وضع داكن
29-03-2024
Logo
حديث + موضوع علمي - الدرس : 17 - صفات المؤمنين 1 - المؤمن متعاون مع أخيه المؤمن.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

وصف المؤمنين في القرآن مقياس لكل مؤمن يقيس إيمانه به :

 أيها الأخوة الكرام؛ حينما تقرؤون القرآن تجدون أحياناً وصفاً دقيقاً للمؤمنين:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾

[سورة الأنفال: 2]

﴿ الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾

[سورة البقرة: 1-3]

﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾

[سورة المائدة:54]

 أي وصف في القرآن الكريم للمؤمنين ماذا يراد منه؟ وأي وصف في الحديث الصحيح للمؤمنين ماذا يراد منه؟ الله أعلم يراد منه شيئان أن تكون هذه الآية التي فيها وصف المؤمنين، أو أن يكون هذا الحديث الذي فيه وصف المؤمنين مقياساً لكل مؤمن يقيس إيمانه به، فإذا كان المؤمن قاسياً إلى أعلى درجة على المؤمنين، وليناً مع الكفار، فهذه ظاهرة خطيرة، معنى ذلك ليس مؤمناً، إذا قرأ القرآن فلم يقشعر جلده، وصلى فلم يتأثر، وذكر الله فلم يتحرك له شيء، معنى ذلك أن هذا الوصف لا ينطبق عليه، حينما يصف الله المؤمنين وحينما يصف النبي المؤمنين هذا الوصف مقياس، الآن له وظيفة ثانية هذا الوصف أن يكون هدفاً، إن لم أكن كذلك فينبغي أن أسعى إلى هذا المستوى، فإذا الإنسان طبّق هذا الوصف عليه يوجد أحد حالين إما أنه ينطبق فهذه نعمة كبرى، وإن لم ينطبق فيجعل هذا الحديث أو تلك الآية التي فيها وصف للمؤمنين هدفاً له، هذه المقدمة، أنا حينما أقرأ وصف المؤمنين في القرآن، أو أقرأ وصف المؤمنين في السنة ينبغي أن أقيس نفسي بهذين المقياسين، إن كان هناك انطباق فعليّ أن أتابع وأحمد الله عز وجل على هذا الانطباق، وإن لم يكن هناك انطباق عليّ أن أسعى لأكون في هذا المستوى، فهذه نقطة دقيقة جداً في شأن المؤمنين.

 

علامة الإيمان الصحيح أن الإنسان يتألم لحال المسلمين :

 حديث اليوم الذي ورد في الصحاح:

(( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ))

[مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ]

 المسلمون إذا كانوا كذلك فهذه نعمة عظمى، ويستحقون نصر الله عز وجل، ورحمته، واستخلفهم الله في الأرض، وأيدهم، ونصرهم، ومكنهم، وطمأنهم، إن كانوا كذلك ما جعل لكافر عليهم سلطان، أعطاهم ورفع شأنهم، وإن لم يكونوا كذلك فلا بد من أن يجعل المؤمنين هذا الحديث هدفاً لهم، ولو طبقت هذا الحديث في مجتمع صغير، أخوان المسجد هذا مجتمعنا، نحن جماعة مؤمنة من آلاف الجماعات، هدفنا وربنا وإلهنا وديننا ومنهجنا وقرآننا واحد، وانتماؤنا إلى مجموع المؤمنين لا إلى فقاعة صغيرة، ولكن نحن أيضاً نطبق هذا المنهج في أصغر جماعة، فكيف يكون حال المسلمين بعد ذلك؟ رواد مسجد معين:

((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ))

[مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ]

 هل نحن كذلك؟ هل تتألم أشدّ الألم لمصيبة نزلت بأخيك؟ هل تسعى جاهداً لتخفيف آلامه عنه ومدّ يد المعونة إليه؟ هل تنام قلقاً إن ألمَّت بأخيك ملمة؟ هل تحمل همّ المسلمين في شتى أقطارهم؟ هل يقض مضجعك أن المسلمين في بلد آخر هم معذبون أو مضيق عليهم أو يقصف عليهم دائماً أو هم جائعون وغير آمنين؟ علامة إيمانك الصحيح أنك تتألم لحال المسلمين بشتى أقطارهم، وفي مختلف ديارهم، هذه علامة الإيمان، وإلا فهناك وضع خطير هو أن هذا الانتماء أصبح فردياً، فإذا رآنا الله عز وجل هكذا متفرقين، كل إنسان ينتمي إلى ذاته حقق مصالحه من بعد الطوفان، إذا كان حال المسلمين هكذا، لماذا سيدنا أبو ذر إذا جاع الناس فلا أحد يملك شيئاً، توزع هذه الإمكانات بين كل المؤمنين، هكذا كان أصحاب النبي، هذا الإسلام العظيم ما وصل إلى الصين، وما وصل إلى فرنسا بانتماء فردي، أو بأنانية، أو بحرص على أمور الدنيا.

 

قضية الإسلام ليست شعارات إنما تعاون و تناصح :

 يا أيها الأخوة الكرام؛ أن يقوم الإنسان بالشعائر شيء، وأن يكون مؤمناً بكل ما يتعلق بهذه الكلمة من معنى شيء آخر.
 السيدة فاطمة جاءت إلى بيت أبيها في نفسها حاجة، فلما دخلت عليه ورحب بها، وكان عليه الصلاة والسلام يقوم لها، استحت أن تعرض حاجتها عليه، فرجعت إلى البيت وأعادت الزيارة بصحبة زوجها سيدنا علي، فبعد مداولة طويلة وأخذ ورد عرضوا الحاجة، يريد خادمة تعينهم على أعمال البيت، فما كان من رسول الله إلا أن قال: " والله يا فاطمة لا أؤثرك على فقراء المسلمين" أي عدّ فاطمة والمسلمين جميعاً أسرة واحدة، يجب أن يتعاونوا جميعاً، فالله عز وجل إذا لم يرانا متعاونين، متكاتفين، متباذلين، متداولين، متناصحين، كيف يحبنا؟ قضية الإسلام ليست شعارات، ونضع آية من القرآن في واجهة المحل:

﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ﴾

[سورة الفتح: 1]

 أي آية شيء سهل الخطاط موجود واللوحات موجودة، تضع: بسم الله الرحمن الرحيم، كثير من الآيات اللطيفة توضع في المحلات، لكن يوجد غش وكذب وعلاقات غير طيبة مع النساء في هذا المحل، وأكل مال من حرام، واستغلال جهل الزبون، فهذه الآية لا تتناسب مع السلوك، ممكن الإنسان يرفع شعاراً إسلامياً، قضية سهلة جداً، الإسلام عندنا عبارة عن أطر فقط، عن استعراض، أما المضمون فليس كذلك، فلذلك هذا الحديث يعد مقياساً:

(( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ))

[مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ]

التعاون يحلّ أكبر مشكلة يعاني منها الإنسان :

 القرآن الكريم في بعض الآيات:

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ﴾

[سورة البقرة: 188]

 نحن ألِفْنَا هذه الآية، ولكن لو وقفنا على معانيها الدقيقة يوجد مشكلة إذا سحب أحدكم خمسمئة من جيبه ووضعها في جيبه الآخر ماذا فعل؟

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ﴾

[سورة البقرة: 188]

 معنى الآية أن مال أخيك هو مالك من زاوية واحدة، وهي وجوب المحافظة عليه فلأن تمتنع عن أكله من باب أولى، أنت إذا أكلت مال أخيك كأنك أكلت مالك لأنك أضعفته، فإذا ضعفته ضعفت معه، إذا كان أخوك بخير أنت بخير، أخوك قوي أنت قوي، الكل للواحد والواحد للكل، هذا نظام المسلمين، وأكبر مشكلة تصيب المسلم إذا وجد التكاتف تنحل المشكلة، مثل بسيط: هذا الصندوق الذي أنشئ في دمشق وأنا والله أفتخر به، صندوق العافية، إنسان يلزمه عملية خمسمئة ألف، من أين سيؤمن هذا المبلغ؟ أما هذا الصندوق فيجمع، لا يوجد إنسان له مشكلة صحية إلا وتحل بهذا الصندوق، هذا نموذج من التعاون، ألف عملية أجريت خلال أقل من سنة، عملية كلفت حوالي عشرين أو ثلاثين مليوناً، أما تقول للمريض: أعطنا خمسمئة ألف، يقول لك: والله لا أملك، فوق طاقة الإنسان أن يدفع نصف مليون مقابل عملية جراحية، أما بالتعاون فتنحل المشكلة، لو كانت كل أمورنا هكذا، أمور السكن مثلاً ستمئة أو سبعمئة شقة مغلقة على المفتاح، الناس لا تثق ببعضها، لو كان الإيمان قوياً العهد عهد، تنحل مشاكل الشباب، الأمور كلها مغلقة لعدم الثقة، ضعف الدين، تعيره البيت شهراً يبقى فيه مئة سنة، ولا توجد أي قوة تخرجه منه، أصبح هو المالك، انعدمت الثقة فلذلك أغلقت البيوت، أجري إحصاء حوالي سبعمئة ألف شقة مغلقة على المفتاح، لا يسكنها أحد من القلق، ومعهم في ذلك حق لعدم الثقة، إذا عارهم الشقة شهراً أو شهرين، سنة أو سنتين، خسر الشقة، فنحن إذا ما طبقنا يوجد نقطة دقيقة جداً، في سفرتي الأخيرة لا أحد يقبض الكلام أبداً هناك، كل شيء تتكلمه تجده غير مقبول، ما لم يجد واقعاً يؤكد ذلك، جامع صغير يكون فيه تعاون وتناصر وتكاتف كما قيل: الكل للواحد والواحد للكل، أي مشكلة تحل فوراً بالتعاون، قد كنا بحال غير هذا الحال، الداء من الموات، المشكلة التي يعاني منها المسلمون ألا ينفرد الباطل في الساحة، لو كان هناك مواد صغيرة تطبق الإسلام حقيقة تختلف الموازين كلها، أنا سمعت بحي في مدينة أميركية، حيّ مسلم المنافذ حُصنت وأغلقت، منع فيها الدعارة والخمر والحشيش والمخدرات، هذا الحي كان من أكبر من ألف دعوة، فنحن نريد واقعاً حقيقياً، إذا وجد مجتمع إسلامي متعاون منضبط ومتكاتف، القوي يأخذ بيد الضعيف، والغني يأخذ بيد الفقير، والصحيح يأخذ بيد المريض، لكنَّا بحال غير هذا الحال، هذا الإسلام الذي خرج من مكة لماذا خرج من مكة إلى الخافِقَين؟ لمبادئ وقيم، أما إذا كان كلاماً فالكلام لا قيمة له إطلاقاً، يقول لك: كلام بكلام، أما إذا كان فعلاً بفعل فيختلف الوضع.

 

الإسلام سلوك و منهج :

 هذا الحديث أخواننا الكرام يجب أن يكون أولاً مقياساً لنا، وثانياً هدفاً لنا، فإذا ما حملت همَّ المؤمنين، ولم تساهم بشكل أو بآخر بحلّ مشكلة للمسلمين لست مسلماً ومؤمناً، إذا ما ساهمت بشكل أو بآخر بحلّ مشكلة من مشكلات المؤمنين فلست مؤمناً، الإيمان ليس كلاماً، وليس مظهراً، أو عرضاً، أو استعراضاً، وليس شعارات، الإسلام سلوك، الإسلام منهج، هذا الحديث هل هو مطبق في العالم الإسلامي؟ ممكن مثلاً نساعد بإنشاء حديقة حيوانات ببريطانيا تكلف ألوف الملايين، وشعوب مسلمة تموت من الجوع لا نساعدها، أيرضى الله عنَّا أن نفعل هذا؟ حديقة حيوان قدم لها مئات الملايين دعماً للحيوانات، وهؤلاء المسلمون الذين يموتون من الجوع في شتى بقاع الأرض لا نتأثر لهم، إذا نما إيمانك ليس لديك الإمكان بالبذخ، هذا الفائض النقدي عاون فيه أخاك، زوِّج فيه أخاً، أو اشتر بيتاً لأخ، البذخ يتناقض مع رسالتك بالحياة، فيا أيها الأخوة هذا مقياسنا، وهذا هدفنا، مقياسنا التعاون والتكاتف والتضامن والتناصح والتزاور والتباذل ، وربنا عز وجل عندما يرانا كذلك يحبنا، ينصرنا، يقوينا، ويستخلفنا، ويمكننا، ويأخذ بيدنا إلى سعادة الدنيا والآخرة، الحد الأدنى ممكن أن تختار من جامع شخصاً فقط تؤاخيه في الله، تتفقده، وتزوره، تتفقد صحته وبيته وأولاده، شخص تتصل معه دائماً بالهاتف، فإذا شعر الأخ بأن هناك من يسأل عنه، عندما يأتيني هاتفان أو ثلاثة أين أنت يا فلان؟ لقد قلقنا عليك، هذه العلاقة الطيبة، والله مرة أخٌ تفقدته فلم أجده، خبرته، يقول لي: والله لا أنسى هذه المكالمة حتى أموت، معنى هذا أنك لم تنسني، لكن أنا واللهِ لا أستطيع أن أحفظ كل الأخوان، فأنا بشر، بحسب علاقاتي مع الأخوان، كأن يكون بيننا علاقة متينة، أما بعضهم فلم يسألني مرة ما اسمي؟ لم يقل لي أنا اسمي فلان، لا أعرف اسمه، ولا يسلم أحياناً، هو لا يعاتب، ولكن أنا لا يمكن أن أتذكر مثل هذا الشخص، لا يوجد مرة التقيت معه وقال لي: أنا فلان، مرة أذكر أنني كنت بحاجة ماسَّة إلى طبيب من اختصاص معين في هذا المسجد، وأنا أبحث عن أطباء في اختصاص نادر، وإذا بأخٍ من إخواننا يحضر عندنا هنا لثماني سنوات دون أن أعلم عنه شيئاً، يقول لي: هذا اختصاصي.
ماذا يمنع لو قلت لي: أنا فلان واختصاصي كذا ونحن نتلوى على اختصاص مشابه؟ فالإنسان ممكن أن يقول: أنا فلان، أنا هذا اختصاصي، هذا عملي، من أجل التعاون و التناصر.

الله عز وجل يحبنا متعاونين متباذلين :

 الحديث الآخر:

(( عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَالأَشْتَرُ إِلَى عَلِيٍّ رَضِي اللَّهم عَنْهم، فَقُلْنَا: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: لا إلا مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا، فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ، فَإِذَا فِيهِ: الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، أَلا لا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلا ذُو عَهْدٍ بِعَهْدِهِ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَى نَفْسِهِ، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))

[سنن النسائي عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ]

 ذكرت في بعض الدروس عن حق الحياة، بأن يقتل عالم بجاهل، ويقتل عاقل بمجنون، ويقتل حر بعبد، المؤمنون تتكافأ دماؤهم كلهم في حق الحياة سواء، يقتل كبير بصغير، يقتل رجل بامرأة، حق الحياة واحد للجميع، المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، هذه صفات المؤمنين، ولو طبق المسلمون هذا وكانوا يداً واحدةً على من سواهم - تروى طرفة أن حيوانين اختلفا على قطعة جبن، فجاؤوا إلى الثعلب واعتبروه قاضياً، وعرضوا الخلاف أمامه، والثعلب هذا يتكلم بالقيم، أتى بميزان وقسَم الجبن إلى قطعتين، ثلثان وثلث، رجحت كفة الثلثين، فأكل نصفها، فرجحت الأخرى، فأكل نصفها، ثم الأخرى كذلك، حتى انتهت قطعة الجبن، ثم قال لهم: عظَّم الله أجركم - هذا حال المسلمين مع الأجانب، احتكمنا لهم فأكلونا نهائياً، ولم يُبْقُوا مِنَّا شيئاً، فلذلك هم يدٌ على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم.
  الآن طبِّق هذا الحديث مع أحدهم، انتقِ أخاً من إخوانك وأعنه ودعه يعينك، زره يزرك، تفقده يتفقدك، صاحبه، التقِ معه بالأسبوع مرة، هذا واحد، اثنان أحسن، ثلاثة أحسن، خمسة أحسن، ولكن يجب أن تكون أنت قد ساهمت بشكل أو بآخر في معاونة إخوانك، أحياناً إنسان يقول لك:- والله كثير من أخواني أنا ممتن لهم من أعماقي - أنا معي إجازة بالرياضيات، أي إنسان يحتاجني أنا في خدمته، أخ آخر يقول لي: أنا أعمل بالكهرباء، أي أخ بحاجة لي أنا بخدمته، كثير من الأخوان يقول لك: أنا هذا اختصاصي، أستطيع أن أخدم أي إنسان أنت تحدده، مرة طبيب من أطبائنا جزاه الله خيراً قال لي: أنا جاهز لأي عملية لفقير، بعثت له بأول مريض والثاني والثالث، عملية جراحية كاملة مع أجرة المستشفى على حسابه، هذا قدم ما عنده، أما هذا فقد أدى الذي عليه، أنا اختصاصي هذا الاختصاص إن استطعت أن أقدم لكم شيئاً فسأقدمه، لقد ساهم بحلّ مشكلة، كثير من الأخوان قدموا أشياء للمعهد لا تقدر بثمن، والله لولا أنهم لا يحبون أن أذكرهم لذكرت أسماءهم، واحد منهم مثلاً قدم للمعهد خمسمئة كنزة لأبناء المعهد كله، هذا المبلغ الذي قدمه كبير جداً، منهم من قدم أموالاً، ومنهم من يدعو طلاب العلم لطعام الإفطار على حسابهم، وتراهم يقفون في صفوف ينتظرون دورهم، فعليك أن تقدم شيئاً ثميناً حتى يكون هذا الحديث مطبقاً علينا جميعاً، والله عز وجل يحبنا متعاونين، قال تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾

[سورة المائدة: 2]

 يحبنا متباذلين متناصرين.

 

واجب المؤمنين مع بعضهم :

 أما الشيء الشائع الآن فتلتقي معه يمدحك مديحاً كأنك ملك، وتترك له ظهرك يقول: أنا لم أقبضه وأندمج معه، كلمتا نفاق والعياذ بالله، لا يوجد أحد عنده حفظ الغيبة عندما تغيب عنه، أو حياء، أو خجل، أو خوف، تتركه فيبدأ بالطعن، شيء ثابت، أما من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته، هذا له شأن، هذا مؤمن، دافع عنه:

((عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا........وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: مَا فَعَلَ كَعْبٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إلا خَيْرًا فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.......الحديث ))

[البخاري عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ]

 فالنبي سرّ أشد السرور من هذا التكاتف، إذا أخطأ أحدهم دافع عنه، أحسن الظن، توقع الخطأ بالمعلومات، منذ يومين تقريباً شخص أظنه صالحاً عنده مطعم، وصلني معلومات أن في المطعم كثيراً من الأخطاء الفاحشة، سألت إنساناً عن هذا فقال: غير صحيح، الشيء كله خطأ، تحققت ويجب أن أغير هذه الصورة التي بلغتني لأن هذا واجب المؤمنين مع بعضهم، أتقبل شائعة غير صحيحة على أخيك أو فكرة خطأ؟ هذا كله لا يجوز، حتى الله عز وجل لا يتخلى عنك، وينظر لنا بالعناية والعطف والرحمة يجب أن نتعاون، يد الله على الجماعة ومن شدّ شدّ في النار، عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وكلما ارتقى إيمانك سعادتك بإكرام إخوانك، سعادتك بالعطاء، وليس الأخذ، أن تحل مشاكل الناس، أن تجد الناس في بحبوحة، مطمئنين في بيوتهم، مرتاحين، بيتهم متماسك، عاون أخوانك على حلّ مشاكلهم الخاصة، فكل إنسان ما حمل همّ المؤمنين ليس مؤمناً، هذه قاعدة، أو لم يساهم في حلّ مشكلة للمسلمين ليس مؤمناً، هذا الانتماء الفردي والأنانية والاعتزاز أنني أنا أفهم لوحدي، خير إن شاء الله، أنا فهمان لوحدي، أنا مستقيم استقامة تامة وحدي وكل الناس ضائعة، هذا كلام مضحك، ساعدهم، هؤلاء مسلمون، إذا كان لك رؤية صحيحة خذ بيدهم إلى الله عز وجل، تواضع لهم، الله عز وجل علمنا كيف نحاور الكفار، قال:

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[سورة سبأ:24]

 ما هذا التواضع؟! نحن سواء والحق بيننا، إما معنا أو معكم:

﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

[سورة سبأ:25]

 النبي ودعوته جريمة؟ وجريمة الكفار عمل، هذا ما علمنا القرآن:

﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

[سورة سبأ:25]

 فعليك أن تتواضع، تحب الخلق، ضربوه بالطائف فقال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لم يتخلّ عنهما - اعتذر عنهم لا يعلمون، ودافع عنهم، وتفاءل لهم بالخير- لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده، والحمد لله رب العالمين.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم

 

تحميل النص

إخفاء الصور