وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الحشر - تفسير الآيتان 6- 7
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثاني من سورة الحشر، ومع الآية السادسة، وهي قوله تعالى:

﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

( سورة الحشر )

 بين الغنيمة والفيءِ:

 أيها الإخوة، هناك الغنيمة وهناك الفيء، فالغنيمة ما تؤخذ من العدو عقب حربٍ سجالٍ بين المسلمين وأعدائهم، هذه الغنيمة شَرَّع الله طريقة توزيعها، فأربعة أخماسها للمقاتلين، وخُمُسُها مُقَسَّمٌ خمسة أخماس، لله وللرسول الخمس، ولذي القربى، قرابة النبي عليه الصلاة والسلام الخمُس، وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ثلاثة أخماس، هذه هي الغنائم، لكن الفيء هو الذي يؤخذ من العدو من دون قتال، هذا الفيء كلّه لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، يقول الله عزَّ وجل:

﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ ﴾

 أي أن هذا الفيء ما كان بسبب قتالٍ مرير بينكم وبين أعدائكم، فبنوا النضير كانوا على مقربةٍ من المدينة، وأصحاب النبي عليهم رضوان الله ساروا إليهم مشياً على الأقدام، وقد ألقى الله في قلبهم الرعب، فتركوا ديارهم وأموالهم، وكان هذا المال فيئاً للنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن الله جلَّ جلاله كيف يُوَّزَع هذا الفيء .

 

﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ﴾

 

 معنى: فَمَا أَوْجَفْتُمٍ

 معنى: فَمَا أَوْجَفْتُمٍ، أي ما أسرعتم، وما ركبتم المَطايا إليهم، ولا تَجَشَّمتم المشاقَّ إلى قتالهم، ولا لقيتم من قتالهم عنتاً ولا مشقَّةً، إنما ذهبتم إليهم مشياً على الأقدام، ولا استخدمتم البعير في الوصول إليهم.

﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ﴾

 فائدة جليلة مستفادة من الآية:

 هنا وقفةٌ متأنِّية، الله سبحانه وتعالى هو الفَعَّال، لكن قد يفعل فعله عن طريق إنسان، وقد يفعل فعله مباشرةً، والله سبحانه وتعالى قادرٌ دائماً وأبداً أن يَمْحَقَ الكافرين بنفسه، ولكن أراد أن يمتحننا.

﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا ﴾

( سورة البقرة: الآية 253 )

﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ ﴾

( سورة محمد: الآية 4 )

 فالله عزَّ وجل حينما يكلِّفنا أن ننشر هذا الدين، حينما يكلفنا أن ننشر الحق من أجل أن نرقى عنده سبحانه وتعالى، هو غنيٌّ عنَّا، والحديث القدسي الصحيح:

 

(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ))

 

[ مسلم عن أبي ذر ]

 لو أردنا أن نطبِّق هذه القاعدة على حياتنا اليومية، لما دعي الكفَّار على الإنفاق على الفقراء ماذا قالوا ؟

﴿ أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾

( سورة يس: الآية 47 )

 الله عزَّ وجل قادر أن يطعم الفقير، وأن ينصر المظلوم، ولكن الإنسان جعله الله خليفته في الأرض ليرقى عنده بالعمل الصالح، فأفعال الله عزَّ وجل يمكن أن يجريها عن طريق الخلق، ويمكن أن يجريها مباشرةً، فلذلك هنا:

 

﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ ﴾

 مع بني النضير اقتص منهم مباشرةً، فألقى في قلبهم الخوف، والمسلمون في معركة بدر قاتلوا المشركين، وكان القتال مريراً، وانتهى بانتصار المسلمين، إنَّ الله هو الذي نصرهم، وهو الذي قوَّاهم على عدوِّهم، ولكن هذه المعركة انتهت بنصرٍ مؤزَّرٍ من خلال حربٍ حقيقيةٍ والتحامٍ مرير، لكن في معركة الخندق المسلمون لم يقاتلوا، بل هبَّت رياحٌ عاتية خربت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وقلبت قدورهم، وألقى الله بينهم وبين حلفائهم العداوة والبغضاء، قال تعالى:

 

﴿ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾

(سورة الأحزاب: الآية 25 )

 الله عزَّ وجل يمكن أن ينتصر من أعدائه عن طريق المؤمنين، ويمكن أن ينتصر منهم مباشرةً.

 

﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾

 

( سورة محمد: الآية 4 )

 أي حينما يكلِّفُنا ربنا ؛ إطعام الفقراء، ومعالجة المرضى، والعطف على المساكين، حينما يكلفنا ربنا أن ننشر هذا الدين إنما ليرقى بنا، إنما ليكسبنا عملاً صالحاً نسعد به إلى أبد الآبدين، فهذه الأعمال الصالحة التي يقوم بها المؤمنون هي في الحقيقة من فعل الله عزَّ وجل، فإذا أراد ربك إظهار فضلك عليك خلق الفضل ونسبه إليك.
 كلنا ضعفاء أيها الإخوة، كلنا فقراء، كلنا لا نعلم، لكن من طلب من الله العلم علَّمه الله، ومن طلب المال من الله لينفقه على الفقراء والمساكين أغناه الله، ومن طلب القوة ليقوِّي بها الحق قوَّاه الله، فنحن ضعاف وفقراء ولا نعلم، فإذا طلبنا من الله العلم علَّمنا، وإذا طلبنا القوة قوَّانا، وإذا طلبنا الغنى أغنانا من أجل أن نعمل صالحاً نرقى به عند ربنا..

 وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ

﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ﴾

﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ ﴾

( سورة المدثر: الآية 31 )

 الرعب والخوف من جنود الله:

 أحياناً فيروسٌ لا يرى بالعين، من أضعف خلق الله قاطبةً.. هذا فيروس الإيدز أضعف فيروسٍ عرفه العلماء حتى الآن.. إن خرج في الهواء بعد ثوانٍ ويموت، هذا الفيروس الضعيف دولٌ عُظمى، وهيئات علميةٌ في أعلى درجات العلم، وأموالٌ فلكية، ألوف المليارات أنفقت من أجل أن نبحث عن مصلٍ مضادٍّ لهذا الفيروس، لم يصل العلم الآن إلى هذا المَصْل، والعالم كلُّه مكتوف اليدين ينظر إلى خمسةٍ وثلاثين مليون مصاب بالإيدز، وفي كل عشر ثوانٍ يموت إنسانٌ بالإيدز في بعض البلاد الغربية فقط، هذا من جنود الله.
 الطاعون من جنود الله، وإلقاء الخوف في قلوب الكفَّار من جنود الله، والخوف أحد الجنود، وربنا عزَّ وجل لا يعلم جنوده إلا هو، أن يلقي الله في قلب أعدائه الخوف هذا من جنود الله عزَّ وجل، أن يبتليهم بالأوجاع التي لم تكن في أسلافهم من جند الله عزَّ وجل.
 الآن جنون البقر لم يعرف العلماء حتى الآن مسببات هذا المرض، لكنهم يرجِّحون أن مسببات هذا المرض أقلّ من الفيروس، كائن حي، لكن لم يهتدوا إلى طبيعته، هذا الكائن الحي المسبب العامل الممرِض سبَّب كارثة لبلدٍ تعيش على بيع لحوم البقر، من أقصاها إلى أقصاها كلُّها مراعٍ وتُربَّى فيها البقر، وهم الآن يواجهون أزمةً اقتصاديةً لا حدود لها، لأن الله سبحانه وتعالى سلَّط على أبقارهم مسبباً لهذا المرض أقلَّ من الفيروس، هذا من جنود الله عزَّ وجل، لأنهم خالفوا منهج الله، وأطعموا هذا البقر طحين لحم الجِيَف، وطحين الدم المجفَّف، والله سبحانه وتعالى حَرَّم الميتة والدم ولحم الخنزير.
 الآيات بين أيدينا، الآيات الدالة على صحَّة هذا المنهج، وعلى أحقِّيته، وعلى أنَّ هذا الدين دين الله، وعلى أنَّ هذا الدين شرع الله، وعلى أنّ هذا الدين هو الحق، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الأدلَّة والآيات أكثر من أن تُحصى.
 أيها الإخوة .

﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ ﴾

 إن الإنسان محاط بمليارات جنود لله عزَّ وجل، فإن لم يستقم على أمر الله يأتِه الجنود من حيث لا يشعر، تارةً من صحَّته، وتارةً جرثوم، وتارةً فيروس، وتارةً مسبِّب للمرض، وتارةً في ماله، أحياناً تُسَلَّط ذبابةٍ على محصولٍ قيمته مئات الألوف، هذا المحصول يفنى، يصاب بمرض، وحتى الآن الذبابة البيضاء لا أحد يعرف كيف الخلاص منها، ذبابة تُسَلَّط على الخضراوات في الصيف، هذا مرض، هناك أمراض تصيب النباتات، وهناك أمراض تصيب الحيوانات، هناك أمراض تصيب الإنسان، وهناك خوف يُلْقَى في قلب الإنسان، هذا كلُّه من جنود الله..

 

﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ﴾

 

 أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ

 إنه لا ينجينا من الله إلا أن نطيعه، ولا ملجأ منه إلا إليه، ولا مَفَرَّ منه إلا إليه، لذلك الله عزَّ وجل قال:

﴿ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

( سورة الرعد: آية " 28 " )

 هو الذي خلق قلوبنا، هذا القلب البشري لا يطمئن إلا بذكر الله، ولا يسعد إلا بذكر الله.

﴿ فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى(123) ﴾

( سورة طه )

 لا يضلُّ عقله، ولا تشقى نفسه.
 في الآية لفتة لطيفة، وهي أن الله سبحانه وتعالى قدَّم الذكر على الاطمئنان فقال:

﴿ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

 ولو أنه قال: تطمئن القلوب بذكر الله لكان المعنى أنها تطمئن بذكره وبغير ذكره، إذا قلت: نعبد إياك يا رب، أي نعبدك، وقد نعبد غيرك، أما إذا قال الله عزَّ وجل:

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾

(سورة الفاتحة: الآية 5 )

 أي أنَّه قَدَّم المفعول على الفعل، هذا تقديم الحصر والقصر، أي إن هذه الآية الواضحة الجليَّة تبيّن أنه لا يمكن لمخلوقٍ أن يسعد إلا بذكر الله، بذكر عظمته، وذكر أمره، وذكر رحمته، وذكر فضله، والاستقامة على أمره ..

﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

 وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

 هو قدير أن ينصرك على عدوِّك، وقدير أن يكفَّ يد عدوِّك عنك، لكن ابحث عن الذي يرفعك عند الله، ابحث عن الذي يرقيك عند الله عزَّ وجل، أحياناً الحدث يقع على يد إنسان، وأحياناً يقع من قِبَل الله مباشرةَ، وهذا ما يسمِّيه الناس القضاء والقدر.
 مثلاً: إذَا وقع طفل من الشرفة فمات فهذا من قضاء الله وقدره، وأحياناً إنسان عن حيطةٍ وعن حذرٍ يدهس صبيّاً، مات الصغير بالقضاء والقدر المباشر، ومرَّةً بالمقضي عن طريق إنسان، فكلُّه فعل الله عزَّ وجل، ولكن أحياناً يحقق الله أفعاله مباشرةً، وقد يحققها من خلال بعض الكائنات..

﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

 أي أن الإنسان في قبضة الله.
 هناك مثل ضربته قبل يومين: إن هذه اللعب بالسيارات الكهربائية.. لو أن عشر سيّاَرات اتجهت نحو سيارةٍ كي تجعلها في زاوية، والذي يملك قطع التيار عن هذه الساحة لو فعل هذه الحركة لعطَّل كل الحركات، الأمر كلَّه بيد الله عزَّ وجل، أي إنها قضية تقوية، الله يقوي إنسانًا، ويضعِّف إنسانًا، فإذا كنت مع الله قوَّاك الله، وإذا ابتعدت عنه ضعفت، فإذا كان الإنسان مع الله لا يخشى أحداً، وإن لم يكن مع الله خاف من كل شيء..

 

﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾

 الحقيقة أنّ هذه قصَّة جرت للنبي مع بني النضير، كيف أجلاهم ؟ وكيف خانوا العهد ؟ ثم كيف تآمروا على قتله ؟ ثم كيف أجلاهم، وأخذ منهم أموالهم على أنه فيءٌ أنعم الله به على المؤمنين ؟

 

 قاعدتان مهمتان من قصة بني النضير:

 ولكن من خلال هذه القصَّة وردت قاعدتان، إن هاتين القاعدتين هما أصلان من أصول حياة المسلمين..

 القاعدة التشريعية الأولى: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ

﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾

 نقف عند هذه القاعدة قليلاً، هذا المال أيها الإخوة قِوام الحياة، جعله الله قِوام الحياة، هذا المال وضعه الطبيعي، وضعه السليم، وضعه الصحّي هو في خدمة الإنسان إذا كان متداولاً بين جميع الناس، أي إذا كان بين أيدي مجتمعٍ ما كتلة نقدية، هذه الكتلة النقدية ينبغي أن تكون متداولةً بين كل الناس، كل الناس يعيشون، ويأكلون، ويشربون، ويسكنون، ويتطبَّبون، ويتنزَّهون، ويلبسون.. إلخ، أما إذا تجمَّع المال في أيدٍ قليلة وحُرِمت منه الكثرة الكثيرة اختل توازن المجتمع، لذلك تعدُّ هذه الآية على أنها جاءت عرضاً في سورة الحشر، وفي قصَّة بني النضير، إلا أنَّ هذه الآية لا يقلِّل من قيمتها ولا من شموليَّتها أنها وردت في هذه القصَّة، لأن القواعد القرآنية تتجاوز مناسباتها، ولعبرة لا بخصوص السبب، بل بعموم الحكم.

 الوضع الصحي أن يلد المالُ المالَ:

 مثلاً: حينما تلد الأعمال المال، المال يتولَّد، من أين ؟ إما أن يتولَّد المال من المال، أو أن يتولَّد المال من الأعمال، فالوضع الصحيح، والصحّي، والسليم، والذي يعيد المال إلى كل الناس أن يتولَّد المالُ من الأعمال، فحينما تزرع أرضاً فأنت بحاجة إلى مهندس زراعي، بحاجة إلى دواء لآفَّة معينة، بحاجة إلى عمَّال لجنيِ المحصول، بحاجة إلى علب أو عبوات لتعبئة المحصول، بحاجة إلى وسائل لنقل المحصول، بحاجة إلى تاجرٍ يبيع لك هذا المحصول، أنت لا تشعر حينما تزرع أرضاً إلا ومئات الأشخاص قد شاركوك في هذا الربح، فالعمل حينما يكون هو الأصل فريعُ هذا العمل يوزَّع بين أيدي مئاتٍ بل ألوف، بهذه الطريقة فإن المال يتوزَّع بين الجميع، ويكون متداولاً بين الجميع، ولو أنك زرعت حقلاً فأنت بحاجة إلى آلاف الأشخاص ؛ من عمَّال، من صاحبِ ناقلات، من مهندسين.. إلخ.
 إذا أسَّست عملاً تجارياً، فإن ريع هذا العمل التجاري يوزَّع بين ألوفٍ مؤلَّفة، وأنت لا تشعر، إن كنت بحاجة إلى دفتر فواتير فأنت بحاجة إلى مطبعة، والمطبعة تحتاج إلى آلات، والآلات تحتاج إلى حبر وإلى موظَّفين، وإلى عناصر كثيرة جداً من أجل أن تؤمِّن لك دفتر الفواتير.
دققوا أيها الإخوة، الأعمال إذا ولدت المال كان المال متداولاً بين الجميع، لذلك الإسلام لا يسمح للمال أن ينمو إلا من خلال الأعمال، أما إذا سمحنا للمال أن يلد المال تجمَّع المال في أيدٍ قليلة، وحُرِمت منه الكثرة الكثيرة، فاختلَّ توازن المجتمع، وصار الواحد يملك مليونًا، ومليونٌ لا يملكون واحداً، ومن اختلال هذا التوازن نشأت الاضطرابات، نشأت أعمال العنف، اتسعت السرقات، الاغتصاب، الاحتيال، وكل أمراض المجتمع تنجم من اختلال توازن توزيع المال بين فئات المجتمع، لذلك هذه قاعدة أساسية.
 أيها الإخوة الكرام، حياتنا الاقتصادية تشبه مخروطاً، هذا المخروط له ارتفاع، وله حلقات متناقصة في المساحة، فكلَّما ارتفع السعر ضاقت الشريحة التي تستفيد من هذه السلعة، لتكن فاكهةً، لتكن لحماً، لتكن أي شيء، إذا ارتفع السعر ضاقت الشريحة، إذا انخفض السعر اتسعت الشريحة، وأوضح مثل هو الفواكه إذا رخصت اشتراها كل الناس، فإن غلت اشتراها بعض الناس.
 أيها الإخوة، كل شيءٍ يؤدِّي إلى رفع السعر حرَّمه القرآن الكريم، حرَّم الاحتكار، الاحتكار، ويمكن للمحتكر أن يربح أضعافاً مضاعفة، أن يربح بالمائة خمسمائة، لأن هذه البضاعة محصورةٌ فيه، وله أن يجعل سعرها كما يشاء، لذلك المحتكر خاطئ، كما قال عليه الصلاة والسلام فعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ ))

[ مسلم ]

 لأن الاحتكار يرفع السعر، وإذا ارتفع السعر ضاقت الشريحة المستفيدة من هذه السلعة، فإذا ضاقت تمتَّع بها قلَّةٌ قليلة ممن يملك المال، وحُرِمت منها كثرةٌ كثيرة ممن لا يملك المال، إذاً: الذي رفع السعر هو الاحتكار، الاحتكار محرَّم، الذي رفع السعر هو الكذب والتدليس أحياناً، توهم الشاري أن هذه البضاعة من نوع مُعَيَّن فيُقبِل على شرائها، وهي ليست كذلك، فالاحتكار والكذب والتدليس والغش، وكل ما من شأنه أن يرفع الأسعار هو في الحقيقة يخلُّ بالتوازن بين أفراد المجتمع، فهذه القاعدة الذهبية التي وردت في هذه السورة:

﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾

 وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ

 والآية التي تقابلها، والتي توضِّحها:

﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴾

( سورة البقرة: آية " 188 )

 هذه الآية فيها روعة ما بعدها روعة، ذلك أن مال أخيك سَمَّاه الله مالك، لم يقل: لا تأكلوا أموال إخوانكم، لا تأكلوا أموال غيركم، لا تأكلوا أموال بعضكم، بل إنه قال:

﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ﴾

 أي أن هذا المال مال أخيك، هو من زاويةٍ واحدةٍ مالك، هذه الزاوية أي أنك مطالبٌ أن تحافظ عليه كما لو أنه مالك..

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ﴾

 مال أخيك مالك من زاوية أنك مطالبٌ أن تحافظ عليه، كيف أنك تحافظ على مالك ؟ كذلك تحافظ على مال أخيك.
 إذا افتقر أخوك فأنت ملزمٌ به، فإذا حفظت ماله حفظت نفسك، وإن أخذت ماله ظُلماً أفقرته فضعُفت بضعفِه، قال تعالى:

 

﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ﴾

 

 وهذه إشارة لطيفة إلى أن المال يجب أن يكون بين الناس جميعاً، فلذلك سيدنا عمر رضي الله عنه كلَّما التقى بأحد الولاة أول سؤالٍ يطرحه عليه: << كيف الأسعار عندكم يا فلان ؟ >>، لأن الأسعار إذا تدنَّت رحِمَ الله الناس بها، وإذا ارتفعت شقي الفقير، والإنسان أحياناً كما قال الإمام علي كرَّم الله وجهه: << كاد الفقر أن يكون كفراً >>، والإنسان إذا افتقر لم يجد ما يأكل، لم يجد ما يلبس، لم يجد المال الكافي لزواجه أو لسكنه في مأوى، فاختلف وضعه، وأعرض عن الدين، وفكَّر في الذي لا يرضاه الله عزَّ وجل، فكل إنسان يُخِلُّ بهذا التوازن، أو يحرم الناس حقَّهم الطبيعي هو ظالمٌ.
 سيدنا عمر سأل أحد الولاة فقال: << ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارقٍ أو ناهب ؟ قال: أقطع يده، قال: فإن جاءني من رعيَّتك من هو جائعٌ أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسدَّ جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفِّر لهم حرفتهم، فإن وفَّينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خُلِقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية >>.

 الربا من العبد مقابَلٌ بحربٍ من الله رسوله:

 أيها الإخوة، المال يكون متداولاً بين الناس من خلال الأعمال، ويُجَمَّعُ المال في أيدٍ قليلة، وتُحرَم منه الكثرة الكثيرة إذا نما ذاتياً عن طريق الربا، لذلك أشدُّ المعاصي عند الله عزَّ وجل الربا، لماذا ؟ لأنه يقضي على سلامة مجتمعٍ بأكمله، فإذا نَمَّى الإنسانُ مالَه عن طريق الربا حرم الكثرة الكثيرة من ماله، وجُمِّعت الأموال بأيدٍ قليلة، والله سبحانه وتعالى تَوَعَّد المرابين بحربٍ من الله ورسوله:

﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ﴾

( سورة البقرة: الآية 279 )

 وإلا ..

﴿ فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

( سورة البقرة: الآية 279 )

 لأن المعصية تشتدَّ خطورتها إذا اتسعت رقعتها، والإنسان قد يشرب الخمر وحده، مَن يضرُّ ؟ يضر نفسه فقط، أما إذا زنى فإنه أفسد فتاةً معه، وإذا أكل الربا أفسد مجتمعاً بأكمله، لأن المال قِوام الحياة، وقد جعل الله المال قِوام الحياة.
 لو أن شابًا مثلاً أمَّنت له عملا بدخل معقول، وأمَّنت له مأوى فتزوَّج، إذا تزوج انطلق إلى عمله نشيطاً، وأمَّن فتاةً تبحث عن زوج، فتاة وشاب تزوجا في مأوى، وله عملٌ يعيش منه، هذه أسرة، هذه خلية من خلايا المجتمع صحيحة، فإذا بُني المجتمع على أساس صحّي نما وتقدَّم، فلذلك القاعدة الأولى:

﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾

 أي متداولاً.

 المال الحلال والعمل المشروع واجب شرعي:

 هذا البحث يطول جداً، والمجتمع الإسلامي بأكمله مبنيٌ على هذه القاعدة: المال قِوام الحياة.. " وحبَّذا المال أصون به عرضي وأتقرَّب به إلى ربي "..
 عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى ))

[ متفق عليه ]

 وقد أمسك النبي عليه الصلاة والسلام بيد عبد الله بن مسعود، وكانت خشنة من العمل، أمسكها ورفعها وقال:

 

(( إن هذه اليد يحبها الله ورسوله ))

 

[ ورد في الأثر ]

 وهناك عشرات الأحاديث الصحيحة تبين أن الإنسان حينما يعمل من أجل أن يكفي نفسه، ويكفي أهله، وأن يتقرَّب إلى ربه، وكان عمله مشروعاً، وسلك فيه الطُرُقَ المشروعة، ولم يشغله عن فريضةٍ أو واجبٍ ديني انقلب العمل إلى عبادة، والأدلَّة على هذا كثيرة:
 حينما سأل النبي عليه الصلاة والسلام شاباً يصلي في المسجد فقال له:

 

(( من يطعمك ؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك ))

 

[ ورد في الأثر ]

 ومرَّةً أثنى الصحابة على رجل فقال:

 

(( من يطعمه ؟ قالوا: كلُّنا نطعمه، قال: كلكم أعبد منه ))

 

[ ورد في الأثر ]

 وقد التقى عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه رجلاً يقرأ القرآن، فقال: << إنما أُنزِل هذا القرآن ليُعمَل به، أفاتخذت قراءته عملاً ؟ >>.
 المسلمون الآن يجب أن ينهضوا عن طريق العمل، والعمل في الإسلام مقدَّس، وحينما يعمل الإنسان فإنه يتألَّق، وحينما يعمل، ويكسب مالاً حلالاً، وينفقه لحلِّ مشكلات الناس يرقى عند الله عزَّ وجل.
 إذاً القاعدة الأولى:

 

﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾

 أيّ سلوكٍ يُجَمِّع الأموال في أيدٍ قليلة فهو محرَّم، لو عُدتم إلى كتب الفقه لوجدتم أن مئاتٍ من التصرُّفات حرَّمها النبي عليه الصلاة والسلام لأنها تؤدي في النهاية إلى تجميع الأموال في أيدٍ قليلة، لذلك:

 

 

(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

 

[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس، وسنده ضعيف ]

 ولا يكون مطعمك طيباً إلا إذا كنت صادقاً فيه، ومتقناً له، مخلصاً في أدائه، مطبقاً منهج الله في التعامل معه، عندئذٍ يكون الكسب حلالاً، فإن اشتريت بهذا المال طعاماً كان هذا الطعام طيباً، فإذا طاب مطعمك كنت مستجاب الدعوة، دققوا، هذا هو الدين، الدين أن ننطلق جميعاً إلى أعمالنا بإخلاص، بإتقان، بصدق، بأمانة ؛ دون كذب، دون تدليس، دون احتكار، دون استغلال، دون إخفاء عيوب، دون إيهام، وكل سلوكٍ من شأنه أن يضرَّ المشتري فهو محرَّم، كل سلوكٍ فيه إخفاء حقيقة عن المشتري فهو محرَّم، فإذا استقمنا في تجارتنا أكرمنا الله عزَّ وجل بالرزق الحلال.

﴿ وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

( سورة الجن )

 

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ﴾

( سورة الأعراف: الآية 96 )

 عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ ))

 

[ أبن ماجه، أحمد ]

 أيها الإخوة الكرام، لا يوجد أروع من إنسان أدَّى صلواته الخمس، وانطلق إلى عمله ليثبت للناس أن الإسلام منهجٌ كامل، فيجب أن يكون المؤمن في عمله ملفتاً للنظر بصدقه، باستقامته، بأمانته، بعدم غشَّه، والله عزَّ وجل وحده هو الرزَّاق ذو القوَّة المتين.
 هذه آية وردت في سورة الحشر، وفي معرض الحديث عن بني النضير، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلَّم أخذ هذا المال، وأعطاه للمهاجرين دون الأنصار، الأنصار تبوءوا الدار والإيمان، وهم مقيمون في بلدهم، عندهم بساتينهم، عندهم منازلهم.
 أما هؤلاء المهاجرون فقد أتوا من مكَّة بلا مال، بلا ضياع، بلا بساتين، بلا بيوت، آثروا الله ورسوله، فالنبي عليه الصلاة والسلام استشار الأنصار، فكان جواب الأنصار ملفتاً للنظر، إما أن نعطيهم هذا الفيء، وأن ينزلوا لكم عن كل ما أعطيتموهم، وإما أن نُقَسِّمه بينكم سويَّةً، فقالوا: " بل يبقون عندنا كما كانوا، ونؤثرهم بهذا المال ".
 الحقيقة إذا كنَّا نريد نموذجين من المؤمنين متعاونين إلى أقصى الدرجات فعلينا أن ندرس حياة الأنصار والمهاجرين، لذلك جاءت الآية الكريمة:

﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾

 القاعدة التشريعية الثانية: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

 هذا القرآن الكريم وحي الله إلى بني البشر، وحي السماء إلى الأرض، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام كل ما قاله موضحاً لهذا الكتاب يُعَدُّ مصدراً ثانياً من مصادر التشريع، فهناك وحي متلو هو القرآن الكريم، ووحيٌّ غير متلو هو تشريع النبي عليه الصلاة والسلام، وإن ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام هو تبيّينٌ، وتفصيلٌ وتوضيحٌ لما جاء في كتاب الله، فلذلك كل من أراد أن يلغي سُنَّة رسول الله يقع في مطبٍِّ كبير، وهو يكذِّب القرآن الكريم، لأن القرآن الكريم يقول:

﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

 العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:

 وذكرت هذا قبل قليل أن خصوصية السبب لا تُلغي عموم الحكم، لعلَّ سياق هذه الآية: أن أيها الأنصار، أو أيها المهاجرون..

﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ ﴾

 من غنائم فخذوه، وما لم يؤتكم فلا تعترضوا على ذلك، إنه لا ينطق عن الهوى.
 إن الأنبياء وحدهم يتحرَّكون وفق أمر الله لهم، حتى في تفاصيل سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ما تحرَّك حركةً إلا بأمر الله، فلذلك هو في أقواله مشرِّع، وفي أفعاله مشرِّع، وفي إقراره مشرِّع، وفي أحواله مشرِّع ..

﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

 ولكن إذا تجاوزنا موضوع الغنائم والفيء إلى ما هو أوسع ؛ كل أقوال النبي تشريع، وكل نهي النبي تشريع، وكل إقرار النبي تشريع، وكل عدم إقرار النبي تشريع، وكل أحوال النبي تشريع، لذلك عَرَّفوا سنَّته بأنها: أقواله وأفعاله وإقراره وأحواله..

﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

 أعداء الدين متأكِّدون أنهم لن يستطيعوا أن يواجهوا هذا الدين إلا من بابٍ خفي، تارةً بإلغاء السنَّة، وتارةً بتأويل القرآن تأويلاً لا يرضي الله عزَّ وجل، فالمسلم يجب أن يكون يقظاً، وأية دعوةٍ إلى ترك السنَّة هي دعوةٌ إلى مخالفة القرآن الكريم، لأن القرآن الكريم يقول:

 

﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

 فهاتان الآيتان اللتان وردتا في سورة الحشر في سياق إجلاء بني النضير هما قاعدتان أساسيتان في المجتمع الإسلامي، المصدر التشريعي الكتاب والسنَّة، الكتاب وحي السماء إلى الأرض، والسنَّة تبيين النبي عليه الصلاة والسلام.
 والقاعدة الثانية: أن الإنسان بعد أن يُخلَق، وبعد أن يهتدي إلى الله قِوام حياته المال، هذا المال في مبادئه العريضة يجب أن يكون موزَّعاً بين كل الفئات، فلذلك الإنسان ترتاح نفسه إذا رأى الناس جميعاً في حالة سَمَّاها النبي الكفاية، فعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

 

(( طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا، وَقَنَعَ ))

 

[ الترمذي ]

 وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

 الكفاف لا يعني الفقر، كما أنه لا يعني الغنى، أي أن تجد ما تغطي به حاجاتك، أن يكون دخلك مقابلاً لنفقاتك المعقولة، لكن الناس يلهثون وراء الغنى، ووراء الترف، ووراء التبذير، قد يقول لك: أنا فقير، لأنه لا يجد ما ينفقه على ملاذِّه غير المشروعة، وكلكم يعلم أن الإنسان إذا أنفق مالاً على معصيةٍ سمِّي مبذِّراً، وأنه إذا أنفق مالاً في مباحٍ أكبر مما يجب سمِّي مسرفاً، وربنا عزَّ وجل نهى عن الإسراف، ونهى عن التبذير، وقال بعضهم: من دَخَّن وهو غني عُدَّ مبذِّراً، ومن دخَّن وهو فقير ماذا نسميه ؟ سفيهاً، السفيه هو الذي ينفق ماله بغير حكمة، هذا مال أولاده، وقوت أولاده، وقِوام حياته أنفق نصفه على ما يؤذيه، فمن دخَّن وهو غني عُدَّ مبذِّراً، ومن دخَّن وهو فقير عُدَّ سفيهاً، فلذلك هنا:

﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾

 أي أطيعوه.

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

 القضية أعمق من ذلك، هذا هو الحق، وهذا هو الباطل، يجب أن يكون المال متداولاً بين الناس، يجب أن يكون المصدر التشريعي القرآن والسنَّة، إن أبيتم ذلك فهناك علاجٌ إلهي..

 

 

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(25) ﴾

 

( سورة الأنفال )

 الإنسان بين تكريم الله له والتضييق عليه:

 هذا ينقلنا إلى موضوع دقيق ؛ هو أن الله رب العالمين أمرَ ونهى، ولكنه يتابع ما تفعله أنت أيها الإنسان، إن اتخذت قراراً سليماً شجَّعك على ذلك، وشرح صدرك، وأكرمك وأعطاك، ورفع قدرك، وإن اتخذت قراراً سيئاً، اتبعت شهوتك، وآثرت الدنيا على الآخرة، ضيَّق صدرك..

﴿ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾

( سورة الأنعام: الآية 125 )

 ثم عالجك.
 النقطة الدقيقة هنا أن القضية أكبر من أنَّه أمر ونهى، لا، أنت افعل ما تريد، هو يتابعك لأنه ربك، وأنت يمكنك أن تقوم بتعيين موظف، وأن تقول له: هناك شهران للتدريب، فإما أن أقبلك بعد شهرين موظَّفاً دائماً، وإما أن أصرفك، أنت بإمكانك أن تراقبه مراقبةً دقيقة، وأن تسجِّل عليه كل أخطائه، فإن كثرت هذه الأخطاء صرفته، واستغنيت عن خدماته، أنت بهذا لست مربياً، إنك صاحب عمل، لكنك لست مربياً، أما لو أن هذا الإنسان المتمرِّن كنت حريصاً عليه فإنك عند أول خطأٍ تنبِّهه قائلا: هذا الخطأ لا تعِده، عند أول انحرافٍ تلفت نظره، تقوَّم نفسه، موقف المرِّبي أكمل بكثير، وحينما تتخذ قراراً سليماً يشجعك رب العالمين، ويشرح صدرك، وهذه معاونةٌ منه لك، ويكافئك، ويرفع قدرك، أما حينما تتخذ قراراً خاطئاً فإنه يضيِّق صدرك..

﴿ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾

 وهذا التضييق في الصدر معاونةٌ لك من أجل أن تترك هذا السلوك، أحياناً يسوق لك الشدائد، أحياناً يضيِّق عليك، لذلك ربنا عزَّ وجل شديد العقاب، أي يتابع الأمور، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( إذا أحبَّ الله عبده ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن شكر اقتناه ))

 

[ الجامع الصغير عن أبي هريرة وابن مسعود ]

(( إذا أحبَّ الله عبده عاتبه في منامه ))

[ الجامع الصغير عن أنس بسند ضعيف ]

 عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ))

 

[ الترمذي ]

(( إذا أراد الله بعبده خيرًا جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه ))

[ الجامع الصغير عن أم سلمة بسند ضعيف ]

 إذا وجد الواحد منَّا نفسه في متابعة من الله، وفي عنايةٍ مشدَّدة فليحمد الله على هذا كثيراً، أما إذا وجد نفسه ينحرف، ولا يُحاسب ليعلم أن الله يمقته، وأنه أخرجه من دائرة العناية المشدَّدة، فالذي نرقى به عند الله أن نكون في دائرة العناية المشدَّدة..

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

 إن الإنسان إما أن يأتي الله طائعاً، وإما أن يأتيه كرهاً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ ))

 

[ البخاري ]

 سلاسل الامتحان والتأديب والتضييق.
 على كلٍ، الإنسان إن وصل إلى الله بأية طريقة فهو من الفائزين، إما أنه يأتي الله طوعاً، أو يأتيه عقِب تضيقٍ أو تشديد .

 هؤلاء هم المهاجرون:

 1 ـ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ

 لِمَن الفيءُ ؟

 لكن هذا الفيء لمن ؟ قال الله عزَّ وجل:

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ﴾

( سورة الحشر: الآية 8 )

 إنسان مستقر في بلده ؛ له دكَّان، له منزل، له بستان، له مركز، له أقرباء، ما ذنب هؤلاء المهاجرين ؟ لهم ذنبٌ واحد ؛ أنهم آمنوا بالله ورسوله، عندما آمنوا بالله ورسوله ضَيَّق عليهم كفَّار قريش، ونكَّلوا بهم حتى حملوهم على الهجرة، قال تعالى:

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ ﴾

الفقر ليس وصمةَ عارٍ :

 بالمناسبة، لا يمكن أن يكون الفقرُ وصمة عارٍ في حق الإنسان، وصمة العار هي المعصية.
 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))

[ الترمذي ]

 إن الإنسان لا ينبغي أن يستحي من الفقر بل ينبغي أن يستحي من المعصية، هؤلاء قِمَمٌ عند الله عزَّ وجل وهم فقراء، والمهاجرون لأنهم آمنوا بالله ورسوله تركوا أموالهم، تركوا بيوتهم، تركوا تجارتهم، تركوا بساتينهم، تركوا أهلهم، ونصروا النبي عليه الصلاة والسلام، وجاءوا معه، ولو أن رجلاً منَّا له بيت، ومتجر، وبيت في المصيف، ومركبة، فجأةً أُخِذ ووُضِع على رصيف في مدينة بعيدة، وليس في جيبه درهمٌ واحد، هذه هي الهجرة، اقتلاع من الجذور، إنسان متمكِّن له دخل، له بيت، له مأوى، له متجر، له مكانة، يأتي إلى بلد آخر بعيد لا شيء معه إطلاقاً، فالفقر ليس وصمة عارٍ في حقِّ الإنسان، بل بالعكس، كن مستقيماً واللهُ سبحانه وتعالى يغنيك، أما لو أنَّ الإنسان عصى ربَّه لو أنه غني فإنّ الله عزَّ وجل يؤدِّبَهُ على غنى..

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾

 2 ـ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا

 نحن ماذا نبتغي ؟ هل نبتغي طاعة الله ؟ هل نبتغي فضل الله العظيم ؟ هل نبتغي جنَّته ؟ هل نبتغي محبَّته ؟ هل نبتغي خدمة خلقه ؟ هل نبتغي نشر دينه ؟ هل نبتغي معونة الضعفاء والمساكين ؟ هل نبتغي عملاً صالحاً يقرِّبنا إليه ؟ قال تعالى:

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾

 3 ـ وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

 أنت أحياناً تنصر هذا الدين بالصدق، تنصره بالأمانة، تنصره بأداء العبادات، تنصره بحضور مجالس العلم، تنصره بتكثير سواد المسلمين، هناك مليون طريق يمكن من خلالها أن تنصر هذا الدين، إذا كنت صادقاً فهذا نصرٌ للدين، إذا كنت أميناً فهذا نصرٌ للدين، إذا كنت مخلصاً فهذا نصرٌ للدين، إذا كنت متقناً فهذا نصرٌ للدين، إذا كنت عفيفاً فهذا نصرٌ للدين، إذا كنت معطاءً فهذا نصرٌ للدين، هؤلاء المهاجرون الفقراء..

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ ﴾

 4 ـ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ

 لماذا هم صادقون ؟ لأن أفعالهم أكَّدت أقوالهم.
 قال لك شخصٌ: لو أتيتني لأعطيتك ما تريد، طرقت بابه، وقلت له: أعطني فأعطاك، كلمته السابقة هل هو صادقٌ بها أم كاذب ؟ ما دام قد أعطاك فهو صادق، هؤلاء المهاجرون آمنوا بالله، وكلٌ منَّا بإمكانه أن يَدَّعي الإيمان بالله، لكنهم آمنوا وهاجروا، آمنوا وآثروا، آمنوا وأنفقوا، آمنوا وجاهدوا، آمنوا وضحوا بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس، آمنوا فجاءت أفعالهم مؤيدةٌ لأقوالهم، هذا برهان، و النبي قال:

(( وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ ))

[ الترمذي عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ ]

 المال محبَّب، أما إذا أنفقته فإنك تؤكِّد لنفسك ولمن حولك ولربك أنك صادق، غض البصر يؤكِّد إخلاصك لله، ضبط اللسان يؤكِّد إخلاصك لله، فهؤلاء المهاجرون..

﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ ﴾

 أما الأنصار.

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

( سورة الحشر: الآية 9 )

 هؤلاء هم الأنصار:

 1 ـ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ

 هم في بلادهم، وبيوتهم، وبساتينهم، لكن الإيمان دخل إلى أعماقِ أعماقهم.

﴿ تَبَوَّءُوا الدَّارَ ﴾

 وكانوا بإيمانهم مخلصين..

﴿ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾

 2 ـ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ

 هذه علامة الإيمان، أن تحبَّ المؤمنين، أن لا ترى المؤمن عبئاً عليك، مؤمن أتاك تستقبله بالترحاب، تؤثره بما عندك.

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾

 يحبونهم.
 عنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ ))

 

[ متفق عليه ]

 وفيما بيننا أن يحب بعضكم بعضاً هذا من علامة إيمانكم، أما فلان أحقد عليه، فلان أغار منه، فلان أحسده، فلان أتمنَّى دماره، فلان أتمنى أن لا ينجح لئلا يفوز عليّ، هذه علامة النفاق، حبُّ المؤمنين إيمان، وبغضهم نفاق..

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾

 هذا وصف الله لهم.

 

 وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا

 3 ـ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا

 لما آتاهم النبي فيء بني النضير.. آتى المهاجرين أمام أعين الأنصار، تحت سمعهم وبصرهم، وما شعروا بشيء، ما شعروا بالحرج، ما تألَّموا، ما اغتاظوا..

﴿ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِم

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور