1998-01-15
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين..
الفرائض قطعية الدلالة لا تحتاج إلى اختلاف أو اجتهاد :
عن أبي ثعلبة الخُشَمي جرثومٍ بن ناشر، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى عليه وسلم قال:
((إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم، غير نسيانٍ، فلا تبحثوا عنها ))
أولاً: من خلال هذا الحديث، يتضح أن هناك فرائض، وأن هناك محرمات، وأن هناك مباحات، وأن هناك أشياء سكت الشرع عنها، كل شيءٍ له موقف، معنى فريضة، أي أن سلامة الإنسان، وسعادته، تتوقف عليها، إذاً..هي فرض، ومن تركها فقد هلك، فالصلاة فرض، والصيام فرض، والعبادة التعاملية فروض، الصدق، والأمانة، والإخلاص، وكل شيء تتوقف سلامتك عليه، هو فرض.﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾
الآيات المتعلقة بالفرائض قطعية الدلالة، ما معنى قطعية الدلالة وظنية الدلالة؟ قطعية الدلالة أي معناها ظاهرٌ، واضحٌ، جلية لا يحتاج إلى درس، ولا إلى بحث، ولا إلى اجتهاد، وليس حوله خلاف، ولا أخذ، ولا رد، أعطى فلاناً ألف ليرة، أعطى فلاناً بن فلان ألف ليرة سورية، كلام واضح، لا يحتاج إلى تفسير أبداً، ولا إلى تعليق، ولا إلى مداخلة، ولا إلى استفهام، ولا إلى اجتهاد، ولا إلى أخذ، ولا إلى رد، هذا النص قطعيُّ الدلالة.﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ﴾
واضحة..﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاة َ﴾
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
فالذين يدَّعون أن في الدين خلافات، هذه الخلافات كلها في حيزٍ ضيق، هي النصوص ظنية الدلالة، التي تحتمل الاجتهاد، أما النصوص قطعية الدلالة فلا تحتمل اجتهاداً إطلاقاً، لذلك لا عذر للإنسان في عدم الأخذ بها، لأنها واضحة، معظم آيات كتاب الله لا تحتاج لا إلى زمخشري، ولا إلى طبري، ولا إلى جلالين، ولا إلى أحد، تقرأ الآية فتفهمها:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾
فكلُّ شيءٍ متعلِّقٍ بالفرائض، والفرائض تتوقف عليها سعادتك، وسلامتك، فجاءت بنصوص قطعية الدلالة، فالله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها.وجوب أن يكون هامش أمان بين الإنسان و المحرمات :
الآن..وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، هناك أشياء احتمالية، فيها حد ما قبله مباح، ما بعده محرَّم؛ أن تشتري سلعةً بثمن، وأن تبيعها بثمن أعلى، هذا مباح، لكن حينما تبيعها بثمنٍ فاحشٍ، فيه غبنٌ للشاري، أصل الربح صحيح، لكنَّك تجاوزت الحد المعقول، ببيع السلم صحيح، إنسان راع، صاحب قطيع من الغنم، هذا القطيع على وشك أن يموت جوعاً، فذهب صاحبه إلى بلدة، وباع صوفه بعد ستة أشهر بمبلغ من المال، وأخذ الثمن مقدماً، هذا اسمه بيع السلم، مباحٌ في أصل الدين، لكن هذا الذي اشترى صوف هذا الغنم، لا ينبغي أن يشتريه بثمنٍ بخس، لأن صاحب الغنم مضطر، فاشترى مثلاً الرطل بعشر ليرات، في الموسم يساوي الرطل مئة ليرة مثلاً، هو أصل السلم مباح، أما تجاوز الحد المعقول فغير مباح، إذاً هناك أشياء في أصلها مباحة، محللة، و لكن بها تجاوزات، الطبيب سُمِحَ له أن يرى المرأة، لكن ما سمح له أن ينظر إلى مكان لا يحل له، أو ليست بحاجة إليه، فهناك أشياء فريضة، وأشياء أصلها محرَّم، الخنزير محرم، الخمر محرمة، هذه لا تحتمل تفصيلات، فإن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وهناك آية تقول:﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهاَ﴾
هذه المحرمات، أي ينبغي أن تدع بينك وبين المحرَّم هامش أمان، ولاسيما الزنا، هامش الأمان أن تغضَّ بصرك، هامش الأمان ألا تخلو بامرأةٍ أجنبية، هامش الأمان ألا تصحب الأراذل، هامش الأمان ما حرُم فعله، وحرم النظر إليه، وحرم استماعه، فهذه الهوامش تقيك الوقوع في المحرمات، و تلك حدود الله فلا تقربوها، أما الأشياء المباحة إلى حدٍ ما فقد قال:﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهاَ﴾
هناك حدّ ينبغي ألا تقربه، ينبغي أن تدع بينك وبينه هامش أمان، وحدّ ينبغي ألا تتعداه، في شؤون البيع والشراء أحياناً.﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾
من حقك..أما إذا كلت له الصاع عشرة أصواع فقد تجاوزت الحد، فمحرمٌ لذاته، وفريضة، هذه مغطَّاة بنصوص قطعية الدلالة رحمة بنا، قال الله تعالى:﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
الخمر محرَّمة.﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾
الأصل في الأشياء الإباحة والأصل في العبادات الحظر :
أيها الأخوة...العلماء يقولون: من أدَّى الفرائض، واجتنب المحارم، ووقف عند الحدود، الرابعة: وترك البحث عما غاب عنه.﴿ وَآَتُوا الزَّكَاةَ﴾
لم يفصّل، هذا نص عام، يا ترى نؤتي الزكاة نقداً أم نؤتها عيناً؟ القضية قضية متعلقة بالبلد، متعلقة بالظروف، بالبيئات، الآن يوجد أزمة نقد، فصاحب المحل التجاري لا يملك سيولةً لدفع الزكاة، بضاعته أساسية في حياة الناس، أساسية، مهمة جداً، يؤدي زكاة ماله بضاعةً.الأشياء أربعة؛ فرائض ومحرمات ومباحات ومسكوت عنه :
أعيد الحديث على أسماعكم: عن أبي ثعلبة الخشمي جرثوم بن ناشر، كلمة جرثوم في حينه تعني أصل الشيء، لذلك علماء اللغة لهم رأي لطيف، هو أن الكلمة كالكائن الحي، تولد، وتنمو، وتنمو، وتكبر، ثم تموت، فكل كلمة لها معنى بحسب العصر، فكلمة عصابة مثلاً في عهد رسول الله لا تعني شيئاً مزعجاً، تعني جماعة، لذلك خاطب الله عز وجل في بدر، قال: يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم. يقصد بالعصابة المؤمنين، الآن قل للناس: أنتم عصابة، اختلف الوضع، معنى عصابة اليوم لا تعني أنها جماعة، تعني أنها جماعة مجرمة، قطَّاع طرق، سارقون.
كلمة جرثوم، تعني أفضل شيء، لذلك هناك خليفة مدح، فقيل له: أنت جرثومة الدين، والإسلام، والحسب، المعتصم مدحه أبو تمام قال له: أنت جرثومة الدين، والإسلام، والحسب.الآن قل لطالب: أنت جرثومة الصف، تكون بهذا قد حطمته، أنت جرثومة الصف، اختلفت كلمة جرثومة، أقرب شيء الاستعمار، الله قال:
﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾
الاستعمار، أي إعمار الأرض، إنشاء الطرق، إنشاء الجسور، إنشاء المستشفيات، إنشاء الجامعات، تحسين مدينة، إلى آخره، هذا استعمار، أما عندما تأتي دولة أجنبية تحتل دولة، بالعالم الثالث، وتنهب خيراتها، هذا اسمه استعمار بالمعنى الحديث، فالكلمة كائن حي، لذلك كلمة جرثوم، تعني أصل الشيء.﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾
أوضح مثل:﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾
أن ترد على الإساءة بإساءة مباح لك، لك إساءة واحدة، أما إذا زدت فقد تجاوزت حدّ الله عز وجل، في العقوبات أشياء كثيرة، في بيع السلم، في البيع والشراء، قال: " وحرم أشياء فلا تنتهكوها- المحرمات، الخمر، الخنزير، فلا تنتكهوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم- الأصل الأباحة-"من ضيّق الدائرة على نفسه هلك و أهلك غيره :
أيها الأخوة؛ إذا اتضحت في أذهاننا، هذه الأصناف الأربعة نعيش في سلامٍ مع الله عز وجل، أما إذا الإنسان ترك الفريضة هلك، اقترف المحرم هلك، تجاوز الحد- الشيء المباح له حدّ- هلك، سأل عن شيء مسكوت عنه، هناك حكمة بالغة من المسكوت عنه لا تقلُّ عن ذكره، الله عز وجل لا ينسى.
قال لي أحدهم: هل يجوز أن ألبس كنزة من صنع الأجانب؟ قلت له: لا يوجد شيء يحظِّر ذلك، قال لي: أليسوا كفاراً؟ قلت له: بلى صحيح، قال لي: ألسنا بذلك ندعمهم؟ قلت له: إذاً محرمة لا تشترها، قال لي: جاءتني هدية، قلت له: لا تلبسها. كنزة صوف لا يوجد مشكلة إطلاقاً، دقق هل يجوز أن ألبسها؟ صنع كفار، فعلاً كفار، ندعمهم؟ تدعمهم، قلت له: لا تلبسها، فكلما ضيقت تضيق عليك الدائرة، الذي حرمه الله حرمه، أباحه أباحه، سكت عنه فاسكت عنه، لا تسأل، كلما ضيقت الدائرة، يهلك الناس.