وضع داكن
20-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية عامة - الدرس : 17 - حتمية يوم البعث - القلب السليم - الفطرة والصبغة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

يوم القيامة واقع لا محالة :

 أيها الأخوة الكرام؛ في سورة الشعراء قوله تعالى:

﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ* وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ *وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴾

[سورة الشعراء: 83-87]

 هنا.. يوم يبعثون.. هذا اليوم واقعٌ لا محالة، قال تعالى:

﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾

[ سورة الماعون: 1]

 قال تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾

[ سورة الفيل: 1]

 الجواب: لم نر ذلك، ولا النبي رأى ذلك، ولكن الله أراد أن يخبره كأنه مَرْئِيّ لمصداقية وقوعه، فيوم القيامة، يوم البعث، يوم الدينونة، يوم الجزاء، الحاقة، الواقعة، الطامة، هذه كلها أسماء يوم القيامة، هذا اليوم واقعٌ لا محالة، قضية وقت، كل متوقعٍ آت، وكل آتٍ قريب، في حكم أنه وَقَع، حتى أن بعض العلماء يقولون في قوله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ *مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾

[سورة المائدة :116-117]

 إذاً قال فعل ماض، لماذا جاء هذا الحوار بصيغة الماضي؟ لأنه كأنه وقع، لأنه متحقق الوقوع، حينما يأتي في القرآن الكريم الفعل الماضي بمعنى المستقبل، بمعنى أنه قد تحقق الوقوع، لأنه كلام الله عزَّ وجل.

 

مشكلات الدنيا تنتهي عند الموت و مشكلات القلب تبدأ عند الموت :

 هذا اليوم الله عزَّ وجل يخبرنا عنه فيقول:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 قال تعالى:

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[سورة الكهف: 46]

 القلب السليم رأس مالك في الآخرة، كل مشكلات الدنيا تنتهي عند الموت، كل الأمراض تنتهي عند الموت، كل المصائب تنتهي عند الموت، كل الفجائع تنتهي عند الموت، كل شيء مؤلم ينتهي عند الموت، ولكن أمراض القلب تبدأ عند الموت، مشكلات الدنيا تنتهي عند الموت والدنيا محدودة، لكن مشكلات القلب تبدأ عند الموت، وما بعد الموت إلى أبد الآبدين، هذه الآية أيها الأخوة والله لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾

[ سورة الشعراء:88]

 الناس يتهافتون على كسب الأموال، وعلى تربية الأولاد تربيةً دنيوية من أجل أن يفتخروا بهم، ومن أجل أن يعلو في الأرض، والله عزَّ وجل يخبرنا أنه في هذا اليوم:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

تعريف القلب السليم :

 القلب السليم سبب سعادتك الأبدية، القلب السليم سبب نجاتك من النار، القلب السليم ثمن دخول الجنة.
 كيف يكون القلب سليماً؟ القلب فيه أحقاد، فيه حسد، فيه بغي، فيه استعلاء، فيه غطرسة، فيه تجبر، فيه لؤم، فيه أنانية، فيه قذارة أحياناً، فيه نفاق، أمراض القلب مهلكة تبدأ عند الموت، وتُشْقِي صاحبها إلى أبد الآبدين، بينما أمراض الجسم تنتهي عند الموت.
 إنسان مؤمن أصيب بمرض خبيث، سنة أو سنتين انتهى، لقي الله عزَّ وجل، والله عنه راضٍ، هذا المرض الوبيل الذي ترتعد له فرائص الناس أَلَمَّ به، وعند الموت انتهى منه، بقي في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، المؤمن قد يفتقر، والفقر ينتهي عند الموت، المؤمن قد يتألَّم، قد تأتيه مصيبة، كل مصائب الدنيا تنتهي عند الموت، إلا أمراض القلب تبدأ عند الموت، وتُشْقي صاحبها إلى أبد الآبدين، فهذه الآية الصغيرة:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

الفطرة و الصبغة :

 أخواننا الكرام؛ القلب السليم يوجد فيه شيئان، فيه فطرة، وفيه صبغة، كل إنسان على وجه الأرض له فطرةٌ سليمة، يحب الخير، يحب العدل، يحب الرحمة، أن تحب الرحمة شيء، وأن تكون رحيماً شيءٌ آخر، أن تحب العدل شيء، وأن تكون عادلاً شيءٌ آخر، حتى اللِّص، حينما تكون عصابة لصوص ويسرقون، يقولون له: احكم بالعدل، أنتم كل عملكم في الأساس ظلم، يقتسمون أموالهم بالعدل، لأن العدل صفة النفس، هذه فطرة النفس، فالإنسان يحب الكمال، هذه من دون جهد، هذه فطرية، ليس لها جهد إطلاقاً، كل إنسان يعجب بالمروءة، يعجب بالشجاعة، يعجب بالكرم، يوجد مواقف أي إنسان يهتز لها، أي إنسان يبكي لها، هذا البكاء، وهذا التأثُّر لا يرفعه عند الله، لأن هذه الفطرة التي فُطِرَ عليها، أما الذي يرفعك عند الله لا أن تحب العدل أن تكون عادلاً، لا أن تحب الرحمة أن تكون رحيماً، لا أن تحب الاستقامة أن تكون مستقيماً، فلذلك القلب له فطرة وله صبغة، الفطرة فطرية ولا ثواب للإنسان بها، هكذا جُبِل، هكذا فُطِر..

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14-15 ]

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 7-8]

 ولكن بطولتك أن يكون هذا القلب طاهراً من الحقد، من الحسد، من البَغْي، من العدوان، من حب الذات، أعظم ما في الأنبياء هذه الأخلاق العالية التي هي انعكاسٌ لقلبهم السليم، قلب سليم، لا يوجد به استعلاء على أحد، يوجد أمراض نفسية الآن لا تحتمل من الناس، هذه كلها أعراض الإعراض، الإعراض عن الله يفضي بصاحبه إلى الحسد، وإلى البغي، وإلى العدوان، وإلى الكِبر، وإلى الأنانية، وأن يعيش على أنقاض الناس، كل الذي يؤلمكم في الحياة العامة، وفي العالم، هناك أخبار لا تحتمل، أخبار العدوان، أخبار التجَبُّر، أخبار قتل البريئين، الأطفال، النساء، بالبوسنة اغتصب خمسة وثلاثون ألف امرأة، ولم يهتز أحد، ولم يتكلم أحد بأي كلمة بسبب البعد عن الله عزَّ وجل، يوم القيامة:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 فهذا الذي يتصل بالله، ويستقيم على أمره، ويُقْبِلُ عليه، ويسعى جهده كي يكون قلبه سليماً من كل عيب، من كل غلّ، من كل حقد، من كل استعلاء، من كل غطرسة، تسمع غطرسةً لا تحتمل، كبر لا يحتمل، هذه كلها نفوس مريضة، ولا تهدأ النفوس إلا بعدل الله عزَّ وجل، وعدله يوم القيامة، ولكن علاقتنا بيوم القيامة علاقة وقت فقط، ليس لنا خيار، الآية الكريمة:

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ﴾

[ سورة الأنفال: 59]

 ما معنى سبقوا؟ أي فعلوا شيئاً ما أراده الله، أو أنهم تفلَّتوا من قبضة الله، كل أفعالهم سَمَحَ الله بها لحكمةٍ بالغة، هم لم يسبقوا ولم يتفلتوا من قبضة الله عزَّ وجل، في أية لحظة هم في قبضة الله.
 أيها الأخوة؛ كلامٌ واضحٌ كالشمس، كلامٌ دقيقٌ جداً، هذا اليوم..

﴿ يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾

[ سورة الشعراء:87-88]

 المجد الدنيوي صفر، الأبنية الضخمة، الإنجاز العظيم..

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾

[سورة الفرقان : 23]

 إحباط العمل ألا يجد الإنسان من عمله شيئاً يوم القيامة، ليسوا على شيء، لا يوجد شيء إطلاقاً، هناك دنيا، وتنافس على الدنيا.

 

طاعة الله تورث اتصالاً به :

 فيا أيها الأخوة؛ القلب السليم يحتاج إلى طاعة لله عزَّ وجل، الطاعة لله تورث اتصالاً به، هذا الاتصال يصطبغ القلب بصبغة الله، قال تعالى:

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾

[ سورة البقرة: 138 ]

 المؤمن مصبوغ بالكمال، هذا كلام دقيق، المؤمن متواضع، المؤمن مُنْصِف، المؤمن شجاع، المؤمن كريم، المؤمن صادق لا يكذب، المؤمن أمين، يحاسب نفسه على أقل مبلغ، هذا المؤمن، فإذا كنت كذلك انعكس هذا على قلبك سلامةً، وطُهراً، وصبغةً، وإقبالاً، هذا رأس مالك في الآخرة، هذا القلب يَكْبُر، يصفو كالألماس، ويكبر ولا ترى كبره، فيتضاءل أمامه كل عظيم، ويصغُر ولا ترى صغره فيتعاظم عليه كل حقير، هذا القلب هو قلب النفس..

﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾

[ سورة الحج: 46 ]

 عبدي طهَّرت منظر الخلق سنين أفلا طهَّرت منظري ساعة؟ القلب منظر الرب، الله ينظر إلى قلوبنا لا إلى أجسامنا، ولا إلى أشكالنا، ولا إلى صورنا، ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، فرمضان مناسبة ليصفو القلب من الكَدَر، من كل مرضٍ نفسي، وكلما ارتقيت عند الله يصفو قلبك فيحبك الناس، والقانون القرآني، فبما الباء السببية..

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 بسبب رحمةٍ استقرت في قلبك يا محمد كنت ليَّناً لهم، هذا اللين انعكاس القلب السليم، انعكاس القلب الرحيم، انعكاس القلب الموصول.

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 فالتفوا حولك، وأحبوك، وفَدَوْكَ بأرواحهم، وأولادهم، وأموالهم..

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 أي لو كان قلبك منقطعاً عنا لكان قاسياً، انعكاس القسوة غلظة وفظاظة،

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

 أي اتصال، رحمة، لين، التفاف، انقطاع، قسوة، غلظة، انفضاض، هذا قانون الالتفاف والانفضاض، قانون اللين والغِلظة، قضية صلة بالله عزَّ وجل.

 

سلامة القلب ثمن جنة الله عز وجل :

 أيها الأخوة؛ قلبنا رأسمالنا، سلامة قلبنا رأسمالنا، سلامة قلبنا ثمن جنة ربنا، سلامة قلبنا أغلى من كل شيءٍ في الدنيا، المؤمن رأسماله قلبه، ينام طاهر القلب، لذلك يكيدون له، والله يكيد فيدافع عنه..

﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً ﴾

[ سورة الطارق : 15]

 يكيدون لمن؟ للمؤمنين، الله قال:

﴿ كَيْداً ﴾

[ سورة الطارق : 15]

 تولى ربنا بذاته العلية أن يكيد للكفار دفاعاً عن المؤمنين..

﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ ﴾

[ سورة الطارق : 15]

 يكيدون لمن؟ للمؤمنين.

﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾

[ سورة الطارق : 15-16]

 ربنا عزَّ وجل بذاته العليا قال:

﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾

[ سورة الأنفال:30]

﴿ وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾

[ سورة الطارق : 16 -17]

 بذاته العليا يتولى أن يدبِّر تدبيراً يحبط مكرهم، أنت فقط اجعل نفسك أهلاً أن يكون الله وليَّك..

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾

[ سورة البقرة: 257 ]

 اسمحوا لي بهذا المثل: شابان أو صبيَّان يبلغان عشر سنوات، واحد له أب كبير، رحيم، عالم، مقتدر، مربِّ، مثقف ثقافة عالية، أي علم على أخلاق على مال، فاعتنى به عناية تفوق حدّ الخيال، اعتنى بجسمه، اعتنى بصحته، اعتنى بعقله، اعتنى بأخلاقه، اعتنى بدينه، رباه تربية عالية، رباه على الاستقامة، والطهر، والعفاف، والأمانة، والصدق، وجعله يأخذ أعلى الشهادات، وهيَّأ له جواً مريحاً؛ وطفل بنفس السن، بالطرقات، ينام بمداخل البنايات، سارق، منحرف، لوطي مثلاً، هذا يستوي هذا مع هذا؟

 

تربية الله للمؤمن :

 اسمع هذه الآية:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾

[سورة محمد : 11]

 مُشَرَّد، سيئ الخلق، لا يُرَبَّى، المؤمن الله يربيه، ربنا عزَّ وجل عندما يتدخل يسوق لهذا المؤمن مصيبة، فهو يربِّيه، " ما هذا الأدب يا رسول الله؟ قال: أدبني ربي"، مرة قصة أرويها كثيراً لكنها دقيقة، أخ من أخواننا عنده معمل متواضع، وأخ ثان علم أن عنده معملاً فذهب لعنده قبل العيد، يريد قطعتين أو ثلاث قطع لأولاده، هذا الأخ انزعج انزعاجاً شديداً، قال له: أنا لا أبيع بالمفرق، أنا أبيع خمسمئة دزينة دفعة واحدة، عملي كله بالجملة، قال له: أنا لا أبيع بالمفرق، قال له: لا تؤاخذنا ثم سلم وذهب، قال لي: أربعة وثلاثون يوماً لم يدخل لمعملي زبون، حتى نشف دمي، ثم قال: يا رب أبيع قطعة واحدة، قطعة أبيعها ولكن سامحني، أدبه الله عز وجل.
 وكل مؤمن غال على الله، الله يؤدِّبه، أحياناً يتكلَّم المؤمن بكلمة خاطئة.. ذكر لي أخ ثان - جزاه الله كل خير- قال لي: أنا عندي كلفة، لكن الكرتونة يوجد بها ألفا قطعة مثلاً، أيضاً رفض أن يبيع بالمفرق، ووقف السوق عنده، قال لي: الآن أبيع قطعة واحدة، ثمنها خمس ليرات، أدباً مع الله عزَّ وجل، طبعاً هذا نموذج للتربية، الله يؤدِّب المؤمن، بكلمة غلط يؤدبه، بنظرة غلط يؤدبه، بتطاول يؤدبه، إلى أن يصل.
 ماذا ألمّ بكِ يا بنيتي؟ سيدنا النبي للسيدة فاطمة قالت: " حُمَّى لعنها الله "، قال: " لا تلعنيها فو الذي نفس محمدٍ بيده لا تدع المؤمن وعليه من ذنب " .
 العام الماضي أحد أخواننا اضطر أن يجري عملية جراحية، وكانت ناجحة جداً، وأنا أقول دائماً: الأخ المؤمن، الصادق، المستقيم، المخلص، إذا اضطر لعملية جراحية، يد الطبيب الجرَّاح بيد الله، نجاح العملية إكرام من الله، يد الطبيب الجرَّاح بيد الله، وأحياناً يكون الشخص أحد كليتيه واقفة يجب أن تُستأصل، فتستأصل السليمة، انتهى بغلطة، يد الطبيب بيد الله، فأجرى عملية وزرناه بعد العملية، على قدر ما وجدته متألِّقاً، محباً لله، قلت: والله ولا ألف درس علم ترقى به إلى هذا المستوى، فالمؤمن كلما يأتيه خير من الله حتى المرض، المرض مكفر، حتى الهم- من قصر بالعمل ابتلاه الله بالهم- الهم لفت نظر هذا العبد أن عملك قليل يا عبدي، فنحن محور درسنا اليوم:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 التفكر في خلق السماوات والأرض، والتوبة النصوح، والاستقامة على أمر الله، والإقبال على الله عزَّ وجل يصطبغ القلب بصبغة الله بعد أن كان على فطرة الله، الفطرة ليس لك أجر فيها إطلاقاً، الأجر بالصبغة، الصبغة كمال، أما الفطرة فحب الكمال.

 

تحميل النص

إخفاء الصور