وضع داكن
19-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية عامة - الدرس : 22 - إصلاح ذات البين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

إصلاح ذات البين مع الله تعالى :

 أيها الأخوة الكرام؛ بمناسبة اقتراب عيد الفطر السعيد أذكركم بقوله تعالى:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنفال: 1 ]

 علماء التفسير فسروا هذه الآية على ثلاثة مستويات، المستوى الأول: أن تصلح العلاقة بينك وبين الله، فإن صلحت في رمضان ينبغي أن تستمر بعد رمضان، إن ألفت ضبط اللسان في رمضان ينبغي أن تستمر في ضبط اللسان بعد رمضان، وإن ألفت غض البصر في رمضان ينبغي أن تستمر في غض البصر بعد رمضان، وإن ألفت صلاة الفجر في المسجد في رمضان ينبغي أن تستمر في صلاة الفجر في المسجد بعد رمضان، وإن ألفت صلاة العشاء في رمضان في المسجد ينبغي أن تستمر في أداء هذه الصلوات بعد رمضان في المسجد، وإن ألفت كثرة قراءة القرآن في رمضان ينبغي أن تتابع قراءة القرآن بعد رمضان، وإن ألفت كثرة الإنفاق في رمضان ينبغي أن تتابع الإنفاق بعد رمضان، هذا أول مستوى صلاح ذات البين مع الله.

ضرورة ستر المسلم و حمله على التوبة :

 الآن أي واحد منا بإمكانه أن يصلح علاقته مع من حوله، مع زوجته، مع أولاده، مع أخوته، مع أخواته، مع أعمامه، مع أخواله، مع عماته، مع خالاته، بالاعتذار، ولين الجانب، والصفح، والمسامحة، تقديم هدية يمكن أن تصلح ذات بينك، لكن أخطر علاقة بين الزوجين، إنها إن صلحت صلحت أكثر العلاقات، لأن هذه المرأة شريكة حياتك، فإذا كان هناك خطأ في الماضي ينبغي أن نغفره، من قبله أو من قبلها، إذا كان هناك تقصير ينبغي أن نتلافاه، إذا كان هناك كلمات مزعجة تسبب حرجاً في العلاقة الزوجية ينبغي أن ندعها، إذا كان هناك فرقاء يتدخلون في إفساد هذه العلاقة ينبغي أن نقصيهم.
أنا سمعت قصة والله لا أمل من تردادها، والقصة قلّما تحدث في بيت، لأنه شيء خطير جداً، ومع ذلك هكذا سمعت أن إمام أحد جوامع دمشق القصة قبل خمسين سنة رأى رسول الله في المنام يقول له: قل لجارك فلان - وجاره سمان، إنسان بسيط جداً، وثقافته محدودة جداً، وعلاقاته محدودة جداً - إنه رفيقي في الجنة، هذا خطيب المسجد وإمام المسجد لم يستوعب الموضوع، معقول إنسان عادي جداً بعلمه وبعلاقاته يكون رفيق النبي في الجنة؟! كأنه صعق من هذه البشارة من رسول الله، ورؤيا النبي حق، لأن الشيطان لا يتمثل برسول الله، طرق باب جاره ودخل إلى البيت وقال له: لك عندي بشارة من رسول الله، ولكنني والله لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت حتى استحققت هذه البشارة، امتنع وتحفظ وأصرّ لكن هذا الخطيب والإمام كان أشدّ إصراراً، فلما رأى لابد من البوح قال له: تزوجت امرأة وفي الشهر الخامس من زواجي بها كان حملها في الشهر التاسع، معنى ذلك أن هذا المولود ليس لي، يبدو أنها زلت قدمها فيما مضى، قال له: بإمكاني أن أفضحها، بإمكاني أن أطلقها، بإمكاني أن أطردها، دليل قطعي أن إنساناً عرسه من خمسة أشهر والحمل عمره تسعة أشهر، قال له: أتيت بقابلة في الليل وولدتها، وحملت المولود تحت عباءتي ودخلت به إلى المسجد، وتعمدت أن أدخل المسجد بعد أن نوى الإمام الفريضة، ووضعت المولود وراء الباب وصليت كغيري من الناس، فلما انتهت الصلاة بكى الصغير، تحلق الرجال حوله، أتيت إليهم كأنني لا أعرف شيئاً قلت: ما الخبر؟ قالوا: تعال وانظر طفل مولود حديثاً وراء الباب، قال: أعطوني إياه أنا أكفله، أخذه أمام أهل الحي على أنه متبنى ودفعه إلى أمه، وسترها، وأصلحت ذات بينها، فقال: هذا العمل يستحق أن يقول النبي لإمام هذا المسجد: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة.
 الله عز وجل من أسمائه الستار، من أسمائه أنه يستر، والمؤمن كلما اتصل بالله يشتق من هذه الأسماء، أي بإمكانه أن يفضحها، وربما تذبح من قبل أهلها، لكن ماذا فعل؟ أوصل امرأةً إلى جهنم، أما حينما سترها، وغفر لها، وحملها على التوبة، أنقذها وأوصلها إلى الجنة، فكم هناك باب من أبواب الخير يمكن أن تفعله بسترك، بعفوك، طبعاً ليس عفواً ساذجاً، أحياناً امرأة قد تكون اغتصبت دون أن تشعر، أو قد اغتصبت وهي صغيرة، وقد تكون زلت قدمها وتابت توبة نصوحة، ورد في السيرة أن فتاةً أو امرأة في عهد عمر بن الخطاب زنت، أقيم عليها الحد، وبعد حين القضية نسيت وجاء من يخطبها، فجاء أخوها إلى سيدنا عمر وقال له: يا أمير المؤمنين إن فلاناً قد خطب أختي أفأذكر له ما كان منها؟ قال له: والله لو ذكرت له ما كان منها لقتلتك.
 إذا الله عز وجل تاب على الإنسان، هذه قضية الستر أكثر الناس فضاحين، أي يتلذذ بالفضيحة، لكن والله أيها الأخوة يدخل إلى قلب المؤمن بالستر أضعاف ما يدخل من الفضيحة، الشيطان فضّاح، والمؤمن ستير يستر، قال تعالى:

﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾

[ سورة المائدة : 32]

 إذا أنت إنسان احتويته، وحملته على التوبة، وسترته ستراً مضبوطاً حتى رفعت اسمه بين الناس، هذا عمل تستحق أن تكون رفيق رسول الله في الجنة، كم باب من أبواب الجنة يفتح أمامك حينما تستر؟ كم باب من أبواب الخير تفتح أمامك حينما تغفر؟ حينما تعفو؟ حينما تتجاوز؟ يقولون: إن سيدنا معاوية كان جالساً مع ابنه يزيد، يأتيه كتاب من مواطن عادي يقول له: أما بعد فيا معاوية - تصور مواطناً عادياً يخاطب أمير المؤمنين باسمه فقط - إن رجالك قد دخلوا أرضي فانههم عن ذلك، وإلا كان لي ولك شأن والسلام، منتهى الجرأة، منتهى التطاول، فسيدنا معاوية إلى جانبه ابنه يزيد قال: ما ترى أن نفعل معه؟ الدم غلى في عروقه قال: أرى أن ترسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتوك برأسه مقطوعاً، تبسم معاوية وقال: خير ذلك أفضل، جاء بكاتبه وقال له: اكتب، أما بعد فقد وقفت على كتاب ولد حواري رسول الله، ولقد ساءني ما ساءه، والدنيا كلها هينة جنب رضاه، لقد نزلت له عن الأرض ومن فيها. وصل الكتاب إلى عبد الله بن الزبير، صاحب هذه الجرأة والتطاول، فجاء الجواب من عبد الله بن الزبير أما بعد: فيا أمير المؤمنين، اختلف الوضع، أول كتاب يا معاوية، أول كتاب إن رجالك قد دخلوا أرضي فانههم عن ذلك وإلا كان لي ولك شأن والسلام، تهديد، الكتاب الثاني طبعاً أجابه معاوية، أما بعد فقد وقفت على كتاب ولد حواري رسول الله، ولقد ساءني ما ساءه، والدنيا كلها هينة جنب رضاه، لقد نزلت له عن الأرض ومن فيها، يأتي الجواب أما بعد: فيا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك، وما أعدمك الرأي الذي أحلك من قومك هذا المحل، دفع الجواب إلى ابنه يزيد معاتباً له، يريد أن يرسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندنا يأتوننا برأسه، قال له: يا بني اقرأ الجواب، يا بني من عفا ساد، ومن حلم عظم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب.
 أنت حينما تنتقم، أنت صغير جداً، أنت حينما ترد الصاع صاعاً، أنت صغير جداً، أنت حينما تحقد، أنت صغير جداً، أنت حينما تأخذ مالك بعنف وقسوة، أنت صغير جداً، أما حينما تعفو فأنت كبير جداً.

أمثلة من التاريخ عن تسامح المسلمين :

 أمثلة في التاريخ؛ الفرنجة عندما فتحوا القدس ذبحوا سبعين ألفاً في ليلة واحدة، ولما سيدنا صلاح الدين فتح القدس ما سفك دم إنسان أبداً، بالعكس سمح لهم أن يبيعوا متاعهم، المسلمون اشتروا متاع الفرنجة بأسعارها الحقيقية، وسمح لهم أن يحملوا ما شاء لهم أن يحملوا، حتى أن أماً ضاع ابنها يروي التاريخ أن هذا الأمير رحمه الله تعالى بقي واقفاً إلى أن عاد ابنها.
 مكة ناصبت العداء للنبي عشرين عاماً، نكلت بأصحابه، قتلت أصحابه، حاربته ثلاث مرات، أي كل أنواع الإيذاء بدءاً من الهجاء وانتهاءً بالقتال، فلما فتحت مكة وعشرة آلاف سيف متوهج بيد أصحابه يأتمرون بكلمة لو قال: أبيدوهم انتهوا، كم هناك من مذابح في العصر الحديث؟! في صبرا و شاتيلا قتل كامل، في جنوب أفريقيا خمسمئة ألف قتلوا بليلتين، تسمع الآن مئات، ألوف، عشرات الألوف، النبي الكريم تحملهم عشرين سنة، سباب، واستهزاء، واستخفاف، وتعذيب، وتقتيل، وحرب، قال: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
سيدنا يوسف عزيز مصر هؤلاء الذين ائتمروا على وضعه في الجب ليموت، قال تعالى:

﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

[ سورة يوسف : 92]

 أنت عندما تعفو كبير جداً، وحينما تنتقم صغير جداً، جداً صغير، والعفو من أسماء الله الحسنى، والستار من أسماء الله الحسنى، والغفور من أسماء الله الحسنى، أنت حينما تعفو، وحينما تغفر، وحينما تتجاوز، وحينما تسامح أنت كبير جداً، أي إصلاح ذات البين.

الهدية تذهب وحر الصدر :

 نحن مقدمون على عيد الفطر السعيد، لا يتناسب مع العيد عداوة، لا يتناسب مع العيد خصومة، لا يتناسب مع العيد مهاترة، يتناسب مع العيد الود، والصفاء، أحياناً تحل قضية بهاتف، باعتذار، بمسامحة، بهدية تقدم، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ، وَلا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ ))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 يوجد مشكلة مع أخيك اذهب إليه، وقدم له هدية، الهدية تحل المشاكل، ولاسيما بين الأنداد، بين المتخاصمين، ألا ترضى أن تكون رفيق رسول الله في الجنة بشرط أن تعفو عن أخيك؟ ورد في بعض الأحاديث القدسية أنه يوم القيامة يأتي عبد مظلوم يقول: يا رب خذ لي مظلمتي من فلان، وفلان أخذ كل حسناته ولم يبقَ له شيء، بقي أن تطرح عليه سيئات الذين ظلمهم، هكذا ورد يقول الله عز وجل: انظر إلى هذا القصر في الجنة، يقول يا ربي: لمن هذا القصر؟ قال: لمن يدفع ثمنه، قال: ومن بإمكانه أن يدفع ثمنه، قال: أنت، قال: كيف؟ قال: بالعفو عن أخيك.
 ممكن الإنسان أن يعمل جرداً، أين يوجد علاقة متوترة، أين توجد مشكلة، تقاطع، يذهب، أي اذهب إليه وأنت أفضل منه، إذا كان في العلاقة الزوجية مشكلة، إذا كان هناك غلطة غير مقصودة اغفرها، أي أنت تغفر والله يغفر لك أشياء كثيرة، وعندما لا تغفر الله يحاسبك حساباً عسيراً، الذي يغفر يغفر له، الذي يعفو يعفى عنه، الذي يتسامح يتسامح معه، أما الذي لا يغفر فأنت حينما تنتقم ماذا فعلت؟ فقط خربت، نميت الأحقاد، وسعت الهوة بينك وبين أخيك، الله عفو، الله كريم، الله غفور، فكلما اتصلت بالله نالك من أسماء الحسنى شيء، أحياناً يوجد غلطة من قبل الزوجة قديمة، دائماً هذه الغلطة مشكلة بين الزوجين، إلى متى؟ العمر لا يحتمل المشاحنة، بعد هذا عندما الإنسان يعفو سيدنا يوسف عندما قال تعالى:

﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة يوسف : 100]

 السجن ليس خطيراً، السجن لا يبني حياة الإنسان، السجن يفقد به حريته فقط، أما الخطورة فهي في الجب، هنا تنتهي حياته، ما ذكر الجب ذكر السجن فقط، قال: لئلا يذكرهم بجريمتهم، ما قال هم فعلوا معي ما فعلوا، قال تعالى:

﴿ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

[ سورة يوسف : 100]

 أي هذا الكلام هو أخلاق الأنبياء، أخلاق الصديقين.

مواقف الصحابة في العفو و الصفح :

 يوجد مواقف للصحابة مدهشة في العفو والصفح، يقولون إن عمير بن سعد كان جالساً مع صفوان بن أمية في مكة المكرمة طبعاً قبل الفتح، من شدة ألمه قال: و الله لولا ديون ركبتني لا أطيق سدادها، و أطفال أخشى عليهم العنت من بعدي، لذهبت و قتلت محمداً و أرحتكم منه، صفوان غني و ذكي و خبيث بآن واحد، قال له: أما الديون التي لا تطيق سدادها فهي عليّ بلغت ما بلغت، لا يوجد مشكلة، و أما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر، فامض لما أمرت، خلصنا منه، فهذا سقى سيفه سماً و اتجه نحو المدينة، هو مغطى أنه ذاهب ليفدي ابنه الأسير بعد موقعة بدر، وصل للمدينة، رآه سيدنا عمر قال: هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً، قيده بحمالة سيفه، و ساقه إلى النبي، النبي الكريم قال: يا عمر أطلقه، أطلقه، ابتعدْ عنه، ابتعدَ عنه، تعال يا عمير أقبل، قال له: عمت صباحاً يا محمد- سلام الجاهلية - قال له: قل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال له: لست بعيد عهد بسلامنا، هذا سلامنا بغلظة، قال له: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال له: جئت أفدي ابني، قال له: وهذه السيف التي على عتقك، قال له: قاتلها الله من سيوف وهل نفعتنا يوم بدر؟ قال له: ألم تقل لصفوان كذا وكذا، وقال لك كذا وكذا، وقف وقال: أشهد أنك رسول الله لأن هذا الذي قلته لصفوان لا يعلمه أحد إلا الله، وأنت رسوله وأسلم، الشاهد ليس هنا، يقول سيدنا عمر: دخل عمير على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض أولادي.
 في الإسلام لا يوجد حقد، في الإسلام لا يوجد حقد مستمر، في الإسلام المسلم يكره عمل الكافر فقط، لا يكره الكافر نفسه، فإذا رجع إلى الله انتهى كل شيء.

النميمة من أكبر الكبائر لأنها تفتت العلاقات :

 أيها الأخوة؛ اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، أصلحوا العلاقة مع الله، اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، أصلحوا العلاقة فيما بينكم، أنت وزوجتك، أنت وأولادك، أنت وخالك، أنت وعمك، أنت وعمتك، أولاد عمك، هناك مشكلة كل شيء يحل، أما الأرقى من ذلك فأن تصلح أيةَ علاقة بين اثنين، لذلك النمام لا يدخل الجنة، من هو النمام؟ ينقل خبراً سيئاً، كنت أنت وعندما ذهبت قال عنك كذا وكذا، أوغر لك صدرك أنت تظنه صديقاً، تظنه وفياً، انعكست الآية، فهذا الذي ينقل خبر السوء دائماً نمام، والنمام لا يدخل الجنة، أي من أكبر الكبائر النميمة لأنها تفتت العلاقات، لو فرضنا أنه قال كلمة قاسية في غيابك، إذا أنت ما نقلتها يوجد ود، لعل بعد حين يصبح صلة أقرب، وتنتهي المشكلة، أنت قلتها وسعت الهوة، كسرت هذا الود بينهما.

إن القلوب إذا تنافر ودّهـــــــا  عند الأكارم جبرها لا يعســـر
***

 أساس البيت:

إن القلوب إذا تنافر ودّهــــــــا  مثل الزجاجةِ كسرها لا يجبر
***

 يوجد شيء في الأدب اسمه تشطير البيت، يأتي شاعر آخر يضيف إلى هذا البيت شطرين متداخلين، تشطير هذا البيت:

إن القـلوب إذا تـنافر ودّهــــــــــــا  عـند الأكارم جبرها لا يعســـــــــر
وقلوب أرذال الأنـــــام إذا التوت  مـثل الزجـاجة كـسرها لا يـجـبر
***

الاستقامة تجعل العلاقات الإسلامية كما يريد الله :

 أهم شيء الإنسان يصلح ذات بينه، وأقدس علاقة علاقة الزوجين، الله عز وجل سمى عقد الزواج ميثاقاً غليظا، فكل إنسان بيته جحيم، مهاترات، استهزاء أحياناً، وتجاوز، هذا بيت قائم على العدوان، وإذا نشا الابن على العدوان بين الأبوين يصاب بعقد نفسية، بعد هذا لا تكلفك العلاقة الطيبة أن تأتي بألماس، لا، ولا خاتم ذهب، تكلفك كلمة طيبة، أي الإصلاح لا يحتاج إلى مال، أصغر بيت، وأخشن طعام، وأقل أثاث، وأقل دخل مع الكلمة الطيبة ينسى كل شيء، أسمع أحياناً امرأة تقول لي: سكنت تحت درج، وأنا أسعد زوجة، ومن الممكن أن تسكن بقصر وزوجها منصرف عنها ويوجد عداء، فالبيت لا يسعد، والمساحة لا تسعد، والأثاث لا يسعد، والطعام الطيب لا يسعد، الذي يسعد الود، أحياناً الإنسان يأكل مع أخ له محب أكلاً خشناً، زيت وزعتر وكأس من الشاي، كأننا أكلنا خروفاً محشياً لأنه مسرور، نحن نحتاج إلى ود، لأن المسلمين كانوا فقراء جداً، أقل بيت الآن يمكن يفوق أغلى بيت في عهد الصحابة، كان الملك يقف وعبد يحرك له الهواء، لا يوجد مراوح، الآن أفقر إنسان يوجد عنده مروحة، يضغط الزر الهواء يأتي، وهذه التهوية كانت لملك، الآن بيت فيه كهرباء؛ براد، وغسالة، ومروحة، والأمور ميسرة جداً لكن لا يوجد حب، الآن لا يوجد ود، البيوت جحيم، بالمناسبة إطلاق البصر يساوي علاقة زوجية سيئة، أحياناً يقول لزوجته: لو كنتِ مثل هذه المرأة، هذا الوحش الذي يجلس في البيت لا يجعل العلاقة طيبة بين شخصين هي تهتها برجل على الشاشة وهو يهتها بامرأة على الشاشة، أي ود زوجي بقي؟ انتهى كل الود، إذا أردنا أن نقيم علاقاتنا الإسلامية كما أراد الله، كما الله عز وجل يحب أن تكون يجب أن نستقيم، البغضاء والعداوة لها سبب قرآني دققوا في هذا السبب، قال تعالى:

﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

[ سورة المائدة : 14]

 أي عصوا، وكلمة أقولها هي مضحكة وقاسية: الإنسان حينما ينقطع عن الله يصبح كالحيوان، يكون ذكياً جداً يرتكب أكبر حماقة، يخرب بيته بيده، قال تعالى:

﴿ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾

[ سورة الحشر : 2]

 باختياره يساوي أحسن زوجة وأسوأ زوجة، والمؤمن يصلح الزوجة السيئة، المؤمن بأقل دخل يعيش، والكافر بأكبر دخل يشعر بالفقر، دائماً هذه القضية قضية صلة بالله عز وجل، والله قال:

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

[ سورة القصص : 60]

﴿ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾

[ سورة النساء : 77]

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[ سورة البقرة : 269]

ضرورة إصلاح العلاقات بالهدية أو الزيارة أو المال :

 أردت هذا الموضوع قبيل العيد إذا كان بالإمكان لا تدع علاقة سيئة، إذا كانت نحل بالمال حلها بالمال، تحل بالاعتذار اعتذر، بهدية اهد، بزيارة زر، بزيارة، أو بهدية، أو بالمال، أو بالتسامح، تحل بوليمة اعمل وليمة وادع هذا الخصم، وحسن الأمر، ولا شيء يدوم، والحياة لا تتحمل خصومة، يقول لي أحد القضاة: آلاف الدعاوى ثلاث عشرة سنة، خمس عشرة، ست عشرة، تصور أسرتين ثماني عشرة سنة الأعصاب محروقة، ماذا صار معك يا سيدي المحامي؟ يقول له: رفعنا مذكرة، متى الجواب؟ يقول له: قالوا لنا بعد سهر، شهر قلق، يصدر القرار للتدقيق مرة ثانية، ثماني عشرة سنة ثم تشطب الدعوى لموت أحد الطرفين.
 مئات الدعاوى شطبت لأن أحد الخصمين مات، هذا العمر إما لجهنم أو للجنة، هل من المعقول أستهلك أعصابي لقضية تافهة؟ خذ البيت، خذه وأرحني، أحياناً الإنسان راحة نفسه أهم من ملايين، كثير من الأخوان يقول لك: دفعت مبلغ خمسمئة ألف، إن دفعت وارتحت أنت الرابح، مادام هناك خصومات فهذه الحياة صعبة جداً، أصلحوا ذات بينكم، نحن مقبلون على عيد، إذا استطاع كل واحد أن يجري جرداً لعلاقاته كلها هذه تحتاج إلى هدية، وهذه تحتاج إلى وليمة، وهذه تحتاج إلى زيارة، حل مشاكلك وافتح صفحة جديدة.

((أحْبِبْ حبِيبَك هَوْنا مَّا، عسى أن يكونَ بَغِيضَكَ يوماً مَّا، وأبْغِضْ بغيضَك هَوْنا مَا عسى أن يكونَ حبيبَك يوماً ما ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

ديننا مبني على الستر و المسامحة و العفو :

 اختلفت مع شخص اسكت، لم يكن هناك نصيب، لا يقول: كان حرامياً، لا، اسكت، ثم تضطر أن تعامله مرة ثانية فيضحك عليك الناس، ألم تقل إنه حرامي لماذا تعاملت معه مرة ثانية؟ دائماً اجعل كلامك عاماً، لا تدخل في التفاصيل، والله لا يوجد نصيب، لم يكن هناك توافق طباع، كلما فصم الزواج يقول: الفتاة تقع بالساعة، أو ليست بنتاً، هذا كله افتراء، افتراءات مخيفة جداً، بالمناسبة قذف محصنةٍ يهدم عمل مئة سنة، أغلى شيء في حق المرأة شرفها، فأنت من أجل أن تبرر تطليقها لماذا طلقتها؟ أخلاقها لم تعجبني، ممكن أن تذبح بهذه الكلمة إذا أنت ما انتبهت، هذه كلمة خطيرة جداً، عود نفسك إذا شركة انفصمت لماذا فكت الشراكة؟ كان يوجد بعض الخلافات وانحلت وعلى خير من دون تفاصيل، هذا الستير يحبه الله، انظر إلى أمريكا هذه الفضيحة لرئيسهم عرضوها على الإنترنت، ألفان وخمس وثلاثون صفحة فيها تفاصيل قذرة يستحي الإنسان من قراءتها، وأنا والله ما قرأتها، حيث لغتي لا تؤهلني أن أقرأها، يستحي الإنسان من قراءتها ومن سماع تفاصيلها، الله عز وجل قال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النور : 19]

 بالإسلام لا يوجد فضيحة، يقولون: الشعب الأمريكي شعب يحب الفضائح، نحن - المسلمين- نحب الستر، هذه الفضيحة تعمل خبرات لم تكن في البال، تعطي الإنسان خبرات لم تكن في البال، نحن ديننا مبني على الستر، على الصوم، على المسامحة، على العفو.

تحميل النص

إخفاء الصور