- أحاديث رمضان
- /
- ٠02رمضان 1416 هـ - نظرات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الحكمة من المصائب :
أيها الأخوة الكرام؛ من الثابت في القرآن الكريم، وفي السنة المطهرة، أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليسعده.
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
فالأصل في خلق الإنسان أن يسعده سعادةً أبدية، ولكننا نرى المصائب وما أكثرها، وما أشدها، والمصائب تتناقض مع سعادة الإنسان، إن مثلها كمثل المكبح في السيارة، المكبح يتناقض مع سبب صنع السيارة، صنعت لتسير، لكن المكبح يوقفها في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب، ضماناً لسلامة صاحبها، وكذلك المصائب لها في الإسلام فلسفة، المصائب واقعة، هناك أمراض، هناك فقر، هناك هموم، هناك أحزان، لا تنكر، ولكن يساء تفسيرها، بين المؤمن وغير المؤمن صحة التفسير وسوء الفهم، لذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
طبعاً اللام لام التوكيد، و:
﴿ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
من الأمور الشديدة، أي من البطولة أن تصبر، وأن تغفر، إلا أنه في سورة لقمان يقول الله عز وجل على لسان سيدنا لقمان يا بني:
﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
والزيادة في المبنى دليل الزيادة في المعنى، فما الفرق بين الآيتين؟ قد تأتي مصيبةٌ من الله مباشرةً، ينبغي أن تصبر، وإن صبرت فصبرك
﴿ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
.
لكنه أحياناً تأتي مصيبةٌ على يد إنسان، فإذا نسيت الله، واتجهت إلى الإنسان هذا ضعفٌ في توحيدك، مثلاً قد يقع طفلٌ من شرفةٍ، فيسقط ميتاً، والده يحقد على من؟ لا يحقد على أحد، يقول لك: قضاء وقدر، هكذا مشيئة الله، أحياناً سائق قد يصيب ابناً بحادث فالأب طبعاً هناك إجراءات لابد من أن تأخذ مجراها، ولكن لا ينبغي أن تحقد، ينبغي أن تعلم أن هذه المصيبة لابد واقعة.
لذلك إذا جاءت المصيبة على يد إنسان ينبغي ألا تحقد، وأن ترى يد الله تعمل في الخفاء، وأن الله شاء ذلك، لكن إذا كان من المناسب أن تضرب على يده ردعاً له، بحسب الحكمة، أما حقد فلا يوجد:
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ ﴾
على مصيبةً نزلت به:
﴿ وَغَفَرَ ﴾
لمن كانت هذه المصيبة على يده، قال:
﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾
لا كما قال في آيةٍ أخرى:
﴿ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
أي توحيدٌ بمستوى رفيع، ومعرفةٌ بالله عميقة جداً، أن تأتي مصيبةٌ على يد إنسان، وأن تراها من الله، وأن تراجع نفسك، أو أن ترى فيها حكمةً أرادها الله عز وجل، أنت مستسلم، لذلك الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
التوحيد يملأ النفس سعادة و استقراراً :
لكن هناك نقطة متعلقة بالمصيبة، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
أي من شأن المؤمن أنه عزيز، وأنه لا يرضى الذل، ولا يخنع، ولا يخضع، ولا يخاف في الله أحداً، إلا أنه إذا غلب على ظنه أن عفوه عمن أساء إليه يقربه إلى الله ينبغي أن يعفو عنه، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
أما إذا انتصروا:
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾
دون زيادة:
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾
﴿ فَمَنْ عَفَا ﴾
وقد غلب على ظنه أن هذا العفو يصلح المسيء ينبغي أن يعفو وعندئذٍ:
﴿ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
وإذا أحيل الأجر إلى الله عز وجل فهو كبير، أي إذا ملك وعد بهدية، أقل هدية سيارة، أما إذا وعدك إنسان فقير بهدية، فقد يكون باقة ورد، وقد يكون قلم، أما ملك يعد فهذا شيء كبير، قال:
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
إذاً البطولة إذا جاءت مصيبةٌ على يد إنسان ألا تحقد، أن ترى أن الله سمح بها ولحكمةٍ بالغةٍ بالغة أنفذها، وأن خطة الله عز وجل تستوعب خطة الإنسان الكافر، تستوعبها وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن لله ما أعطى، وله ما أخذ، وأن:
﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾
وأن الله سبحانه وتعالى بيده:
﴿ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
و:
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾
التوحيد مريح، التوحيد يملأ النفس رضاً، التوحيد يملأ النفس سعادةً، يملؤها استقراراً، يملؤها طمأنينةً.
التقنين وقائي و تأديبي :
شيء ثان: يوجد آيات تعطي تفسيرات رائعة، ولكن قد لا ننتبه إليها، من هذه الآيات مثلاً:
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ﴾
معنى هذا أحياناً التقنين تقنين وقائي، وأحياناً تأديبي، قد يحرم الرجل بعض الرزق بالمعصية، أحياناً يوجد في تقنين تأديبي، عقاب، وأحياناً الإنسان مستقيم، عندنا تقنين وقائي، حينما قال الله عز وجل:
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ﴾
هذا تقنين وقائي، فالإنسان عليه أن يرضى، لأنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً، سيدنا علي يقول، وله كلامٌ آخر: والله لو كشف الغطاء و علمت أن غداً أجلي ما قدرت أن أزيد في عملي.
الهداية القسرية لا تسعد الإنسان :
شيء آخر: ربنا لو أراد لهدى الناس جميعاً، لماذا لم يرد؟ هو لا يريدك إلا أن تأتيه طائعاً، أن تأتيه مبادرةً، أن تأتيه اختياراً، أن تأتيه محبةً، هذا الذي يسعدك، هذا الذي يرقى بك، هذا الذي يسمو بك، هذا الذي يجعلك في أعلى عليين، أما الله عز وجل فقادر، لو جعل الأنبياء ملوكاً انتهت العملية، لو جعل أنبياءه ملوكاً، فأعطوا أمراً نفذه الجميع وإلا فالقتل ينتظرهم، بهذه الطريقة يهتدي جميع الناس قسراً، وكرهاً، هذه الهداية لا تسعدهم، لكن شاءت حكمة الله أن يكون النبي ضعيفاً في البداية، لك أن تقول عنه: مجنون، ساحر، كاهن، شاعر، وأن تنام في بيتك مطمئناً، ولا شيء عليك، معنى ذلك أن الذي آمن به، آمن به عن قناعةٍ تامة، والذي أحبه أحبه حباً موضوعياً، لا لعطاءٍ، ولا لخوفٍ.
ردّ كل أمر إلى كتاب الله و سنة رسوله :
شيء آخر:
﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾
معنى:
﴿ إِلَى اللَّهِ ﴾
إلى كتابه، معنى إلى رسول الله: إلى سنته، معنى لأولي الأمر منكم: للعلماء، الذين يعلمون الأمر، أحياناً يوجد آية واضحة، قطعية الدلالة، هذا حكم الله في هذا الموضوع، إن اختلفتم:
﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ ﴾
وأحياناً يوجد أحاديث صحيحة هي فيصل في موضوعٍ ما، إن اختلفتم في هذا الموضوع، ردوا هذا الأمر إلى حديث رسول الله، إن لم تجد في كتاب الله، ولا في سنته، إلى:
﴿ وإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ﴾
إلى العلماء الذين يستنبطون الأحكام الفرعية من الأحكام الكلية. الآية:
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
ليراجع الإنسان نفسه كثيراً، أحياناً لا يكون هناك معصية ظاهرة، لكن يوجد تقصير في السير إلى الله، فالمصائب مصائب قصمٍ، أو ردعٍ، مصائب دفعٍ، أو رفعٍ، مصائب كشفٍ، الأنبياء كشف، المؤمنون دفع أو رفع، للعصاة والمذنبين والكفار قصم، أو ردع، فإذا كنت مؤمناً، قال تعالى الآية الكريمة:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
فإذا كان الإنسان من أهل المعصية والفجور المصائب تأتي عقاباً وردعاً وقصماً لصاحبها، أما إذا كان من أصحاب الدرجات العليا فالمصيبة تكشف حقيقته.
مبادرة المؤمن إلى طاعة الله عز وجل :
أيها الأخوة؛ كتاب الله مائدته، فإذا أردت أن تناجي الله فادعه، أما إذا أردت أن يناجيك الله فاقرأ كتابه، إنك تستمع إلى خطابه لك، والله سبحانه وتعالى كرم الإنسان حينما خاطبه، أي إذا الله عز وجل قال:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ ﴾
﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
هذا خطاب تشريف وتكريم، فالمؤمن يبادر إلى طاعة الله تنفيذاً لهذا الخطاب السامي.