وضع داكن
19-04-2024
Logo
حديث + موضوع علمي - الدرس : 05 - زمن الفتن بين العزلة والاختلاط - الإرضاع الطبيعي والذكاء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

زمن الفتن بين العزلة و الاختلاط :

 أيها الأخوة المؤمنون؛

(( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ خَيْرُ مَالِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ الْغَنَمُ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ))

[ النسائي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

 لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأهْلِ الْبَقِيعِ فَانْطَلِقْ مَعِي فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللَّهُ مِنْهُ أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا، الآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الأولَى ))

[الدارمي عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَة]

(( بَادِرُوا بِالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ))

[الترمزي عن أبي هريرة]

 زمن الفتن اقترب أو هو موجود، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة يونس : 24]

 ومع هذه الزينة، ومع هذا الزخرف، الكفر والإلحاد والتحدي والإجرام وظن أهلها أنهم قادرون عليها، كما ذكرت قبل يومين يتوهم الكافر أن الأرض كلها تحت سيطرته، وأن أي بقعة فيها تحت مرمى عدساته التصويرية، وأن أسلحته تصيب بإحكام بالغ أي نقطة يريد تدميرها عن طريق الأجهزة الحديثة والأشعة وما إلى ذلك.

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة يونس : 24]

 فالفتن مستعرة، والشهوات متقدة، والدنيا مزينة وهي خضرة نضرة، فالمؤمن إذا وجد في هذا الزمان ماذا يفعل؟ أينما توجه يرى المعصية، يرى المرأة بأبهى زينة، كسب المال حرام، إنفاقه حرام، أي الأماكن كلها معاص وآثام، الطريق فيه معصية أينما توجه يرى المعصية أمامه، إذا كان في مثل هذا الزمان نقول للمؤمنين ونذكرهم بهذا الحديث الصحيح الذي رواه النبي عن ربه، قال الله عز وجل:

(( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))

[ مسلم عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ]

 فالمؤمن بزمن الفتنة ينبغي أن يفر بدينه من الفتن، هو أمام موضوعين؛ موضوع الاختلاط وموضوع العزلة كيف يوازن بينهما؟ الموازنة عن طريق القانون التالي: المجتمع الصالح خير من العزلة، الجليس الصالح خير من العزلة، لكن العزلة خير من الجليس السوء، فإذا كان هناك درس في مسجد، سهرة في بيت فيها ذكر لله عز وجل، قراءة قرآن، تذكير بالآخرة أفضل ألف مرة أن تحضر هذه السهرة، أو ذاك اللقاء، أو هذا الدرس عن أن تبقى في بيتك، أما إذا هناك اختلاط، وغيبة، ونميمة، فالأولى أن تبقى في بيتك عن أن تحضر هذه السهرة، أو هذا اللقاء، فالمقياس هو إذا كان الجليس صالحاً فهذا أفضل من أن تكون وحدك، أما إذا الجليس سيئاً فالأولى ألف مرة أن تبقى في بيتك من أن تذهب، والآية الكريمة:

﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً ﴾

[ سورة الكهف : 16]

 حينما يعبد غير الله كما ورد في الحديث القدسي:

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ))

[ البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

 إذا كنت في مجتمع يعبد فيه غير الله فأن تعتزل هذا المجتمع أولى، قال تعالى:

﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً ﴾

[ سورة الكهف : 16]

 أي كهف هذا؟ جامعك هو الكهف، وبيتك هو الكهف، يوجد عندك ثلاثة أشياء؛ بيتك وعملك وجامعك، إذا أويت إلى البيت وذكرت الله في بيتك فهذا كهف لك، وإذا أويت إلى مسجدك فهذا كهف لك، وإن اعتزلتموهم العزلة واردة، وما يعبدون إلا الله...
 يوجد عندنا لعبة اسمها شدّ الحبل، يقف أربعة شباب يمنةً، وأربعة شباب يسرة، ويمسكون بحبل واحد، الفريق الذي يستطيع أن يجذب الفريق الآخر إليه هو الرابح، هذه اللعبة تعد مقياساً دقيقاً جداً في الاختلاط والعزلة، فإذا أنت في مجتمع، واستطعت أن تشده إلى الدين، كن معه قاعداً، وإذا استطاع أن يشدك إلى الدنيا فابتعد عنه، وأنت ميزانك نفسك، جلست معهم فزينوا لك المعصية، زينوا لك الدنيا، زينوا لك أكل المال الحرام، زينوا لك الأمل الطويل في الدنيا، أبعدوك عن منهج الله عز وجل، وأنت لم تتمكن أن تقول ولا كلمة، معنى هذا أنهم شدوك إليهم، ماداموا استطاعوا أن يشدوك إليهم اعتزلهم، جلست في مكان تركت أثراً طيباً، أصغوا إليك، حدثتهم عن الله، عن رسول الله، تأثروا بكلامك كن معهم، فالمقياس الدقيق لعبة شد الحبل، إن أمكنك أن تشدهم إلى الدين كن معهم، وتوكل على الله، وإن تمكنوا أن يشدوك إليهم دعهم، وانجُ بجلدك، فنحن في زمن الفتنة، والشهوات مستعرة، والفتن يقظى، ومعصية الله سهلة، أي الإنسان يفطر في الطريق لا يوجد مشكلة أبداً، ولا يعبأ، كسب المال العبرة أن تكسب المال حراماً كان أو حلالاً، الكذب ملح هؤلاء يكذبون كلما يتنفسون، في مثل هذا المجتمع عليك أن تعتزلهم، أي إذا كان المطر قيظاً، والولد غيظاً، ويفيض اللئام فيضاً، ويغيض الكرام غيضاً فنحن في زمن الفتنة، أحياناً يقول لك الأخ: هذه حرام، وهنا شبهة، وهذه لا تجوز، كلام صحيح، لذلك يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يرعى به شعث الجبال يفر به.
 حتى يقال كما قال النبي الكريم: من لم يأكل الربا أصابه غباره في آخر الزمن، إن لم تأكل الربا أصابك غبارها.

 

الجماعة رحمة والفرقة عذاب :

 أخواننا الكرام؛ الجماعة رحمة والفرقة عذاب، إذا الإنسان لم يكن مع جماعة المؤمنين الصادقين، وأقصد بجماعة المؤمنين ليس هذا الجامع بالذات، كن مع المؤمنين، وإذا كنت مع المؤمنين فأنت في بحبوحة، لأن يد الله مع الجماعة، وأخوك المؤمن يأخذ بيدك وتأخذ بيده، ينصحك وتنصحه، يسدد خطاك وتسدد خطاه، والإنسان مع إخوانه يعيش في جو روحي عال، أضرب لكم بعض الأمثلة: في درس من دروس الجمعة أو السبت أو الاثنين أخ من أخواننا كان عنده أمر قاهر حال بينه وبين المجيء إلى الدرس، قبل أن ينتهي الدرس بعشر دقائق صار عنده وقت فراغ، يقول لي أحد الأخوان: جئت إلى الدرس، ولحقت الصلاة فقط مع الأخوان، وشعرت بالراحة، هذه راحة الجماعة، الإنسان إذا دخل بيت الله أوى إلى رحمته، لأن النبي علمنا إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله قل: " اللهم افتح لي أبواب رحمتك" هذه ضيافة الله عز وجل، لا يوجد كأس من الشاي ولكن يوجد رحمة، يمتلئ قلبك أمناً، يمتلئ قلبك سروراً، يمتلئ قلبك تفاؤلاً، يمتلئ قلبك ثقةً بالله، تشعر أنك إنسان قوي، قوتك من الله، غني، غناك من الله، تتيسر أمورك، هم في مساجدهم والله في حوائجهم، لذلك الحديث الشريف القدسي: " إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحُق على المزور أن يكرم الزائر".
 أي مستحيل ألف مرة يدخل إلى بيتك إنسان من دون ضيافة، أقل شيء سكرة، إنسان دخل إلى بيت الله عز وجل ارتدى ثيابه وخرج من بيته ومشى بالظلمات بلا ضيافة؟ ضيافة الله يملأ قلبك أمناً، قال تعالى:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 81]

 قد تجد إنساناً أقوى منك، وأغنى منك، وخائف، وأنت أقل منه مالاً، وأقل منه قوة، وأقل من حيلة ومطمئناً، هذه الطمأنينة خاصة بالمؤمنين، لأنك دخلت بيت الله، وأويت إليه، فالنبي الكريم يقول:

(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))

[ أحمد]

((مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ ))

[مسلم عَنْ عُثْمَانَ]

 قال لي أخ كريم هذين الحديثين تركا في نفسي أثراً كبيراً، أنا أحرص حرصاً لا حدود له على صلاة الفجر في المسجد، وصلاة العشاء في المسجد لأجمع الضمانتين، العبرة أن الإنسان حينما يأوي إلى المسجد آوى إلى الله، آوى إلى كهف يحميه من الترهات، أما سهرة في فندق، لقاء، اختلاط، فلا تعرف الإنسان في أي لحظة ينتكث، أي الزمن الحالي يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً إذا اختلط.

 

حاجة المجتمع إلى قيم تتأتى بكل خير :

 لذلك أنا أدعو إلى اتخاذ هذا المقياس الدقيق لعبة شد الحبل، إذا ممكن أن يشدوك إلى الدنيا، إلى معصية، إلى أمل طويل، إلى بعد عن الدين انج بدينك، فر منهم فرارك من المجذوم، أما إذا استطعت أن تؤثر بهم فمادام هناك تأثير أعيدها وألتقي بهم، وأنت مقياسك هذه اللعبة شد الحبل، والعزلة أفضل ألف مرة من الجليس السوء، والجليس الصالح أفضل ألف مرة من العزلة، تقول لي: أنا أجلس لوحدي أعبد ربي، لا أحضر مجلس العلم، التق بإخوانك، وصافحهم، واسألهم عن صحتهم، وساعدهم، لذلك اجتماع المؤمنين رحمة، لقاءاتهم في المساجد رحمة، والعلة قد يسأل أحدكم: لماذا صلاة الجماعة تعادل سبعة وعشرين ضعفاً عن صلاة الفرد؟ هذه هي العلة أن تلتقي مع إخوانك، أن يأنسوا بك، وأن تأنس بهم، أن تعاونهم، وأن يعاونوك، أن تحاورهم ويحاوروك، لذلك أنا أقول لكم وهذا كلام دقيق: الذي يشد الأخ الكريم إلى المسجد كلمة صريحة ليس الدرس فقط، أن يلتقي بإخوانه أيضاً، أن تلتقي بإخوانك الذين هم على شاكلتك، الذين تحبهم. هذا الحديث في صحيح البخاري:

(( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ خَيْرُ مَالِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ الْغَنَمُ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ))

[ النسائي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

 الشِّعب الطريق في الجبل بكسر الشين، شَعف رأس الجبل، والفتن أضرب مثلاً، الأب الذي وأد ابنته قلبه كالصخر، فتاة كالزهرة حفر حفرة وألقاها في الحفرة، وأهال عليها التراب، إذا أب فلت ابنته عندما كبرت، ولبست كما تشتهي، وذهبت إلى أي مكان تشتهي، وجلست مع من تشتهي، أيهما كان خير لها؟ والفتنة أشدّ من القتل، هذه الموءودة ما مصيرها؟ إلى الجنة، أما هذه الفتاة المتفلتة فما مصيرها؟ النار، مصيرها النار وأبوها معها، تقول: يا رب لا أدخل النار إلا وأبي معي هو الذي فعل ذلك.
 سمعت قصة البارحة تأثرت بها تأثراً بالغاً، أسرة فقيرة تعاني من آلام الجوع، الأب مقعد والدخل صفر، لا يوجد شيء، الابن سمع أن رجلاً وضع في فرن خمسة كيلو لحمة صفيحة، هذا الابن على شيء من الذكاء، جاء قبل ربع ساعة من الموعد، وقال له: أعطني الصفيحة، والفران لم ينتبه فأعطاه إياهم، أحضر الصفيحة إلى البيت، عنده أم على قدر جيد من الدين رغم الفقر الشديد، ورغم أنهم يتمنون أن يأكلوا قرصاً واحداً ارتدت ثيابها وذهبت مع ابنها إلى الفرن، وقالت له: صار خطأ هذه ليست لنا، وسبحان الله صاحب الصفيحة من أغنياء البلد فلما علم بالقصة جاء إلى البيت وأكمل كل حاجاته.
 انظر إلى الأم بأشد حالات الفقر رجعت وقالت له: هذه الصفيحة ليست لنا، وبالمقابل يوجد طفل سرق بيضة- وهذه قصة رمزية - أنشؤوا عليها قصيدة طويلة، سرق بيضة أمه شجعته، فكبر وصار مجرماً كبيراً، واستحق الإعدام، قبل أن يشنق طلب أن يقابل والدته وظنوا أنه أحب أن يقابلها، فقال لها: مدي لسانك كي أقبّله، وعندما مدت لسانها قطع لسانها بأسنانه وقال لها: لو لم يكن هذا اللسان مشجعاً لي في الجرائم ما فقدت حياتي.
 انظروا الأم الأولى في أعلى درجات الفقر ردت هذه إلى صاحبها، فنحن بحاجة إلى قيم، والقيم تتأتى بكل خير، أما إذا فقد المجتمع القيم فقد كل شيء، الأخ الذي يقول لك: غض بصرك، تحرى الحلال، اجلس معه، والذي يقول لك: لا تدقق، هذا تركه لأنه قنبلة لا تعرف في أي لحظة ينفجر عليك، فنحن في مجتمع الفتن، والنبي حدثنا عن الزمن، أعوذ بك من جار سوء، إن رأى خيراً كتمه، وإن رأى شراً أذاعه، ومن إمام سوء إن أحسنت لم يقبل، وإن أسأت لم يغفر، أي إذا كان المطر قيظاً، والولد غيظاً، ويفيض اللئام فيضاً، ويغيض الكرام غيضاً، يوجد أحاديث كثيرة عن آخر الزمان، وهذا الحديث القصد منه لا أن تصعد الجبل في اليوم الثاني، لا، القصد منه أن تعتزل كل مجتمع منحرف ولو كان أقرب الناس إليك، لأن الله عز وجل أغلى، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

[سورة المائدة : 51]

* * *

العلاقة بين الإرضاع الطبيعي و الذكاء :

 موضوع طويل ولكن سوف أختصره بكلمتين؛ جرت بحوث في أمريكا حول نسب الذكاء في شعوب العالم، فوجئوا أن هناك بلداً اسمها الباسفيك، وهي جزر نسبة ذكاء أولادها في أعلى درجة، والشعب الأمريكي درجته سبع عشرة، أقل نسبة ذكاء عند أطفالهم، وهذا بحث علمي عزوا ذلك إلى الإرضاع الطبيعي، هذه الجزيرة لا يعرفون الإرضاع الصناعي على الإطلاق، فثبت الآن أن نسب الحليب في الإرضاع الطبيعي تتبدل أثناء الرضعة الواحدة، وهذا بحث طويل جداً ودقيق جداً، وجدوا أن كل مناعة الأم في حليبها، ويوجد بالحليب الطبيعي مواد مضادة للالتهابات والجراثيم، وفيات الأطفال الذين يرضعون إرضاعاً صناعياً أربعة أمثال، لأنه يوجد إنتانات في الأجهزة الهضمية ويوجد مشكلات.
 حليب الأم يتم هضمه بنصف ساعة، حليب القوارير بثلاث ساعات، حليب القوارير مصمم لغير الأطفال، بحث طويل، أما أغرب شيء فهو في حليب الأم أنه يتبدل في أثناء الرضعة الواحدة، ويتبدل كل يوم، عياراته تختلف كل يوم يختلف أول يوم عن الثاني، والأغرب من ذلك في أثناء الرضعة الواحدة، والأم التي تمتنع عن إرضاع مولودها معرضة لسرطان الثدي، وهذا عقاب من الله عز وجل، والآن الدول في أوروبا تلزم معامل الحليب أن يكتبوا: لا شيء يعدل حليب الأم، هذا الشيء طبيعي، أما الأغرب من ذلك فأمراض القلب والأوعية والشرايين والبدانة المفرطة، هذه الأمراض الوبيلة أسبابها من الصغر الإرضاع الاصطناعي، أي يوجد أمراض وبيلة تظهر بعد الأربعين أسبابها الإرضاع الصناعي، أكثر الأمراض الإنتانية تسبباً في الوفاة هي إنتان الأمعاء بسبب الإرضاع الصناعي، يوجد مشكلة كبيرة جداً تتأتى بسبب الإرضاع الصناعي لأن الطفل مصمم على حليب أمه.
 حليب البقر مهما مددته فيه خمسة أمثال طاقة هضم الطفل الصغير، أما حليب الأم فيتناسب تناسباً دقيقاً جداً مع أجهزة الطفل الصغير، لذلك الذي يوجد عنده زوجة أو مولود يحرص حرصاً بالغاً على أن يكون الإرضاع طبيعياً، بالمناسبة المرأة عندما تلد يوجد عندها حساسية بالغة، فأي هزة نفسية يذهب حليبها، الإنسان يعمل حماقة وضعت من توها ربما أي صدمة نفسية أو شدة نفسية تذهب حليبها، وحليب الأم لا يقدر بثمن.

تحميل النص

إخفاء الصور