وضع داكن
29-03-2024
Logo
الفقه الإسلامي - الدرس : 9 - قواعد في الحلال والحرام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

قواعد في الحلال والحرام :

1 ـ الأصل في الأشياء الإباحة أما العبادات فالأصل فيها الحظر :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع بداية الدرس التاسع من دروس الفقه في رمضان اخترت لكم في هذا اليوم المبارك موضوع في أصول الفقه، قواعد الحلال والحرام.
 الحلال والحرام أهم شيء في الإسلام بعد العقيدة، فإذا كانت عقيدتك صحيحة بقي عليك أن تلتزم منهج الله عز وجل، وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كيف تلتزم الأمر والنهي؟ ألم تعرف الأمر والنهي؟
 اليوم هناك قواعد في الحلال والحرام، القاعدة الأولى: الأصل في الأشياء الإباحة ولا يحرم شيء إلا بالنص هذا في المعاملات، أما في العبادات فالأصل في الأشياء الحظر، ولا يشرع شيء إلا بنص، فرق كبير؛ في الأشياء وفي المعاملات الأصل الإباحة، التحريم يحتاج إلى نص، فالذي يقول لك: هذا حرام، قل له: ائتني بالدليل؟ لأن الأصل في الأشياء الإباحة، أما العبادات كالصلاة والصوم والحج والزكاة وسائر العبادات فالأصل هو الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل، هذه هي القاعدة الأولى، لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ما كان الله جلّ جلاله ليخلق هذه الأشياء كلها ثم يحرمها علينا، الذي يحرمه يحرمه لعلة راجحة، نعرف أو لا نعرف حكمتها، هذه القاعدة الأولى.

2 ـ التحليل والتحريم من حق الله تعالى :

 القاعدة الثانية أن التحليل والتحريم من حق الله تعالى، ولا يستطيع إنسان كائناً من كان أن يحرم من عنده، أو أن يحلل، ما أحله الله فهو حلال، وما حرمه الله فهو حرام، فالتحليل والتحريم من حق الله تعالى، هذا ليس من شأن الإنسان، فالإنسان يتبع ما يوحى إليه، النبي عليه الصلاة والسلام يتبع ما يوحى إليه، ونحن نتبع الوحي الذي أوحي إليه عليه الصلاة والسلام، إذاً يقول الله عز وجل:

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾

[سورة النحل : 116]

 أذكركم أيها الأخوة أن الله سبحانه وتعالى في بعض السور ذكر المعاصي بشكل تصاعدي، ذكر الفحشاء والمنكر، والإثم والعدوان، والشرك والكفر، وجعل في قمة هذه المعاصي: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون، فالتحليل والتحريم من شأن الله جلّ جلاله.

3 ـ من أكبر الكبائر أن تحلل الحرام أو أن تحرم الحلال :

 القاعدة الثالثة: الحرام حرام والحلال حلال، لكن من أكبر الكبائر أن تحلل الحرام أو أن تحرم الحلال، إذاً الإنسان قبل أن يقول: هذا حرام، يجب أن ينتبه، لذلك كان السلف الصالح لا يصفون شيئاً بالحرمة إلا إذا هناك دليل واضح صارخ قطعي الدلالة، وقطعي الثبوت، ما سوى ذلك يقول: أكرهه، لا أحبه، لعله مكروه، أما إطلاق الحرام ببساطة، بجرأة، من دون دليل فهذا من أكبر الكبائر، لأن بعض الناس يضيقون واسعاً، أو يوسعون ضيقاً، وهذان الأمران كلاهما محرم أشدّ التحريم.

4 ـ الله تعالى رحمة بنا أمرنا وأعطى للأمر علة ونهانا وأعطى للنهي علة :

 أيها الأخوة الكرام؛ القاعدة الرابعة أن الله لأنه خالقنا، ولأنه مربينا، ولأنه هو الذي أنعم علينا، فمن حقه أن يأمرنا أو أن ينهانا من دون تعليل، ولكن الله سبحانه وتعالى رحمة بنا أمرنا وأعطى لهذا الأمر علةً، ونهانا وأعطى لهذا النهي علة، فهذا من رحمة الله بنا، مثلاً:
 قال تعالى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

 أمرك لماذا ؟

﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

 قال تعالى:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

[سورة التوبة : 103]

 هذا من رحمة الله بنا، القوي يعطي الأمر وكفى، لا يتبعه بتعليل، أما التعليل ففيه رحمة، التعليل فيه تكريم لهذا الإنسان، ربنا عز وجل جعل الحلال هو الطيب، والحرام هو الخبيث، أي التحليل والتحريم مبني على مصالح الإنسان، لأن الشريعة مصلحة كلها، والشريعة أيضاً رحمة كلها، والشريعة عدل كلها، والشريعة حكمة كلها، وكل أمر خرج من الحكمة إلى خلافها، ومن الرحمة إلى القسوة، ومن العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى المفسدة، فليس من الشريعة ولو أدخل عليها بألف تأويل وتأويل، مع أن الله سبحانه وتعالى له أن يأمرنا وكفى، وأن ينهانا وكفى، ولكن أمره ونهيه معللان، إذاً أمرنا بالخير وأباح لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، قال تعالى:

﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[سورة الأعراف : 157]

5 ـ في الحلال ما يغني عن الحرام :

 القاعدة الخامسة: في الحلال ما يغني عن الحرام، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، فالذي يتوهم أن في الإسلام حرماناً هو إنسان واهم وجاهل، ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً، إنما في الإسلام تنظيم، كل شهوة أودعها الله فينا لها نظام دقيق، لها نظام مسعد.
أوضح مثل علاقتك بالمرأة؛ فإن كانت علاقة وفق منهج الله فهذا شيء مسعد، زواج طيب، إخلاص شديد، محبة متنامية، أولاد أبرار، هذه من نتائج علاقة الرجل بالمرأة من خلال منهج الله عز وجل، و أية علاقة أخرى علاقة وبيلة فيها شقاء لكلا الطرفين، ففي الحلال ما يغني عن الحرام.

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

6 ـ ما أدى إلى حرام فهو حرام :

 الآن ما أدى إلى حرام فهو حرام، فالخلوة تؤدي إلى الزنا فهي حرام، صحبة الأراذل تؤدي إلى الزنا فهي حرام، الحديث أو إطلاق البصر يؤدي إلى الزنا فهو حرام، كل ما أدى إلى حرام فهو حرام، فالحرام حرام، و الطريق إليه حرام، هذه قاعدة أيضاً من قواعد الحلال و الحرام.

7 ـ التحايل على الحرام حرام :

 شيء آخر؛ فضلاً عن أن الذي يؤدي إلى حرام فهو حرام، التحايل على الحرام حرام، هذه الحيل التي يرويها الناس و يستعملونها هذه أيضاً محرمة، الإنسان أحياناً يريد مخالفة يغطيها بغطاء شرعي، أي مثلاً إنسان يريد أن يقرض بالربا، فجاء بصيغة مشروعة، باع حاجة، باعها ديناً بثمن ثم اشتراها من الذي اشتراها منه نقداً بثمن أقل، سجل عليه الثمن الأعلى و أعطاه الثمن الأقل، و الفرق هو الفائدة، أما الصورة الشكلية فهي بيع و شراء، فالتحايل على الحرام حرام، و ما أدى إلى الحرام فهو حرام.

8 ـ النية الحسنة لا تبرر الحرام إطلاقاً :

 القاعدة التي بعدها: النية الحسنة لا تبرر الحرام إطلاقاً، لأن الله جلّ جلاله لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصاً و صواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، و صواباً ما وافق السنة، فإن كانت النية طيبة، و أنعم بها من نية، و لم يكن العمل موافقاً لشريعة الله عز وجل فهو مرفوض، و إن كان موافقاً لشرع الله عز وجل و لم تكن النية صالحة فهو مرفوض، هذه قاعدة أساسية، قال تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[سورة الأحقاف : 15]

 فالعمل الصالح مقيد بإرضاء الله عز وجل، و الله لا يرضى عن عمل صالح إلا إذا كان وفق منهجه، و وفق شريعته.

9 ـ من وقع فيما اشتبه عليه كان لما استبان أوقع :

 أيها الأخوة؛ الحلال بين و الحرام بين، و لا خلاف في الحلال و الحرام، الحلال صارخ و الحرام صارخ، لكن الشيء الذي يمتحن به الإنسان هو الشبهات، فيها وجه حلال، و فيها وجه حرام، فالعلماء قالوا: ترك الشبهة أولى، لست ورعاً إلا إذا تركت ما لا بأس به حذراً مما به بأس، فترك الشبهات أولى من أن يقع الإنسان فيها، و من وقع فيها فقد وقع في الحرام، لماذا؟ عندما الإنسان اجترأ و وقع في الشبهة صار عنده جرأة أخرى أن تمتد حركته إلى الحرام، من وقع فيما اشتبه عليه كان لما استبان أوقع، و من ترك ما اشتبه عليه كان لما استبان أترك.

10 ـ الحرام حرام على الجميع :

 أيها الأخوة؛ القاعدة العاشرة: الحرام حرام على الجميع، لا يوجد إنسان مستثنى، ولا يوجد إنسان له معاملة خاصة، ولا يوجد إنسان يرفع عنه التكليف، هذا كله وهم و باطل، الحرام حرام على الجميع من دون استثناء.

11 ـ أي كسب للمال لا تتحقق فيه منفعة لكل الأطراف فهو كسب حرام :

 هناك شيء آخر؛ عندنا قاعدة في كسب المعاش: أي كسب للمال لا تتحقق فيه منفعة لكل الأطراف فهو كسب حرام، قد تكسب مالاً و تحقق به نفعاً لك على حساب إيقاع الضرر بالناس، فالقاعدة الكبرى الأساسية المركزية في كسب المال: أن كسب المال لا يكون حلالاً إلا إذا حقق النفع لكل الأطراف، أما إذا إنسان انتفع لوحده على حساب إيقاع الضرر بالآخرين فهذا الكسب حرام، هذه القاعدة الكلية يتفرع عنها أشياء كثيرة، فالإنسان إذا غش و ربح ربحاً كبيراً حقق مصلحته على حساب الذي اشترى هذه البضاعة.

القواعد الرئيسة في الحلال والحرام قواعد مصيرية :

 أيها الأخوة؛ هذه بعض القواعد المتعلقة بالحلال و الحرام، طلب الحلال فريضة بعد الفريضة، الإنسان بعد أن يعرف الله كيف يتقرب إليه بطاعته؟ كيف يطيعه؟ بمعرفة أمره ونهيه، إذاً القواعد الرئيسة في الحلال والحرام هي قواعد مصيرية، لأن الإنسان محاسب على عمله، ومعرفته بالله ثمرتها طاعته، فمن لم يطع الله عز وجل لن يستفيد من معرفته، والمعرفة كل ثمرتها في طاعة الله عز وجل، وطاعة الله عز وجل تحتاج إلى معرفة أمر ونهي، لذلك الوقت الذي تمضيه في معرفة الحلال والحرام هو وقت مستثمر، وليس وقتاً ضائعاً، لأنك إن أردت أن تطيع الله فهذا هو الأمر، وهذا هو النهي.

 

تحميل النص

إخفاء الصور