وضع داكن
19-04-2024
Logo
ومضات من تفسير القرآن الكريم - الدرس : 3 - من سورة الأنعام - الآية 113 ، لايلتقي الإيمان مع الكفر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين..

التناقض البنيوي الأساسي بين أهل الإيمان و أهل الكفر :

 أيها الأخوة الكرام... مع الدرس الثالث من دروس التفسير في رمضان، الآية الثالثة عشرة بعد المئة من سورة الأنعام، وهي قوله تعالى:

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾

[ سورة الأنعام:112- 113 ]

 أولاً.. هذه الآية تشير إلى سنةٍ من سنن الله في خلقه، هناك أهل الإيمان، وهناك أهل الكفر، وهذان الفريقان لا يلتقيان، وأيّة محاولة للتقريب بينهما محاولة تبوء بالإخفاق، لأن هؤلاء في واد، وهؤلاء في واد، هؤلاء أرادوا الآخرة، وهؤلاء أرادوا الدنيا، هؤلاء أرادوا القيم، هؤلاء أرادوا الشهوات، هؤلاء نظروا إلى ما بعد الموت، هؤلاء نظروا إلى ما قبل الموت.. يوجد تناقض بنيوي أساسي، لذلك قال تعالى:

﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾

[ سورة البقرة:120 ]

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾

[ سورة الأنعام:112 ]

 هل في الأرض أكمل من رسول الله؟ هل في الأرض إنسانٌ أكثر رحمةً وإنصافاً وعدلاً وتواضعاً وتقشُّفاً وغيرةً وعطاءً وإحساناً من رسول الله؟ ومع ذلك له أعداء ألدّاء. يا محمد.. ما كان على وجه الأرض رجلٌ أبغض إليَّ منك.. هكذا قال له بعضهم.
 أحياناً هناك للعداوة مبرر، أحياناً أخرى بلا مبرر، لأنك مع أهل الحق.. لأن هناك تناقضاً، المشكلة العميقة أو ما يسمّى بالعقل الباطن الكافر إذا رأى مؤمناً كاملاً، صادقاً، أميناً، منصفاً، مطمئناً، آمناً، متألِّقاً، هذا المؤمن يكشفه، فإذا كشفه اختل توازنه.. الكافر بإمكانه أن يستعيد التوازن إذا آمن.
هناك طريق آخر.. يستعيد توازنه من معاداته، وهذا سلوكٌ مستمر من آدم إلى يوم القيامة.
 طبعاً لهذه الحقيقة شواهد في التاريخ، ولها وقائع في حياتنا.. أحياناً تجد شاباً ملتزماً في أسرة، صادقاً، مصلّياً، وأخاه متفلِّتاً، الأم والأب إذا كانا متفلّتين مع المتفلِّت، مع أنّه يشتمهما، مع أنه يؤذيهما، مع أنه قليل البر بهما، والمؤمن يحاسبونه حساباً غير معقول، ينتظرون خطأً له، ويكبَّر هذا الخطأ.
 أنت في أي خندق؟ لا بدَّ من أن يكون لك ولاء وبراء، والولاء و البراء جزءٌ من دينك، جزءٌ من إيمانك.. المؤمن ولاؤه للمؤمنين، فإذا والى غير المؤمنين برئت منه ذمّة الله..
 من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله.
 من هوي الكفرة حشر معهم، ولا ينفعه عمله شيئاً.

 

نشوء تناقضات لا حصر لها عند اختلاط المؤمن مع الكافر :

 هناك نقطة دقيقة جداً.. هو أن المؤمن صاف:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾

[ سورة التوبة:28 ]

فلو اختلطا، الكافر لا يتأثَّر، هو في الأصل نجس، الذي يتضرر هو المؤمن وحده.. لذلك مسموح لك أن تقيم علاقة عمل، أما علاقة حميمة، علاقة ود، إقامة مشتركة في بيت واحد، شراكة اندماجية، سفر طويل، زواج.. فكل ذلك مشكلة، تنشأ تناقضات لا حصر لها، وهذه حقيقة.
 دعك من المؤمنين، فالأنبياء أكمل الخلق، قمم في الكمال، قمم البشرية، ومع ذلك لهم أعداءٌ ألدّاء، كفَّار قريش ألم يعادوا النبي؟ بلغنا أن القاطع.. هكذا ذكر في أحد القصص.. يسمون رسول الله القاطع، مع أن الله أثبت لهم:

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة التوبة:128 ]

 العلماء قالوا: أرحم الخلق بالخلق على الإطلاق هو رسول الله.
 ومع ذلك قال ثمامة فيما أذكر: ما كان على وجه الأرض وجهٌ أبغض إليّ من وجهك.

 

أنواع العداوات :

 إذاً هناك عداوات موضوعية، وعداوات أخرى مبدئية.. أحياناً الإنسان يخطئ، فيأخذ ما ليس له فينشأ له أعداء، هذه عداوة موضوعية لها سبب، وهناك عداوة مبدئية.. مهما كنت محسناً، مهما كنت لطيفاً، مهما كنت زاهداً، مهما كنت عفيفاً، مهما كان ظلُّك خفيفاً.. ما دمت أنت مؤمن، وغيرك غير مؤمن يعاديك، ويطعن فيك، ويتهمك اتهامات باطلة، فوطِّن نفسك أنه لا يمكن لغير المؤمن أن يرضى عنك، انزع هذا من ذهنك واسترح، غير المؤمن لن يرضى عنك أبداً إلا إذا كنت معه، إلا إذا سرت على طريقته، إلا إذا شاركته الإثم.
 أحياناً تنشأ عداوات بين الأسر، عداوات إلى درجة غير معقولة، بسببٍ تافهٍ جداً، لأن هذا الشاب المؤمن رفض أن يظهر زوجته وفق منهج الله على غير المحارم، لهذا السبب يقاطع، يحرم من الميراث، يكال له الصاع أصوع، ماذا فعل؟ طبَّق منهج الله.

وجود الشياطين بطريق الإيمان :

 إذاً هذه الآية تعطينا حقيقة :

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾

[ سورة الأنعام:112 ]

 ماذا يفعل شياطين الجن؟

﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

[ سورة الأعراف:16 ]

 الإنسان مادام شارداً، غارقاً في المعاصي والآثام، الشيطان مبتعد عنه، فلا توجد لديه مشكلة، بمجرَّد أن يتجه إلى الله، وأن يلتزم أمر الله، قعد له الشيطان على طريق الحق، لأقعدن لهم، فطريق الملاهي، والحانات، طريق الفسق والفجور لا يوجد فيه شياطين، فأين توجد الشياطين؟ بطريق الإيمان، والدليل هذه الآية:

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 16- 17 ]

 أربع حجج للشيطان.. من بين أيديهم.. الحداثة، التقدم، العلم، القرن العشرين قرن العلم، قرن الانفتاح، قرن الموضوعية، قرن الواقعية، الانفتاح.. الاختلاط.. هذه نصف المجتمع، يجب أن تكون مع الرجال في أي مكان، هناك أشياء تطرح تحت غطاء التقدُّم، والعلم، والانفتاح، وحقوق الإنسان، هذه الحقوق يتاجرون بها، والذي يرفعون هذه الشعارات هم أكثر الأمم الذين ينتهكون حقوق الإنسان.. هذه حجّة.
 الحجة الثانية.. العراقة، والتقاليد، والتراث، فمن أجل أن نعظِّم تراثنا نضيِّع ديننا أحياناً.
 فهناك حجج التراث، والتقليد، والآباء، والأجداد، وهناك حجة التقدّم، والحداثة، والعلمنة، وما إلى ذلك.
 لآتينهم من بين أيديهم.. من الأمام، ومن خلفهم.. الماضي، وعن أيمانهم وعن شمائلهم.. عن أيمانهم.. يلقي في الدين شبهات، الشيطان يلقي الوسوسات، يلقي الشبهات، يحرِّش بين المؤمنين. وعن شمائلهم.. المعاصي، والآثام، يزيِّن له المعصية والإثم.
 ولا تجد أكثرهم شاكرين.. هذه ظاهرة واسعة جداً، تجد رجلاً صحيح الجسم، صحيح الأعضاء، صحيح الحواس، له دخل، له بيت، له أسرة.. دائماً يشكو، الشكوى ديدنه، يشكو، يتمتَّع بكل شيء وهو يشكو، ولا تجد أكثرهم شاكرين. هذا إذاً من عمل الشياطين.

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾

[ سورة الأنعام : 112]

 الكفر مزخرف، توجد كلمات برَّاقة، وكلمات معسولة، الإنسان منطقي، حتى لو كفر منطقي، يغطي كفره بكلام معسول، بكلام مزخرف، وفهمكم كفاية.. فمن أجل أن يصير اختلاط، واستمتاع بالمرأة بغير حق، يطرح.. أن هذه إنسان، وأنت تحبسها، يجب أن تعيش وقتها، يجب أن تحس بكرامتها، بكيانها، يجب أن يكون لها عمل، وأن تكون مع الرجال.. فهناك أشياء تطرح من أجل أن يستمتع بها بغير حق.
 إذاً:

﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾

[ سورة الأنعام : 112]

الحكمة من أن الله يسمح أحياناً بتزوير الحقائق و ترويج الضلالات :

 لكن..

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾

[ سورة الأنعام : 112]

 فلماذا سمح الله به؟ لحكمةٍ بالغةٍ بالغة. أحياناً الأفكار التي فيها ضلالات، وفيها تزوير للحقائق، هذه الأفكار تشبه تماماً اللقاح.. ما هو اللقاح؟ إذا قمنا بتلقيح إنسان ضد مرض الكوليرا، ما معنى ذلك؟ أعطيناه جرثوم الكوليرا، لكنَّه مضعَّف، فالجسم يعمل لتصنيع مصل مضاد، ويحفظ هذا في ذاكرته، فصار الجسم مهيأ، فأي هجمة قادمة من هذا الجرثوم فهو يملك سلاحاً جاهزاً.
 فعندما يسمح ربنا عزَّ وجل بكتاب فيه ضلالات، أو نظريات مشبوهة، أو طروحات غير مقبولة، طعن بالدين، كتاب يزيّف الدين، قراءات معاصرة مثلاً، كيف سمح الله لها؟ قال:

﴿ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 113]

 نحن نفنِّد كلَّ ضلالة، نهاجم كلَّ فرية على الإسلام، لكنَّ الله سمح بذلك، سمح بذلك كي يحرِّك المؤمنين.. أحياناً تجد حركة سكونية، فكل الناس في راحة، ولا يوجد نشاط ديني، ولا نشاط علمي، والناس كلّهم على وضعهم الحالي راضون، فيظهر إنسان ويلقي شبهات عن الإسلام، فيصير غلياناً، فتجد كل واحد اعتصم بالقرآن، ويسأل أستاذه، ويبحث عن أدلة، وتؤلَّف كتب، هذا الكتاب الذي ظنناه شراً، هو في الحقيقة انتهى بالخير.
 دائماً وأحياناً الطرف الآخر ينفع المسلمين من حيث لا يدري ولا يريد، لا يريد، ولا يدري.. حينما يطرح شُبُهاً، الناس يتصدَّون لها، العلماء يشمِّرون، يردّون عليها، صار هناك تجديد للإيمان تماماً كاللقاح.. يجب أن تفسِّر الكتب التي سمح الله بها أن تنشر، وتبّثُّ الضلالات.. فهناك كتب باسم الدين، وباسم فهم للكتاب الكريم، كأن يذكر فيها أن المرأة لها أن تبدو أمام أبيها كما خلقها الله، ولا شيء عليها، وحتى إذا غطَّت عورتها فهذا شيء ليس مطلوباً منها.. ضمن قرآن، ضمن فهم المؤلِّف للقرآن الكريم، طبعاً هذا الكتاب يروج رواجاً كبيراً لأنه يحل مشكلة.. تفلُّتاً مُشَرْعَاً.. انحرافاً خطيراً.. إباحية مُشَرْعنة.. فإذا كان شخص عنده اختلال توازن قال لك: هذا هو الحق.
 فمثل هذه الكتب التي تطرح نظريات شاذة، ومنحرفة حول كتاب الله، وسنة رسوله، هذه يسمح الله بها لحكمةٍ بالغة، ليحرِّك المؤمنين، ليدفعهم إلى الفهم، وإلى التعمُّق، وإلى التأليف، وإلى البحث، وإلى الدرس، وإلى الرد على هذه النظريات.. صار هناك حركة، وصار نشاطاً، والإيمان تجدد.. فلا تتألَّم بوجود مثل هذه الكتب، هذه سمح الله بها لحكمةٍ بالغةٍ، بالغة.

﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾

[ سورة الزخرف: 112-113]

من نعمة الله على المؤمن أنَّه مسلّحٌ بالدليل والبرهان :

 يتضح من هذه الآية أن هناك منطقاً موضوعياً، وهناك منطقاً تبريرياً، فالإنسان أحياناً يتملَّك شهواته، يؤمن بأفكار تغطي انحرافه دائماً، الإنسان الشهواني فكره في خدمة شهواته، الإنسان الشهواني فكره تبريري، لا يقوده فكره، يستخدمه ويسخِّره لتغطية مبادئه المنحرفة، هذا إنسان نموذج.. هو أولاً مصر على شهوته، فيبحث لانحرافاته عن تغطية، عن مبررات، عن مسوِّغات من هذه الكتب، فهذه حال بعض الناس.
 لذلك من نعمة الله على المؤمن أنّه يعتقد اعتقاداً صحيحاً، وأنَّه يفهم كلام الله فهماً دقيقاً، وأنَّه مسلّحٌ بالدليل والبرهان.. فما اتخذ الله ولياً جاهلاً، لو اتخذه لعلَّمه.. إنسان مؤمن ليس معه سلاح العلم هذه مشكلة كبرى، لأن العابد مقاومته هشَّة، أما إذا كان بين المؤمنين، وبيئته سليمة فممكن أن ينجو، أما إذا التقى بإنسان غير مؤمن، وطرح له شبهات، فهذا العابد انتهى، لذلك: عالم واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد.
 عالمٌ واحد، العبادة سهلة، والعبادة فيها سرور، ولكن ليس فيها صمود، أي أنها تنهار لضغطٍ بسيط، أو لإغراءٍ طفيف، إغراء طفيف تنهار العبادة، إغراء، أو ضغط، أما المؤمن.. فقد قال رسول الله لعمه أبي طالب: " والله يا عم.. لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أدع هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله، أو أهلك دونه ".
 فالمؤمن لو أن أهل الأرض كلَّهم كفروا لا يكفر، ابحث عن مثل هذا الإيمان، ابحث عن إيمان لا يتزعزع، لا يتزلزل، ابحث عن إيمان قوي لا يستطيع أكفر الكفَّار أن يزعزعك عنه، هذا الذي يصمد، وهذا الذي ترقى به، وهذا الذي يقيك من الانزلاق.

التناقض بين المؤمن و الكافر قائم لا يزول إلا إذا آمن الكافر :

 هذه آية دقيقة تبيّن أصلاً من أصول الدين، المؤمنون في واد، والكفار في واد، وهذه المحاولات الساذجة المضحكة للتقريب بينهم، هذه محاولات لا تنجح لأن المنطلقات مختلفة.. كإنسان متجه نحو حلب، وآخر متجه نحو عمّان، ويقول لك: إن شاء الله سيلتقون قريباً.. هذه سذاجة، فهناك اتجاهات معاكسة، ليس فيها التقاء، أما إذا كان الاتجاه واحداً، والهدف واحداً، وتوجد زاوية منفرجة قليلاً نقرّبها، نقرّب ما دام الهدف واحداً، أما إذا كانت الأهداف متناقضة فمستحيل.
 فقد ذكرت لكم.. المؤمن الآخرة، الكافر الدنيا، المؤمن القيم، الكافر الشهوة، المؤمن إرضاء الله، الكافر مصلحته.. فالتناقض قائم، هذا تناقض لا يزول إلا إذا آمن الكافر. فالآية رقمها ثلاث عشرة بعد المئة..

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾

[ سورة الزخرف: 112-113]

تحميل النص

إخفاء الصور