وضع داكن
29-03-2024
Logo
حديث + موضوع علمي - الدرس : 10 - الأخلاق - الحياء - دودة القز.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

العلاقة الترابطية بين الإيمان و الخلق :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ لازلنا في صحيح البخاري، فقد ورد في هذا الصحيح عن مالك بن أنس:

((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ ))

[مسلم عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ]

 الحقيقة هذا الحديث وأحاديث أخرى وآيات كثيرة تقيم علاقةً ترابطية بين الإيمان وبين الخلق، إلى أن قال أحد كبار العلماء: الإيمان هو حسن الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان، ففي النهاية الإيمان أخلاق، التفسير العلمي لهذا أن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً.
 الله عز وجل ذات كاملة، وكل من اتصل بالله عز وجل اشتق الكمال منه، فإن أردت حقيقةً يقينية بالدين هي أن كل من انعقدت صلته بالله انعقاداً حقيقياً لابد من أن يشتق من الله الكمال، الشيء الثابت أن المؤمن يستحي، والمؤمن عفيف، والمؤمن صادق، والمؤمن أمين، والمؤمن منصف، والمؤمن لطيف، فإن لم تكن هذه الصفات في هذا الإنسان الذي يتصل بالله فاعلم علم اليقين أن صلته خادعة، وأنه مقطوع عن الله، بدليل هذا النقص في سلوكه، لذلك حينما فهم المسلمون الإسلام كعائق انتهوا، انتهوا عند الله، وانتهوا عند بقية الشعوب، الإسلام خلق، ويوجد خلق في المجتمعات الأخرى، الخلق الذي ترونه كما حدثتكم البارحة هذا خلق أساسه الردع الخارجي، أساسه الانضباط الكهربائي، أما الخلق الذي هو ثمرة من ثمار الإيمان فهذا الخلق العبادة، كل إنسان يتصل بالله يتحلى بالكمال، هذه الحقيقة وردت في آية واحدة قال تعالى:

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾

[ سورة البقرة :138]

 هناك الفطرة وهناك الصبغة، الفطرة الجبلة التي جبل الإنسان عليها، أي إنسان، كل مولود يولد على الفطرة، أي إنسان خلقه الله عز وجل مولود على الفطرة بمعنى يحب الكمال، وأن تحب الكمال شيء وأن تتصف بالكمال شيء آخر، الفطرة أن تحب الكمال، الصبغة عقب الاتصال بالله عز وجل تصبح كاملاً، فالكمال ثمرة يانعة من ثمار الاتصال بالله، أما الفطرة فأصل خلق الإنسان.

 

الحياء و الرحمة و الورع من الإيمان :

 أولاً: لولا الفطرة لما اندفع الإنسان إلى الدين، لأنه حينما يكون شارداً عن الله يرتكب معصية، فطرته تعذبه، وكل ما يقال عن الكآبة في العالم هي تعذيب الفطرة لصاحبها حينما يخرج عن منهج الله، فحينما قال عليه الصلاة والسلام:"... دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ "
 اتضح أن الحياء، والخوف- خوف الخشية- والإنصاف، والكرم، والسخاء، والشجاعة، والإقدام، والأمانة، والصدق، واللطف، وكل الصفات التي نحبها جميعاً إنما هي صفات اشتقها صاحبها من الله عز وجل من خلال اتصاله بالله، قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾

[ سورة آل عمران :159]

 الحياء من الإيمان، والرحمة من الإيمان، والورع من الإيمان، والإنصاف من الإيمان، بينما الانقطاع عن الله، انظر ماذا يجري في العالم من حماقات، ومن ظلم، ومن كذب، ومن وقاحة، ومن ازدواجية في المقاييس، هذه كلها النفس تنفر منها، لأنه مقطوع عن الله وذكي، الذكاء مع القطيعة يسبب جريمة، العقل والذكاء يحتاجان إلى سياج من الخلق، وإلا كانت أسلحةً مدمرةً، النبي الكريم يقول:

((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ))

[ ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 ما قال القوي مطلقاً، القوي مطلقاً المجرم، قوة من دون إيمان جريمة، المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى ولكن ما أثنى على القوي، القوي من دون إيمان مجرم يعيش على أنقاض الشعوب، أما المؤمن، رجل سأل سيدنا عمر: أتحبني؟ يبدو أنه منافق، فقال له: والله لا أحبك، لا يوجد مجاملة، قال له: هل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال: لا والله، قال: إذاً إنما يأسف على الحب النساء.
 أي وهو يبغضه لابد من أن يعطيه حقه، يا رسول الله نكل بهم هؤلاء الذين نكلوا بسيدنا الحمزة، قال: لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً.

 

الخلق المبني على مصلحة أو على انضباط خارجي لا وزن له عند الله :

 الإيمان سمو، ولكن قد تفاجأ إذا ذهبت إلى مجتمعات أخرى أنه يوجد أخلاق، ولكن هذه أخلاق الانضباط الخارجي، هذه أخلاق أساسها المصلحة، هذه الأخلاق أساسها أن تكسب المال، فالهدف هو عبادة المال، فإذا كان المال يأتيك عن طريق إتقان العمل، إذا كان المال يأتيك عن طريق الصدق تكون صادقاً، هذه الأخلاق التي نستخدمها من أجل تحقيق مصالحنا في الدنيا، هذه الأخلاق لا وزن لها عند الله تعالى، وهي نوع من المصلحة، لكن لو وضع الإنسان هذا الأخلاقي في المقياس المادي في ظرف معين ينقلب إلى وحش.
فيا أيها الأخوة الآية الدقيقة:

﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾

[ سورة الماعون:1-2 ]

 هو نفسه، قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾

[ سورة آل عمران:159 ]

 الحياء من الإيمان، الخلق الأصيل الذي يتأتى من الاتصال بالله هو الخلق الذي يعتد به، والذي يسمو بصاحبه، والذي يسعد صاحبه إلى أبد الآبدين، أما الخلق المبني على مصلحة، أو على سلوك ذكي، أو على انضباط خارجي فهذا الخلق لا وزن له عند الله عز وجل، أولاً لا يوجد به سمو، كما حدثتكم البارحة تماماً يوجد ضبط إلى درجة مذهلة، وهذا الضبط الشديد سبب استقامة، هذه الاستقامة لا ترقى بها عند الله تعالى، أنت مكره عليها، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾

[ سورة الشورى :8]

 إذا إنسان تمكن من شدة ضبطه أن يحمل الناس على الاستقامة، هذا الضبط القسري لا قيمة له، ولا يسمو بصاحبه، ولا يرقى به عند الله عز وجل، الحقيقة حرية الاختيار تثمن العمل.

 

الخلق انضباط أساسه الاتصال بالله عز وجل :

 نحن أحد أسباب تخلفنا أننا فهمنا الدين شعائر، والدين هو خلق، وأكبر دليل واضح ذكرت النص آلاف المرات أن سيدنا جعفر عندما شرح الإسلام شرحه على أنه أخلاق، كنا قوماً أهل جاهلية، وهذه الجاهلية نعبد الأصنام، وبكل جاهلية يوجد أصنام، الشهوة صنم، قال تعالى:

﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان :43]

 المرأة صنم يعبدها الناس من دون الله، المال صنم يعبده الناس من دون الله، العلو في الأرض صنم يعبده الناس من دون الله.

((كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار-هذه الجاهلية- حتى بعث الله إلينا رسولاً منا - الآن الرسول ماذا قدم لنا؟ - نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه...))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 شيء دقيق جداً وصف النبي بالأخلاق، ولما ربنا عز وجل أثنى عليه قال:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم :4]

 يوجد تعليق على هذه الآية دقيق جداً، أنا كنت أقول: لو إنسان أعطى ابنه سيارة، وعمل احتفالاً كبيراً، وجمع الأقرباء، وأحب أن يكرم ابنه لأنه أعطاه سيارة، هذا شيء مضحك، هذه منك وليس منه، إذا أعطى ابنه بيتاً، وعمل احتفالاً ضخماً، وأحب أن يبرز شرف ابنه في تملك البيت، البيت منك أي لا يستحق هذا الشاب أن يعمل له حفل تكريم لأنه تملك بيتاً، والبيت من الأب، لا يستحق هذا الشاب أن يجرى له حفل تكريم لأنه تملك سيارة، و السيارة من الأب، أما لو نحج الأول على القطر، وأقيم حفل تكريم له، فهذا كلام طيب، هذا منه، الله عز وجل ما أثنى على النبي على أنه عالم، قال:

﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾

[ سورة الأعلى:6 ]

 فهذا الحفظ الدقيق لكلام الله من عند الله، الأنبياء جعلهم الله فطناء، النبي ذكي جداً بالمقياس النفسي، ما أثنى على فطنته الله عز وجل، ما أثنى على حكمته، أثنى على خلقه، لأن الخلق كسب ذاتي، الخلق عملية ضبط، الكافر أمام مئة وثمانين درجة خيار، يوجد ثلاثون درجة مسموح بها، وهذه عملية ضبط، كل شهوة أودعها الله بالإنسان لها ألف قناة لتصريفها، يوجد قناة واحدة شرعية إسلامية، فالذي حصر شهوته بقناة واحدة وخاف من القنوات الأخرى هذا ضبط نفسه، وهذا هو الخلق، الخلق أن تأخذ ما لك، وأن تدع ما ليس لك، أما التحلل فأن تأخذ كل شيء، الخلق أن تكتفي بزوجتك أما التفلت فأن تطمع بكل امرأة تراها أمامك، فلذلك الخلق انضباط، انضباط أساسه الاتصال بالله عز وجل، هذا جوهر الدين.

((......نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

الإيمان خلق أصيل :

 أخواننا الكرام؛ الإيمان خلق، خلق وسوف نضيف كلمة أصيل، الإيمان خلق أصيل أساسه الاتصال بالله، والكفر تفلت من كل قيمة، لذلك أنا كنت أقول دائماً: تجد إنساناً بلا هدف وبلا قيم، وقد يكون ذكياً جداً لكن ليس له هدف ولا قيم، الآن المشكلة الكبرى في المسلمين أنهم ضغطوا دينهم أو مسخوه إلى شعائر خمس، إذا صام أو صلى أو حج أو زكى صار عند الناس ديناً، صاحب دين وشيخ، مع أن الإسلام شيء آخر، مع أن الإسلام بناء غير الخمس، بني الإسلام على خمس، الإسلام منظومة قيم معتمدة على خمس عبادات، فإذا نسينا هذا البناء، واكتفينا بهذه الدعائم، نكون في مؤخرة الأمم، وأنا أتمنى هذا المسجد أو أي مسجد أن يكون أساس العلاقة علاقة خلقية، أساس التفوق تفوق خلقي، أساس التألق تألق خلقي، العلم في خدمة الاتصال بالله عز وجل، والاتصال بالله ثمرة من ثمرات، والآية ذكرتها كثيراً:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 أي لينك ولطفك بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بالله عز وجل، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 صار اتصال، رحمة، لين، التفاف، انقطاع، قسوة، فظاظة، انقباض، قوانين، فالإيمان هو حسن الخلق، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك بالإيمان.

 

ضرورة التفريق بين الخلق الأصيل و الخلق المبني على المصلحة :

 بقي مشكلة أن تفرق بين الخلق الأصيل الذي هو عبادة وثمرة من ثمرات الاتصال بالله، وبين الخلق المبني على مصلحة، والمبني على سلوك ذكي، والمبني على مكاسب مادية، الإنسان الذكي إذا كان حليماً ينتزع إعجاب الناس، إذا تفقد من حوله تفقد يسمونه تفقداً استعراضياً يعلو في نظر الناس، إذا عنده موظف سأله عن صحته، أو بعث له رسالة اطمئنان عن صحته، أو زاره، هناك سلوك ذكي جداً يفعله المجرمون أحياناً، تجد مجرماً يبني مجده على أنقاض الناس، تراه دقيقاً جداً في معاملته الاجتماعية، هذا يعمل لك اختلال توازن، كيف هو يكون متوازناً؟ كيف هو مجرم وله سلوك اجتماعي ذكي جداً؟ يجب أن تفرق بين الخلق الأصيل الذي هو ثمرة من ثمرات الاتصال بالله، والذي يسمو بك، ويرقى بك عند الله، والذي يسعدك إلى أبد الآبدين، وبين الخلق الذي بني على عبادة الدرهم والدينار، الدرهم والدينار كسبه صعب جداً، أحياناً يقتضي كسب الدرهم والدينار أن تكون صادقاً، وأحياناً يقتضي كسب الدرهم والدينار أن تكون متقناً، ويقتضي كسب الدرهم والدينار أن تكون لطيفاً، ويقتضي كسب الدرهم والدينار أن تكون موضوعياً، فكل هذه الصفات التي تعجبك بالكفار إنما هي صفات أساسها المصلحة، وإلا لو انقطعت مصلحتهم لأصبحوا وحوشاً، لمجرد أن تنقطع مصلحتهم منك أصبحوا وحوشاً، أما المؤمن فنوع آخر هو لا يليق بنا أن نوازن بينه وبين المؤمن، هو في مستوى عالٍ جداً، هو في برج عالٍ جداً.

البيت هو مقياس لمعرفة انضباط و أخلاق الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام؛ يقول عليه الصلاة والسلام:

(( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهْلِي ))

[ ابن ماجة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 الآن عندنا تعقيب بسيط على هذا الموضوع، الإنسان أحياناً يكون منضبطاً خارج بيته، لأن سمعته معلقة بانضباطه، ليس من المعقول أن يتكلم الإنسان بكلام بذيء بين الناس يسقط، فحفاظاً على مكانته يضبط لسانه، وليس من المعقول أن يأخذ مواقف عنيفة جداً أمام الناس يتهم بالجنون، تراه يملك أعصابه، لكن في بيته لا يوجد رقابة، ممكن في البيت يتكلم كلاماً بذيئاً، ممكن أن يكون قاسياً جداً، ممكن أن يكون وحشاً، وفي الخارج يكون منضبطاً، النبي جعل البيت مقياساً، الآن نقطة مهمة جعل البيت مقياساً لأنه لا يوجد رقابة، الإنسان أمام الناس يظهر بشكل مقبول حفاظاً على سمعته، النبي قال:

(( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهْلِي ))

[ ابن ماجة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 كيف إذا فحصنا إنساناً في القيادة، نفحصه بظرف صعب، نقول له: ارجع، والطريق متعرج، وضيق، وفيه إشارات، فإذا مس إحدى الإشارات رسب، هذه حالة صعبة جداً، أن ترجع بطريق ضيق متعرج وفيه إشارات، إذا هذه الحالة نجا بها كل شيء آخر سهل، فإذا الإنسان نجح داخل بيته سهل جداً أن يكون أخلاقياً خارج بيته، العبرة ضمن البيت، هذا المقياس النبوي الذي وضعه النبي عليه الصلاة والسلام.
 أحياناً إنسان يسمع عن أشخاص محترمين جداً خارج البيت، ولكن ضمن البيت لهم أعمال ليست معقولة، الدليل لا يوجد رقابة في البيت، ولا يوجد من يحاسبك في البيت، أما في الخارج فيوجد من يحاسبك، الناس يتكلمون عليك، فالمقياس الدقيق إذاً:

(( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهْلِي ))

[ ابن ماجة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

ترابط الدين و الأخلاق ترابطاً دقيقاً جداً :

 إذاً موضوع الحياء وقضية الأخلاق والدين يوجد ترابط دقيق بينهما، أهم نقطة أن الدين هو الخلق، ولكن ليس كل خلق يعني أن دين العكس غير صحيح، يوجد خلق أصيل ويوجد خلق مزور، الذي يلفت نظر الناس في بعض المجتمعات البشرية أنه عندهم أخلاق، لا يكذبون، ولكن هم أكبر الكاذبين، لا يؤذون، وهم أكبر المجرمين، وهذا الشيء صار واضحاً للعيان، كان مخفياً، أنا أقول: إن النظام العالمي له ميزة واحدة أنه كشف الأقنعة، أزاح الأقنعة عن الوجوه، كان قبل أربعين سنة أوهاماً أنه يوجد مجتمعات راقية تحكمها القيم وحقوق الإنسان، الآن وحوش نزعت عن وجوهها الأقنعة، هذه ميزة أن الإنسان كفر بالكفر؛ فإن لم يكفر بالكفر فالطريق إلى الله غير سالك، يجب أن تحتقر الكافر، الكافر وحش مهما بدا أنيقاً، ومعطراً، ودبلوماسياً، وقدم لك أحلى عبارات، هو وحش، وحش مغطى بثياب إنسانية، هذا الترابط الثابت بين الخلق والدين هو محور هذا الحديث، دعه فإن الحياء من الإيمان، مثلاً أنت ممكن أن تعدم عشرين مليون غنمة بالرصاص، وأن تدفنها تحت الأرض من أجل أن تحافظ على سعر اللحم، هذا الذي يفعل هذا أليس وحشاً؟ وكم إنسان يموت من الجوع في العالم؟! لو قدمت هذه اللحوم إلى الشعوب الفقيرة ماذا يحصل؟ تجار الحمضيات في بعض البلاد في أمريكا أتلفوها للحفاظ على السعر، كان الإنتاج غزيراً، فجمعوها في أمكنة كبيرة، وأتلفوها، صار الزنوج يتسللون ويأكلون البرتقال المتلف، في العام القادم سمموا البرتقال حتى يحافظوا على السعر، كانوا يجمعونه في أماكن لإتلافه ويضعون له سماً، فإذا زنجي تسلل وأكل برتقالة يموت حتى لا يأكل برتقالة ويبقى السعر مرتفعاً، وحوش.
 أحياناً تكون مشتقات الحليب من الزبدة وما شابه ذلك تساوي ثلاثة أهرامات، أي الحجم يشابه ثلاثة أهرامات، كلها تتلف من أجل الحفاظ على السعر، والعالم يموت تحت أعينهم، و سمعهم، وبصرهم، أنا أريد ألا يحترم الكفر، قال تعالى:

﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾

[ سورة التوبة: 55 ]

* * *

دودة القز دليل على عظمة الله عز وجل :

 بقي شيء صغير، بحث لطيف جداً، قال: دودة القز يسميها العلماء: ملكة الأنسجة، بلا منازع، هذه الدودة لعابها إذا مس الهواء تجمد وصار خيطاً حريرياً، هذا اللعاب مطلي بمادة بروتينية يعطيه لمعاناً لؤلؤياً، هذه الفراشة تستطيع أن تنسج ثلاثمئة متر متصلة، لعابها الذي يخرج منها إذا لامس الهواء جفّ وهو مطلي بمادة بروتينية يعطيه لمعاناً فإذا جفّ صار خيطاً حريراً، كل خيط طوله ثلاثمئة متر، كل عشرة آلاف شرنقة تساوي كيلو واحد، القميص يحتاج إلى ثلاثمئة وستين شرنقة، وزنه ثلاثمئة غرام، أي أخف خيط وزناً خيط الحرير، قميص تلبسه فيه ثلاثمئة وستين شرنقة، كل شرنقة طولها ثلاثمئة متر تساوي ثلاثمئة غرام، وهناك خيط ذهبي كلون الذهب تماماً، وخيط لؤلؤي كلون اللؤلؤ تماماً، قال: هذا الخيط أمتن من الفولاذ، أي لو أمكننا أن نسحب خيط الفولاذ بقطر خيط الحرير ووازنا بينهما فخيط الحرير أمتن من الفولاذ، خيط أمتن من الفولاذ، ورفيع جداً، ووزنه خفيف جداً، ولمعانه رائع، ويوجد لمعان ذهبي، ولمعان لؤلؤي، هذا الخيط جميل، براق، متين، خفيف، لذلك الحرير الطبيعي شيء نفيس جداً.
 أنا مرة وجدت كوماً من الحرير الطبيعي كأنه لا وزن له، ونعومة تفوق حدّ الخيال، فربنا عز وجل خلق شرنقة تصنع خيطاً طوله ثلاثمئة متر، وكل ثلاثمئة وستين شرنقة تساوي قميصاً وزنه ثلاثمئة غرام، وكل عشرة آلاف شرنقة تساوي كيلو واحد، عشرة آلاف ضرب ثلاثمئة، فلذلك قال تعالى:

﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل: 88]

 هذا كل شيء الله عز وجل صنعه بإتقان رائع جداً، وهذا دليل على عظمة الله.

 

تحميل النص

إخفاء الصور