وضع داكن
16-04-2024
Logo
حديث + موضوع علمي - الدرس : 26 - سجود السهو - السنة العملية سنت لنا.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

للنبي مهمتان؛ بيانيّة و سلوكيّة :

 أيها الأخوة الكرام؛ النبي عليه الصلاة والسلام له مهمتان، مهمة بيانية، ومهمة سلوكية، له سنة وله سيرة، له كلام قاله أو إقرار أقره، وله سلوك فعله، والشيء الذي يلفت النظر هو أن سنة النبي العملية أبلغ في التعبير عن فهمه لكلام الله من سنته البيانية، لأن البيان يحتمل التأويل، ولكن السلوك لا يحتمل التأويل، ولأنه قدوة، ولأنه مشرع، الله سبحانه وتعالى أجرى في حياته حوادث لحكمةٍ بالغة بالغة، هذه الحوادث من أجل أن يقف الموقف الكامل، فكل مواقفه مواقف تشريعية، نحن ننسى، فكيف يشرع النبي الكامل لمن ينسى؟ لابد من أن ينسيه الله قال تعالى:

﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾

[ سورة الأعلى: 6]

 الله جلّ جلاله:

﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾

[ سورة طه : 52]

 لكن النبي الكريم سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله، فقد صلى النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاتَيْ الْعَشِيِّ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا، قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّه غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 هو بشر تجري عليه كل خصائص البشر، ولأنه تجري عليه كل خصائص البشر كان سيد البشر، أي انتصر على ذاته.

((.. وَخَرَجَتْ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: قَصُرَتْ الصَّلاةُ ))

 لأن النبي مشرع فلما صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين معنى ذلك أن الصلاة قد قصرت.

((..وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ...))

 موقف عصيب، صلاة رباعية صلاها النبي ركعتين، وهذا النسيان سبب أنه كان غضبان، النبي يغضب، يجوع، ويتألم، ويخاف، ويتألم للأذى.

((.. وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلاةُ؟ قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ.. ))

 النبي صلى الله عليه طلب الإجماع أو طلب التواتر.

(( فَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ ثُمَّ سَلَّمَ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 صلاة العشي المغرب والعشاء، فالصلاة الرباعية هي العشاء، وقد شرع صلى الله عليه وسلم سجود السهو لمن نسي ركعةً، أو زاد ركعةً، أو غاب عنه شيء من واجبات الصلاة، فالنبي عليه الصلاة والسلام مشرع، والنبي كامل، كيف يشرع للناقصين؟ لابد من أن يحجب الله عنه الموقف الصواب.
 في موقعة بدر حادثة مشابهة، الله عز وجل أرسل إلى النبي جبريل في آلاف القضايا الكبيرة، في هذه القضية الصغيرة حجب عنه جبريل، وحجب عنه الاجتهاد الصحيح، وحجب عنه الإلهام، فاختار موقعاً في بدر غير مناسب، فجاء رجل اسمه الحباب بن المنذر في أعلى درجة من الأدب والخجل والغيرة على صالح المسلمين، قال: يا رسول الله هذا الموقع وحي أوحاه الله لك أم هو الرأي والمشورة؟ قال: لا، هو الرأي والمشورة، قال: ليس بموقع، تصوروا سيد هذه الأمة، نبي هذه الأمة، قمة البشر، المعصوم الذي يوحى إليه، وقف رجل- ذو اليدين- يسأله: أقصرت أم نسيت؟ ثم إن الحباب بن المنذر يسأله: هذا وحي؟ إذا كان وحياً نسكت، وإذا كان اجتهاداً فالموقع غير مناسب، هكذا تربوا الصحابة، وما تربوا على القمع، ما تربوا على الضغط، ما تربوا على الإرهاب الفكري، كثير من الدعاة لا يستطيع إنسان أن يسألهم سؤالاً، أو يعطيهم توجيهاً، أو يقدم له مشورة أو نصيحة، لا يستطيع أن يعطس أمامهم، النبي سيد الخلق قصرت أم نسيت؟ طبيعي، الثاني: قال له هذا الموقع موقع وحي؟ قال له: لا، قال: والله ليس بموقع، قال له: أين الموقع المناسب؟ هذا هو الرأي أعطى أمراً.
 فإذا الناس تعلموا من النبي التواضع، وتعلموا منه الإصغاء إلى النصيحة، وتعلموا منه الرجوع إلى الحق، هل عندك جرأة أن تقول: أنا غلطت؟ أنا لم أكن منتبهاً؟ أنا أعتذر؟ هذه فضيلة كبيرة جداً، تسعون بالمئة من الناس يركبون رأسهم ولا يتراجع، وهو يعلم علم اليقين أنه على باطل، وهو يعلم علم اليقين أنه غلط، يركب رأسه ويصر على خطئه وتأخذه العزة بالأثم، النبي علمنا أن ترجع، أحياناً طفل ينصحك.
 سيدنا أبو حنيفة يمشي في الطريق، وجد غلاماً، هذا الغلام أمامه حفرة قال له: إياك يا غلام أن تسقط، قال: بل إياك يا إمام أن تسقط، إني إن سقطت سقطت وحدي، وإنك إن سقطت سقط معك العالم.
 أي أن تهتز الصورة المثلى في حياة الإنسان شيء خطير جداً، بعض الناس يكفرون به إذا رأوا الصورة اهتزت.

 

استنباط قواعد التعامل مع الناس من صور النبي الكريم :

 على كلّ نحن بحاجة ماسة إلى صورة النبي كي نستنبط منه قواعد في التعامل، أي شيء طبيعي جداً إنسان ينبهك، إنسان ينصحك، هل هناك أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل هناك أوعى منه؟ أحلم منه؟ ومع ذلك قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾

[ سورة الشورى : 38]

 من صفات المؤمنين أن أمرهم شورى بينهم، وشاورهم في الأمر، وكل إنسان يلغي المشاورة من حياته يلتغي، وكل إنسان يلغي المعارضة ينتهي، الشيء الطبيعي أن يكون هناك معارضة، سيدنا خالد بعد فتح مكة صار مناوشات، فالنبي غضب أشدّ الغضب قال: " اللهم إني أبرأ مما صنع خالد ".

 

من تابع النبي ارتفع و علا ومن خالف منهجه سقط و هوى :

 يوجد كلمة أحياناً تأخذ دوراً كبيراً، سألوا النبي الكريم: أراجعه أحد؟ قالوا: نعم، حذيفة، قال: الحمد لله، اطمأن النبي على أمته من بعده أن هناك من لا يسكت على خطأ، لا تسكت عن الخطأ، لو كان الشخص الذي أمامك أغلى عليك من الله عز وجل، الله أغلى، لا تكن تبعاً لإنسان كن تبعاً للحق، سيدنا علي يقول: " نحن نعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال " الأصل هو الحق لا الرجال، إذا الرجل طبق الحق على العين والرأس، وإذا لم يطبقه، الدعاة إلى الله يفلحون وينجحون ويتألقون ويرتفعون عند الله وعند الناس بحالة واحدة، إذا تابعوا النبي، ويثيرون حولهم جدلاً كبيراً جداً ومشكلات كبيرة إذا خالفوا منهج النبي، فأنت بقدر ما تتابع النبي ترقى، وبقدر ما تخالف منهجه تسقط.
 سيدنا الصديق قال:" أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم " سيدنا الصديق أول إنسان بعد النبي، ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر، ومع ذلك قال:" أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم"
 ابن قيم الجوزية له شيخ اسمه ابن تيمية يقول: لا يوجد في الأرض إنسان أغلىّ علي من شيخي، لكن الله أغلى عليّ من شيخي، الحق أغلى من الأشخاص مهما عظم شأنهم، أنا لا أدعوكم إلى التفلت من النصيحة، ولكن أدعوكم إلى أن تكونوا أحراراً، الحق فوق الجميع .
 هذا الذي قاد سريةٍ وكان ذا دعابة، وأمر أن تضرم نار عظيمة، وقال: اقتحموها ألست أميركم؟ أليست طاعتي طاعة رسول الله؟ قالوا: كيف نقتحمها وقد آمنا بالله فراراً منها؟ فلما عرضوا هذا على النبي قال: " والله لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في معروف " العقل لا يعطل أبداً.

مواقف تبين أن المبدأ أكبر من الأشخاص :

 أيها الأخوة؛ إذاً النبي ربى أصحابه هكذا، صلى ركعتين فاعترضوا، أقصرت أم نسيت؟ أخذ موقعاً غير مناسب فاعترضوا وحي أم مشورة؟ مشورة ليس بموقع، أمير من قبل النبي عليه الصلاة والسلام أعطى أمراً غير معقول راجعوه، إنما آمنا بالله فراراً منها، يوجد حرية فكرية ومنهج واضح، ومنهج أكبر من الأشخاص، هذه هي النقطة، كلما صار تخلفاً يصبح الشخص أكبر من المنهج، وكلما كان هناك تفوق يصبح المنهج أكبر من الشخص، المنهج، المبدأ أكبر من الشخص.
 ابن الأيهم جبلة ملك، أن يسلم ملك الغساسنة هذا مكسب كبير، لكن بعد أن أسلم بقي نفسية ملك، بدوي داس طرف إزاره فانخلع إزاره من على كتفه، فضرب البدوي ضربةً هشمت أنفه، هذا البدوي شكا لعمر، موقف حرج، بدوي صغير من عامة الناس يشتكي على ملك، إذا كان المبدأ أكبر من الأشخاص الملك يحاسب، أما إذا كان الشخص أكبر من المبدأ:

(( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ رُمْحٍ إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم ))

[ البخاري عن عائشة]

أما إذا كان الأشخاص أكبر من المبدأ، فالإنسان الكبير لا يحاسب، أما الصغير فيحاسب أشد الحساب.
 جيء به إلى عمر فقال له: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ قال: لست ممن يكتم شيئاً، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي، قال له: أرض الفتى لابد من إرضائه مازال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك- يخاطب ملكاً- يوجد أناس علقوا أن لماذا فعل هذا عمر؟ قال: لأنه أراد أن يضحي بملك ولا يضحِي بمبدأ، لو تركه ضحى بمبدأ إرضاءً لهذا الملك، قال له: أرض الفتى لابد من إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك، قال: كيف ذاك يا أمير هو سوقة وأنا عرش وتاج؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ قال: نزوات الجاهلية ورياح العنجوهية قد دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً، قال له: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، قال له: عنق المرتد بالسيف تحز عالم نبنيه كل صدع فيه بشبا السيف يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
 المبدأ أقوى من الأشخاص، ولا تتقدم الأمة إلا بهذا الطريق، المبدأ أكبر من الأشخاص، أما إذا الشخص أكبر من المبدأ فالمشكلة كبيرة جداً، الآن حتى في مسجد مثلاً، حتى في دائرة، حتى في مؤسسة، حتى في مدرسة، حتى في مستشفى، إذا أخطأ الكبير يغفر ذنبه، والصغير لا يغتفر ذنبه، مشكلة كبيرة جداً.
 امرأة من بني مخزوم سرقت، فجاء سيدنا أسامة وهو حبر رسول الله ليشفع لها عند النبي، غضب النبي غضباً لم يعرف منه غضب كهذا الغضب، قال له:

(( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))

[ مسلم عن عائشة]

 هذا المبدأ، حينما يكون المبدأ أكبر من أي شخص نسير خطوات واسعة نحو الأمام، أما إذا الشخص أكبر فهذه مشكلة.

 

أقوال النبي تشريع وأفعاله تشريع وإقراره تشريع :

 النبي علمنا أشياء كثيرة، كل شيء فعله النبي في حياته موقف كامل، والظرف وقع بحكمةٍ بالغة، السيدة عائشة حينما تكلموا عنها الناس أنها زانية في حديث الإفك، كان هناك حالات كثيرة جداً ألا يقع هذا الحديث، لو أنهم حينما حملوا الهودج وجدوه فارغاً لم يعد هناك إفك، لو أن عقدها لم ينفرط لا يوجد إفك، لو أنها لم تبتعد كثيراً لا يوجد إفك، لكن أراد الله هذا ليمتحن الناس، ويفرزهم فرزاً علمياً، المؤمن أحسن الظن، والمنافق روج هذا الخبر السيئ، فالذي وقع في عهد النبي حوادث لحكمةٍ بالغة، وكلما وقف النبي موقفاً كان هذا الموقف أكمل موقف، وأنا أتمنى في وقت فراغكم أن تقرؤوا السيرة قراءةً متأنيةً.
جاء إلى النبي وفد، طلبوا سبعين قارئاً، والنبي ما عرف أنه يوجد مؤامرة، فأخذوا وذبحوا في الطريق، طبعاً أجلهم منته، كيف دخلت عليه؟ النبي بشر لا يعلم إلا أن يعلمه الله، فالله أعطى درساً، أنت ممكن مهما كنت ذكياً وألمعياً وعبقرياً لا تعرف الشخص الذي أمامك إلا واحد بالعشرة، أناس عندهم قدرة على التمثيل، قدرة عالية جداً من الصعب أن تكشفهم، لذلك الإنسان إذا قرأ السيرة يتوازن، وكل موقف من مواقف النبي درس بليغ، وكل موقف تشريع، وكل موقف حكمة.
 فأنت إذا قرأت سيرة النبي قراءة متأنيةً ربما اكتشفت تشريعاً لا يقل عن تشريع مأخوذ من أقواله، يوجد تشريع يؤخذ من أقواله، وتشريع يؤخذ من أفعاله، فأقواله تشريع، وأفعاله تشريع، وسكوته تشريع، إذا سكت معنى هذا أن الكلام صحيح، أنا جالس في جلسة، وإنسان تكلم خطأ، يمكن ليس من المناسب أن أرد عليه، قد أكون أضعف من الذي تكلم، قد يكون الرد غير مجد، سكوت إنسان مسلم ما معنى هذا؟ أن الكلام الذي قاله صحيح، النبي وحده إذا كان في مجلس وقال إنسان كلمة أمامه، وسكت النبي سكوته تشريع، هذه أصبحت تشريعاً، لذلك هذه المرأة التي قالت من وراء الستار: هنيئاً لك أبا السائب فقد أكرمك الله - صحابي توفي في عهد النبي، والنبي كان في زيارته، ومن عادة النبي أن يزور المتوفى قبل أن يغسل تكريماً لأهله - هنيئاً لك أبا السائب فقد أكرمك الله، يبدو صحابي له باع طويل في العمل مع رسول الله، فالنبي لو سكت لكان كلامه صحيحاً، هذا فيه نوع من التألي على الله، هذه المرأة على وجه اليقين أنت في الجنة يا أبا السائب، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: وما أدراكِ أن الله أكرمه؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه، بين قد أكرمك وبين أرجو الله أن يكرمك، الأولى فيها تأل على الله، هذا للجنة وانتهى، من أنت؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم.
هذا الأدب مع الله، والنبي علمنا أشياء كثيرة، لذلك سيرته تشريع، وكلما قرأت سيرته، وتمعنت فيها وجدت مواقفاً رائعة جداً، ممكن إنسان كبير، الناس يكرمونه ويكرمونه، النبي سيد الخلق إذا كان هناك إنسان في الأرض في تاريخ البشرية يستحق أن تخدمه ليلاً نهاراً هو رسول الله، ومع ذلك خدمه سيدنا ربيعة سبعة أيام، قال له: " يا ربيعة سلني حاجتك؟- ممكن أن تعتبر كل شيء يقدم لك ديناً، الأساس هذا مؤمن ليس له عند أحد شيء، فإذا إنسان قدم شيئاً صار مديوناً- قال له: سلني حاجتك" لأنه خدمه سبعة أيام، فإذا إنسان ربى نفسه ألا يعلو على الناس، يوجد قصة أرويها ولا أشبع منها، هل من المعقول قائد جيش في معركة بدر يمشي وصاحباه يركبان على الناقة؟ ثلاثمئة راحلة والصحابة ألف، لا يوجد مجال أن يركب كل واحد، كل ثلاثة على راحلة، يركب الأول ويمشي اثنان، يركب الثاني وينزل الأول، يركب الثالث وينزل الثاني، قال: أنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، فركب دوره، وانتهى دوره يريد أن ينزل، ما سمحوا له، ابق راكباً، قال: لا، ما أنتما بأقوى مني على السير، وما أنا بأغنى منكما على الأجر، مثلي مثلكم، أنا بحاجة إلى أجر، وأنا رياضي أمشي لا يوجد مشكلة، انظر إلى التشريع، هذا هو التواضع، فأنت على قدر ما تقلد النبي صلى الله عليه وسلم يحبنك الناس، وعندما تأخذ موقفاً غير ديني، موقفاً عنصرياً، أنا أعلى من الناس، أنا لحم أكتافه من خيري، علو فيه وقاحة، أنا فضلت عليهم، اعتبر نفسك انتهيت، أنت مثلك مثلهم، والفضل لله عز وجل، الله فضله على الجميع ولا يوجد أحد أفضل من أحد، هذه هي السنة، فإذا طبقنا السنة كنا في الأوج.
 أنا أردت من هذا الدرس ولعله قبل الأخير أن أبين أن أفعال النبي تشريع، سجد سجود السهو ولو لم ينسَ ما سجد، قال: إنما نسيت كي أسن، وبموقع بدر قال: يا رسول الله هذا الموقع وحي أوحاه الله لك أم هو الرأي والمشورة؟ قال: لا، هو الرأي والمشورة، قال: ليس بموقع، استجاب، وبكل موقف كان يأخذ الموقف الكامل، فأقواله تشريع، وأفعاله تشريع، وإقراره تشريع.

تحميل النص

إخفاء الصور