وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية عامة - الدرس : 19 - موضوع القدوة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

القدوة :

 هناك موضوع عولج في سورة الأحزاب وهو مهم جداً في التربية إنه موضوع القدوة، فأي إنسان ولّاه الله على أناس كانوا قليلين أو كثر له حسابه.
 سيدنا عمر رضي الله عنه كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته وقال: إني أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايم الله لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني، فصارت القرابة من عمر مصيبة.
 أي إنسان بمركز كبير؛ أب، معلم، مدرس، عميد أسرة، مدير معمل، أو مستشفى، أو مؤسسة، رئيس دائرة، أي إنسان يحتل مركزاً أعلى من غيره أو مكنَّه الله في الأرض، هذا الإنسان له حساب خاص لو أخطأ يخطئ الناس تقليداً له، ولو أصاب يصيب الناس تقليداً له، فلذلك القدوة لها حساب خاص، وحساب عسير، هذه فكرة الموضوع تنطلق من قوله تعالى:

﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ﴾

[سورة الأحزاب:30]

 فالإنسان قبل أن يخطئ وله أولاد، قبل أن يخطئ وهو معلم وعنده طلاب، قبل أن يدخّن وأمامه صغار، قبل أن تكذب الأم أمام بناتها، لابد من أن تنتهي، إلا أن أي إنسان يحتل مرتبة القدوة يحاسب حساباً دقيقاً، وله حساب خاص، إن أحسن فله جزاء الضعف، وإن أساء فعليه وزر مضاعف، لأنه إن أحسن قُلّد، وإن أساء قُلّد، الآية الكريمة:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾

[سورة الأحزاب:21]

 هذه النقطة دقيقة جداً، الآن القدوة عليه أن يستقيم، والقدوة عليه أن يحسن، كي ينجو من عذاب مضاعف، وينال أجراً مضاعفاً.

القدوة شيء مهم جداً في الحياة :

 الآن المقتدي بمن يقتدي؟ الله عز وجل يقول:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾

[سورة الأحزاب:21]

 فهل يا ترى كل إنسان يجعل النبي أسوة له؟ بشرط إن كنت ترجو الله واليوم الآخر حقيقة، كل إنسان يرجو شيئاً، إنسان يرجو جمع المال، هذا هدفه ولا يرى شيئاً آخر، إنسان يرجو أن يصل لمكان عال ولا يرى شيئاً آخر، مرة ضربت مثلاً: رجل عنده خلل ببرميل الماء، البرميل فاض وخرّب الأثاث فانطلق من بيته مسرعاً يبحث عن الجهاز المعطوب – الفوّاشة - دخل لمحل، هذا الإنسان لأنه مشغول بقضية لا يرى في هذا المحل إلا حاجته، لو أطلعته على أشياء كثيرة ورخيصة لا يفكر فيها بل لا يراها إطلاقاً، لا يرى إلا حاجته، والإنسان إذا صدق بحاجة أو بشيء لا يرى إلا هذا الشيء، فمن هذا الذي يجعل من النبي الكريم أسوة له؟ قال:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾

[سورة الأحزاب:21]

 حتى لو أن الإنسان يرجو الله واليوم الآخر، ولم يذكر الله ذكراً كثيراً، يرجو غيره، فالذي يرجو المال أسوته أصحاب الأموال، والذي يرجو الجاه أسوته أصحاب الجاه، والذي يرجو المتع أسوته في أصحاب المتع، فدائماً هناك شخصيات ثلاث، شخصية تكونها أنت، وشخصية تكره أن تكونها، وشخصية تتمنى أن تكونها، فهذه التي تكونها هي أنت، أما التي تكره أن تكونها فهي التي تتناقض مع أخلاقك، ومع مبادئك وقيمك، أما التي تتمنى أن تكونها فمن خلالها تُعْرَف أنت، من تُعَظِّم؟ أرباب الأموال؟ فأنت من أهل الدنيا، من تُعَظِّم؟ الأقوياء؟ فأنت من أهل الدنيا، هل تُعَظِّم أهل الإيمان؟ هل ترمقهم بعينيك؟ هل تُجِلّهُم؟ أنت إذاً من أهل الإيمان، لأنه لا يعرف الفضل إلا أهل الفضل، وأكبر عطاء من الله عز وجل أن يكون من هم حولك على شاكلتك، أكبر عقاب من الله أن يكون الذين حولك بعيدون عن شاكلتك، لذلك من تكريم النبي أن الله اختار له أصحابه، إن الله اختارني واختار لي أصحابي، الإنسان كلما ارتقى يحب إنساناً راقياً حوله، سريع الفهم، لطيف المعشر، ظله خفيف، يفهم بالإشارة، يعاون، لا يكون عبئاً بل في خدمة الدعوة، فلذلك القدوة شيء مهم جداً في الحياة.

شروط الاقتداء برسول الله :

 الآن نبحث في موضوع ثالث، الموضوع الأول القدوة؛ لها حساب خاص، و الإحسان له حساب مضاعف، لأن كل من اقتدى به في صحيفته، وإن أساء عليه ذنب مضاعف، لأن كل من قلّده في الإساءة إثمه في صحيفته، هذه القدوة.
 المقتدي يجب أن يقتدي برسول الله بشرط أن يرجو الله واليوم الآخر ويذكر الله كثيراً، انتبه لنفسك من تُعَظِّم؟ من الذي تقلده في عقلك الباطن؟ دخلت للبيت يوجد مشكلة، هل تقول: ماذا فعل النبي بهذه المشكلة؟ كيف كان يتصرف؟ أم تقول: فلان معلمي هكذا تصرف؟ ممكن الإنسان أن يكون له مركز قوي، وله تصرف معيّن، فإذا أنت تعظّم الأغنياء، أو تعظّم الأقوياء، و تترنم بأفعالهم، وتتغنى، وتطرب لأفعالهم، تقلدهم، ترى أعمالهم كاملة، وهذا شيء ملاحظ جداً، تجد شخصاً معلمه يأخذ أكبر حيّز من اهتمامه، يرتكب أحياناً هذا المعلم حماقة، وصفاقة، ويقسو، هذا ما فعله معلمي، هذا الذي يُعَظِّم أرباب الأموال، يجعلهم أسوة له، يُعَظِّم الأقوياء يبطش بمن دونه تقليداً لهم، أما إذا كنت ترجو الله واليوم الآخر فإن الذي تُعَظِّمه وتقتدي به ويأخذ بمجامع قلبك وتهتز لأفعاله طرباً فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾

[سورة الأحزاب:21]

أكبر مصيبة تصيب الإنسان اهتزاز المثل الأعلى في نظره :

 الآن المشكلة الثالثة؛ أكبر مصيبة تصيب الإنسان حينما يهتز المثل الأعلى الذي أمامه، فإذا اهتز مشكلة كبيرة جداً، ماذا يحصل؟ لأن تسعين بالمئة من الناس يرون الدين من رجال الدين، أما القدرة على الفصل بين المسلمين والإسلام، وبين الدينين والدين فهذه القدرة يملكها نخبة قلّة في المجتمع، أما معظم الناس فيفهم الدين ممن يعمل في الحقل الديني، فإذا لم يعجبوه رفض الدين، يفهم الإسلام ممن يرى المسلمين، فإذا كان له عليهم مآخذ رفض الإسلام، مشكلة كبيرة، لذلك قالوا - دققوا في هذا الكلام-: من دعا إلى الله بمضمون سطحي ومتناقض وضحل وغير متماسك، ويفتقر إلى الدليل العقلي والنقلي والواقعي والفطري، دعا إلى الله في أسلوب غير علمي، أو دعا بمضمون عميق بأسلوب علمي لكن المدعو فوجئ بعدم مصداقية الداع فتفلّت من الدين، إما لضحالة المضمون، أو سخفه، وعدم تماسكه، أو الأسلوب غير علمي، غير تربوي، أو لعدم مصداقية الداع، قال: هذا المتفلت من الدين يلحق إثم تفلته على من دعاه بهذه الطريقة، أما أخطر ما في الأمر فلا يعد عند الله مبلغاً، لأن في أعماق الإنسان إحساساً أن دين الله عظيم، ومن هذا المنطلق أستاذ بسام كتاب سلمان رشدي هذا الكتاب وصف بيت النبي، وبنات النبي، وزوجات النبي وصفاً فاضحاً لا يليق برسول الله، ولا أي نبي، ولا بمؤمن أساساً، كتاب ساقط محتقر لا تقوم له قائمة، الشيء الذي لا يصدق وقد وقع أن عشرين ألف بريطاني أسلموا بسبب هذا الكتاب، لأنهم رأوا أن هذا البيت لا يعقل أن يكون بيت النبوة، لابد من أن يكون النبي أرقى من ذلك، فبحثوا عن كتب صحيحة فاعتنقوا الإسلام، فلذلك من دعا إلى الله بأسلوب ضحل ومفكك، أو بأسلوب غير علمي، وغير تربوي، أو لم يجد المدعو في الداع المصداقية، قد يرفض هذا الدين كله، ويكون إثم تفلته من منهج الله على من دعاه بهذه الطريقة، وليس عند الله مبلغاً، لأن في أعماق الإنسان شعور أن دين الله أعظم من ذلك.

دراسة سيرة رسول الله فرض عين على كل مسلم :

 أيها الأخوة محور هذا الدرس القدوة، قل لي بمن تقتدي أقل لك من أنت، إن كنت ترجو الله واليوم الآخر، وذكرت الله كثيراً، فقدوتك وأسوتك ومثلك الأعلى هو النبي عليه الصلاة والسلام، من هنا ينشأ كلام جديد، حينما يأمرك الله أن تقتدي برسول الله كلام طيب، ما لوازم هذا الأمر؟ أقتدي بفلان، ماذا يفعل فلان حنى أقتدي به؟ من لوازم أن الله يأمرك أن تقتدي برسوله أن تعرف سيرة رسوله، العلماء يقولون وهم على حق ومصيبون: دراسة سيرة رسول الله فرض عين، دليل بسيط جداً؛ الوضوء لماذا فُرِضَ؟ لأن الصلاة وهي فرض لا تتم إلا به، فما يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، الصلاة فرض ولأنها لا تتم إلا بالوضوء فالوضوء فرض، كل أمر في القرآن يقتضي الوجوب، الله عز وجل أمرنا أن نأخذ عن رسول الله وأن نقتدي به، من ملازم هاتين الآيتين أن تعرف سيرته وسنته، وهي فرض عين على كل مسلم، لأن موضوع الاقتداء موضوع مهم جداً، فالقدوة لها حساب خاص، والمقتدي يجب أن يقتدي برسول الله، إن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً، وأكبر مصيبة تصيب الإنسان حينما يهتز مثله الأعلى، فلذلك يجب أن نفرق دائماً بين الأشخاص والمبادئ، بين المثل وبين من يَدَّعِيهَا، وبين المنهج وبين واضعه، التفريق ضروري جداً لئلا يقع الإنسان ضحية غيره، والحمد لله رب العالمين .
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهِنَّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

تحميل النص

إخفاء الصور