- أحاديث رمضان
- /
- ٠02رمضان 1416 هـ - نظرات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
آيات الله الدالة على عظمته :
في سورة النحل قوله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ﴾
كل الحقائق العلمية تؤكد هذه الآية، الطفل حينما يولد لا يعلم شيئاً، لا قدرات، ولا مهارات، ولا محاكمات، ولا أي شيء من هذا القبيل، إلا أن هذا الطفل الذي يولد لتوه زوده الله بآلية معقدة جداً اسمعها: منعكس المص، لمجرد أن يولد يضع المولود فمه على حلمة ثدي أمه ويحكم الإغلاق و يسحب الهواء، لولا هذا المنعكس المعقد ما كان واحد منا على وجه الأرض، أي هذا الطفل الصغير من علمه هذا؟ لا يوجد طريقة ليكتسب هذه المهارة، آلية تولد مع الطفل مباشرة، ما إن يضع فمه على ثدي أمه حتى يحكم الإغلاق، ويسحب الهواء ليصل إلى الحليب، بعد ساعة أو ساعتين يمتص حليب أمه بمهارة فائقة، مع أن أي شيء آخر لا يعلمه:
﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
هذه من آيات الله الدالة على عظمته.
العدل و الإحسان :
في سورة النحل أيضاً آية دقيقة، هذه الآية تحل مشكلات المسلمين، وهي قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾
فأنت أيها المؤمن كما أنك مأمور بالعدل مأمور بالإحسان، فأية قضية لم تتفق مع العدل تتفق مع الإحسان، إما أن تعطي العدل وإما أن تعطي الإحسان، الإنسان قد يتوهم أن العدل أن يفعل كذا، وأنت أيضاً أيها المؤمن مأمور من قِبل الله عز وجل أن تحسن، أن تكون عادلاً وأن تكون محسناً في الوقت نفسه، فإذا قضية لا يسعها العدل يسعها الإحسان، لذلك المؤمن من هذا القبيل سهل إذا باع، وإذا اشترى، وإذا قضى، وإذا اقتضى، إذا لم ينل حقه نال من الله الثواب، سبب سهولة المؤمن في تعاملاته أنه يؤمن أن ما فعله من باب الإحسان لا يضيع عند الله عز وجل.
أحياناً بالعلاقة بين الزوجين الزوجة قد لا تأخذ حقها ولكنها تصبر، الزوج قد لا يأخذ حقه ولكنه يصبر، بين الآباء والأولاد، بين الشركاء، بين الأخوة، إن لم تتوافق هذه القضية مع العدل وسعها الإحسان:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾
الضرورات تبيح المحظورات :
﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾
لأن بعض المسلمين يتوسعون بالقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، الحقيقة الضرورات التي تبيح المحظورات أن يخشى الإنسان على نفسه الهلاك النهائي، أن يهلك الإنسان هو وأهله جوعاً وعرياً وتشرداً، حينما يغلب على ظنك أنك هالك لا محالة عندئذ الضرورات تبيح المحظورات، لكن حينما يتوسع المسلمون بهذه القاعدة، من دون ضرورة مرجئة لدخول أنفسهم ببعض المحرمات على أنها من أجل أن يفعلوا الضرورات، لذلك الله عز وجل فمن اضطر، في حالة الاضطرار لدفع الجوع القاتل، أو العري القاتل، أو التشرد القاتل، يمكن أن تأخذ من المحظورات بالقدر الأدنى غير باغ ولا عاد فلا إثم عليك.
الحكمة مكافأة من الله لمن أخلص له وأقبل عليه :
من أواخر الآيات في النحل:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
الحكمة مطلوبة أن تقول الكلام المناسب في الوقت المناسب بالقدر المناسب مع الشخص المناسب:
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾
العلم مكتسب لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إنما العلم بالتعلم...))
لكن الحكمة مكافأة من الله لمن أخلص له، وأقبل عليه، قال تعالى:
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾
فالحكمة يؤتيها الله لمن يشاء مكافأة على إخلاصه، الإنسان الكافر مهما كان عاقلاً، مهما كان ذكياً:
﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾
ارتكبوا حماقات كبيرة ولو كانوا بأعلى درجات الذكاء، لأن الله تعالى إذا أحبّ إنفاذ أمر سلب من كل ذي لب لبه، هناك مشكلة أحياناً الإنسان يكون له مع الله ماض سيئ يتراجع، تضعف همته، ينكر قلبه، ماذا يفعل؟ الجواب بهذه الآية:
﴿ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ﴾
عد إلى ما كنت عليه تعود الأحوال لما كانت عليه، عد إلى الله عز وجل مخلصاً يأتيك النصر والسرور والسعادة التي كنت تعيشها:
﴿ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ﴾
كيفية تعامل الله مع عباده :
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ﴾
أي الله عز وجل إن رأى في المؤمن استسلاماً وتوكلاً، والمؤمن طلب شيئاً ليس في صالحه أن يتملكه ربنا يصرفه عنه، بالقدر الذي نشاء، وللشخص الذي نريد، إذا الله عز وجل صرف عنك شيئاً تريده بثقته بك فأنك راض عنه، لو أنك أصررت عليه لأعطاك إياه، هذه الآية تحل كثيراً من المشاكل، إنسان تمنى شيئاً ما أخذه بقي محروماً منه، كيف يتعامل مع الله مع هذا الحرمان؟ بهذه الآية:
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ﴾
بالقدر الذي نشاء وللشخص الذي نريد، إذا إنسان لا تناسبه الدنيا، لا يناسبه الغنى، ربنا يدخر له العطاء في الآخرة، الذي حرمت منه اصبر، واجعل من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام الجامع المانع شعاراً لك:
(( اللَّهمَّ ما رَزَقْتَني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ، وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ ))
على الحالتين أنت الرابح.
الكلمة السيئة تعطي الشيطان فرصة ذهبية ليوقع بين المؤمنين :
أنا لا أتصور آية قرآنية تفعل في قلب المؤمن السحر كهذه الآية:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي ﴾
أضيفت لهذه الكلمة ياء النسبة، أي أضيف العباد إلى الله إضافة تكريم وتشريف:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
أي قبل أن تنطق كلمة عد لعشرة أرقام، عد كثيراً لعل كلمة أجمل منها، أدق منها، أرحم منها:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾
الكلمة السيئة تعطي الشيطان فرصة ذهبية، قد يوقع بين المؤمنين، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ))
كيف يستطيع الشيطان أن يحرش بين المؤمنين؟ إذا تكلم أحدهم كلمة سيئة، أو كلمة قاسية، أو فيها اتهام، تجريح، طعن، عندئذ يدخل الشيطان بين المؤمنين:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾
الاستعاذة من الشيطان سلاح المؤمن :
آخر شيء أتمنى أن يكون واضحاً لديكم هو أن الإنسان يميل إلى أن يلقي تبعة أعماله السيئة على غيره، الإنسان غالباً ما يلقيها على الشيطان، يقول: لعن الله الشيطان هو الذي أغواني، الله عز وجل يقول:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
فإذا كنت عبداً لله لا يستطيع الشيطان أن يصل إليك:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾
الشيطان حينما تستعيذ بالله يبتعد عنك، معك سلاح فتاك، فعال، سلاح يكلفك كلمة بقلب حاضر وينتهي الأمر.
حاجة كل إنسان إلى منهج تفصيلي يضمن سعادته و سلامته :
أيها الأخوة؛
﴿ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا*أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا*أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا*أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾
إن لم تسلك طريق الإيمان التي رسمها الله لو أنك واجهت كل المعجزات، ورأيت كل المستحيلات لا تؤمن، الكون بوضعه الراهن من دون خرق لنواميسه هو المعجزة، إن لم تؤمن به بوضعه الطبيعي لن تؤمن بالله عن طريق خرق نواميسه، دعوة النبي عليه الصلاة والسلام لها مضمون إن تأملتها وعقلتها تؤمن، أما خرق العادات والقوانين فهذه معجزات حسية لضعاف العقول، أما الإنسان الناضج فيريه مضموناً عميقاً وشرعاً حكيماً وشرعاً يحل مشكلات البشر، أما خرق المعجزات فلا يفعل شيئاً، إذا شخص ذهب إلى طبيب وهو متألم ألماً شديداً من معدته، الطبيب علق حبلاً في العيادة ومشى على هذا الحبل، فالمريض يدهش بهذه البراعة، لكن ما علاقة هذا بألمه؟ هناك أساليب كثيرة جداً تدهش، تنتزع الإعجاب، لكن لا تحل المشكلات، الإنسان له مشكلة، المنهج الصحيح أن تحل مشكلات إنسان، منهج تفصيلي افعل ولا تفعل، أمر ونهي، فنحن لسنا بحاجة إلى خرق للعادات، بحاجة إلى منهج تفصيلي نسير عليه نضمن سلامتنا وسعادتنا.
العزة لله :
آخر آية:
﴿ وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ﴾
لا يوجد إلا إله واحد:
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ ﴾
أي توالي الله وتكون ذليلاً؟ مستحيل، سبحانك إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً.
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
***
الاستماع للدرس
تحميل النص
إخفاء الصور
