وضع داكن
26-04-2024
Logo
ومضات من تفسير القرآن الكريم - الدرس : 8 - من سورة محمد ، التوحيد.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الإسلام عقائد و عبادات :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع بداية الدرس الثامن من دروس التفسير في رمضان ربنا عز وجل يقول:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾

[سورة محمد:19]

 الإسلام فيه عقائد، وفيه عبادات، العبادات سلوك، والعقائد تصورات، العقيدة لا يمكن أن تكون تقليداً، فإن كانت تقليداً كل أتباع الفرق الضالة لهم الحجة على الله، يا رب أنا قلدت فلاناً، لو سمح الله لإنسان كائن من كان أن يقلد في عقيدته انتهى الدين، بمعنى أن أي إنسان ضال يطرح فكراً معيناً، ويطرح توجيهات معينة، وأتباعه يقلدونه، ليسوا مكلفين في أن يدققوا فيما يقول، لذلك العقيدة لا يمكن أن تكون تقليداً إطلاقاً بل إن بعض الأئمة يعدون التقليد انحرافاً خطيراً في العقيدة.
 أما العبادات فالعبادات شيء آخر، أمرت أن تغض البصر، لمجرد أن تغض البصر تقطف ثمار هذا الأمر كله، إن غضضته عن علم أو عن غير علم، السبب لأن الانتفاع في الشيء ليس أحد فروع العلم به، أنت قد تستخدم مكيفاً ولا تعرف إطلاقاً كيف يعمل، اضغط على الزر يأتيك الهواء البارد، تأخذ كل ثمار الهواء البارد وأنت جاهل جهلاً مطبقاً عن طريقة عمل المكيف، العبادات غير العقائد، في العقائد فاعلم أنه لا إله إلا الله، أما في العبادات فقد قال تعالى:

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾

[سورة يوسف: 108]

 فأنت يمكن أن تتبع النبي في كل توجيهاته، إن عرفت حكمتها كنت داعيةً، وإن لم تعرف حكمتها كنت عابداً، والعابد مقبول، والسلف الصالح كما تسمعون كانوا يطبقون الدين دون أن يتعمقوا في فلسفته، ولا في حكمته، وهم كانوا من أسعد الناس، ويأتي أناس يفلسفونه ولا يطبقونه فيشقون به، العبادات شيء، والمعاملات شيء آخر، والعقائد شيء آخر، في العقيدة لا بد من التحقيق، ولا بد من التدقيق، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾

[سورة سبأ: 46]

 يجب أن تفكر وتدقق وتحقق وتتأمل فحوى هذه الدعوة، في عقيدة هذه الدعوة، في التصورات، في المآل.

 

لا إله إلا الله فحوى الأديان كلها :

 أيها الأخوة؛

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾

[سورة محمد:19]

 هل هناك من علاقة بين شطري الآية إن صح التعبير أو بين طرفي الآية؟ أي يجب أن تعلم أنه لا إله إلا الله، وإن جاءك شيء تكرهه هو فعل الله، ولكنه بسبب من ذنبك، الفعل فعله، وفعله حرمني أو أفقرني أو حجبني، إذاً يوجد مشكلة من الإنسان، دققوا أيها الأخوة في دعاء سيدنا يونس وهو في بطن الحوت، قال تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

[سورة الأنبياء: 87 ]

 أن هذا فعلك، لا إله إلا أنت أي هذا فعلك، نبي كريم يجد نفسه في بطن الحوت، من هو النبي؟ هو قمة البشر، سيدنا يونس وجد نفسه في بطن الحوت، لم يتهم الله عز وجل قال: لا إله إلا أنت، أي هذا الذي وصلت إليه من فعلك يا رب، هذا فعلك ولكن سبحانك أن تظلمني، سبحانك أن يكون فعلك بلا حكمة، سبحانك أن يكون فعلك بلا غاية نبيلة، سبحانك أن يكون فعلك مجرداً عن الرحمة، هذا فعلك فيه رحمة، وفيه حكمة، وفيه عدل، ولأنه أقلقني وأزعجني إني كنت من الظالمين، ولولا أنني من الظالمين لما استوجب ظلمي هذا الذي أنا فيه، هذا دعاء قصير فيه كل شيء، إنسان أصابه مكروه إذا قال: لا إله إلا أنت أي هذا الذي أصابني هو من فعلك يا رب، من فعلك أي سمحت أنت به وأنت العليم، سمحت به وأنت الحكيم، سمحت به وأنت الرحيم، سمحت به وأنت العدل، و سبحانك أن تظلمني، أنت منزه عن ذلك، سبحانك أن يكون فعلك بلا حكمة، سبحانك أن يكون فعلك بلا رحمة، سبحانك أن يكون فعلك بلا لطف، سبحانك، ما دمت في همّ عظيم وغمّ شديد فمني السبب إني كنت من الظالمين، والآية هنا: فاعلم أنه لا إله إلا الله، هذه كلمة لا إله إلا الله كلمة التوحيد، أي الدين الإسلامي كم مجلد الآن؟ وكم كتاب تفسير؟ وكم كتاب حديث؟ وكم كتاب فقه؟ وكم كتاب أصول الفقه؟ وكم كتاب سيرة؟ أعتقد أن هذه الكتب بالملايين، يمكن أن نضغط كل هذه الكتب في أربع كلمات هي لا إله إلا الله، و لا إله إلا الله فحوى الدين كله، و الأبلغ من ذلك لا إله إلا الله فحوى الأديان كلها، قال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[سورة الأنبياء: 25 ]

 أي الأديان كلها توحيد وطاعة، العقيدة توحيد، والسلوك طاعة، قال تعالى:

﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾

[سورة المؤمنون: 32 ]

 جاءت مكررة أكثر من عشر مرات يمكن بالأنبياء والقصص، أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره، هذا هو الدين.

 

أعلى عمل على الإطلاق أن تطيع الله و أن توحده :

 الآن الله عز وجل يلخص القرآن في سطر واحد قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾

[سورة الكهف: 110 ]

 العبادة عمل، والعقيدة توحيد، لذلك العلماء قالوا: التوحيد نهاية العلم، والعبادة نهاية العمل، أي أعلى عمل على الإطلاق أن تطيع الله، وأعلى علم أن توحده، فالدين دين التوحيد، ولا إله إلا الله كلمة التوحيد، ولا إله إلا الله حصني، من دخلها أمن من عذابي، ولا إله إلا الله اتجهت إلى الله وحده، وعلاقتك مع الله وحده، والله عز وجل رحيم، ويغفر الزلات، ويستر العيوب، ويكفر الذنوب، ويمحو الخطايا، أي علاقتك مع الله وحده.
 فاعلم أنه لا إله إلا الله، الفعل فعله، فإذا جاءت الأمور على غير ما تريد وهي فعله فاتهم نفسك ولا تتهم الله عز وجل، وهنا النقطة الدقيقة، الفعل فعله فإذا جاءت الأمور على غير ما تريد فلا تتهم الله عز وجل واتهم نفسك، أنت المقصر.

(( يا عبادي لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم، وإنسَكم وجِنَّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ، ذلك لأن عطائي كلام، وأخذي كلام، فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ))

[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري]

العقائد بالتحقيق لا بالتقليد :

 الملخص بالعقائد تقليد لا يوجد، لو سمحنا بالتقليد لكان كل أتباع الفرق الضالة على حق، ليس لهم ذنب، هكذا قيل لهم فقلدوا، العقائد بالتحقيق، لذلك أحد الصحابة كان عنده دعابة أمّره النبي على بعض أصحابه في سرية فقال: اضرموا ناراً عظيمة فأضرموها، قال: اقتحموها ألست أميركم؟ أليست طاعتي طاعة رسول الله؟ بعضهم تردد قال: كيف نقتحمها وقد آمنا بالله فراراً منها؟ فسألوا النبي فقال عليه الصلاة والسلام: والله لو اقتحمتموها مازلتم فيها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة بالمعروف.
 في العقيدة العقل لا يعطل أبداً، يجب أن يعتمد العقل على النقل الصحيح، أما في العبادات فإذا قلدت لا مانع من ذلك، أي آية سمعتها، أو حديث طبقته، قطفت كل ثماره، لكن الفرق إن عرفت الحكمة استطعت أن تدعو إلى الله، وإن لم تعرف اكتفيت بنفسك، فإن عرفت فأنت عابد، وإن عرفت فأنت عالم، والعالم ناج والعابد ناج، لذلك هذه الآية الكريمة فاعلم أنه لا إله إلا الله لابد من أن تتفحص هذا الدين، وأن تتبناه، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾

[سورة سبأ: 46]

 والإنسان يتحمل خطأه هو، النبي عليه الصلاة والسلام معصوم قال تعالى:

﴿ آيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة الممتحنة: 12 ]

 أيها الأخوة؛ القضية قضية مصيرية، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا.

 

تحميل النص

إخفاء الصور