموذج ثالث، إذا أنتَ قرأت القرآن صنّف حالك مع من، مع هؤلاء الخاشعين أم مع هؤلاء المغتصبين أم مع هؤلاء السابقين؟

﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾

[سورة الحج: 35]

 هل أنتَ مع هؤلاء؟

﴿ فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾

 أي أنتَ يجب أن يكون لكَ بالقرآن مكان، أينَ مكانُك؟ وكُن صريحاً مع نفسِك ولا تُجامِلها.

اتهام الإنسان للشيء لا يُغيّرُ خواصهُ ولا خصائِصهُ :

﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴾

[سورة المؤمنون:24]

 الحديث عن النبي الكريم أنَّ هذا الإنسان له مطالب دنيوية، عنده رغبة بالسيطرة، عنده رغبة بامتلاك رقابكم، أعداء الدين هكذا يتهمون المؤمنين، إذا أنتَ معك كيلو ذهب خالص قالَ لكَ أحدهم: هذا تنك، أأصبح تنكاً هذا الذهب؟ اتهامك للشيء لا يُغيّرُ خواصهُ ولا خصائِصهُ، نبيٌ عظيم، أليسَ في عهد النبي أُناسٌ أبغَضوا رسولَ الله وهوَ قمةٌ في الكمالِ والعلمِ والأدبِ والتواضع والرحمةِ والفصاحةِ والجمال؟ أبغضوه معناها أنتَ أبغضتَ الحق، إن أبغضتَ الحقَ أبغضتَ رسولَ الله، إن أبغضتَ الحقَ طعنتَ في أهلِ الإيمان.

 

الابتلاء علة وجود الإنسان في الدنيا :

 أخواننا الكرام؛ يوجد نقطة دقيقة دقيقة جداً أنتَ أمام مؤمن، المؤمن يغلط لكن لا يخون، ولا يسرق، تجد الناس ببساطة يتهم شخصاً ديّناً بشيء لا يليق بالدين إطلاقاً، أنت ممكن أن تقبل من شخص يحمل دكتوراه بالرياضيات أن يقول لكَ: 2 + 2 = 5 ليست معقولة، فإذا نقلتَ عنهُ هذا الكلام ينبغي ألا تُصدّق أنت، هوَ مقامُهُ فوق هذا المقام، دكتوراه بالرياضيات و2 + 2 = 5، لا، فأنتَ حينما تتهم مؤمناً وهوَ بريء بشيء لا يليق بالمؤمن من أساء الظنَّ بأخيهِ فكأنما أساءَ الظنَّ بربِهِ، التمس لأخيكَ عذراً ولو سبعين مرة، حتى أنَّ النبي قال: من جاءه أخوه متنصلاً ليقبل منه محقاً كانَ أم مبتلىً:

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[سورة المؤمنون:30]

 أي علةُ وجودِكَ على وجهِ الأرض الابتلاء، أنتَ مُمتحن، ممتحن في مادتين خاصتين بِكَ، الآن في الجامعة يوجد مادة لِكُل الكُليات، الآن اللُغة العربية لِكُل الكُليات، طب، هندسة، فلك، جغرافيا، تاريخ، علوم، فيزياء، كيمياء، عربي، يوجد مادة لغة عربية، هذهِ المادة عامّة، وهناك لِكُل اختصاص مواد خاصّة، المواد الخاصّة الحظوظ التي مَنَحَكَ اللهُ إيّاها مادة ابتلائك معَ الله، والحظوظ التي حَرَمَكَ اللهُ مِنها مادة ابتلائك مع الله، أنتَ مُبتلى فيما أُعطيت وفيما مُنِعت، فالدعاء النبوي الشريف: " اللهم ما رزقتنا مما نُحب فاجعله عوناً لنا فيما تُحب، وما زويتَ عنا ما نُحب فاجعله فراغاً لنا فيما تُحب.

 

معرفة رسول اللهِ جزءٌ من الدين لا يتجزأ :

 آخر آية أيها الأخوة في هذا الدرس:

﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾

[سورة المؤمنون:69]

 يجب أن نعلم عِلمَ اليقين أنَّ معرفة رسول اللهِ جزءٌ من الدين لا يتجزأ، بل هوَ من صُلبِ الدين، ذلِكَ أنَّ اللهَ جَعَلَ كتابَهُ ينطوي على كُليّات الدين، أمّا التفاصيل فكانت عن طريق رسولِ الله، هوَ بيّن لنا ما نُزِّلَ على رسولِ الله، إذاً معرِفةُ سُنةُ النبي فرضُ عين، ومعرفة سيرة النبي فرضُ عين، ذلكَ أنّهُ لا يتمُ شيءٌ إلا بشيء، فكما أنَّ الصلاةَ لا تتمُ إلا بالوضوء كذلك أن تأخُذَ ما آتاكَ النبيُ، وأن تنتهي عمّا عنهُ نهاك، هذا لا يتمُ إلا بمعرفةِ ما آتاكَ النبي، أي إذا الإنسان عندهُ درس علم، درس سيرة، أو درس حديث شريف، أو درس تفسير قرآن، ليسَ حضور هذا الدرس شيئاً ثانوياً، عندما لا يكون عنده شيء يحضر، الآن مشغول عنده موسم، الأمر أخطر من ذلك، أنتَ إن لم تحضر درسَ سيرةٍ نبوية، ودرسَ سُنةٍ نبوية، كيفَ تُنفِذَ أمرَ اللهِ في أن تأخُذَ ما آتاك وأن تنتهي عمّا عنهُ نهاك؟ وكيفَ تُنفِذَ أمرَ اللهِ أن تجعلَ النبيَ قدوةٌ لك؟ إذاً:

﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾

[سورة المؤمنون:69]

 كانَّ اللهَ يحضُنا في هذهِ الآية على معرفةِ رسولِ الله.

 

تحميل النص

إخفاء الصور