وضع داكن
16-04-2024
Logo
حديث + موضوع علمي - الدرس : 18 - صفات المؤمنين 2 وعد الله المؤمن بحياة طيبة يشعر فيها المؤمن برضا الله عنه.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الدين توقيفي و كلام النبوة منهج صحيح :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ قد يسأل سائل: إنّ هذه الأحاديث الشريفة نعرفها ومألوفة جداً، لي ملاحظة حول هذا السؤال: في الصحاح غنية، ائت بحديثٍ مشهورٍ صحيحٍ ثابتٍ قطعي الثبوت، وعمِّق فهمه وشرحه أفضل من أن تأتي بحديث مهزوز ضعيف عليه إشكال، الإنسان يرغب بأن يأتِي بالجديد دائماً، لكن في الدين الدين منتهِ، الدين توقيفي، فالِجَدة في الدين أحياناً تُزِل القدم إلى حديث ضعيف، أو غير مألوف، أو عليه إشكال، فالأَولَى أن نبقى في الصحاح لأن الحديث الصحيح كأنك تمشي على صخر.
 أولاً: كلام النبوة فيه نور النبوة، وفيه دقة ما بعدها دقة، وهو منهج صحيح، فلذلك أنا آتي بحديث مألوف ومعروف، ولكن المهم أن نفهمه بعمق، أن نفهم أبعاده ودلالاته واستنباطاته، حديث اليوم في صحيح البخاري طبعاً، قال له:

(( يا ربي أي عبادٍك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحب عبادي إليّ تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحدٍ بسوء، أحبني، وأحب من أحبني، وحببني إلى خلقي، قال: يا ربي إنك تعلم أني أحبك وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي))

[ من الدر المنثور عن ابن عباس]

 الإنسان أحياناً يشعر بقلق من المستقبل، وهذا القلق مرض العصر، أمراض وبيلة، خثرة دماغية، فشل كلوي، شلل، يوجد قلق عميق في نفس كل إنسان، يا ترى أنا ما مصيري؟ هل أصاب بهذه الأمراض العضالية؟ هل أبقى طريح الفراش سنوات وسنوات أم أبقى معافى؟ الذي يهمني أنا أن نوقن أن كلام النبي الكريم هو من عند الله، وهو وحي ثانٍ، لقوله تعالى:

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[سورة النجم: 3-4]

 إذا النبي الكريم طمأن وبشر فهي بشارة من الله، هنا هذا الحديث بعد أن ننتهي منه يعطي الإنسان شعوراً أن المستقبل في صالحه، وأنه ليس في المستقبل مفاجآت:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد: 11 ]

 مادام ما غير الله لا يغير، قال تعالى:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[سورة التوبة: 51]

العبادة علة وجود الإنسان في الأرض :

 في هذا الحديث:

(( عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ:بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا آخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ قلت لبيك يارسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: يا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ، وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَلا يُعَذِّبَهُمْ ))

[صحيح البخاري عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّه عَنْه]

 أولاً: يعلمنا هذا الحديث الأسلوب التربوي التشويق، ثم سار ساعة يا ترى ماذا أراد النبي؟ لمَ قال له: يا معاذ؟ بأصول التدريس دائماً التمهيد بأن تشوِّق الطالب إلى موضوع الدرس، أو تثير اهتمامه، أو أن تدفعه إلى التركيز على موضوع الدرس، التمهيد فقرة أساسية جداً في التدريس، من نوع التمهيد، هل تدري ما حق الله على عباده؟ أنت من نعم الله موجود، من منحك نعمة الوجود أو نعمة الإمداد؟ هناك هواء تستنشقه، وماء تشربه، وبيت تأوي إليه، لو أن هذا النبات ما أنبت ماذا تفعل؟ يوجد خبز ولحوم وخضار وفواكه وصوف وثياب وبيوت وأسرّة ومأوى، نعمة أنت موجود والله أمدك ثم هداك إليه هل له عليك حق؟ أنت لاحظ نفسك إذا أحدهم قدّم لك هدية بسيطة تشكره مئة مرة، ألم يخطر ببالك أن هذه النعمة العظمى تستحق الشكر؟ ممكن الإنسان ألا يتواجد في بيته رغيف خبز، وهو وأولاده جياع، يدخل إلى البيت فيجد أشياء بمبلغ خمسة آلاف ليرة، أو خمسين ألفاً، مؤونة كاملة ولحوم وخضار وفواكه...هل يوجد إنسان في الأرض يبقى ساكتاً؟ يسأل: من أحضرهم؟ من أين جئتم بهذا الطعام؟ فالإنسان وجوده نعمة، وكل ما حوله نعمة، ألا يسأل من أين هذا؟ هل تدري ما حق الله على عباده؟ قلت؟: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، فأنت مطالب أن تعبد الله، بل إن علّة وجودك في الأرض أن تعبده، والعبادة قد تفهم فهماً ساذجاً، سر وجودك، وهي علم وعمل وسعادة، فيها جانب معرفي، وجانب سلوكي، وجانب جمالي، العبادة اتصال وانضباط ومعرفة، وما اتخذ الله ولياً جاهلاً فلو اتخذه لعلمه، كل مؤمن عرف الحقيقة العظمى في الكون، إذاً على شيء من العلم، وكل شيء منضبط بمنظور القيم، وكل مؤمن سعيد بالاتصال بالله عز وجل.

 

الحياة الطيبة تتولد من شعور الإنسان أن الله راض عنه :

 أقول كلمة إن شاء الله لا أبالغ: إذا لم تقل أنا أسعد الناس فبالإيمان يوجد شك لأنك أنت متصل بخالق الكون، مستعين بالقوي والغني والعليم والجميل، مصدر الجمال هو الله عز وجل، فأنت متصل بالله مصدر الجمال والقوة والكمال والغنى والعلم، وعندك مشكلة معنى هذا أن الاتصال خلّبي، اتصال استعراضي غير حقيقي، فإذا كنت متصلاً حقيقة بالله أنت أسعد الناس.
 والله مرة أخ ذهب إلى الحج ولما عاد زرناه فقال: ليس في الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، فإذا لم تكن في أعلى درجة من السعادة وأنت في الدنيا وأنت تعاني ألف مشكلة لأن السعادة داخلية، عندما ربنا عز وجل يعدنا بالحياة الطيبة لا يعدنا بالمال الوفير، أو بيت خمسمئة متر، أو سيارة ثمنها خمس وعشرون مليوناً، قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 الحياة الطيبة شعورك أن الله راض عنك، هذا الشعور مسعد، شعورك أن الآخرة لمصلحتك، أنك في طاعة الله، أنك تمشي على الصراط المستقيم، أنك تحقق رغبتك من وجودك، هذه مشاعر السعادة، لكن الله لا يعدنا بالمال إذا استقمنا، فقد يكون مستقيماً ودخله أقل من حاجته، وقد يكون إنساناً مستقيماً وعنده خمسون علّة بجسمه لا مشكلة، المشكلة إذا الله ألقى في قلبك الرحمة، وإذا فتح لك باب الرحمة، قلب الحياة من خشنة إلى جنة، وإذا الله عز وجل حجب عنك الرحمة، والله في السفرة الأخيرة شاهدت مظاهر غنى لا توصف، البيت إذا كانت مساحته ألف متر، وحديقته خمسة آلاف متر، وحوالي سبع سيارات تقف أمامه، وكل شيء بالعالم من أجهزة موجودة ولا أحد سعيد، السعادة وأنت في أخشن حياة أسعد الناس، أما إذا حجبت عنك رحمة الله وأنت في أنعم حياة فأنت أشقى الناس.

 

الدين منهج كامل و هو تعليمات الخالق سبحانه :

 إذا قلنا لإنسان: خذ ألف مليون دولار هل عنده مشكلة؟ إذا البنزين ارتفع سعره هل يشعر بالانقباض؟ إذا الله حجب عنه رحمته فهو أشقى الناس، وهات إنساناً يعيش على أربعة آلاف ليرة في الشهر بهذا الظرف الصعب إذا الله عز وجل فتح له باب رحمته فهو أسعد الناس، هذه حقائق الدين، فالدين لا علاقة له بالمال، أو بالمنصب الرفيع، أو بالبيت الفخم، أو بالمركبة الفارهة، الدين علاقتك بالله، إذا اتصلت به فأنت أسعد الناس، مصدر العلم والغنى والقوة والجمال، فلذلك بالعبادة يوجد جانب معرفي، وجانب سلوكي، وجانب جمالي، العبادة لا تفهمها بشكل ساذج أننا صلينا ركعتين، العبادة مئة ألف بند، منهج كامل، عليك أن تنضبط في كل حركة في بيتك، وسكنك، وعملك، وسفرك، وإقامتك، وزواجك، واحتفالاتك، وأفراحك، وكسب مالك، وإنفاقه، وعلاقتك الحميمة بزوجتك وبناتك وأولادك، وبإخوانك، وأصدقائك، ومن فوقك، ومن تحتك، هذه العبادة منهج تفصيلي، القضية بسيطة فيها قانون، ثمان وثمانون مادة، إذا موضوع محدد بالحياة ثمان وثمانون مادة مشروح بمئتين وخمسين مادة بمرسوم تفسيري، إذا جانب من جوانب الحياة، فكيف منهج الله عز وجل؟ المسلمون ارتكبوا بحق دينهم جريمة كبيرة، عندما اختصروا الدين إلى خمس صلوات، وصوم، وحج، وزكاة، الدين أكبر من ذلك بكثير، الدين يدخل بتفاصيل تفاصيل العلاقات الحميمة، وأدق تفاصيل الحياة، منهج كامل، تعليمات الصانع، فأنت مُنِحْتَ نعمة الوجود، ومُنِحْتَ نعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد.

عظمة الله عز وجل في خلق الإنسان :

 الآن أليس لله حق عليك؟ أنت إنسان موجود لك اسم، وخانة مثلاً: قيمرية ثمان وثمانون، شخص مولود، من منحك نعمة الوجود؟ من سمح لك أن ترى بعينيك؟ مئة وثلاثون مليون عصية مخلوقة بالشبكية، من سمح لك أن تشم الروائح الطيبة؟ دخلت مرة لبستان حمضيات بالساحل رائحة زهر الحمضيات شيء لا يوصف، يقولون لك: ماء الزهر، هذا هو ماء الزهر، رائحة البستان الذي فيه زهر الحمضيات، مَن أعطاك نعمة التذوق والجمال؟ الشم، عشرون مليون عصب ينتهي كل عصب بسبعة أهداب، والهدب مغمس بمادة معينة تتفاعل مع الرائحة فتشكل شكلاً هندسياً ثم تنشحن للدماغ، الدماغ فيه ملف بعشرة آلاف بند هذا الشكل الهندسي الذي هو من تفاعل الرائحة مع الأهداب يأخذ شكل كرة أو مثلث أو موشور، ويعرض على عشرة آلاف بند، أين طابق؟ تقول: هذه ياسمين، هل تعرف أنه من أجل أن تشم رائحة الياسمين كم يوجد من الأجهزة المعقدة في جسمك؟ أنت تسير في الطريق سمعت بوق سيارة فاتجهت باتجاه اليمين، هل تعرف أنه يوجد جهاز في دماغك يقيس تفاضل وصول الصوتين للأذنين؟ يوجد أذنان، والسيارة على اليمين، وصل الصوت للأذن هذه قبل هذه بواحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، فعرف الدماغ أن عليه أن يسير باتجاه اليمين، أعطى أمراً أن يتجه إلى اليسار، لولا هذا الجهاز لكنت أمام السيارة، تعرف بالأذنين جهة الصوت، وتعرف بالعينين البعد الثالث، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾

[سورة البلد: 8]

 فالإنسان من أعلى مستوى كقوله تعالى:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

[سورة التين : 4]

 فأنت عندما تجوع مخازن المواد الغذائية بالجسم تنقص، أما السكر بالدم والبروتين والمواد الأساسية الكاملة، والدليل أن الإنسان إن كان يعاني من الجوع الشديد وجاءه خبر سار أو خبر مفزع لم يعد جائعاً، إذاً ما معنى الجوع؟ لكمال خلق الإنسان الجوع هو نقص المخزون وليس نقص الموجود، في دمائك مواد غذائية كاملة، أما عندما تجوع فيكون ذلك بسبب نقص بعض السكريات في الكبد. الحديث عن الجسم حديث يطول لكن أنت ممنوح نعمة كبرى.

 

حقّ العباد على الله :

((.....قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ ... ))

 الله عز وجل أنشأ لك حقاً عليه، من أنت؟ ماذا تملك؟ إذا الله وضعنا كلنا بجهنم حتى الطائعين هل تستطيع أن تعترض؟ أن تقوم بالمظاهرة والاستدعاء؟ ماذا تفعل؟ لا تملك شيئاً ومع ذلك أنشأ لك حقاً عليه، قال لك: طالبني فيه؟ هنا النقطة:

((.....ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَلا يُعَذِّبَهُمْ ))

 فأنت ممكن أن تنعم بأمن لا يعرفه ملوك الأرض وأغنياء العالم، ألا يوجد ملك أصيب بخثرة في الدماغ وانشلّ؟ أو أصيب بالسرطان فترك الحكم وذهب إلى أميركا؟ أليس كذلك؟ ماذا تملك أنت؟ لا تملك شيئاً إطلاقاً، بلاد طويلة عريضة أطباء العالم كلهم لم يتمكنوا من القضاء على السرطان، فلذلك أنت لا تملك شيئاً، أما بطاعة الله فتملك كل شيء، الله يطمئنك قال لك: حق العبادة على الله إذا هم فعلوا ذلك ألا يعذبهم، إذاً في قلب المؤمن من الأمن ما لو وزِّع على أهل بلد لكفاهم، الله عز وجل منحك نعمة الأمن، قال لك: لك عليّ حق طالبني به، المؤمن مدلل يشعر أن له على الله حقاً، يا ربي أنا لم أقصر، أنا أطيعك، من حقي أن أكون مرتاحاً بالحياة من همّ وغمّ ومشاكل.

 

زوال الكون أهون على الله من أن يعامل المستقيم كالمنحرف :

 لذلك أخواننا الكرام يوجد آية قرآنية لو تقرأها مليون مرة لا تشبع منها:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[سورة الجاثية: 21]

 من سابع المستحيلات، زوال الكون أهون على الله من أن يعامل المستقيم كالمنحرف، والصادق كالكاذب، والمحسن كالمسيء، ومن يعطي للناس من أمواله مع من يبتز أموال الناس، والكريم كالبخيل:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[سورة الجاثية: 21]

 ليست حياة المؤمن كحياة الكافر، ولا موته كموت الكافر، الكافر رخيص على الله، أنشئ أكبر جسر بالعالم باستنبول بين قارتين، أنشأه مهندس ياباني من كبار المهندسين، يوم تدشينه أثناء قص الشريط الحريري - الحقيقة الجسر يمشي عليه باليوم أربعمئة سيارة بين قارة آسيا وأوربا، يمر من تحته بواخر وهو معلّق، أنا شاهدت جسراً في سان فرانسيسكو يقدر طوله باثني عشر كيلو متر بالبحر وهو أطول جسر بالعالم- وبعد أن انتهى هذا المهندس الياباني وقص الشريط ألقى بنفسه في البحر، ظاهرة غريبة جداً، خامس مهندس بالعالم غني غنى فاحشاً، شاب بريعان شبابه ليس لديه أي مشكلة إطلاقاً، وحقق إنجازاً حضارياً، ذهبوا إلى غرفته في فندق الشيراتون مكتوب رسالة فيها: أنا ذقت كل شيء في الحياة فلم أجد لها طعماً فأردت أن أذوق طعم الموت، لأنه لم يعرف الله، انظر نجاح كبير علمي واقتصادي وشاب ومن فلتات الزمان بالهندسة لكن لأنه لم يعرف الله لم يجد في الحياة طعماً.

 

الرفاه المادي لا يقدم ولا يؤخر :

 يقول أحد العلماء: بستاني في صدري ماذا يفعل أعدائي بي؟ إن أبعدوني فإبعادي سعادة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، رجل من أعلى درجات العلم والنجاح الاقتصادي ينتحر، ورجل بأصعب مكان في السجن يعيش وهو من أسعد الناس، هذا الدين، إذا الإيمان ما أسعدك فهذا ليس إيماناً، إذا لم يجعلك إنساناً متميزاً، إنسان ترى ما لا يراه الآخرون، تسمع ما لا يسمعونه، تشعر بما لا يشعرون، فأنت لست مؤمناً إذاً:

(( عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَبْكِي فَقَالَ: مَا لَكَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ فَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى الأَزْوَاجِ وَالضَّيْعَةِ نَسِينَا كَثِيرًا قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَكَذَلِكَ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْنَا فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا لَكَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ فَإِذَا رَجَعْنَا عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالضَّيْعَةَ وَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ:فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَعَلَى فُرُشِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً وَسَاعَةً وَسَاعَةً))

[الترمذي عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ]

 قال: لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة، لو بقيت على حالك مع رسول الله الحياة فيها كل السعادة، فنحن عندنا بيوت فخمة وبلاط، كانت بيوتهم عدسة أو من التراب، والنبي كان مسجده مسقوفاً من سعف النخيل اليوم كل ثريا بالمساجد يقول لك: هذه ثمنها ثمانمئة ألف ليرة، وزنها أطنان، كلها كريستال، اليوم يقول لك: وضعنا الرخام وفوقه اللباد من أجل العزل الذي فوقه، سجاد موحد في وقت سعف النخيل كانوا فاتحين العالم، الآن ليست كلمتنا هي العليا، فهذا الرفاه المادي لا يقدم ولا يؤخر، الذي يقدم ويؤخر أن تكون وفياً لله عز وجل.

 

إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم :

 هذا الحديث أخواننا الكرام يملأ القلب بالأمن وبالسعادة، لك على الله حق طالبه به، اعبده كما يريد، عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمتني فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد.
 هذا الحديث أخواننا الكرام ممكن أن يجعلك في شعور أمن مستمر، أنت لا تغير فلا يغير، مرة راق لي أن أفسر آية باللغة العامية أي:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد: 11 ]

 أي لا تغير لا يغير، لست مبسوطاً غير ليغير، هذا معنى جامع مانع، إذا أنت في بحبوحة ومسرور مع الله لا تغير لا يغير، إذا كنت مزعوجاً غير ليغير، والحمد لله رب العالمين.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

تحميل النص

إخفاء الصور