وضع داكن
28-03-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 17 - من سورة التوبة - التناقض بالحب.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

من آثر شيئاً على طاعة الله فالطريق إلى الله غير سالك :

 أيها الأخوة الكرام؛ آيةٌ في سورة التوبة قرئت البارحة، ولكن لأهميتها البالغة أقف عندها قليلاً، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾

[ سورة التوبة: 24 ]

 الأصول..

﴿ وَأَبْنَاؤُكُمْ ﴾

 الفروع..

﴿ وَإِخْوَانُكُمْ ﴾

 الموازون..

﴿ وَأَزْوَاجُكُمْ ﴾

 قرابة النَسَب..

﴿ وَعَشِيرَتُكُمْ﴾

  العشيرة، القبيلة، الأسرة..

﴿ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

[ سورة التوبة : 24]

 طبعاً لو سألت أيّ إنسان: أتحب الله أم البيت؟ يقول لك: أحب الله. فلا يوجد مسلم على وجه الأرض يقول عكس ذلك. لكن ما معنى الآية؟ الآية معناها أنه حينما تؤثر بيتاً على طاعة الله عز وجل، بقوة القانون تملك بيتاً، تسكنه، تدفع أجرته مبلغاً يسيراً، لكن يوجد عندك بيتٌ آخر، وبإمكانك أن تعطي هذا البيت لأصحابه، لكنه بيت واسع مريح، أجرته رمزية، عقده قبل عام السبعين، فآثرت هذا البيت على طاعة الله.
 أو أن تجارةً رابحةً جداً لكن فيها شبهة، إما أن البضاعة محرّمة، أو أن طريقة التعامل محرّمة، لكن دخلها كبير مريح، فآثرت هذه التجارة على طاعة الله.
 أو أن الزوجة تعجبك وقد ضغطت عليك في موضوعٍ ما، فآثرت السلامة معها على طاعة الله. كلُّ هذه الفقرات في هذه الآية عن التعارض، من دون تعارض لا يوجد إنسان في رأسه ذرة عقل يقول لك: أنا أحب زوجتي أكثر من الله. مستحيل هذا الكلام، أما في الواقع، حينما تؤثر إرضاء مخلوق على طاعة الرحمن، حينما تؤثر تجارةً مشبوهةً في أرباحها، أو في موادها على طاعة الله، أو حينما تؤثر بيتاً مريحاً على طاعة الله، فأنت الآن عند التعارض آثرت هذا الشيء على طاعة الله. هذا معنى:

﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ﴾

 أي في قرآنه..

﴿ وَرَسُولِهِ﴾

 في سُنَّته، إذا كنت كذلك فالطريق إلى الله ليس سالكاً، حقيقة مُرَّة، قد تُصلّي، وقد تصوم، وقد تحُج، وقد تعتمر كل عام، لكن الطريق إلى الله غير سالك، لأنك آثرت شيئاً من الدنيا على طاعة الله، آثرت شهوةً على طاعة الله، آثرت بيتاً على طاعة الله، آثرت تجارةً على طاعة الله، آثرت رضى أبٍ على طاعة الله، هناك آباء كثيرون شاردون عن الله يحملون أبناءهم على معصية الله، إن في التجارة، وإن في العلاقات الاجتماعية، فالأب يُصر أحياناً ألا يُعبأ بحدود الشرع؛ الاختلاط، هكذا ربينا، لم يعجبك هذا، فليس لك شيء عندي.
 فهناك آباء كثيرون يحمل ابنه على معصية، فالابن أحياناً يقوم بعمل موازنة ؛ والله لن أغضب أبي، ولا أريد أن أحرم نفسي من هذه الميزات الضخمة التي سأنالها من أبي..

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾

  أي إذا حملك الأب على معصية، وهو غني جداً، وله عطاء كبير لك، فأنت إذا آثرت هذه الدخل الكبير في ظل رضى الأب على طاعة الله..

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾

  الأم ضاغطة، والابن منحرف، وأنت تريد السلامة مع زوجتك، فسرت معه فيما يريد،

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ﴾

  الذين حولك..

﴿ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾

 امرأة طلبت من زوجها، وزوجها كان صحابياً جليلاً، طلبت شيئاً لم يقره رسول الله، فقال هذا الصحابي: " اعلمي أيتها المرأة أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلّت إحداهُنّ على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أُضَحّي بك من أجلهن أهون من أن أُضحّي بهن من أجلك".
 أم سيدنا سعد قالت له: إما أن تكفر بمحمد، وإما أن أدع الطعام حتى أموت، قال: " يا أمي لو أن لكِ مائة نفسٍ فخرجت واحدةً واحدة ما كفرت بمحمد، فكُلي إن شئتِ أو لا تأكُلي". هذه آية خطيرة جداً، ودائماً الشيء الخطير تقرؤهُ وتستوعبه، فتبدأ متاعبك، أما الشيء التافه؛ نَصّ قصّة فتقرؤه وتتثاءب وتنام، فهنا حينما تتعارض نصوص الشرع - القرآن والسُنّة - مع المصالح، هذا المعنى قد أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام، قال:

(( ثلاثٌ من كُنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ))

[الجامع الصغير عن أنس]

 فرقٌ شاسعٌ جداً بين حقائق الإيمان وبين حلاوة الإيمان، حقائق الإيمان معلومات؛ قد تقرؤها، قد تسمعها، قد تعتقد بها، لكنها حقائق وليست حلاوة.
 فأنت عندما تشاهد خارطة قصر، وغرفة الجلوس فيها ثمانية أمتار في ستة أمتار، والشرفة بمساحة بيت، تعجب به، ولكن هذا على الورق، لكن حلاوة الإيمان أن تسكن هذا القصر، حقائق الإيمان أن تستوعب هذه المساحات إدراكاً، أما حلاوة الإيمان فأن تسكن هذا القصر.
 حقائق الإيمان أن تقتني كتالوج سيارات؛ انظر هذه أكبر، هذه أجمل، هذه لها أربعة أبواب، هذه أحدث موديل. لكن هذا كتالوج من الورق، أما حلاوة الإيمان فأن تركب هذه السيارة، فلذلك..

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

  أيْ أن النصوص تعارضت مع المصالح، النص هو القرآن والسنة، والمصالح ؛ بيت، زوجة، تجارة، مال، رضى أب، رضى ابن، رضى أخ، رضى زوجة، رضى عشيرة. قال:

﴿ فَتَرَبَّصُوا﴾

  مكانك تحمدي أو تستريحي،

﴿ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾

 أيْ إذا حملتك محبّتك لأبيك على أن تعصي الله؛ أو لأمك، أو لزوجك، أو لابنك، أو لأخيك، أو من أجل مالٍ أو تجارةٍ أو مسكنٍ، فاعلم أن الطريق ليس سالكاً إلى الله عز وجل، هذه الآية كما أشار النبي إلى معناها في حديثٍ صحيح، قال:

(( ثلاثةٌ من كُنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُلقى في النار))

[الجامع الصغير عن أنس]

الابتعاد عن الاختلاط بالكافر أو المشرك :

 قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾

[ سورة التوبة: 28 ]

 وفي الآية دقةٌ بالغة، لم يقل: المشركون نجسون. الشيء النجس يطهُر بالتنظيف، أيْ أن إناء أصابته نجاسة، فغسلناه سبع مرّات، فصار طاهراً، أما عين النجاسة فهل تُطهر؟

﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾

[ سورة التوبة: 28 ]

 إن عاملتهم، إن شاركتهم، إن سافرت معهم، إن خالطتهم، إن زرته، إن زارك..

﴿ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾

  وعندما صدَّر المشركون لنا ثقافتهم دمَّروا حياتنا؛ بهذه الفضائيّات، أو هذه المجلات، أو تلك المبادئ، دُمِّرت حياة المسلمين، عندما صار تواصل، يقول لك: العالم قرية. فهل أنت فرح بهذا الشيء؟ أو الآن العالم غُرفة، لكن الفساد صار فيه تواصل، لم تعد هناك حواجز، فالتواصل عمم الفساد في الأرض، فقد تجد في قرية نائية فساداً لا يقل عن المدينة، وذلك بسبب هذا التواصل الإعلامي.

﴿ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾

  طبعاً عندما تريد أنت أن تمنع الاختلاط بالكافر والمشرك، سوف يقل دخلك بالطبع، فلم يعد هناك تجارة السياحة، هذه التجارة الرائجة جداً توقَّفت..

﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ﴾

  حينما تأخذ قراراً بطولياً لابد من أن تدفع ثمنه، لكن حينما تمتحن وتنجح في الامتحان بعد حين..

﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾

 فالوعد على سوف؛ شخص يبيع دخاناً، ومحصلة البيع عشرة آلاف باليوم، وعندما ألغى بيع الدخان، صار دخله ثلاثة آلاف فقط، الله قادر أن يجعل حصيلة البيع عشرة آلاف، لكن عندئذٍ لم ينتفع من هذا القرار، لكن بعد حين سييسر الله له تجارة أخرى تعود عليه بالخير العميم، فهو قد امتحن، فنجح، ثم كوفئ، هذه..

﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾

الزكاة تُطَهِّرُ نفس الغني و الفقير و تطهِّر المال من تعلُّق حق الغير به :

 أخواننا الكرام؛ هؤلاء الذين آتاهم الله المال، مهما كان حجم هذا المال، لو كان رقماً فلكياً، إذا دُفعت زكاته فهو ليس بكنز، وسبعة الآلاف التي هي نصاب الفضة إن لم تدفع زكاتها فهي كنز، وسوف يحمى عليها في نار جهنّم.
 ونحن في رمضان، الزكاة أيها الأخوة تُطَهِّرُ نفس الغني من الشح، ونفس الفقير من الحقد، تطهِّر المال من تعلُّق حق الغير به، تُنمي نفس الغني فيرى أثر عمله. فهو بعمله هذا رأب الصدع، لَمّ الشمل، أدخل الفرح على قلب إنسان، مسح الدمع من وجه يتيم، فعندما يدفع الإنسان زكاة ماله، ويرى نتائج عمله؛ كم إنسان زوّج؟ كم بيتاً اشترى؟ كم مشكلة حلّ؟ يرى حاله خطيراً؛ إنسان عظيم مهم، هذا هو النمو.
 لكن هناك إنسان حقير، ضعيف النفس، تافه، فعندما يكسب إنسان مالاً حلالاً، وتنقلب الزكاة إلى زواج، إلى شراء بيت، إلى معالجة مريض، إلى جَبْر خاطر، يرى آثار عمله، فأنا دائماً والله أحب أن يرى المُحسن آثار عمله، فأنت انظر إلى هذا البيت، وأن هذا الإنسان تزوج بمساعدة منك، فتراه هو وأولاده وزوجته كلهم في صحيفتك، هكذا أسرة متواضعة سعيدة في صحيفتك، فالزكاة تنمّي نفس الغني. وتنمي نفس الفقير، فالفقير يتوهم نفسه مُهاناً، فإذا رأى من يهتم به، ويساعده، ويقلق لدخله، تجده يشعر بانتعاش. فهي تنمي نفس الغني، وتنمي دخل الفقير، وتنمّي المال، أنت حينما تؤمن بالقرآن..

﴿ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾

[ سورة سبأ: 39 ]

 وأضعاف مضاعفة، حدثني أخ في صحن المسجد فقال لي: لي ابن عم توفي بمرض عضال، وهو أستاذ جامعي. قال لي: ذهبت إلى بيت المتوفى فسألت أولاده: على والدكم دين؟ قالوا: نعم. ولكنه خجل أن يسألهم كم فوضع رقماً في ذهنه: ثلاثون أو أربعون ألفاً، ولكنه عندما جاء لدفع الدين قالوا له: مئة وثلاثون ألفاً، فدفعهم. قال لي: بالأسواق كساد - وهو صاحب معمل - أقسم لي بالله أن الذي باعه في يومٍ واحد، كانت حصته من الربح مئة وثلاثين ألفاً في يوم واحد..

﴿ وَمَا أَنفَقْتُمْ﴾

[سورة سبأ: 39]

 هذا مثل، أنت كريم والله أكرم..

﴿ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾

[سورة سبأ: 39]

 انظر ؛ يعلم، ويخلف، فلذلك المال الذي تؤدّى زكاته ليس بكنز بلغ ما بلغ، سبعة آلاف وهذا أقل نصاب للفضة، أما الذهب فأربعون ألفاً، وسبعة الآلاف إن لم تدفع زكاتها فهي كنز.

عتاب من الله مؤثر جداً للمسلمين :

 توجد آية فيها عتاب ولكنه مؤثِّر جداً:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾

[ سورة التوبة: 38 ]

 أحيانا ترى في العمرة أو الحج أكثر الناس يرغبون المكوث في الفندق فهو مكيَّف، مريح، يتابع بعض البرامج. فأنت جئت لتعتمر، أنت جئت إلى هذه البلاد من أجل أن تكون في بيت الله الحرام، فيؤثر غرفته بالفندق على أن يطوف، أو أن يسعى، وهذا بالطبع مثل خاص، وكذلك تجد كثيراً من الأشخاص يؤثر المكوث في بيته على الحضور إلى درس علم، يؤثر سهرة ممتعة على مجلس فيه خير..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ﴾

[ سورة التوبة: 38 ]

 أيْ كم سنة تنتهي بالموت، هذه ترضيك؟ انظروا؛ إذا كان الإنسان يعمل بالتجارة، أو بالصناعة، أو بالثقافة، أو بالخدمات العالية، إلى أن يكون له بيت متواضع، أو يركب مركبة صغيرة، تجده تجاوز الأربعينات من العمر، أو الخمسينات، وكما ورد في الحديث الشريف..

(( معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين))

[الجامع الصغير عن أبي هريرة]

 معنى ذلك أن أربعين سنة إعداد، وعشرين سنة استمتاع، وهذه السنوات العشرون فيهم متاعب، وهموم، وأشباح أمراض لا يعلمه إلا الله، فهذه الحياة القصيرة التي لا تزيد عن عشرين سنة، هذا إذا كان الإنسان مِن الفائزين، ولكنك تسمع عن شخص جاءته أزمة قلبية ومات وهو بالسابعة والثلاثين، كثيراً ما نسمع ذلك، فقد كانت أمور الإصابة بالقلب تبدأ في الستين من العمر، أما الآن فتجد عشرات الحوادث كل أسبوع، مات في السابعة والثلاثين أو في الخامسة والعشرين بسبب أزمة قلبية جاءته..

﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾

  من رحمة الله بنا..

﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ﴾

 الله عز وجل مُربّ..

﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾

  وإذا أصررتم، وركبتم رؤوسكم..

﴿ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً﴾

  فإذا كنت غير مرتاح في طاعتك لله يستغني عنك، وقد يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه.

الذّل الحقيقي أن تحتاج إلى لئيم ثم يردُّك :

 أنا أقول لكم هذه الكلمة: لا تقلق على هذا الدين، ولكن اقلق على نفسك، هل سمح الله لك أن تنصره أم لم يسمح؟ هل سمح الله لك أن تحمل هموم المسلمين؟ هل أكرمك الله بأن أجرى على يدك الخير؟ فإذا اعتذرت أو تأففت بقول: قد تعبت, غداً سيأتي عشرات آخرين مكانك عندهم حماس أشد، ورغبة أشد، وعندهم بذل أشد.
 فأنا لا أنسى قصة أذكرها كثيراً وهي عن أخ توفي رحمه الله، قدَّم بيتاً لجمعية خيرية، وكان ثمنه في هذا الوقت ثمانية ملايين، ليكون مركزاً للتدريب المهني. هذا عمل طيِّب، وأقيم له حفل تكريم، كل الذين تكلموا أثنوا على هذا المُحسن الكريم إلا أحد أخواننا فقد تكلَّم كلاماً واقعياً، لكنه ترك فيهم أثراً بليغاً، فقال: أيها الحسن، كان من الممكن أن تقف في طابور طويل كي تأخذ ثلاثمئة ليرة، وتوقيع، وبصمة، لكن الله كرَّمك بأن تعطي.
 فأنت وذكاؤك، أنت الآن تعطي، ولكن من الممكن أن تتسوّل، أو تنقِّب بالحاوية، ألا تلاحظون شخصاً ينقب بالحاوية، فماذا سيجد بالحاوية غير الطعام الفاسد أو بقايا من الخضراوات الفاسدة فهناك من يأكلها.
 فعلى قدر ما كنت ذكياً أو قوياً، فمن الممكن لله عز وجل أن يجعلك تحتاج إلى إنسان لئيم، قال سيدنا علي: " والله والله مرتين، لحفر بئرٍ بإبرتين، وكنس أرض الحجاز بريشتين، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، أهون عليّ من طلب حاجةٍ من لئيمٍ لوفاء دين " فالذل الحقيقي أن تحتاج إلى لئيم، ثم يرُدُّك.
 إذا الله عز وجل كرَّم أحد الناس فهذه نِعْمَةٌ كُبرى أنعمها عليه، ولو شاء الله لكان العكس، لذلك قال الله عز وجل:

﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

[ سورة التوبة: 39 ]

كل إنسان مكلف أن يجاهد في سبيل الله :

 من ألطف المعاني التي قرأتها عن هذه الآية:

﴿ انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً﴾

[ سورة التوبة: 41 ]

 تجد الشاب خفيفاً، يصعد الدرج قفزاً كل ثلاث درجات معاً، وينزل كل خمس معاً، أما في عمر السبعين فتجده يصعد درجة درجة، صار بالحركة ثِقَلاً، أما أنت فمكلَّف أن تجاهد وأنت شاب وكذلك وأنت شيخ.
 سيدنا أبو أيَّوب الأنصاري جاهد في الثمانين، وسيدنا أسامة في السابعة عشرة

﴿ انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً﴾

  أيْ عليك أن تجاهد نفسك وهواك، وأن تجاهد الجهاد الدعوي أو القتالي في أيّ سِن، لأن الجهاد ذروة سنام الإسلام.

المنافق إنسان يثبط همم الناس عن عمل الخير :

 يوجد نقطة دقيقة أيها الأخوة؛ تجد شخصاً له نمط مثبِّط، فإن سمع بمشروع خيري تجده يقول لك: ماذا تريد من وجع الرأس الناس لا يخدمون؟ وإن أردت دفع مبلغ من المال قال لك: هذا كذاب لا تصدقه، هذا دجال وأغنى منك. فكلما حاولت أن تعمل عملاً كأن يكون هذا العمل تأليف كتاب، أو عمل مشروع خيري، أو تأسيس جمعية لإيواء الأيتام. نمطه مثبِّط، هذا المنافق.
 ذات مرة قدم أخ من بلد بعيد، وأراد خدمة المسلمين، وله اختصاص نادر جداً بالطب، فالتقى هنا مع أحد الأطباء، وقد سمعت الطرف الثاني يثبط عزيمته، فهذا جاء ليخدم المسلمين، ومعه اختصاص نادر جداً، ومن الممكن أن نهيئ له حالات صعبة جداً في هذه السنة، يأتي ليحلها، لكنه لم يتركه، قطع عزمه بقوله: ماذا تريد من وجع الرأس وبعد ذلك سيحاسبك؟
 فإذا دخلت لأحد الجوامع أخذوا اسمك، دائماً مثبِّط، يقطع حيل الناس..

﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾

[ سورة التوبة: 47 ]

 سمعت لأن له ابن خالة شارداً عن الله، فاسقاً، فاجراً فأخافه. وكم من إنسان ترك الإنفاق في سبيل الله لأن له قريباً ثبَّط له عزيمته؟!
 فأجمل كلمة سمعتها في حفل لجمع التبرُّعات، أحد علماء دمشق قال: أنا والدي رحمه الله علمني درساً هو أنك كلما أردت أن تنفق مبلغاً من المال، ونازعتك نفسك، فعاقبها، فقال له: وكيف أعاقبها يا أبتِ؟ قال: ادفع الضعف، عاقبها بدفع الضعف.

علامة إيمان الإنسان أنه يفرح لخير أصاب من حوله :

 أخواننا الكرام؛ أتمنى عليكم أن يكون المقياس دقيقاً بين أيدكم، فإذا أنت مؤمن، وأخوك اغتنى، وأنت فقير، فيجب عليك أن تفرح له، أنت مؤمن وأخوك نال شهادة الدكتوراه، وأنت لم تأخذ شهادة الكفاءة بعد، فيجب أن تفرح له، علامة إيمانك أنك تفرح؛ فهذا مكسب للمؤمنين.
 ونحن عندنا قاعدة: " الواحد للكل، والكل لواحد " . مجتمع المؤمنين مجتمع أُسرة، فكيف أن الأسرة تجد فيها الأب يعمل بالمكتب، والأم تطبخ، والبنت تمسح البيت، والابن يحضر حاجياتهم من السوق، ثم قعدوا ظهراً على مائدة واحدة، كل واحد ساهم. هذا هو الإيمان، مجتمع الإيمان مجتمع أسرة؛ كل واحد له دور، فإذا أخوك أخذ دكتوراه، أو أخوك اشترى بيتاً، أو وفِّق في تجارته، علامة إيمانك أن تفرح، راقب نفسك.
 أما إذا أصبت بالضيق وقلت: هذا مشكلته قد حُلَّت، واشترى بيتاً، وأنا لا أملك بيتاً، لا حول الله. فإذا تضايقت فهذا علامة النفاق، لا تراع نفسك، لا تجاملها..

﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾

[ سورة التوبة: 50 ]

 تسوء مَنْ؟ تسوء المنافقين..

﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ﴾

[ سورة التوبة: 50 ]

 أيْ إذا عمل مؤمن عملاً صالحاً، وجاءته بعض المتاعب من ورائه، فقلت: أنا منتبه لهذه النقطة. في الحقيقة أنت لم تعمل شيئاً، أنت قعدت مع القاعدين، أما هذا فعمل، وبالطبع مع العمل تجد متاعب، فلا تجد إنساناً يعمل عملاً إلا ويجد متاعب بسببه، فأنت عندما آثرت السلامة لم تكن أفهم منه ولا أذكى، ولكنه عندما تحرَّك صار لديه متاعب..

من كان على طاعة الله فالمستقبل أمامه مشرق :

﴿ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ * قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾

[ سورة التوبة: 50 ]

 وهذه بشارة..

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾

  اطمئنوا إذا كنتم على طاعة الله فالمستقبل مشرق، فليس هناك مفاجأة أبداً، خطَّك البياني صاعد..

﴿ هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾

 أيْ إذا رأى الإنسان بيتاً فخماً جداً، وكل شيء موجود بداخله، لكن ليس فيه دين، قال:

﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾

إرضاء الله عز وجل عين إرضاء رسول الله :

 آخر آية:

﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾

 يرضوه بضمير المفرد، معنى هذا أن إرضاء رسول الله عين إرضاء الله، وإرضاء الله عز وجل عين إرضاء رسول الله.

تحميل النص

إخفاء الصور