1997-12-30
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
حاجة كل إنسان إلى منهج يسير عليه :
أيها الأخوة الكرام؛ مع بداية الدرس الأول من دروس رمضان أضع بين أيديكم هذه الأحاديث الشريفة.العقيدة أخطر شيء في حياة كل مسلم :
طبعاً في المحلات التجارية كما تعلمون صاحب المحل عنده مئات البضائع ومئات الألوف من الأنواع التفصيلية، ماذا يضع في الواجهة؟ يضع نماذج متميزة، فإذا صح التمثيل هذه الدروس دروس رمضان، لأن القصد منها أن هذا الأخ الضيف يلتزم، وأن هذا الذي فعله في رمضان؛ نجاح رمضان عنده أن يستمر به؛ طبعاً يوجد مواسم، رمضان موسم عبادة، لكن موسم عبادة حملك أن تقفز إلى الله قفزة، فنجاح هذه القفزة باستمرارها على مدار السنة، أما عدم النجاح في رمضان فأن تعود بعد رمضان كما كنت قبل رمضان، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾
تفوق في رمضان، صلى الفجر في جماعة في رمضان، وبعد رمضان عاد إلى صلاته في البيت؛ غض بصره في رمضان وعاد إلى إطلاق البصر؛ امتنع عن الملهيات في رمضان ثم عاودها بعد رمضان؛ يقفز ويرجع، يقفز ويرجع، نقول لها: مكانك تحمدي أو تستريحي، وفي الرياضة تعبير: مكانك راوح.تحديد كل إنسان المسار الذي هو بحاجة له :
عندنا ستة مسارات؛ هذه الستة نبدأ بالأول والثاني والثالث والرابع ومن ثم نعود إلى المسار الأول، وعندنا عشرة دروس في كل مسار في رمضان؛ فالإنسان يجب أن يختار أي المسارات هو في أشدّ الحاجة إليها.(( تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدهما؛ كتاب الله وسنتي ))
والمسار الرابع الحكم الفقهي، لأنك أنت بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، فإذا عرفته وأحببته وأردت أن تطيعه كيف تطيعه؟ لابد من معرفة حكمه، والإنسان أحياناً كثيرة يجهل الحكم الفقهي فيقع في شرّ عمله، فمن أجل أن تأخذ زخماً؛ قوة معنوية عالية؛ يوضع بين أيديكم نماذج من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام؛ كيف عاملوا النبي؛ كيف فعلوا؛ كيف استقاموا؛ كيف حملوا أنفسهم على المجاهدة، وآخر شيء حتى ترقى معرفتنا بالله درجة درجة لابد من أن نوائم بين العلم والدين؛ العلم يعني القوانين المستنبطة من خلقه؛ هذا خلقه، والقرآن كلامه، والكون خلقه، والحوادث أفعاله؛ وليس هناك أي تناقض بين خلقه وبين فعله وبين قوله بل إن الحق كما تعلمون دائرة تتقاطع بها أربعة خطوط؛ خط النقل الصحيح وخط العقل الصريح وخط الواقع الموضوعي وخط الفطرة السليمة، وأخطر ما في الإنسان عقيدته.ضرورة تعرف كل إنسان على الحقيقة الكبرى في الحياة :
الآن بقي دقائق؛ نحن درسنا ربع ساعة إن شاء الله حتى لا أثقل عليكم؛ الإنسان إذا أكل وشرب وتنفس ونام وعمل وأنجب واستمتع؛ هذه كل الخصائص قواسم مشتركة بينه وبين الحيوان؛ هناك وجود إنساني ووجود حيواني؛ أكلنا هذا تابع للوجود الحيواني؛ وشربنا؛ لو أكلنا أطيب الطعام، لو تنوعت المائدة بمئات الأطباق وجود حيواني؛ شربنا، لو انتقينا أنقى شراب وجود حيواني؛ لو تنفسنا وجود حيواني؛ أوينا إلى الفراش وجود حيواني؛ تزوجنا أنجبنا وجود حيواني؛ عملنا وجود حيواني.
حياة الإنسان تتراوح بين الأكل والشرب والتنفس والنوم والإنجاب والعمل والمتعة هذا كله وجود حيواني؛ أما الإنسان فهو إنسان بوجوده الإدراكي، والله عز وجل أودع فيه قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية بها تصبح إنساناً، فكل إنسان عزف عن العلم، ولم يطلب العلم، ولم يبحث عن الحقيقة الكبرى في الحياة، كل إنسان قبل أن يعيش كدهماء الناس و سوقتهم، هذا إنسان ألغى وجوده الإنساني وبقي على وجوده الحيواني، قال الله عز وجل:
﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾
هل يوجد من هو أضلّ من الأنعام؟ الدابة لا تفهم شيئاً إلا أن تأكل وتشرب؛ كيف يكون الإنسان أضلّ من الأنعام؟ الحيوانات غير مكلفة، فإذا أمضت وقتها بالطعام والشراب والعمل وماتت ليس عليها مسؤولية إطلاقاً، لا حساب، ولا عذاب، ولا تكليف، ولا ثواب، ولا عقاب؛ إذاً الإنسان الذي كلف حمل الأمانة، وتوانى في حملها، وألغى العلم من حياته، أنت متى تشعر أنك إنسان؟ حينما تطلب العلم؛ حينما تسأل لماذا أنا موجود على سطح الأرض؟ ولماذا خلقني الله عز وجل؟ ما هو الشيء المجدي في الحياة؟ أن أجمع أكبر ثروة من المال؟ أن أتنافس على جمع حطام الدنيا أم أن أتعرف إلى الله؟ هذا سؤال كبير؛ ما الذي يعنيني في الحياة؟ ما الذي يجعلني متفوقاً في الحياة حجمي المالي أم حجمي العلمي؟ لأن الحجم العلمي يترجم إلى عمل، والعمل ثمن الجنة، لذلك قال تعالى:﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
والدليل أن الإنسان عندما يأتيه ملك الموت لا يندم إلا على شيء واحد قال تعالى:﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
كان أحد الصالحين قد اشترى قبراً وكان يضطجع فيه كل خميس مرة ويتلو قوله تعالى:﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
آخر شيء الله عز وجل قال:﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴾
مع أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمشي سريعاً، وكان إذا مشى كأنه ينحط من صبب، وكانت السيدة عائشة تقول:" رحم الله عمراً ما رأيت أزهد منه، كان إذا مشى أسرع " والآية: يمشون على الأرض هوناً؛ العلماء فسروا هذه الآية بأن يمشون على الأرض هوناً بمعنى أنهم لا يسمحون لحياتهم الدنيا، ولا لمشاغلهم، ولا لأعمالهم، ولا لتجارتهم أن تستهلكهم، إنسان من الصباح وحتى المساء في عمله، جمع أموالاً طائلة، جاءه ملك الموت فجأةً فخسر كل شيء في ثانية واحدة.رمضان شهر صلح مع الله :
أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الدروس فيها نفع كبير لنا جميعاً، وأن تكون هذه الدروس بشكل أو آخر دورة مكثفة، فيها ستة مسارات، وكل إنسان يسأل نفسه سؤالاً دقيقاً: أي المسارات هو في أمس الحاجة إليها؟ عندئذ يتلافى التقصير بعد رمضان.
إذا كان مسار العقيدة ضعيفاً جداً عنده فليكثر من معرفة دقائق العقيدة بعد رمضان، وإذا كان مسار التفسير ضعيفاً عنده يتابع التفسير بعد رمضان، وإذا كان مسار الحديث ضعيفاً عنده يعتني بصحة الحديث، وفهم الحديث، وإذا كانت همته ضعيفة يعتني بالسيرة كي تقوى همته، وإذا كان إيمانه بالله ضعيفاً لا يحمله على طاعته يتعرف إلى الله من خلال خلقه، ومن خلال آياته الكونية، فلذلك على الإنسان أن يجعل من هذا الشهر شهر صلح مع الله، فهو فرصة لا تعوض، ولا تتكرر أحياناً، كل واحد يصوم رمضان وليس عنده يقين أن يعيش إلى رمضان الثاني،
فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر، فهذه فرصة لأنه لا ينطق عن الهوى؛ أحياناً يكون الشخص له دعوى بقصر العدل، بعد أن يوكل محامياً يكتشف أن هناك اجتهاداً بمحكمة النقض لصالحه فيرتاح، ما الذي أراحه؟ عبارة عن خمس كلمات في المجلة القضائية أو مجلة قصر العدل، وأنت عندما تجد آية تغطيك قال تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
هذه الآيات المطمئنة والمبشرة هي القول الثابت الذي يريحك.