وضع داكن
24-04-2024
Logo
ومضات من تفسير القرآن الكريم - الدرس : 1 - من سورة البقرة - الآيات 1-4 ، الإيمان بالغيب.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أبرز خصائص الإنسان أنه يؤمن بالله ولا يراه :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع بداية الدرس الأول من دروس التفسير في رمضان،
 بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾

[سورة البقرة : 1-3]

 من خلال هذه الآية يبدو أن هناك مرحلة تسبق قراءة القرآن، وهذا القرآن هدى لمن؟ هدى للمتقين، اتقى أولاً ثم اهتدى بهذا القرآن ثانياً، من هنا قال بعض أصحاب الرسول رضوان الله عليهم: أوتينا الإيمان قبل القرآن، كيف؟ قال: يؤمنون بالغيب، أنت محاط بعالم خارجي فيه صور وألوان وروائح وأشياء متحركة، وفيه مشمومات، وفيه أصوات، زودك الله جلّ وعلا بخمس حواس تنقل لك ما في المحيط الخارجي إلى ذاتك، ففي الأذن تستمع إلى الأصوات، وبالعين ترى الصور، وبالشم تتذوق الروائح، وباليد تعرف ملامس الأشياء، فالإنسان عنده حواس خمس، تنقل له المحيط الخارجي، هذه الخاصة الإنسان وغير الإنسان فيها سواء، أي الإدراك الحسي، والإدراك الحسي أساسه الحواس الخمس، والعالم الخارجي الذي يحيط بك، لكن الآية تقول:

﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾

[سورة البقرة: 3]

 هناك شيء تؤمن به وهو غائب عنك، ما أداته؟ تؤمن بشيء وهو غائب عنك؟! الحيوان يرى حفرةً فيدركها ويحيد عنها، يرى ناراً فيبتعد عنها، الحيوان يدرك ويتصرف، إلا أن الإنسان من خصائصه التي ينفرد بها أنه يؤمن بالغيب، أي يؤمن بوجود جهة غائبة عنه لا يراها، ولا يسمعها، ولا يتلمسها، ولا يعرف عنها إلا من خلال آثارها، إذاً الإنسان ينفرد من بين المخلوقات بأن الله سبحانه وتعالى أودع فيه قوة إدراكية، فالبعرة تدل على البعير، والأقدام تدل على المسير، والماء يدل على الغدير، نقيس على هذه الحقيقة أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير؟
 أيها الأخوة؛ الشيء السكوني كهذا الكتاب ليس هناك أخطار تنتظره، طبيعته ساكنة، أما الشيء المتحرك فهناك أخطار تنتظره، فإذا صح التعبير هناك مخلوقات سكونية هذه ماذا تتقي؟ ليس هناك من خطر تتقيه، أما الأشياء المتحركة فهناك أخطار تحدق بها.
 فالإنسان كائن متحرك، ما الذي حركه؟ الشهوات، أودعت فيه الشهوات فانطلق بدافع منها، صار هناك حركة نحو الطعام والشراب والجنس الآخر، ونحو العلو في الأرض، هذه الحركة تجعل طبيعة الإنسان حركية، بينما الجمادات طبيعتها سكونية.
 الحيوان متحرك لكنه يشبه القطار، له سكة يمشي عليها، ليس عنده مشكلات أبداً، مسير من قبل الله، أما الإنسان أودعت فيه الشهوات فهو متحرك نحو الطعام، نحو الجنس الآخر، نحو العلو في الأرض، يضاف إلى ذلك أنه أعطي حرية الاختيار والحركة.
 الحيوان أودعت فيه الشهوات، لكن سيّره الله على خطّ واحد، لذلك ليس مكلفاً، أما الإنسان فقد أوتي الشهوات، وأضيف إلى هذه الشهوات حرية الحركة، فحركته حرة، إذاً هناك أخطار تحدق به، لو انطلق من شهواته من دون منهج يسير عليه، من دون هدىً من الله لكان عدوانياً، اعتدى على أعراض الناس، أو على أموال الناس، أو على حقوق الناس الأدبية، لذلك من هو الإنسان الفائز؟ هو المتقي الذي اتقى الأخطار في الدنيا كي ينجو بهذا الاتقاء من عذاب النار.
 فهذا الكتاب هدىً للمتقين، كلام جامع مانع، كلام مفصلي، هدىً للمتقين، كيف يتقي الإنسان؟ قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾

[سورة البقرة: 3]

 الإنسان إذا آمن بشيء يراه بعينه ليس له فضل، إذا آمن بشيء يسمعه بأذنه ليس له فضل، إذا آمن بشيء يلمسه بيده ليس له فضل، أما هنا فآمنت بالله سبحانه وتعالى وأنت لا تراه أبداً، لكن صنعته دلت عليه، وتنظيمه دلّ عليه، النظام دلّ على المنظم، والصنعة دلت على الصانع، والخلق دلّ على الخالق، والحكمة دلت على الحكيم، والتسيير دلّ على المسير، والرحمة دلت على الرحيم.
 إذاً لابد لك من أن تستخدم هذا الجهاز الذي أودعه الله فيك وهو العقل، هذا العقل نقلك من شيء محسوس إلى شيء مغيب، إذاً أنت آمنت بالغيب، هذا أبرز ما في خصائص الإنسان أنه يؤمن بالله ولا يراه، أما إذا اقتصر إيمانك على ما ترى فأنت وغير الإنسان سواء، أما المؤمن فيتميز بأنه يؤمن بشيء لا يراه، يؤمنون بالغيب.

العبادة معرفة وطاعة وسعادة :

 أيها الأخوة؛ هذه الآية الجامعة المانعة:

﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾

[سورة البقرة: 3]

 وهذا تعريف العبادة بأدق معانيها، معرفة وطاعة وسعادة، سعادته بالصلاة، وحركته الإنفاق مما رزقه الله، أي يبني حياته على العطاء لا على الأخذ، بالتعبير الحديث الاستراتيجية، بنى منهجه الصحيح على العطاء، وعلى الإيمان بالغيب، والاتصال به، والإحسان إلى خلقه.
 الآن نستفيد من هذا القرآن الذي نقرؤه في هذه الصلوات، متى نستفيد من هذا القرآن؟ متى يكون هدىً لنا؟ إن آمنا بالغيب، وأقمنا الصلاة، وأنفقنا مما أعطانا الله سبحانه وتعالى، لذلك هناك تسلسل منطقي هو أن الإنسان أمام كون، وهذا الكون كل ما فيه يدل على إله موجود، واحد، كامل، من لوازم هذا الإله الواحد الكامل ألا يدع خلقه من دون توجيه، من دون تعريف، لذلك خلق هذا الإنسان المتميز وأودع فيه الشهوات فهو متحرك، ومع الحركة يوجد خطر، وأعطي حرية الاختيار أشد خطورةً، السيارة احتمال أن تصاب بحادث أكثر من القطار، القطار له سكة يمشي عليها أما السيارة فقائدها مخير، لو أنه أخذته سنة من النوم لصار بالوادي، التوجيه بيده، يوجد محرك يدفعه نحو الأمام بسرعة عالية، ويوجد موجه، فالإنسان شهواته تجعله كائناً متحركاً، ومع الحركة يوجد خطر، وحرية اختياره تزيد هذه الخطورة، فكيف يتقي الإنسان الأخطار؟
 يتقي الإنسان الأخطار إذا آمن بالله، واتصل به، فقذف الله في قلبه نوراً رأى به الخير خيراً، والشر شراً.

مرحلة الإيمان تسبق قراءة القرآن :

 لذلك في سورة البقرة وفي آيات الصيام قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[سورة البقرة: 21]

 تتقون الأخطار، الحياة كلها أخطار، لأن الشهوات التي أودعها الله في الإنسان تجعله يندفع إلى تحقيقها، فإن لم يكن هناك منهج صار عدوانياً، ومع العدوانية العقاب و الجزاء، لذلك هذا القرآن هناك مرحلة تسبقه هي الإيمان بالغيب، والاتصال بالله عز وجل، والإنفاق مما أعطاك الله، إن فعلت هذا صار هذا القرآن هدىً للمتقين.
 ذلك الكتاب لا ريب فيه، لا يوجد فيه خلل إطلاقاً لأنه كلام خالق الكون، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه. قال تعالى:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 1]

 آية ثانية:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ﴾

[سورة الكهف: 1]

 الكون كله في كفة، وهذا الكتاب في كفة، الكون خلقه، والقرآن كلامه، لذلك قال أصحاب رسول الله: أوتينا الإيمان قبل القرآن، لا معنى أن تقرأ هذا الكتاب دون أن تكون مؤمناً بالذي أنزله، دون أن تكون مستقيماً على أمره، إن لم تكن مستقيماً على أمره قال تعالى:

﴿ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾

[ سورة فصلت :44]

﴿ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ﴾

[سورة الإسراء: 82]

﴿ أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾

[سورة فصلت: 44]

 إذاً أدق ما في هذه الآية أن هناك مرحلةً تسبق قراءة القرآن، وتسبق الاهتداء به، مرحلة أن تؤمن بالله، وأن تتصل به ليلقي الله في قلبك نوراً، ودائماً وأبداً أقول لكم: ائت بإنسان أعمى بسكل كامل وائت بإنسان درجة رؤيته عشر على عشر، ضع الإنسانين في غرفة ظلامها مئة بالمئة ألا يستويان؟ ما قيمة العين من دون نور؟
 فلذلك الإنسان حينما يتصل بالله عز وجل يلقي الله في قلبه نوراً، وهذا الكلام يوجد معه آيتان في كتاب الله:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة الحديد: 28 ]

 هناك نور تمشي به إذا آمنت بالغيب، وأقمت الصلاة، وتقربت إلى الله بالعمل الصالح، وكنت أقول لكم: العبادة طاعة طوعية تسبقها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.

كليات الدين :

 يوجد كلية معرفية بالدين، وكلية سلوكية، وكلية جمالية، هذا هو الدين؛ معرفة وانضباط وسعادة، يؤمنون بالغيب معرفية، ويقيمون الصلاة جمالية، ومما رزقناهم ينفقون حركية، فهذا إذا فعلته كان هذا الكتاب هدىً لك، إنك آمنت بالله من خلال خلقه، ثم آمنت بأنه كامل، ثم آمنت أنه من لوازم الكمال ألا يدع خلقه بلا توجيه، وبلا تعليم، وبلا لفت نظر، فآمنت بأنه لابد من كلام أنزله على عبده، هذا القرآن دليل أن كلام الله هو إعجازه، والذي جاء به رسول الله، ولأنه جاء به وهو كلام الله عز وجل فهو رسوله، إذاً أقوال رسوله شرح لكتابه، هذا هو العقل، فإذا وصلت إلى الله خالقاً، مربياً، مسيراً، موجوداً، واحداً، كاملاً، وآمنت بأن هذا القرآن كلامه، طبعاً آمنت بالله من خلال خلقه، وآمنت بالقرآن من خلال إعجازه، وآمنت بالرسول من خلال قرآنه، انتهى دور العقل جاءت مرحلة ثالثة هي التلقي، كل شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، صار عندنا معرفة حسية، ومعرفة عقلية، ومعرفة إخبارية، وهذا منهج المعرفة في الإسلام، هناك أشياء تدركها بحواسك، وأشياء تدركها بعقلك، وأشياء غابت عنك عينها، وغابت عنك آثارها، الجن والملائكة واليوم الآخر والجنة والنار والصراط والحوض والعرش والكرسي والماضي السحيق والمستقبل البعيد هذه غابت عنك عينها وآثارها، لا طريق لمعرفتها إلا التصديق، تصديق كلام الله عز وجل.

على الإنسان أن يؤمن بالله بعقله أولاً ثم يتلقى عن الله أخباره :

 إذاً معنا ثلاث دوائر؛ دائرة المحسوسات، نحن وبقية المخلوقات فيها سواء، ودائرة المعقولات هذا مما ننفرد به عن كل المخلوقات، يوجد عقل وقوة إدراكية، ودائرة الإخباريات هذه تأتي بعد أن تؤمن بالله وبكتابه وبرسوله، فإذا أخبرك الله عن شيء فهو حق، وإذا أخبرك النبي عن شيء فهو حق، إذاً أوتينا الإيمان قبل القرآن، لئلا يكون القرآن عمى على قارئه، لئلا يزيد القرآن قارئه ضلالاً يجب أن تسبق قراءة القرآن معرفة الواحد الديان، من خلال خلقه بطريقة عقلية محضة، كما قال هذا الأعرابي: الأقدام تدل على المسير، والماء يدل على الغدير، والبعرة تدل على البعير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير؟
 قرأت في كتاب علمي أن ذرة واحدة من الحمض الأميني- وهو من أعقد الأحماض في الكائنات الحية- الكون كله لا يكفي لتنشأ هذه الذرة صدفةً، أوضح من ذلك لو جئنا بمطبعة فيها حروف، وفيها ورق، ووضعنا فيها قنبلة، وانفجرت هذه القنبلة، احتمال أن ينتج عن هذا الانفجار قاموس لاروس مرتباً، الكلمات والأفعال والمصادر والصفات والأمثلة كلها مشروحة، ومجلداً، ومطبوعاً، وملوناً مع دائرة معارف؟ مستحيل ولا بالمليار واحد، أساساً ضع عشر ورقات في كيس احتمال إذا سحبتها واحدة واحدة احتمال أن تأتي الأرقام متسلسلة واحد بالعشرة آلاف، الألف ثلاثة أصفار، الستة أصفار مليون، التسعة أصفار ألف مليون، حالة واحدة يمكن أن تكون العشرة أرقام متسلسلة، أما ذرة من حمض أميني فالكون كله لا يكفي كي تنتج هذه الذرة بالصدفة، فالإنسان يجب أن يؤمن بالله بعقله أولاً ثم يتلقى عن الله أخباره.

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ﴾

[سورة الفيل: 1-3 ]

 نحن لم نر هذا، قال العلماء: خبر الله عز وجل يجب أن تتلقاه وكأنك تراه من شدة التصديق، إذاً درسنا اليوم أوتينا الإيمان قبل القرآن كي يكون هذا القرآن هدىً لنا، ونحن في رمضان وهذا شهر القرآن يجب أن يسبق قراءته إيمان بالله وإيمان بالغيب.

على الإنسان أن يخاف بعقله لا بعينه :

 آخر نقطة في الدرس أن أي كائن إذا الأشياء كلها أمامه محسوسة ليس له أجر، ولا فضل، ولا جنة، ولا نار، أما البطولة فهي أن الشهوات محسوسة أمامك، بينما الوعد والوعيد خبر في القرآن، بهذا ترقى إلى الله عز وجل، الأشياء أمامك محسوسة، أما الوعد والوعيد فخبر في القرآن، الله وعد المؤمنين بالجنة، والكفار بالنار، فهذا الذي يخاف بعينه فقط هو في مستوى الحيوان، أما الذي يخاف بعقله فهو الإنسان، الذي يخاف بعقله أي قرأ القرآن أيقن أنه كلام الله، وصدق وعد الله ووعيده، و آمن بالغيب، أما الذي يخاف بعينه فهذا شأنه شأن أي مخلوق ليس في رأسه عقل، و أفضل مثل على ذلك رجل مدمن على الدخان دخل إلى المستشفى بمرض خبيث في رئتيه، وحينما علم أن هذا المرض خبيث قال: أنا الآن سأقلع عنها، متى تركها؟ حينما أيقن أن رئته فيها ورم خبيث فتركها، أما الإنسان الراقي فيقرأ عن أخطار الدخان فيصدق كلام العلماء فيقلع عن التدخين، هذا الذي يليق بالإنسان أن يخاف بعقله لا أن يخاف بعينه، فإذا كان الخوف بالعين هبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، طبعاً هذه أول آية في سورة البقرة:

﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[سورة البقرة : 1-2]

 فيه هدىً للـ، حصراً هدى للمتقين، أنت كائن متحرك، ويوجد أخطار محدقة بك، أحد الأخطار أنك متحرك، وثاني خطر أن معك حرية الحركة، حركة مع حرية اختيار، إذاً هناك أخطار، ما الذي ينجيك؟ أن تؤمن بالله عن طريق خلقه ثم تتصل به ثم تعمل صالحاً لخلقه؛ عندئذ يأتي هذا القرآن هدىً لك وشفاء.

تحميل النص

إخفاء الصور