وضع داكن
29-03-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 10 - من سورة المائدة - دوافع الإنسان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

للإنسان دوافع ثلاثة :

 أيها الأخوة الكرام؛ في الإنسان دوافعٌ ثلاثة كما أقولُ دائماً، دافِعٌ إلى الطعامِ والشراب من أجلِ بقاءِ الفرد، ودافعٌ إلى الجِنس من أجلِ بقاءِ النوع، ودافعٌ إلى معرفةِ الحقيقة من أجلِ تأكيدِ الذات، فالإنسان بِفطرَتِهِ يُحِب التفوّق، يُحِب أن يكونَ من أطهر أمة، ومن أشرِفِ بلد، ومن أعظم أبوين، فإذا كانَ في مسجد يُحِب أن يكون في أرقى المساجد، ومن أنظَفِها، فهذا الشعور بالتفوق هُناكَ آيةٌ قُرِئت اليوم تُبيّن أنكَ إذا كُنتَ مُطيعاً لله حُقَّ لكَ أن تتفوّق، أما إذا عصيت ليسَ لَكَ أيّة ميّزة، والذي أقولُهُ دائماً: حالُ المسلمين اليوم لا يُحسدونَ عليها أبداً، ذلكَ أنَّ أمرَ اللهِ هانَ عليهم فهانوا على الله، هانَ عليهم أمرُ اللهِ فهانوا على الله، ولو أنهم عظّموا أمرَ اللهِ لَرَفَعَهُم الله، واللهُ عزّ وجل يقول وهذا قانون:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

[سورة آل عمران:120]

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[سورة ابراهيم: 46]

 هذه الآية التي إذا فهمناها لا نطمع أن نكونَ في مرتبةٍ أعلى إلا إذا كُنا مُطيعين لله، فإن لم نكنَ كذلك فنحنُ كأيّةِ أُمةٍ نُعامَلُ بأيّةِ مُعاملة:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾

[سورة المائدة : 18]

 نحنُ شعبُ اللهِ المُختار، نحنُ الأمةُ المختارة، فردَّ اللهُ عليهم:

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

[سورة المائدة: 18 ]

 وهذا مرضٌ أصابَ أهلَ الكِتاب وقد أصابَ المسلمين، نحنُ أمةُ محمد، نحنُ أمةُ القرآن، نحنُ الأمةُ التي اصطفاها اللهُ بسيّدِ الخلق، قُل ما شِئت فإن لم تكُن مستقيماً على أمرِ الله ليسَ لَكَ أيّة ميّزة، وتُعامَلُ كأيّةِ أمةٍ أُخرى.

 

من لم يكن مستقيماً على أمر الله لا يملك أية ميزة :

 من هُنا قالَ العلماء: أُمةُ محمدٍ أمتنا، أُمة الاستجابة، وهذهِ التي قالَ اللهُ عنها:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾

[سورة آل عمران:110]

 وأمةُ التبليغ هذهِ الأمةُ المُقصِّرة، فإذا قصّرنا في تطبيق أمرِ اللهِ فنحنُ أُمةُ التبليغ، نحنُ أمةٌ كغيرِنا من الأُمم لا نملك أية ميّزة، وهذهِ هي الحقيقة المُرّة، والآن على مستوى فرد أنا أحضر دروساً عند فلان، وقد يكون فلان أكبر عالِم بالأرض، أنا منسوب للعالِم الفُلاني، هذهِ كُلها لا تُقدّم ولا تُؤخر، إن لم تكن مستقيماً على أمرِ الله لا تملِك أية ميّزة، هذهِ حقيقة أخواني، هذهِ حقيقة مُرّة، ليسَ لكَ ميّزة لا بِنَسَبَك، ولا بِوالديك، ولا بأمَتِكَ، ولا بانتمائك، ولا بِمسجِدِكَ، ولا بِشيخِكَ، ميزتُكَ بِطاعَتِك، فإن أطعتَ الله عندئذٍ لكَ أن تُطالِبَ اللهَ أن يحفَظَك، اللهُ أساساً أنشأَ لنا حقاً عليهِ إذا عبدناه، قال: يا معاذ ما حق العبادِ على اللهِ إذا هم أطاعوه؟ قالَ: ألا يُعذِبَهُم، هذهِ الآية الأولى.

 

إحياء النفوس بمعرفة الله و طاعته :

 لو أنَّ أحدَكُم وفّقَهُ اللهُ لِهدايةِ شارد، شاردٍ عن الله وفّقَهُ الله لِهدايَتِهِ، اعتنى بِهِ، زارَهُ كثيراً، جاءَ بِهِ إلى المسجد، تفقّدَهُ، أكرَمَهُ، أعطاهُ أشرطة، حلَّ بعضَ مُشكِلاتِهِ، عاوَنَهُ في أمرِ دُنياه، أي بذل جُهداً كبيراً حتى جَعَلَ هذا الإنسان الشارد يصطلح معَ الله، ويُقبل عليه، ويتوبُ إليه، أنتَ هل تدري أنَّ هذا الذي عَرَفَ اللهَ عن طريقِك كُل أعمالِهِ في صحيفَتِك؟ بل إنَّ ذُريّتهُ المؤمنة في صحيفَتِك، بل إنَّ ذُريّة ذُريّتهُ المؤمنة في صحيفَتِك، بل إنَّ نسلَهُ إلى يومِ القيامةِ في صحيفَتِك، هل هُناكَ آيةٌ تؤكِدُ هذا المعنى؟ نحنُ نقرأُ الآية ثُمَّ نشرَحُها، اليوم نمط جديد نشرح ثُمَّ نذكُر الآية:

﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾

[سورة المائدة : 32]

 هل هناك إنسان يُحيي إنساناً؟ ما معنى كلمة:

﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا ﴾

 ؟ عندنا دليل:

﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾

[سورة الأنعام: 122]

 ما معنى

﴿ كَانَ مَيْتاً ﴾

 ؟ كانَ ميتاً بالضلال، كانَ ميتاً بالبُعدِ عن الله، كانَ ميتاً بارتكاب المعاصي، كانَ ميتاً بالانغماس بالشهوات، كانَ ميتاً بالإعراضِ عن الله، فَأَحْيَيْنَاهُ، بمعرفةِ الله وطاعَتِهِ والتقرُّبِ إليه، إذاً:

﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا ﴾

 هُنا أي من دلّها على الله، من نوّرَ قلبَها بِنورِ الله، من مَلَأ قلبها طُمأنينةً بِسكينةِ اللهِ عزّ وجل.

 

للزنا حدّ ردعي وشرطهُ تعجيزي :

 هذهِ آيةٌ ثانية، أي آيات الجَلد واضحة:

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾

[سورة النور : 2]

 لكن الرجم من أينَ جاءَ بِهِ النبي؟ هذا الذي يزني وهوَ مُحصن لَهُ زوجة ويزني؟ حُكمُ النبي بالسُنّةِ المُطهرّةِ الصحيحة الرجم، هل لِهذا الرجمِ أصلٌ في القرآن الكريم؟ الآية الكريمة:

﴿ فَاجْلِدُوا ﴾

 أنا أقول رجم المُحصن يجب أن يُقتل، يقولُ الله عزَّ وجل:

﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾

[سورة المائدة : 33]

 إنسان متزوّج وله زوجة وله أولاد، وهناك إنسانة متزوّجة ولها زوج وأولاد فزنا بِها، فَشرّدَ أولادها، أو قتلها زوجُها مثلاً، والذي زنا تركتهُ زوجتُهُ واحتقرَهُ أولادُهُ، هل هناكَ من فسادٍ في الأرض يساوي أن يزنيَ الإنسانُ وهوَ مُحصن بامرأة مُحصنة؟ وكيفَ يُطبّقُ هذا الحد؟ هُناكَ شرطٌ تعجيزي، قالَ العلماء: " هوَ حدٌ ردعي " معنى حدٌ ردعي أنّهُ لابُدَّ من أجلِ أن يُرجم من أن يراهُ أربعةُ شهود.. أربعة.. يرونَ العمليةَ كاملةً وهذا شيء مستحيل، إذاً من يقعُ تحتَ وطأةِ هذا الحد؟ هذهِ التي تزني والباب مفتوح، هذهِ ليست زانية إنها فاجرة، هذهِ التي تزني والباب مفتوح وبإمكان أربعة رجال أن يدخلوا وأن يروا عملية الزِنا هُنا يُطبّقُ هذا الحد، فصار الحد ردعياً، وشرطهُ تعجيزي رحمةً بالخلق، هوَ حد ردعي وشرطُهُ تعجيزي لكن هذا أصلهُ في الكتاب:

﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾

[سورة المائدة : 33]

تطبيق القوانين بمفعول رجعي ظلم كبير :

 الآن القوانين تفتخر أنّ في الدستور وفي دساتير العالم لا يجوز أن يُطبّقَ القانونُ بمفعولٍ رجعي، منتهى الظُلم أن تُصدر قانوناً وبعدَ أن تُصدِرَهُ تُحاسب من خالَفَهُ قبلَ أن يصدُر، هذا منتهى الظُلم، قرأت كتاباً عن عالِم جليل أصدر كُتيّباً عن ارتداء القبعة، وأخذ موافقة من وزارة المعارف، والكتاب نُشِر ومضى على نشرِهِ سنتان، ثُمَّ أُصدر قانوناً بإلزام الناس بارتداء هذهِ القبعة، وجاء بهذا الذي ألّفَ الكِتاب وأعدمه لأنهُ عارض، هوَ أخذ رُخصة قبلَ سنتين ولا يوجد عليه إثم، تطبيق القانون بمفعول رجعي هذا منتهى الظُلم، عندنا آية بالقرآن تُشيرُ إلى ذلك، من عظمة آيات الله عزَّ وجل:

﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾

[سورة المائدة : 34]

 أنتَ الآن قدرتَ عليه لكن تاب قبلَ أن تقدر عليه، ليسَ بإمكانِكَ أن تُحاسِبَهُ عما فَعَلَهُ قبلَ التوبة، ما فَعَلَهُ قبلَ التوبة لم تكن أنتَ قادراً عليه، لم يكُن هناك منع، فهذهِ الآيةُ أصل في أنّهُ لا يُمكن أن يُطبّقَ قانونٌ أو حكمٌ شرعي بمفعولٍ رجعي، بعدَ أن يصدُرَ القانون يُطبّق.

 

الوسيلة أي شيء يقرب الإنسان من الله عز وجل :

 ثم يقول الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾

[سورة المائدة : 35]

 ما هيَ الوسيلة؟ أيُّ شيءٍ يُقَرِبُكَ إلى اللهِ وسيلة، العلم وسيلة، طلب العلم وسيلة، أن تكونَ مع جماعةٍ مؤمنةٍ وسيلة، أن تقرأَ القرآنَ وسيلة، أن تعملَ صالحاً وسيلة، أن تكونَ في صُحبةِ مؤمنٍ كريم وسيلة، هذهِ كُلُها وسائل، العمل الصالح وسيلة، أن تكون مع الجماعة وسيلة، أن تتخِذَ أخاً مؤمِناً وسيلة، أن تطلُبَ العِلم وسيلة، أن تكون مع أُناسٍ طيبين طاهرين وسيلة، فهذهِ مُطلقة، أي الهدف هوَ الله، الوسيلة أن أعرِفَهُ، الوسيلة أن أتقرَّبَ إليه، الوسيلة أن أستقيمَ على أمرِهِ، الوسيلة أن أُنفِقَ من مالِهِ.

 

تقنين الله تقنين تأديب لا تقنين بخل أو عجز :

 إذاً هل بالإمكان أن نسحب بعض الآيات على واقع المسلمين؟ يقولُ اللهُ عزّ وجل:

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾

[سورة المائدة : 66]

 أي جاءتهم خيرات لا يعلمُها إلا الله، ممكن أن يكون بدمشق موجود خمسمئة ميليمتر كل سنة، فتجد الخضار منتشرة في كُلِّ شيء، أنا أضرب لكم مثلاً، في سنة من السنوات أنتجنا ثلاثة ملايين طن قمحاً، حاجتنا مليون ووكان الباقي فائض، سنة ثانية أنتجنا مئتين و ستين ألف طن، سنة ثالثة أنتجنا ثلاثمئة و خمسين ألف طن، ثلاثة ملايين،

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾

 إذاً قياساً على ذلك ولو أنّهم أقاموا القرآن، وأحلّوا حلالَهُ، وحرّموا حرامَهُ، لأكلوا من فوقِهم ومن تحتِ أرجُلِهم، إذاً هذا تقنين تأديب، هذا تقنين تأديب لا تقنين عجز، ولا تقنين بُخل.

 

إقامة القرآن و تطبيق أوامره :

 نحن إذا كنا ننتمي إلى أُمة الإسلام، ومعنا القرآن، ودخل شخص إلى بيت فوجد آية الكرسي بخيوط الذهب، وغرفة ثانية القرآن في غلاف من المُخمل الغالي، دخل إلى محله التجاري ( إنا فتحنا لكَ فتحاً مبيناً )، يوجد الكثير من الآيات الجميلة توضع على الجدران، ركبت مع شخص كان يضع مصحفاً في السيارة، ومن ثمَّ ( الحسود لا يسود )، إذاً الجواب:

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾

[سورة المائدة : 68]

 قدرَ ما تُريد زيّن، و ضع لوحات، و ضع آيات قرآنية، وأمسك بالسبحة، والبس جلابية، وتعطّر، قدرَ ما تُريد افعل مظاهر على الأرض:

﴿ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾

[سورة المائدة : 68]

 كُل سنة عمرة طبعاً فندق خمس نجوم، وطائرات، وولائم، وطعام طيب، هذه سياحة، وجاهة، وإنفاق أموال، وحفلات، وموالد:

﴿ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾

[سورة المائدة : 68]

 ونحنُ نُخاطب فيُقالُ لنا: لستم على شيءٍ حتى تقيموا القرآن، تقيموا القرآن في بيوتِكم وفي أعمالِكم أنتم على شيء ولكم عِندَ اللهِ حق، طالِبوهُ بِهِ، وقد أنشأَ لكم هذا الحق، أما إذا لم يُكن هناكَ تطبيق فلسنا على شيء، يوجد مظاهر ضخمة جداً، مساجد مُكلِّفة ألف مليون دولار، زُرت مسجداً في المغرب كلّف ألف مليون دولار، يوجد جامعات إسلامية المِئذنة جامعة، المِئذنة وحدها جامعة ارتفاعها يقدر بمئتي متر، أعلى مِئذنة في العالم، ممكن تُعقد مؤتمرات ضخمة، ممكن تؤلّف كُتباً، موسوعات علمية، مثلاً برامج كمبيوترية إسلامية، ألّف كتاباً في cd قرص ليزري واحد، برامج، مكتبات، ألقاب علمية، مؤتمرات، مساجد، حتى تُقيموا القرآن، فإن لم نُقِم القرآن فلسنا على شيء، هذهِ حقيقة مُرّة.

 

جوهرُ الدين أن تؤمِنَ إيماناً صحيحاً :

 بل إنَّ اللهَ عزّ وجل يقول:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[سورة المائدة : 69]

 يوجد معنى ضمني:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى﴾

 أي كُلُهم مثل بعض مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ من هؤلاءِ جميعاً وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، أي أنتَ لا تنجو بانتمائك، تنجو إذا آمنتَ باللهِ حقاً، وآمنتَ باليوم الآخِر، وعَمِلتَ صالِحاً، عندئِذٍ تنجو، فجوهرُ الدين أن تؤمِنَ إيماناً صحيحاً، وأن تؤمِنَ باليوم الآخِرِ إيماناً صحيحاً، ثُمَّ عندئِذٍ تنجو، هذا أسلوب بالتربية رائع، أن تُخاطِبَ أُناساً بموضوعاتٍ أُخرى لكنّها تنطَبِق عليهم، هذا اسمه: الأسلوب غير المباشِر، الأسلوب غير المباشِر أسلوب بليغ جداً، إياك أعني واسمعي يا جارة.

حرص كل إنسان على هداية نفسه و طاعتها لله :

 الآن يُخاطِبُ ربُنا المسلمين لكن يُذكرِهُم بأمراضِ أهلِ الكتاب وهي منطبِقةٌ عليهم أشدَّ الانطباق:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾

[سورة المائدة : 105]

 عليكم اسم فعل أمر أي الزموا أنفسكم، احرصوا على أنفسكم، أي عرِفوها بالله، احملوها على طاعَته:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾

[سورة المائدة : 105]

﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾

 يوجد معنى قلّما يخطُر على بالِكم، أي أنتَ إن لَزِمتَ نفسَك، وحَرِصتَ على هِدايَتِها، وطاعَتِها، عندئِذٍ لا يستطيعُ الضّال أن يَصِلَ إليك، فإذا وَصَلَ الضّالُ إلينا، وأوقعَ بِنا الأذى، وأَخَذَ أموالَنا، وأذلّنا، معنى ذلك أننا لم نعتن بأنفُسِنا،

﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾

 هذا المعنى قد لا يخطُر بِبالِ الناس، المعنى المُتبادل أي أنتَ إذا كُنتَ في آخر الزمان، وأصبحَ الناسُ في هرجٍ ومرج، وكُذِبَ الصادق، وأُؤتمنَ الخائن، وانغمس الناسُ في الشهوات، وضلَّ الناسُ ضلالاً بعيداً، عليكم أنفسكم، انجُ بنفسِكَ.

 

تقييمُ الأشخاصِ من شأنِ الله وحده :

 الآن تقييمُ الأشخاصِ من شأنِ الله، لا تتورّط وتُقيّم شخصاً، اجعل السيّد المسيح عليه السلام قدوَتَكَ في هذا، قالَ تعالى:

﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[سورة المائدة : 118]

 هذا ليسَ عملي، تقييمُ الأشخاص من شأنِ اللهِ عزّ وجل، النبيُ الكريم سَمِعَ امرأة تقول: " هنيئاً لكَ أبا السائب لقد أكرَمَكَ الله- لأنّهُ نبي وسكوتهُ إقرار ردَّ عليها- قالَ: ومن أدراكِ أنَّ اللهَ أكرَمَهُ" صحابيٌّ جليل لعلَّهُ ماتَ شهيداً، تقولُ امرأة من خلف الستار: " هنيئاً لكَ أبا السائب لقد أكرَمَكَ الله، قالَ: ومن أدراكِ أنَّ اللهَ أكرَمَهُ قولي: أرجو اللهَ أن يُكرِمَه، وأنا نبيٌ مُرسل لا أدري ما يُفعلُ بي ولا بِكم" ، فحينما تُقيّمُ إنساناً، وحينما تُحدِدُ مصيرَهُ أنت، وأنتَ عبدٌ ضعيف، أنتَ بِهذا تتألى على الله، والتألي على الله سوءُ أدبٍ معَ الله، سيدنا عيسى يقول: يا رب هذا ليسَ عملي:

﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[سورة المائدة : 118]

 لكن إياكُم أن تفهموا من هذا الكلام إذا وجدت شارب خمر أن تقول: لعلَّ هذا يكون ولياً، لا... لا هذهِ سحبة، هذا عاص لكن لعلّهُ يتوب، أمّا وهوَ مُنغمس في المعصية تقول إنه ولي، هذه أخطاء بالدين، المعصية معصية، شارب الخمر شارب خمر، الزاني زان، آكل الرِبا آكل رِبا، لكن هذا الني تَظُنهُ ميئوساً منهُ قد يتوب وقد يسبِقُكَ، فأنتَ لا تحكم على المستقبل بإمكانِكَ أن تحكم على الحاضر، أما المستقبل فلا تحكم عليه، قُل: أرجو اللهَ أن يتوبَ عليه، اللهمَّ اهده، فإن لم تهده فعِظهُ:

﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[سورة المائدة : 118]

 هذا موقف فيهِ أدب، حتى في موضوع النساء ماذا قال سيدنا يوسف؟

﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾

[سورة يوسف: 33]

 معنى ذلك أنَّ الإنسان إذا مكنه الله أن يَغُضَ بَصَرَهُ هذا من فضلِ الله عزّ وجل، فربنا إذا إنسان اعتد بنفسِهِ، أنا قوي الإرادة، وأعصابي متينة، لا أسأل، قد يُضعِفُ الله لَهُ مقاومتهُ فيقع وقوعاً مريراً.

 

تحميل النص

إخفاء الصور