وضع داكن
19-04-2024
Logo
نظرات في آيات الله - الدرس : 16 - من سورة ابراهيم - لغة الأنبياء؛ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ..
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الدعوة إلى الله بالدليل و التعليل و المنطق :

 أيها الأخوة الكرام؛ الآية التي في سورة إبراهيم:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾

[سورة إبراهيم : 4]

 هذه الآية لها معنى ضيق، ولها معنى واسع، المعنى الضيق أن لغة النبي عليه الصلاة والسلام الذي أرسل إلى هؤلاء من لغة هؤلاء، المعنى الواسع أن الرسول الذي جاء من عند الله يخاطب القوم بما برعوا فيه، فحينما تفوق قوم موسى بالسحر، جاءهم بشيء يفوق السحر:

﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 107-108 ]

 لما تفوق القوم في عهد سيدنا عيسى بالطب كان يحيي الموتى بإذن الله، لما تفوق العرب في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بالبلاغة والشعر، كان إعجاز القرآن بيانياً، لذلك يجب أن يتعلم الدعاة من هذا الدرس أنه ما لم تستوعب ثقافة العصر، وما لم تخاطب الناس بروح العصر، وما لم تطرح الطرح العلمي، إن طرحت طرحاً خرافياً، أو طرح كرامات، أو طرح خرق العادات، ولكن لسنا مكلفين أن نصدق أية كرامة، لا تصدق إلا كرامة واحدة جاء بها نص قطعي الثبوت والدلالة، من أنكر أن أهل الكهف لم يبقوا بكهفهم ثلاثمئة عام فقد كفر، لأن فيها آية، من أنكر أن السيد المسيح أنجبته أمه مريم العذراء من دون زوج فقد كفر، خرق النواميس والقوانين على يد الأنبياء معجزات، وعلى يد الأولياء كرامات، ولسنا مكلفين أن نصدق أي كرامة ورد فيها نص قطعي الثبوت والدلالة، أما إن قلت: فلان الفلاني والولي الفلاني وبنيت الدرس على الكرامات فهذا غير مقبول، لم تدع الناس بلسان العصر، الذي يستوعب ثقافة العصر وحقائق الدين ينجح في طرح الدين طرحاً مقبولاً، أما إذا ابتعدت عن روح العصر:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾

[سورة إبراهيم : 4]

 إما باللغة التي يفهمونها، وإما بالطريقة التي يفهمونها، وإما بالروح التي يفهمونها، بل إن الأنبياء العظام ما تحدوا أقوامهم إلا بما تفوقوا فيه، وهذا العصر يغلب عليه الطابع العلمي، لا تحاول أن تدعو إلى الله من دون دليل، ولا من دون تعليل، ولا من دون منطق، يجب أن تعقلن الدين، وأن تطبقه، وأن تيسره، إن عقلنته أصبح مقبولاً، وإن طبقته أصبحت أنت قدوة، وإن يسرته جعلته دين كل الناس لا ديناً خاصاً، هذه ضرورة من ضرورات الدعوة إلى الله عز وجل، أن يتوافق مع العقل، لأن العقل ميزان أودعه الله فينا، والنقل كلام الله، وهل يتناقض كلام الله مع ميزان أودعه فينا؟ إذاً هذه نقطة يجب أن يقف عندها كل الدعاة إلى الله عز وجل، وكل من تصدوا لنشر الحق، غير مقبول أن تجعل محور الدرس خرق للعادات، لأن هذا ليس له دليل، لو أن الإنسان رأى النبي عليه الصلاة والسلام في الرؤيا، وأمره بما يخالف القرآن الكريم قال العلماء: ترد الرؤيا ويثبت الشرع، ديننا أساسه حقائق، مناهج، مبادئ، هذه فوق المكان والزمان وفوق الأشخاص.

 

العقل لا قيمة له من دون هدى من الله عز وجل :

 النقطة الثانية كيف أن العين التي في رؤوسنا قد تكون من أعلى مستوى، اثنا عشر على عشرة من دون ضوء لا قيمة لها، والعقل كذلك لا قيمة له من دون هدى من الله عز وجل، لذلك قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾

[ سورة إبراهيم: 5 ]

 إذا الإنسان اتبع الوحي، واتبع الهدى الإلهي، كان في ظلمة فصار في نور، لو تمتعت بأعلى درجات الرؤية بعينيك، ولم يكن هناك شمس في النهار، أو مصباح في الليل، لا قيمة لهذه العين، والمبصر والأعمى سواء، ولو تمتعت بعقل راجح، ولم تهتد بهدى الله عز وجل، لأن العقل محدود الوظيفة، الذي عجز العقل عن إدراكه أخبرنا الله به، بالعقل تصل إلى الله وبالنقل تعبده، بالعقل تصل إلى معرفة الله وبالعقل يخبرك الله عما عجز العقل عن إدراكه.

 

أيام الله :

 لذلك:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾

[ سورة إبراهيم: 5 ]

 لا يوجد شخص وأنا لا أبالغ من الأخوة الحاضرين إذا كان مؤمناً صادقاً إلا وله مع الله يوم، يوم خاف فأمنه، يوم افتقر فأغناه، يوم ضعف فشفاه، له يوم، يوم دعوته مخلصاً فأجابك، يوم استعذت به فأعاذك، يوم التجأت إليه فقبلك، فلذلك هذا اليوم ينبغي أن تذكره لا ينبغي أن تنساه، دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة فاتحاً مطأطئ الرأس، كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل، هذا الإنسان كان ضالاً فهداه الله، كان مشرداً فآواه الله، كان ضائعاً فوجده الله، كان متفلتاً فانضبط بالشرع، كان جاهلاً فعلمه الله، كان فقيراً فأغناه الله، كان أعزباً فزوجه الله، كان بلا حرفة فاحترف حرفة وتفوق بها، هذه أيام الله.
 يقول النبي عليه الصلاة والسلام: " أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه" جاءني مرة سؤال على الهاتف كان الإنسان مصاباً بمرض خبيث في القولون فاستأصل، يوجد فتحة جانبية والكيس ثمنه ثلاثمئة ليرة، أحياناً يمتلئ غازات، إن ثقبناه يملأ البيت رائحة لا توصف، وإن بدلناه ثلاثمئة ليرة، الإنسان له قولون، له معى غليظ لا يحتاج إلى كيس، وهو يجلس مع الناس يخرج الغائط منه من دون أن يشعر، بلا كيس، إذا الإنسان فكر بنعم الله عز وجل، وأحب أن يقيس نفسه كل عضو ماذا يكلف لو زرع، أعتقد الإنسان يغلب ثمنه ملايين الملايين.
 الصحة نعمة ، الهدى نعمة، الإنسان منضبط بالشرع، يعرف الحلال والحرام، والخير والشر، والحق والباطل، له هدف يسعى إليه، له منهج يسير عليه، له قيم تنظم حياته، له مبادئ يعتمد عليها:

﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾

[ سورة إبراهيم: 5 ]

الاستقامة عين الكرامة :

 أيها الأخوة الكرام؛ أحياناً أحدكم لا يصدق أن كلمة واحدة ألقيتها بإخلاص، وألقيتها بعد أن طبقتها تفعل في الناس فعل السحر، لا تضن على أخيك بكلمة طيبة، الله عز وجل شجعنا، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ*تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾

[ سورة إبراهيم: 24-25 ]

 أحياناً موقف أخلاقي، أحياناً صدق في البيع والشراء يلفت النظر، أنا أذكر قصة نموذجية؛ كنا في الحج قبل سنوات عدة، رأينا رجلاً تبدو عليه ملامح الشعوب الأوربية، سألنا عنه قال: هذا ألماني، سبب إسلامه طالب سوري، سكن عنده في البيت، في البيت فتاة جميلة، الأب لا يوجد عنده مانع أن تقوم علاقة بينهما، بدأ يتقصى أحوال هذا الشاب، ما عثر يوماً عليه ينظر إلى فتاته إطلاقاً، يوم يومان ثلاثة ، غض البصر وحده دعاه إلى أن يناقشه فقنع بالإسلام وأسلم وذهب إلى الحج، هل تصدق غض بصر سبب إسلام إنسان.
 قرأت في الجريدة أن امرأة عندها بيت في أوربا، طلب أن يسكن في هذا البيت طالب، قالت: لا أسكن طلاباً إطلاقاً، توقعت أن يأتي بالفتيات، ويشرب الخمر ويعربد، قال لها: يا فلانة أنا طالب علم، وأنا مسلم لا أشرب، ولا أبحث عن المعصية، صدقته وأسكنته أربع سنوات، فلما انتهت دراسته قالت له: ابحث لي عن شاب مثلك، بحث لها عن شاب مثله، بعد عشر سنوات توفيت أوصت بكل ما تملك لهذين الشابين، جالس في الشام يأتي كتاب من السفارة: لك ميراث تعال وخذه، قال لها: أنا مسلم لا أشرب الخمر، لا آتي بالفتيات، لا أعربد، رأته كما قال، أوصت بكل ما تملك لهذين الشابين، السفارة طلبت منه أن يتملك البيت والمزرعة، الاستقامة عين الكرامة:

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ابن ماجه وأحمد والدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

الكلمة الطيبة متوافقة مع العقل و النقل و الفطرة :

 الكلمة الطيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت، متوافقة مع العقل، متوافقة مع النقل، متوافقة مع الفطرة، مطبقة بإخلاص، العقل يقبلها، والواقع يؤكدها، والنقل يدعمها، والفطرة ترتاح لها، وصاحبها مطبق لها، يطبقها بإخلاص، هذه الكلمة الطيبة تنتشر في الآفاق:

﴿ أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ*تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾

[ سورة إبراهيم: 24-25 ]

 الكلمة الطيبة تنتهي بك إلى الله وفرعها في السماء، معنى آخر: الله وحده يثيبك عليها، كل البشر لا يستطيعون أن يثيبوا إنساناً تكلم كلمة طيبة إلا الله، تؤتي أكلها كل حين.
 حدثنا أحد خطباء دمشق توفي - رحمه الله - جاءه طالب، هذا الشيخ فرز له مجموعة أساتذة من معهده ليدرسوه، هذا الطالب أتقن الدراسة، وسافر إلى بلده، بعد عشر سنوات يطرق باب هذا العالم، فإذا بباصين كبار - بولمان - فيهما مئة راكب، وعلى رأسهم هذا الطالب، أصبح مفتياً في بلده، وأسس معهداً شرعياً، وجاء معه مئة طالب إلى الحج، فمروا على شيخه، أنت علمت طالباً، اعتنيت به، هذا صار مفتياً، أسس معهداً شرعياً، علم الناس كلهم في صحيفتك، الحقيقة عطاء الله شيء كبير، التجارة رابحة مع الله عز وجل، شخص قال لي كلمة يريد أن يقدم عملاً علمياً من دون مقابل، معنى ذلك أنه ذكي وطماع، تاجر قح، أكبر ربح، مرة خطر في بالي مثل مضحك؛ لو ملك قال لمعلم: علم لي ابني- كان ينوي أن يعطيه عن كل درس مليون- فهذا علم ابنه ثم قال للابن: أعطني أجرة، فأعطاه عن كل درس مئة ليرة، الملك مليون من الابن مئة ليرة، فالإنسان عندما يعمل عملاً خيرياً ويتلقى أجراً عليه ليس تاجراً أبداً.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾

[سورة الصف: 10-11]

الله عز وجل دقيق و حسابه عسير :

 الآن سؤال:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 42]

 الله عز وجل ينهانا عن أن نظن أن الله غافل، حقيقة الشيء الواقعي تجد شخصاً منحرفاً، عقيدته فاسدة، يشرب الخمر، يزني، وهو قوي، طبعاً يعمل تحاليل كلها جيدة ويزداد قوة، الله عز وجل قال:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 42]

 هو يبدو غافلاً ولكن هو متغافل، الله يرخي الحبل، لو فرضنا صاحب محل تجاري فتح المحل بيده، وجلس خلف الصندوق، والصندوق معه، والمفتاح معه، فإذا عنده صانع سألناه: هل هو أمين أم خائن؟ إذا أحب أن يمتحنه وخرج صاحب المحل إلى مكان آخر وعينه على المحل، الآن صاحب المحل متغافل وليس غافلاً، امتحن أمانة الموظف، فلذلك الله عز وجل يمتحن، يبدو لك أنه غافل، يبدو لك أن الله لا يحاسب، الله عز وجل دقيق، حسابه عسير:

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

[سورة البروج:12]

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ ﴾

 هناك نهي، معنى ذلك أن أناساً، يظنون أن الله غافل لا تظن:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 42]

 والله أيها الأخوة، يأتي على العاصي ساعة ينسى فيها طعم حليب أمه، البطولة أن تعد لهذه الساعة، البطولة أن تأخذ الاحتياط، أن تستعد للقاء الله عز وجل، يقول الله عز وجل- انظر وعود الله للمؤمنين، الله وعد المؤمنين بالنصر- :

﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾

[ سورة محمد: 7 ]

 وعد المؤمنين بالتمكين، والتطمين، والحفظ، والاستخلاف، وعد أنه يدافع عنهم، الآن يقول لك: اجمع وعود الله في القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾

[سورة إبراهيم: 47]

 زوال الكون أهون عند الله من أن يخلف وعده مع مؤمن، وعدك بالحفظ يحفظك، وعدك بالنصر ينصرك، وعدك بالتأييد يؤيدك، وعدك بالتوفيق يوفقك، حينما تصطلح مع الله إن لم تجد أن هناك معاملة جديدة كلياً ففي توبتك شك، وفي صلحك معه شك، أما إذا اصطلحت معه تماماً، أخلصت له، وعوده كلها محققة.

 

الحالات الاستثنائية لها هدف تربوي كبير :

 الإنسان إذا أراد أن يدعو الله لا ينبغي أن يكون دعاؤه مخالفاً لما قال الله عز وجل، هناك أدعية يارب لا تسألنا عن شيء:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 92-93]

 أنت استعد للإجابة بدل أن تقول: لا تسألني، هناك امتحان لا بد منه، ألغ لنا الامتحان، ادرس أفضل، الامتحان لا يلغى، ربنا عندما سخر هذه الحيوانات، سخر البقر، الجمل، لماذا الأفعى غير مسخرة؟ الإنسان يرى عقرباً يخرج من جلده، أما الجمل فوزنه ثمانية أطنان، لو أحب أن يضع على الإنسان خفه لمعسه، البقر، الغنم، الجمل مذلل، هناك وحوش مخيفة جداً، دائماً أنا أقول: الاستثناء له هدف تربوي كبير، القاعدة: البقرة مذللة، أربعون كيلو حليب في اليوم، مذللة، طفل يحلبها، لكن هناك حالات استثنائية أن البقر تصاب بمرض التوحش فتقتل، أول واحد قتلته، الثاني، الثالث، اضطر صاحبها أن يقتلها، ومع قتلها خسر سبعين ألف ليرة، لماذا سمح الله لهذا المرض؟ لكي نعرف أن تذليل البقر ليس عشوائياً، الإله ذللها، الحصان مذلل، هناك أشياء غير مذللة، الضبع السبع غير مذلل، الأفعى، حيوان صغير تخاف منه، وكبير لا تخاف منه، هذه نعمة الله عز وجل، الاستثناء مهمته ترسيخ القاعدة، أحياناً الإنسان يغفل عن نعم الله.
 مرة كنت في احتفال شخص مجنون شوش على الحاضرين بحركات غير منضبطة، وصياح، وتعدّ على الحاضرين، كلما أمسكوه يرفع صوته، أنا قلت: يا رب ما الحكمة من وجود مجانين؟ حتى تعرف نعمة العقل، إنسان عقله في رأسه، كلامه منضبط، حركاته منضبطة، هذا العقل نعمة كبيرة، لولا أن الله عز وجل أراك إنساناً بلا عقل ما عرفت نعمة العقل، الاستثناء مهم جداً.
 الله فتح بين الأذينين ثقباً، كشفه عالم فرنسي اسمه بوتال، هذا الثقب يلغي الدورة الدموية الصغرى، لأن في البطن لا يوجد هواء، ولا تنفس، يوجد رئتان لكنها معطلتان، عند الولادة تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب، يد من؟ مئة ألف ليرة يكلف فتح القلب، عملية معقدة جداً شق الصدر، وفتح الأضلاع، وربط الأوعية والشرايين بقلب صناعي، وإغلاق هذا الثقب عملية تكلف مئة وخمسين ألفاً، ثقب بوتال، لماذا الله عز وجل بكل مئة ألف حالة سليمة يأتي طفل معه ثقب مفتوح؟ هذا الاستثناء من أجل أن تعرف القاعدة، هناك هدف تربوي كبير، لذلك كل إنسان تزوج وزوجته حامل دعاؤه: يا رب أن يأتي الطفل سليماً، أي عاهة بالطفل تبيع بيتك ولا تكفي النقود للطفل، إن كان توحش البقرة، وإن كان ثقب بوتال، إنسان مجنون، فلذلك أن تعرف النعم بوفرتها لا بالحرمان منها، النبي عليه الصلاة والسلام كلما قضى حاجته يقول:

(( الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه ))

[الجامع الصغير عن ابن عمر]

 هناك إنسان لا يستطيع أن يأكل، تأكل أكلاً منوعاً طيباً، معه مقبلات، هذا الطعام أذاقك الله ونفعك بما فيه من مواد دسمة، مواد بروتينة، وأما الفضلات فأخرجها منك.
 أيها الأخوة الكرام:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[سورة إبراهيم: 34 ]

 معرفة نعم الله شرط أساسي للمؤمن.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور