وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية عامة - الدرس : 26 - معرفة الآيات الكونية طريق لمعرفة الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

نجاح الدعوة إلى الله يرتبط بأربع خصائص :

 أيها الأخوة الكرام؛ يقول عليه الصلاة والسلام: " أنا بشارة أخي عيسى ودعوة أبي إبراهيم "لأن سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بشر، بقدوم النبي عليه الصلاة والسلام فقال: " أنا بشارة أخي عيسى ودعوة أبي إبراهيم "، أين هي الدعوة؟ قال تعالى:

﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[سورة البقرة :129]

 دقق في كلمة منهم، بشر تجري عليه كل خصائص البشر، كل الشهوات التي أودعها الله في الإنسان أودعها بالأنبياء، لكنهم انتصروا على أنفسهم، وآثروا مرضاة ربهم وهو حجة علينا، وكل إنسان يقول: إن هذا التكليف مضن، فوق طاقة البشر هو يكذب قوله تعالى:

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾

[سورة البقرة :286]

 ما كلفنا الله بشيء فوق طاقتنا، إلا أن الإنسان يتحجج، أما التكليف فضمن وسع الإنسان:

﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾

 أية دعوة إلى الله تعتمد على أربع خصائص تنجح، لأن هذه الدعوة فيها اتباع للنبي عليه الصلاة والسلام، يتلو عليهم آياته، من أوجه التفاسير الآيات الكونية والقرآنية والتكوينية، الله عز وجل لا تدركه الأبصار كيف نعرفه؟ من آثاره، له آثار خلقية، له آثار فعلية، له آثار كلامية، فالقرآن كلامه، والكون كونه، والحوادث أفعاله، يتلو عليهم آياته، إذاً أجمل شيء في الدعوة إلى الله أن تعرف الله، أصل الدين معرفة الله، والأحكام الفقهية فروع الدين، يتلو عليهم آياتك، أي هذا النبي يا رب أدعوك أن تبعثه فيهم يتلو عليهم آياتك، آيات الكون، والدليل ألف وثلاثمئة واثنان عشرون آية في القرآن الكريم، لماذا هذه أنزلت أليس لها معنى؟ أليس لها هدف؟ أليس لها رد فعل من قبلنا؟ إنها منهج التفكير، منهج معرفة الله، يتلو عليهم آياتك.

آيات الله عز وجل طريق لمعرفته :

 ربنا عز وجل قال عن الماء:

﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾

[سورة الحجر:22]

 لو أن الإنسان أراد أن يخزن ماء العام لاحتاج إلى حجم يساوي حجم بيته بالضبط، ومع هذا الحجم الماء يفسد تنبت فيه الحشائش، تنبت فيه الجراثيم والبكتريات وصغار الحيوانات، ويتغير طعمه ورائحته، ولكن ربنا عز وجل خزن الماء، أقرب شيء لنا نبع الفيجة، دمشق خمسة ملايين نسمة تشرب من هذا النبع، مفتوح اثنان وثلاثون متراً مكعباً بالثانية إلى متر مكعب بالثانية على مدار العام، كل ثانية،

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾

﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾

  وقال تعالى:

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾

[سورة الغاشية :17]

 في عيني الإبل جهاز تكبير وجهاز تقريب، عين الإبل ميكروسكوب و تليسكوب، يرى البعيد قريباً، والصغير كبيراً، وإذا ثارت الغبار بالصحراء عنده جفون تتيح له الرؤية، وتمنع دخول الرمل إلى عينيه، على كلٍ الإنسان إذا استطاع أن يفكر في الآيات التي ذكرها الله يعرف الله معرفةً عاليةً جداً.
وقال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

[سورة آل عمران :190]

 أقصر يوم في السنة هو يوم الثالث والعشرين من كانون الأول، وأطول يوم هو يوم الثالث و العشرين من حزيران، اختلاف الليل والنهار طولاً وقصراً، واختلاف الليل والنهار تتابعاً، على كل الآيات طريق معرفة الله، قال تعالى:

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾

[سورة الجاثية :6]

 يتلو عليهم آياتك، فالدعوة التي تخلو من تعريف الناس بالله دعوة عرجاء، لأنك إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر، أما إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في تنفيذ الأمر، وفرق كبير بين تفننت وتفانيت.

الدعوة إلى الله لابد لها من قرآن وسنة وتزكية نفس :

﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[سورة البقرة :129]

 الكتاب القرآن، والحكمة السنة هكذا قال العلماء، السنة تبيينية، والقرآن فيه كليات، الله عز وجل قال: آتوا الزكاة:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾

[سورة الأنعام :141]

 هذه كلية، أما أنصبة الزكاة كمصارف الزكاة، زكاة الأموال، زكاة العروض، زكاة الإبل، زكاة البقر، زكاة الركاز، لمن تدفع الزكاة؟ للفقراء والمساكين والعاملين عليها، هذه التفاصيل جاءت في السنة، والسنة تبيينية والقرآن كلي، فالدعوة لابد لها من قرآن، ومن سنة، ومن آيات كونية وتكوينية وقرآنية، ثم لابد لها من تزكية النفس، ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم، تزكية النفس تطهيرها من أدرانها، السمو بها، أنت تتخلص من كل نقص وعيب، كبر، غطرسة، أنانية، كذب، نفاق، هذه كلها أمراض، وهي أعراض الإعراض، ويبدأ فعلها المدمر بعد الموت، قال تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾

[سورة الشعراء : 88]

 فالدعوة التي يمكن أن تقف على قدميها، الدعوة التي يمكن أن تنجح لابد لها من تعريف بالله من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية، ولابد لها من تعريف بمنهج الله، أي يا ربي أنا عرفتك خالقاً عظيماً كيف أعبدك؟ كيف أتقرب إليك؟ بالمنهج افعل ولا تفعل، والتفاسير بالسنة، السنة قولية وعملية، قولية بيان النبي، وعملية فعله، وفعله أصدق في فهمه لكلام الله من بيانه، أي أدق لأن كلامه قد يؤول تأويلات ما أرادها النبي أما فعله فقد لفت نظري مرة أن رجلاً من الدعاة إلى الله تحدث عن وضع المرأة - كلام طويل - لكن زوجته محجبة حجاباً كاملاً، فالذي قاله يتناقض مع سلوكه، هو لأنه حجبها حجاباً كاملاً يؤمن بالحجاب الكامل، فإذا أعطى رخصاً هو ليس قانعاً بها، أيهما أبلغ في التعبير عن قناعته كلامه أم سلوكه؟ سلوكه .

التزكية محصلة الدين كله :

﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾

  يوجد ثلاث آيات في القرآن، قال تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾

[ سورة الأعلى:14- 15 ]

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 9-10]

 فالتزكية هي ثمن الجنة، كيف سعر العملة يعبر عن كل اقتصاد الأمة، عن ثرواتها الباطنية، عن معاملها، عن إتقان صنعتها، عن تجارتها الواسعة، عن ميزانها التجاري، عن مركزها الاستراتيجي، عن قوتها، فسعر العملة رقم ولكن له دلالة كبيرة جداً، وكذلك التزكية محصلة الدين كله، محصلة إيمانك، محصلة استقامتك، محصلة تقربك من الله، محصلة عملك الصالح في النهاية هل زكيت نفسك؟ التزكية هي سبب الجنة.

أركان الدعوة :

 دقق في الآية أربعة أركان للدعوة، يتلو عليهم آياتك، ويعلمهم الكتب والحكمة، ويزكيهم، إنك أنت العزيز الحكيم، فالإنسان لابد من أن يعرف الله، أنت بالكون تعرفه، ولابد من أن يعبده، وبالشرع يعبده، والمحصلة أن تزكو نفسك، لتكون هذه التزكية ثمناً للجنة، هذا ملخص الملخص، والإنسان أحياناً يحب أن يأخذ الأمور مضغوطة، مكثفة، ويحب أحياناً أن يأخذ التفاصيل، فهذه الآية أساسية:

﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[سورة البقرة :129]

 أي آياتك غير الكتاب والحكمة، يوجد فرق، تغاير، ربنا وابعث فيهم رسولاً يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتب والحكمة، فإذا دعوت إلى الله عرف الناس بالله أولاً، وعرفهم بمنهجه ثانياً، ثم ادعهم للاتصال به كي تزكو نفوسهم، عرفهم بالله أولاً من خلال آياته، ثم بمنهجه ثانياً كي يتقربوا إليه، ثم ادعهم للاتصال به كي تزكو أنفسهم، فتكون هذه التزكية ثمن جنة ربهم، والحمد لله رب العالمين، وكل عام وأنتم بخير، وهكذا الدنيا، الدنيا ساعة اجعلها طاعة، نحتار رمضان السبت أو الأحد، انتهى رمضان .

تحميل النص

إخفاء الصور