وضع داكن
18-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 09 - من سورة المائدة - الأمانة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

تميز المؤمن بأمانته و صدقه وإنجازه للوعد :

 أيها الأخوة الكرام؛ ألا لا إيمانَ لمن لا أمانةَ لَهْ، ولا دينَ لمن لا عَهد لَهْ، سيُدنا جعفر حينما وَصَفَ للنجاشي هذا الدينَ العظيم قالَ:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، حتى بعث الله إلينا رسولاً - صِفاتُهُ البارزة - منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 الشيء الذي يتميّز بِهِ المؤمن أمانَتهُ وصِدقهُ ووفاءهُ بالعهد وإنجازهُ للوعد، فهذهِ السورة سورة المائدة تُفتتح بهذهِ الآية:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾

[سورة المائدة: 1]

 الإنسان حينما ينقُضُ عهدَهُ، وحينما لا يفي بوعدِهِ يخرُجُ من دينِهِ، الدين ليسَ عِباداتٍ شعائِريّة، الدين عبادات تعامُليّة، الذي يجذِبُ الناسَ إليك ليسَ صلواتُك ولكن معامَلتك، فقد وَرَدَ عن رسولُ اللهِ صلى الله عليهِ وسلّم أن:

(( استقيموا يُستقم بِكم ))

[ الطبراني عن سمرة ]

 الموقف الصادق وحدهُ دعوة، الأمانة وحدها دعوة، العِفّة وحدها دعوة، أنت كُنْ عفيفاً، وكُنْ أميناً، وكُنْ صادقاً، أنتَ أكبر داعية وأنتَ صامت دونَ أن تنطِقَ بكلمةٍ واحدة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾

[سورة المائدة: 1]

 والإنسان عندما ينقُضُ عهدَهُ، ولا يفي بوعدِهِ، يُسقِطُ كُلَّ عباداتِهِ، ورد عن السيّدة عائشة أنها قالت: " قولوا لِفُلان إنّهُ أبطلَ جِهادَهُ مع رسولِ الله "، الإنسان إذا خانَ العهد ولم يفِ بالوعد أبطَلَ كُل عباداتِهِ، فقد أبطَلَ جِهادَهُ مع رسولِ الله، فيجب أن يبقى هذا في ذِهن المؤمن.
 الآن مشكلة المسلمين أنهُم فَهِموا الدين في النهاية عبادات شعائِريّة مع أنَّ الدين صِدق، وأمانة، واستقامة، وعِفّة، فإن فعلتَ هذا الآن مقبولة مِنكَ كُلَ العبادات الشعائِريّة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾

[سورة المائدة: 1]

الاستقامة تبعد الإنسان عن الاعتداء على الآخرين :

 النقطة الدقيقة أنَّ هذا المسلم نموذج عجيب، هذا الذي جَعَلَ الإسلام يتوسّع، هذا الذي جَعَلَ الإسلام ينتشر في الآفاق، ما الذي جَعَلَ المُسلم يصل إلى الصين وإلى قُرب باريس غرباً؟ الاستقامة، فاللهُ عزّ وجل يقول:

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ﴾

[سورة المائدة: 2]

 أي لا يحمِلنّكُم شَنَآنُ قَوْمٍ، أي بُغضُ قومٍ، من هوَ العدو التقليديُّ للمؤمن؟ الكافر، الكافر بِكُفرِهِ، والكافر بجريمتِهِ، والكافر باستعلائه، والكافر بِغطرَسَتِهِ، والكافر بِظُلمِهِ، والكافر بانتهاك الحُرُمات، ما يفعلُهُ الكافر جرائم كُلها، ومع ذلك:

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾

[سورة المائدة: 2]

 ممنوعٌ أن تعتدي على إنسان ولو كانَ كافراً، ولو كانَ مجوسيّاً، ولو كانَ عابِدَ صنم، ولو كانَ مُلحِداً،

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾

 لا يحمِلنّكم،

﴿ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾

 لذلك عَظَمةُ هذا الدين أنَّ اللهَ جلَّ جلالُه لا يُقرِّبُ إلا من كان كاملاً، أما أي إنسان قوي فيكفي أن تُعلِنَ ولاءكَ لَهُ فيُقرِبك، ولا يعبأ بِسلوكِك، ، يقولون إنَّ سيّدنا رسول الله دُعي أن يُمثِلَ بِبعض الكُفار فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلام: " لا أُمثِلَ بِهم فيُمثِلَ اللهُ بيّ ولو كُنتُ نبيّاً "، الإيمانُ قيدُ الفتك، أنتَ مُقيّد بالشرع، مُقيّد بسلوك المؤمنين، إذاً المُسلم نموذج صارخ، ما الذي يجذِبُ الناسَ إليه؟ أنّهُ يَقِفُ عِندَ حدودِ الله، أنّهُ لا ينتقم، لا يظلم، لا يبغي، لا يعتدي، لذلك اللهُ عزّ وجل لا يُمكن أن يُقرّب إنساناً إلا إذا كانَ كاملاً:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾

[سورة الأعراف: 180]

 لن تستطيعَ أن تدعوَ اللهَ إلا بكمالٍ مشتقٍ من أسمائِهِ الحُسنى، أي اللهُ عزّ وجل كريم فيُقرّب الكريم، ويقبل الكريم، اللهُ عزَّ وجل عادل فيقبل العادل، اللهُ عزَّ وجل رحيم فيقبل الرحيم، لن تستطيعَ أن تتقرّبَ إلى الله إلا بكمالٍ مشتقٍ مِنهُ، أما بِعبادات شعائِريّة و بالإساءة إلى الخلق فالطريق مُغلق، هذهِ الآية واضحة:

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

[سورة المائدة: 2]

 وهذهِ الآية أصل واللهِ، أي تعاون على الإثم والعدوان مُحرّم، وأيّ تعاون على البِرّ صلاح الدُنيا، والتقوى صلاح الآخرة، هذا تعاون مقبول بل مندوبٌ إليه.

التوسع في الزواج من الأجنبيات يُسبب مُشكلات كبيرة جداً :

 هناكَ مفارقةٌ عجيبة هوَ أنَّ اللهَ عزّ وجل سَمَحَ لَنا أن نتزوّجَ المحصنات من الذين أوتوا الكتاب، فالإنسان يذهب إلى بلاد الغرب ويتزوّج امرأة هذهِ ليست مُحصنة، قبلَ أن تلتقي معك التقت معَ مِئات، فهذه مُحرّمة أن تقترن بِها، الآية واضحة:

﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾

[سورة المائدة: 5]

 فالتوسع في الزواج من الأجنبيات يُسبب خراب البيوت، يُسبب مُشكلات كبيرة جداً، هذهِ لا تبقى مع رجل فترة طويلة، فإذا أنجَبَ منها أولاداً أخذت أولادها وهربت بِهم، وهناكَ من يحميها، وهناكَ من يُقويّها، وهُناكَ من تلتجئ إليه، فلذلك الآية الكريمة:

﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾

[سورة المائدة: 5]

 وهؤلاء الذين أوتوا الكتاب تركوا كتبهم كُليّاً، وتركوا عقيدتَهُم، وهُم لا يدينونَ بشيء، الشيء الذي لا يُصدّق الآن أنَّ الزواج في بلاد الغرب أُلغي، أي لا يوجد عقد، ولا زواج إسلامي ولا نصراني ولا زواج مدني، ولا يوجد عقد أبداً، يسكُنُ معها وتسكُن معهُ وفي أي لحظة يلفُظُها، حينما تَرَكَ الناسُ منهجَ اللهِ عزَّ وجل وقعوا في شرِّ أعمالِهم، فهُنا الآية:

﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾

[سورة المائدة: 5]

 هذهِ ليست مُحصنة، وهُناكَ من يقول: إنَّ عِلّةَ الزواج من الكتابيّات أنَّ الإسلام قويٌّ جداً، والابن يأتي بدينِ أقوى الأبوين، فإذا ضَعُفَ الإسلام وقَويَ أهلُ الكُفر فالابن سيأتي بدين أقوى الأبوين، وهذهِ مُشكلة ثانية، أي الابن يعتز بدينِ أُمِهِ، وبقوةِ أهلِ أُمِهِ.

ثمن معية الله الخاصة :

 الشيء الذي يلفِتُ النظر هوَ أنَّ اللهَ عزّ وجل إذا كانَ معك فمن عليك؟ وإذا كانَ عليك فمن معك؟ أي إذا كانَ اللهُ معك لا يوجد عِندك أية مُشكلة، خالِق الكون القوي، العزيز، الجبّار، الغني هوَ معك إلا أنَّ معيّة اللهِ لَها ثمن:

﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾

[سورة المائدة: 12]

 معيّةُ اللهِ العامة مبذولةٌ لِكُلِّ إنسان:

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾

[سورة الحديد : 4]

 معكم بِعلمِهِ، لكن معيّةُ اللهِ الخاصّة هذهِ لَها ثمن، ثمنها أن تُقيمَ الصلاة التي أرادها اللهُ عزّ وجل، وأن تؤتي الزكاة، وأن تنصُرَ الحق، فإن دفعتَ الثمن نِلتَ هذهِ المعيّة.

ضرورة تأمل و حفظ القوانين الكُليّة في القرآن الكريم :

 أيها الأخوة الأكارم؛ يوجد في القرآن قوانين، إن وجدتَ مجتمعاً فيهِ عداوات، خصومات، متحيّد، أحزاب، كُل طرف يطعن بالطرف الآخر، هذا المرض الخطير في المجتمع الذي يَفُتُ في عَضُده، هذا المرض الذي يُضعِفُ قِواه، المنازعات، الخِلافات، العداوة، البغضاء، الحسد، ما سبَبُهُ؟ سببهُ يقولُ اللهُ عزّ وجل:

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

[سورة المائدة: 14]

 وأيُّ مجتمعٍ نسيَّ الذي ذُكِّرَ بِهِ أي لم يُقِم منهجَ اللهِ في حياتِهِ، أول ثمرة من ثِمار هذا التفلُت أنَّ اللهَ عزَّ وجل يُغري بينهم العداوةَ والبغضاء إلى يوم القيامة.
 أنا أتمنى على الأخوان الكِرام هذهِ القوانين الكُليّة في القرآن الكريم أن يتأملوها ويحفظوها، مثلاً التيسير:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾

[سورة الليل: 5-7]

 التعسير:

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾

[سورة الليل: 8-10]

 الحياةُ الطيبة:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 الشقاء في الحياة الدنيا:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[ سورة طه: 124 ]

 هذهِ قوانين وهذهِ سُنن وهذهِ أُسس لا تتبدل ولا تتغيّر، هُنا أيّ مجتمعٍ رأيتَهُ يُعادي بعضَهُ بعضاً، يطعنُ ببعض، مُنقسم، متمزّق، مُشرذم، السبب أنّهُ تَرَكَ منهَجَ الله، الآن ضيّق الدائرة: بيت إذا أحد الزوجين يعصي الله تنشأ مشكِلات لا تنتهي، تنشأ العداوة والبغضاء، كُل بيت متفلّت فيهِ عداوة وبغضاء، وكُل بيت فيهِ انضباط شرعي فيهِ حُب، الحُب ثمنُهُ الانضباط، تنضبط بمنهج الله فتُحب الذينَ حولَك، ويُحبُكَ الذينَ حولَك، فإذا تَفلّتَ أحدُهما نشأت مُشكلة، فالذي يسعى إلى الوِئام والوِد والحُب فيما بينَ زوجين، فيما بينَ أخوين، فيما بينَ جارين، فيما بينَ مؤمنين، كُلما التزم المؤمنون نَشَأَ الحُب بينهم، وكُلما تَفَلّتَ المؤمنون عن منهجِ الله نشأت بينهم العداوةَ والبغضاء، والآية واضحة جداً هذهِ كُلّها قوانين:

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

[سورة المائدة: 14]

من يتفلت من منهج الله يقع كيد الكافر عليه :

 البارحة ذكرت:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

[سورة آل عمران: 120]

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[سورة إبراهيم: 46]

 مكرُ الكُفار مُخيف، أي ما حققوا من مكرِهم واحد بالألف، وهذا الذي يُحقِقونَهُ جَعَلَ العالمَ كُلهُ خراباً، وجَعَلَ العالَمَ كُلهُ يُحارِبُ بعضَهُ بعضاً، الآن أي بؤرة متوترة صُنع المكر، في أندونيسيا مثلاً الطوائف متفاهمة منذ ثلاثمئة سنة فنشأت مُشكلة وعقِبَها حرب وعقِبَها قتال، فحينما يتفلّتُ الناسُ من منهج الله يقعُ كيدُ الكُفارِ عليهم:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

[سورة آل عمران: 120]

 هذهِ آيات أساسيّة يسمونها أياماً مِفصليّة، أي قوانين أنتَ إذا آمنتَ بِها تغدو الحياة رائعةً وسعيدةً بِفضلِ تطبيقِ هذهِ القوانين.

المؤمن مسالم أما المتفلت من منهج الله فنمطه عدواني :

 الآن على مستوى مسجد من الذي يُعادي؟ من الذي يُبغض؟ من الذي يطعن؟ المُقصّر، المُقصّر في دينِهِ، المُتفلّت من منهَجِ ربِهِ يُصبح نمطُهُ عدوانياً، المؤمن مُسالم، المؤمن رحيم، المؤمن يلتمِسُ لأخيهِ عُذراً ألفَ مرّة: " التمس لأخيكَ عُذراً ولو سبعينَ مرة "، فتجد المنُضبط مُسالماً، من طرَفِهِ لا يوجد إلا كُل أمن، وكل راحة، الإنسان عندما يغلط وينقطع عن الناس يُصبح حاسداً، عندما أصبحَ حاسداً صار مُغتاباً، من الحسد إلى الغيبة إلى النميمة، فتجد هذهِ الأمراض النفسيّة تُفتت المجتمع الإسلامي، وأنا ذكرت سابقاً أنهُ الآن يوجد مظاهر إسلامية صارخة جداً، لكن يُقابِلُها عِداء وبغضاء بينَ المؤمنين، أما لو كان هناك انضباط بمنهج الله عزّ وجل لرأيتَ الوِئام والحُب بينَ المؤمنين بشكل عجيب، أنا الذي أتمناهُ على اللهِ عزّ وجل ولو كانت مساحة صغيرة في الأرض يُطبّقُ فيها الدين تطبيقاً حقيقيّاً، أي مُجتمع صغير ولو كان مُجتمع مسجد إذا فيهِ وِد، وفيهِ حُب، وفيهِ التزام، هذا المجتمع ينمو، أمّا مهما كانَ الحجم كبيراً من دونِ حُب فمتمزّق، مُشرذم، مُقطّع الأوصال، فنحنُ الآن بحاجة إلى التزام من أجلِ أن نُحِب بعضنا بعضاً، الإنسان أحياناً يعجب أنّهُ شخص مُسلم من بني جلدتِك يتفنن في إيقاعِ الأذى بِكَ، يتفنن، لِوجهِ من؟ لِوجهِ الشيطان، مُسلم ومن جِلدَتِكَ ومن بني قومِكَ يتفنن في إيقاعِ الأذى بِكَ لِوجهِ الشيطان، هذا من بُعدِهِ عن الرحمن، كُلما اقتربت من اللهَ امتلأ قلبُكَ رحمةً، وكُلما ابتعدت عنهُ امتلأ القلبُ قسوةً، والقسوة ينعكِسُ مِنها الفظاظة والغِلظة والاستعلاء والكِبر، والرحمة ينعكِسُ مِنها الوِد واللين، لذلك قالَ اللهُ تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾

[سورة آل عمران: 159]

 بسببِ رحمةٍ استقرت بقلبِكَ يا مُحمّد كُنتَ ليّناً لهم، لو أنَّ القلبَ كانَ مُنقطعاً عن اللهِ لامتلأ قسوةً، ومعَ القسوةِ فظاظة، ومع الفظاظة نفور واضطراب، فكُل واحد مِنّا بِقدرِ طاعتِهِ لله يلتفُ الناس حولَهُ، وبقدرِ معصيتِهِ لله ينفضُّ الناسُ من حولِه، وهذهِ قاعدة ثابتة في الإسلام.

تحميل النص

إخفاء الصور