وضع داكن
20-04-2024
Logo
الشمائل المحمدية - الدرس : 9 - جوامع صفاته.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

جوامع صفاته صلى الله عليه وسلم :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع بداية الدرس التاسع من دروس السيرة، ومع شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، ومع جوامع صفاته.
 أم معبد حينما هاجر النبي عليه الصلاة والسلام دخل خيمة أم معبد قيل لها: صفيه يا أم معبد؟ فقالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، لم تعبه تجلّة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج- اتساع- وفي أشفاره غطف، وفي صوته صهل- فيه بحة خفيفة- وفي عنقه سطع- امتداد- وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن في حاجبيه، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هزر- ليس كلامه قليلاً ولا كلامه طويلاً- كأن منطقه خرزات نظم تتحدرن، ربعة لا بائن من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا، وإن أمر تبادروا لأمره، محشود محفود، لا عابس، ولا مفند، -يوجد شخص يبني علاقاته مع الآخرين على الانتقاد، كلما رأى خللاً كبره و أشاعه بين الناس، وهذه من أذم الأخلاق - فقال زوجها: هو والله صاحب قريش الذي ذكر من أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه .
 وفي نص آخر وصف عليه الصلاة والسلام فقيل: إذا مشى مشى هوناً، إذا مشى كأنه ينحط من صبب، فإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة، له ملاحظات دقيقة، يسوق أصحابه، يبدر من لقيه بالسلام، وسألت خالي: صف لي منطق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: متواصل الأحزان.

((عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ، لَوْ عَلِمْتُمْ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ، وَلَخَرَجْتُمْ عَلَى أَوْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ قَالَ: فَقَالَ أَبُو ذَرّ:ٍ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ ))

[ أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ]

 متواصل الأحزان، دائم الفكرة ليست له راحة، طويل الصمت، لا يتكلم من غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، كلامه ملء فمه، وهذه من صفات الرجولة، يتكلم بجوامع الكلم لا فضول ولا تقصير، ليس بالجافي ولا المهين- لم يبن علاقاته على إهانة الناس ولا على الترفع عنهم- يعظم النعمة وإن دقت، أي أحدنا يكون مغموراً بالنعم، نعمة البصر، ونعمة العقل، ونعمة السمع، ونعمة الزواج، والحركة، والبيت، والمأوى، كان عليه الصلاة والسلام تعظم عنده النعمة مهما دقت، الإنسان إذا شرب كأس ماء، وهذا الماء أخذ سبيله إلى الخروج معنى هذا أن أجهزته سليمة، فكانت هذه النعمة كبيرة عنده، إذاً تعظم النعمة عنده مهما دقت، لا يذم منها شيئاً، لا يعيب طعاماً أبداً، ولا يعيب بيتاً، همه الآخرة، أشخاص كثيرون يدخل إلى بيت، ما مساحة هذا البيت؟ يحرجك، مئة متر، هل يكفيك؟ صاحبه ساكت، و أنت ماذا تريد؟ يعيب الطعام، ويعيب البيوت، ويعيب الفرش، دائماً نقاد، هذه صفة بالإنسان تبعده عن الله عز وجل، لم يكن يذم مذاقاً، ولا يمدحه.
 يوجد أشخاص فنانون بمدح الطعام، هذه طيبة، وهذه مثل القشدة، وهذه مثل القطر، دائماً يثني على الطعام .
 لا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها، الدنيا عنده صغيرة لا إن أقبلت تشغله عن الله، ولا إن أدبرت يتحسر عليها، فإذا تعدى شخص الحق لم يقم لغضبه شيء، غضبه لله، إذا انتهكت حرمات الله عز وجل، لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه أبداً، ولا ينتصر لها، أما للحق فيغضب وينتصر، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، وضرب راحته اليمنى ببطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، إعراضه كان غضباً، جلّ ضحكه التبسم، تسمع ضحكات من الناس تخرج من جلدك، ضحك فيه تطاول بشكل حرج .
 وفي نص آخر قال : كان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزء لله، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، نحن أكثرنا إذا نجح بشيء هذا الشيء يطغى على أشياء كثيرة، أجياناً الإنسان ينجح ببيته على حساب عمله، ينجح بعمله على حساب بيته، يعتني بأولاده على حساب أقربائه، يعتني بالناس ومن حوله على حساب أولاده، فأكثر الناس لا يوجد عندهم توازن .

 

انشغاله صلى الله عليه وسلم بما يصلح الناس :

 كان إذا دخل إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزء لله، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثم جزأ جزأه الذي لنفسه بينه وبين الناس، لا يدخر عن الناس شيئاً، يؤثر أهل الفضل، يعطيهم على قدر فضلهم في الدين، منهم ذو الحاجة، منهم ذو الحاجتين، منهم ذو الحوائج، يتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم، وكان عليه الصلاة والسلام يقول:

(( لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ ))

[ البخاري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه]

 أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها .
 جميل جداً إذا أنت تعرف رجلاً منصفاً و مقتدراً، و يوجد له عنده مشكلة، و لك دالة عليه أن تبلغ حاجة هذا الضعيف لهذا القوي، فهذا من أجلّ الأعمال الصالحة، يوجد إنسان يتأفف و يستكبر يقول لك: أنا لا أبذل ماء وجهي لفلان، لا تبذله لنفسك و لكن ابذله لغيرك هذا من أجلّ الأعمال، فقال: إنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة.
 عمل عظيم أن تنصف مظلوماً، كان أصحابه يدخلون عليه رواداً، و لا يفترقون إلا عن ذواق، أي كان عنده إكرام مادي و معنوي، يخرجون و قد أخذوا نصيبهم، إما من إكرام مادي من طعام و شراب و إما من إكرام روحي علمي يخرجون و قد امتلؤوا، الإنسان أحياناً يدخل لبيت لا يوجد فيه شيء، لا يوجد كلمة حق، لا يوجد نصيحة، لا يوجد حقيقة، كلام فارغ:

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً ))

[ أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 أحياناً تسهر سهرة تخرج ممتلئاً، منتعشاً، وتشعر أنك كسبت هذا الوقت الذي أمضيته في هذا البيت، كان مفعماً بالخير، مفعماً بالعطاء، مفعماً بالحقيقة.

 

النبي الكريم يؤلف ولا يفرق :

 كان عليه الصلاة والسلام يخزن لسانه، أي الصمت عن علم وليس عن جهل، يوجد شخص ساكت لو تكلم لانفضح، فكان عليه الصلاة والسلام يخزن لسانه، يوجد عنده صمت لكن عن علم إلا فيما يعنيه، كان يؤلف ولا يفرق، يقرب ولا يباعد، أي ما دخل في موضوع وفرق بين اثنين، يوجد أشخاص هذا النمام لا يدخل الجنة، ينقل لفلان ما قاله فلان، صار هناك شرخ بين شريكين، بين زوجين، بين صديقين، بين جارين، دائماً ينقل ما قال فلان في فلان، صارت مهمته التفريق، النبي عليه الصلاة والسلام مهمته الجمع و التأليف، وليس منا من فرق، يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، أي يعرف لكل إنسان مقامه، إذا كان هناك إنسان كريم من حكمة النبي عليه الصلاة والسلام أنه يولي الكرماء على أتباعهم.

تفقده لأصحابه و حذره من الناس و الاحتراس منهم :

 يحذر الناس ويحترس منهم، هذه صفات العقلاء من غير أن يطوي بشره عن أحد، طليق الوجه، عنده بشر لكل الناس، لكن بالداخل يوجد حذر، ويوجد أشخاص عندهم سذاجة، يوجد شخص يلعب عليه، يتمسكن أمامه، فيرق قلبه عليه، ويعطيه، وفي النهاية يكون نصاباً، المؤمن أذكى من ذلك ليس بالخب ولا الخب يخدعه .
 كان يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد، يتفقد أصحابه، إذا أخوك سأل عنك لا تعد هذا تدخلاً في شؤونك، من مكانتك سأل عنك، يغيب الإنسان ولا أحد سأل عنه، يعتب يقول: أنا غبت شهراً و لم يخبرني أحد، ليس لي قيمة عندكم، وإن سألت فلاناً: أين هو؟ يشعر أنه متابع، ليس موضوع متابعة موضوع مودة، أخوه غاب عنه معنى هذا أنه في مشكلة، لذلك إذا الإنسان سافر من السنة أن يبلغ إخوانه، يبلغ أصدقاءه، أنا جرت معي قصة ولكن دقيقة؛ إنسان كريم أحبه كثيراً غاب عن المجلس شهراً طويلاً، ثم قيل لي إنه مريض فذهبت لزيارته فعاتبني، قلت له: أنت الذي ينبغي أن تعاتب، قال: لم؟ قلت: عدة مرات غبت أشهراً ولم تخبر أحداً، وكنت في العمرة، فلما غبت هذا الشهر ظننتك في العمرة، فالتقصير منك، ولكن السنة أن تخبر من حولك أنني مسافر حتى لا يظنون أن الغياب تقصير أو مرض، فإذا أنت خبرت أنك مسافر عندما تغيب ولم تخبر معنى هذا أنه يوجد مشكلة، يتفقدونك فوراً، إذا الإنسان أحبّ أن يغيب يجب أن يعلم حتى لا يظن أنه بغيابه تقصير أو مرض .
 يسأل الناس عما في الناس، أحياناً يكون هناك مشكلة راهنة، قضية يعاني منها الناس، يوجد شخص يتجاهلها كبراً، هو لا يعاني منها يتجاهلها إذاً، أحياناً يوجد مشكلات تعم معظم الناس إذا أنت لم تسأل عنها كأنك تعيش في برج عاجي، أما إذا سألت عنها وحاولت أن تحل بعض المشكلات فأنت تعيش مع الناس، صار هناك مشاركة، والمشاركة فيها تواضع.

النبي الكريم يحسن الحسن و يقومّه و يقبح القبيح و يوهنه :

 يحسن الحسن ويقومّه، يوجد شخص كلما سمع قصة مؤثرة ينزعها لك، ليس هذا قصده، له قصد ثان، يكون الموقف بطولياً، الموقف فيه شهامة، وفيه مروءة مؤثر جداً، يقول: أنت أحسنت الظن فيه، يعطي دائماً تعليقاً يفرغ هذه القصة من مضمونها، هذه صفة بالإنسان ذميمة، كان يحسن الحسن و يقومّه، و يقبح القبيح و يوهنه، أحياناً الإنسان يغلط، يمدح تصرفاً خاطئاً، يمدح انحرافاً و هو لا يشعر، هذا الطفل الصغير الذي أمامك إنسان مثلاً تارك صلاة، إنسان منغمس في بعض المعاصي تقول: أخي و الله فهيم، لبق، مذوق، من أرقى الناس، فالذين حولك أوهمتهم إذا كان تارك صلاة و لبقاً، تارك صلاة ومن أكرم الناس، لم يعد هناك قيم ثابتة،
 لكل حال عنده عتاد، الإنسان يكون أحياناً في مجال إكرام الضيف في أعلى درجة، في مجال مقاومة العدو بأعلى درجة من الجهاد، في مجال نشر العلم بأعلى درجة من العلم، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق و لا يجاوزه، أي هناك شخص يزيد في الحق، أعرف رجلاً رفض أن يرى حماته قال: حرام، هل أنت مشرع؟ خالق الكون سمح لك أن ترى أم زوجتك، خيار أصحابه عنده أعمهم نصيحةً أعظمهم عنده منزلة، أحسنهم مواساة ومؤازرة، أحياناً المنحرف يقرب القوي، يقرب الموالي له، قد يكون الموالي له سيئاً جداً، أما النبي عليه الصلاة والسلام فما يقرب إلا الكامل، الأقوياء يقربون غير الكاملين، يقربون الموالين فقط، تعلن ولاءك الشديد يقربك على علاتك، أما الأنبياء فلا يقربون إلا الكمل، وإذا الإنسان له أصحاب غير منضبطين يهتم بهم، كان عليه الصلاة والسلام من توجيهاته لا تصاحب إلا مؤمناً، لو صاحبت غير مؤمن وصمت به .

إكثاره صلى الله عليه وسلم من الذكر :

 كان عليه الصلاة والسلام في مجلسه لا يقوم ولا يجلس إلا عن ذكر، إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، أي الآن بالحفلات يوجد حرج شديد، كل إنسان يطمع أن يكون في الصف الأول و ذلك من أجل مكانته، و إذا كان بالصف الثاني تنشأ مشكلة كبيرة جداً، مرة من باب الدعابة اقترحت على أحد من سيقيم حفلاً قلت له: استأجر أرضاً طولها خمسة كيلو متر و اعمل صفاً واحداً ترضي الناس كلهم، الصف الثاني مشكلة، والثالث مشكلة، فالنبي سيد الخلق كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، يعطي كل جلسائه نصيبه، أي إذا كنت جالساً بجلسة أحياناً يكون في هذه الجلسة رجل قوي، أو رجل غني، الأنظار نحوه، والباقي مهملون، هذه ليس من أخلاق المؤمن، يجب أن يخص كل الحاضرين بنظراته واهتمامه وابتسامته، يوجد إنسان يؤخذ بشخص له مركز ترى النظر كله له، والباقون مهملون كلياً .

أخلاقه و سعة صدره :

 من سأله حاجة لا يرده إلا بها، أو بميسور من القول، أنا ألاحظ أخوان لا يوجد عندهم إمكان أن تساعده، المفروض أن تكون لطيفاً معه، بيّن اعتذارك الطبيعي، لا يوجد هذه لا تليق بمؤمن، هناك كلام قاس وكلام يجرح، الأولى إذا لم يكن عندك إمكان أن تنفذ له رغبته أن تقف موقفاً لطيفاً منه، وبيّن عذرك لأن هذا أيضاً جبر خاطر .
 قد وسع الناس بسطه وخلقه، إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، أي كل إنسان له طاقة معدودة، ولكن يسعهم بأخلاقه، الناس صار لهم أب، وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، يتعاطفون فيه، متواضعون، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، يؤثرون ذا الحاجة، الطفل الصغير يجب أن يكون في المسجد محترماً جداً، لأن هذا بيت الله، مرة تكلمت مع شخص بكلمة لفتت نظره قلت له: أنا يهمني ابنك أكثر منك، قال: ما السبب؟ قلت له: أنت مضمون أما ابنك فأمامه ألف منزلق، فإذا أكرمته في المسجد وضممته إلى المسجد وشعر أن له قيمة في المسجد أحبّ الدين، كان النبي الكريم مرة جالساً إلى جانبه غلام عن يمينه، والضيافة كما تعلمون تبدأ من على يمين رسول الله فقال له: يا غلام أتأذن لي أن أعطي الذي عن شمالي؟ قال له: لا والله لا آذن لك، طفل صغير تمسك في حقه أن يشرب بعد رسول الله والطفل كان محترماً جداً عند رسول الله، والطفل لا تراه صغيراً، هذا رجل المستقبل قد يكون أكبر داعية، قد يكون أكبر مصلح اجتماعي، وقد يكون علماً من أعلام الأمة، فإذا تلقى بصغره مودة واحتراماً والجامع محبب له معنى هذا أنك ضمنته، والآن أخطر من الكبار تعليم الصغار، لأن الصغار أمامهم خيارات كثيرة جداً، وبصراحة أقول لكم: يمكن شمة من صديقه ينتهي، والآن يوجد مخدرات من أول شمة، ممكن فيلم واحد فيديو ينهيه، ممكن صاحب سوء يحطمه للنهاية، فأنت لك مصلحة أن يكون ابنك معك دائماً في مجالس العلم، ويجب أن يكون محترماً جداً، ومكرماً جداً، وهذا جزء من أعظم الأعمال الصالحة أن تكرموا الصغار، أنا من باب الدعابة بالعيد أخواننا نستقبلهم ولا زلنا نقدم للصغار قطعة حلوى وعيدية، هناك طفل صغير قال لأمه: هذا الشيخ أنا أحببته أريد أن أزوره دائماً، الطفل عبد الإحسان، وأنا أقصد هنا من هذا الكلام أطفالكم، فهم أهم منكم، أحضروهم معكم إلى المسجد، وهم عندنا أغلى منكم، والسبب أنكم أنتم مضمونون وهم مزالق كبيرة تنتظرهم .

صفات أخرى للنبي صلى الله عليه وسلم :

 كان عليه الصلاة والسلام دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخّاب ولا فحّاش، أحياناً الإنسان يغضب يصدر صوت منه فترتعب، لا صخّاب و لا فحّاش و لا عيّاب، ليس من المعقول أن يسب الإنسان سباباً فاحشاً، كثير من المسلمين كلامهم بذيء، كلام فاحش إذا غضب يخرج منه شيء كان، وشيء لم يكن، شيء يسمع، وشيء لا يسمع، والإنسان انضباطه عند الغضب، كل الناس جيدون بالهدوء، أما عند الغضب فماذا تفعل؟
 ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا مدّاح، يتغافل عما لا يشتهي، ترك نفسه من ثلاثة أشياء من الرياء، والإكثار ومما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث لا يذم أحداً، ولا يعيبه، ولا يطلب عورته .
 فلان طلق زوجته لماذا طلقها؟ ما دخلك أنت؟ لا يوجد نصيب، لا يوجد سبب، منها السبب؟ يريد أن يبحث عن الأسباب وينشرها، هذه الصفة بالإنسان ذميمة .

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ))

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 لا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه، أي كل علم لا يبنى عليه شيء لا قيمة له، أخ أحبّ أن يتقصى مرض رسول الله الذي توفي فيه، هل يا ترى مرض سحايا؟ بدأ يأخذ السخونة والصداع و الغيبوبة، أنا قلت له: هذا الموضوع لا فائدة منه إطلاقاً، لو حدثتنا عن توجيهاته الصحية أفضل بكثير لعلنا نستفيد منها، أما مرض وانتهى به إلى الموت فهذا المرض ليس له فائدة عندنا، أدى مهمته وأنهى حياة الإنسان، وفي مرض الموت هذا لا بد منه، وفي مرض غير مرض الموت يرجى منه الشفاء، مرض الموت لا رجاء منه لأنه ينتهي به الأجل، دخل النبي إلى المسجد رأى رجلاً وحوله أناس قال: من هذا؟ قالوا: نسابة، قال: وما نسابة؟ قالوا: يعرف أنساب العرب، قال: هذا علم لا ينفع من تعلمه، ولا يضر من جهل به .
 أي علمنا أن هناك علوماً لا فائدة منها، وقتك ثمين جداً، أمض هذا الوقت في علوم ذات جدوى .
 لا يذم أحداً، ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه، إذا تكلم أطرق جلسائه كأنما على رؤوسهم الطير، و إذا سكت تكلموا، أي ما كان ينفرد بالحديث صلى الله عليه وسلم، أصحابه يتكلمون ويسألونه ولكن بأدب وبنظام، إذا تكلم سكتوا، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، هذا من أدبهم العالي، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، يضحك مما يضحكون، أحياناً تنشأ طرفة في جلسة فيضحك الحاضرون، يأخذ شخص هيبة يبقى عابساً، هذا ليس كمالاً، إذا صارت قضية مضحكة ضحك مع البقية دليل تواضع، ودليل مشاركة .
 كان عليه الصلاة والسلام يضحك مما يضحكون، ويتعجب مما يتعجبون، يوجد شخص لا يهزه شيء، فإذا كان شيء يلفت النظر كان عليه الصلاة والسلام يتعجب معهم
 يصبر للغريب على جفوته في منطقه، قال: يا محمد اعدل؟ قال: ويحك من يعدل إن لم أعدل، قال له: أعطني من هذا المال فهو ليس مالك ولا مال أبيك؟ قال: صدق إنه مال الله، يوجد أشخاص عندهم قسوة وفظاظة غير محتملة، كان عليه الصلاة والسلام يحتمله.
 وكان عليه الصلاة والسلام يقول:" إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه "، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، وكان لا يقطع على أحد حديثه، حتى يجوز، يقطع حديثك خمس مرات ويقول: بلا مقطوع عن حديثك.
 من صفاته الكريمة ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحداً أكرم منه، هل تستطيع أن تفعلها؟ إذا حولك مئة شخص، خمسمئة، وكل واحد يظن نفسه أقرب الناس لك، وصديقك الأول، هذه تحتاج إلى كياسة، وإلى رحمة بالغة، من جالسه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم ينصرف إلا بها .
 كان إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، وكان أحد الصحابة يقول: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحداً أسرع من مشيه من رسول الله، كأن الأرض تطوى له، إن لنجهد أنفسنا وإنه غير مكترث من شدة عزيمته، أي جسمه كان بأعلى درجة من اللياقة، عندما ركب الناقة وجاء دوره في المشي، وهو يعتبر نفسه جندياً من الجنود، قال: كل ثلاث على راحلة وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، فركب هو وجاء دوره في المسير، توسل صاحباه أن يبقى راكباً قال: لا، ما أنتما بأقوى مني على السير ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر .
 تقول السيدة عائشة: تسابقت أنا ورسول الله فسبقته فلما ركبني اللحم سبقني، أي هي سمنت وهو لم يسمن، حافظ على لياقة جسمه، طبعاً هو قدوة لنا .
 كان إذا مشى مشى مجتمعاً، ويعرف بأنه مشى، ليس عاجزاً ولا كسلان، يوجد شخص يجر رجله جراً، تراه متهالكاً عاجزاً، همته عالية والمؤمن لا يشيخ أبداً، دائماً شاب .

 

تحميل النص

إخفاء الصور