- أحاديث رمضان
- /
- ٠01رمضان 1415 هـ - قراءات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
التّعلم هو الطريق الوحيد إلى المعرفة :
أيها الأخوة الكرام ؛ ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً﴾
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((إنما العلم بالتعلم))
فالإنسان حينما خرج من بطن أمه ، لا يعلم شيئاً إطلاقاً ، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول :
((إنما العلم بالتعلم))
فالتعلم هو الطريق الوحيد إلى المعرفة ، والتعلم طلب العلم . والله عز وجل يقول :
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
وفي آية أخرى :
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾
في شؤون الدنيا يجب أن تستشير أهل الخبرة من المؤمنين ، وفي شؤون الدين والآخرة يجب أن تسأل به خبيراً ، وربنا عز وجل صاغ بعض الآيات القرآنية صياغة فيها امتحان .
أنا أقول لإنسان : أعطه ألفاً وخمسمئة درهم ، نص واضح كالشمس ، لا يحتمل أن أكشف خبايا هذا الإنسان ، أما إذا قلت : أعطه ألف درهم ونصفه ، فالإنسان الكريم يفهمها ألفاً وخمسمئة ، والإنسان الحريص يفهمها ألفاً ونصف درهم ، يرجع الضمير على الدرهم ، والأول يرجعه على الألف ، فهذا النص فيه امتحان .
وربنا عز وجل لحكمة بالغة بعض الآيات الكريمة سماها العلماء (متشابهات) ، أي ممكن أن تفهمها فهماً سيئاً ، لا يليق بكمال الله ، ولا يليق بأسمائه الحسنى ، ولا بصفاته الفضلى ، ولك أن تفهمها فهماً يعبر عن حسن ظنك بالله عز وجل .
حجم معرفة الإنسان بالله يعينه على فهم كلامه سبحانه :
هناك نقطة دقيقة باللغة أن الكلمة كل إنسان يُحمّلها ما في نفسه .
مرة ضرب لنا أستاذ في الجامعة مثلاً : أن إنساناً يمشي في الطريق ، سمع كلمة كرسي ، لو أن هذا الإنسان حلاق ، عنده كرسيان في محله ، وهو بحاجة إلى كرسي ثالث ، مساحة خواطره ساعة أو أكثر ، وهو في حيرة من أمره ؛ أيأتي بكرسي ثالث ؟ يحتاج إلى موظف ، وهناك ضريبة تزيد عليه في المالية ، يمشي ساعة و هو يفكر أن يأتي بكرسي ، يبقى على كرسيين ، يريد موظفاً ثالثاً ، هناك ضرائب ، و تأمينات ، و ازدياد بحجم العمل ، الكلمة نفسها يسمعها أستاذ في الجامعة ، لم يتح له أن يكون أستاذاً ذا كرسي ، بينما أقل منه خبرة وعلماً ، يحتل هذا المنصب ، يمضي ساعة أو أكثر ، وهو يتألم أشدّ الألم ، لأنه لم يأخذ حقه في عمله ، هذا الذي يحتل هذا المنصب ، أقل منه علماً ، وخبرة ، وشهادة ، فماذا يفعل ؟ إلى من يشتكي ؟ ماذا يقول ؟ ماذا يعمل ؟ أيترك الجامعة ؟ أيبقى فيها ؟ أيبحث عن جامعة أخرى ينتقل إليها ؟ إلى آخره .
الكلمة واحدة ، أيضاً سمع هذه الكلمة إنسان متعب ، تمنى كرسياً يجلس عليه ، ويرتاح ، فالإنسان يحمل كل ما في نفسه ، كل إنسان له معرفة بالله ، حجم معرفته بالله يعينه على فهم كلام الله . مثلاً الآية :
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾
يبدو من الآية أن الله لم يشأ أن يهدي عباده ، لو أراد لفعل :
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾
هذا المعنى الذي يتبدى ، أول ما يتبدى من الآية لا يليق بحضرة الله إطلاقاً ، ولا بكماله ، خلقنا ليهدينا ، لكن معنى الآية أن العباد أحياناً يعْزون أخطاءهم ، وانحرافهم ، ومعاصيهم إلى الله :
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾
كل إنسان يخطىء ، يميل أن ينسب الخطأ إلى غير ذاته ، وكل إنسان يصيب ، يميل أن ينسب إلى ذاته ، لا أحد قال لك إطلاقاً : الله قدر عليّ الهدى ، ماذا أفعل ؟ لا ، يقول لك : أنا ، أنا اهتديت ، أما إذا شرب ، وانحرف ، و لم يصلّ ، يقول لك : هكذا كتب لي الله ؛ انظر إلى أخطائه ، وتقصيراته ، وانحرافه ، ومعاصيه ، وفجوره ، يعزو هذا كله إلى الله عز وجل ، فالإنسان يميل إلى أن يتنصل من المسؤولية ، يلقي التبعة على غيره دائماً ، فالله عز وجل ردّ على هؤلاء .
إذا أنتم زعمتم يا عبادي ، أنني أجبرتكم على المعاصي ، وقدرتها عليكم من غير إرادة منكم ، فأنتم واهمون ، لأنني لو أردت أن أجبركم على شيء ما لأجبرتكم على الطاعة لا على المعصية ، على الهدى لا على الضلال ، على الاستقامة لا على الانحراف ، ولو شئنا أن نسلبكم اختياركم ، وأن نلغي تكليفكم ، وأن نلغي امتحانكم ، وأن تكونوا أنتم مسيرين لا مخيرين :
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾
لكن هذه الأفعال التي تفعلونها هي محض اختياركم ، هي من كسبكم ، وسوف تحاسبون عليها :
﴿ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾
ففرق كبير بين أن تعزو الظلم إلى الله عز وجل وأنت لا تشعر ، وبين أن تفهم أن الإنسان خلق مخيراً ، وخلق مكتسباً ، وأعطي منهج الحق ومنهج الباطل ، فله أن يمشي هكذا :
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾
فشتان بين المعنيين ؛ معنى يقربك من الله عز وجل ، ومعنى يطلقك إلى العمل الصالح ، ومعنى يلغي كل حجة تحتاج بها ، ومعنى آخر يثبط عزيمتك ، ويشل قواك ، ويجعلك كالخرقة التائهة :
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾
يستنبط من هذه الآية : أن الإنسان ليس له حق أن يفهم القرآن فهماً سقيماً ، أو فهماً منحرفاً ، أو فهماً ساذجاً ، أو فهماً سطحياً ، وله أن يسأل .
والله عز وجل قال :
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾
الجماعة رحمة :
وهناك آيات الله عز وجل قال :
﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾
آيات العقائد لا تحتمل التأويل ، آيات العقائد قطعية الدلالة ، آيات الأحكام الحرام والحلال قطعية الدلالة ، لا تحتمل التأويل أبداً ، لكن الله سبحانه وتعالى لحكمة بالغة ، ولعل من هذه الحكمة أنه أراد أن نجتمع . قال :
((عليكم بالجماعة ، وإياكم والفرقة ، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ))
كيف نجتمع ؟ لو أن القرآن جعله الله كله قطعي الدلالة ، لا ظني الدلالة ، ما احتاج إنسان إلى إنسان ، تفرقنا ، لكن هذا الاجتماع بسبب أن هناك آيات تحتاج إلى تفسير ، أنت بحاجة مثلاً لهذا التفسير ، هذا القصد : الاجتماع .
أنا مرة ذكرت لكم من أسبوعين فيما أعتقد أن صلاة الجماعة شرعت في القرآن ، وأنت تواجه العدو ، في خط المواجهة الأول ، فلو كانت الصلاة فردية لما احتاجت إلى تشريع .
جيش مؤلف من خمسين ألفاً ، وكل شخص يصلي لوحده وراء شجرة خمس دقائق ، تنتهي العملية ، لكن الله عز وجل في القرآن الكريم شرع لنا صلاة الجماعة ، ونحن في خط القتال الأول ، لماذا ؟ لأن اجتماعنا يريده الله عز وجل .
((عليكم بالجماعة))
((يَدُ اللهِ مع الجماعةِ))
((ومن شذّ شذّ في النار))
أنا أضرب لكم مثلاً ؛ ذكر لي أخ مرة ، أنه كان يعمل رياضة مع جماعة - ركض، وألعاب قوى ، وما شاكل ذلك - مرة قال : أنا سأجري لوحدي ، يقول : مضى خمس سنوات أو ست ولا مرة خرج لوحده ، فالجماعة رحمة .
الآن لو كان لوحده في البيت جالساً ينام ، أغلب الظن ينام ، يصلي ركعتين بسرعة و ينتهي ، هنا نصلي ركعتين نقرأ حوالي أربع صفحات . الله قال :
﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾
من التفسيرات اللطيفة لقرآن الفجر ، بالبلاغة أحياناً نعبر عن الشيء ببعض أجزائه، أو نعبر عن الجزء بالكل . مثلاً الله عز وجل قال :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
اركعوا واسجدوا ما معناها ؟ أي صلوا ، الله لم لم يقل صلوا ؟ قال : اركعوا واسجدوا، عبر عن الصلاة بجزأيها ، لماذا ؟ إبرازاً لقيمة الركوع والسجود ، لأن أبرز ما في الصلاة أن تخضع لله ، أن تحملك على طاعة الله ، وأن تحملك على الافتقار إليه ، الطاعة ، والافتقار ، فأغفل اسم الصلاة ، وقال : اركعوا واسجدوا ، ومن ألطف التفسيرات في قوله تعالى:
﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ ﴾
دلوك الشمس : زوالها عن قبة السماء ، دخل فيها الظهر والعصر :
﴿ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ﴾
غسق الليل : اجتماع الظلمة ؛ أي غياب الشفق الأحمر ، دخلت فيها صلاة المغرب والعشاء :
﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ﴾
أبرز ما في صلاة الفجر الآيات ، لذلك النبي الكريم كان يقرأ في صلاة الفجر ستين آية ، أو تزيد .
أي الإنسان يستيقظ مرتاحاً فأهم شيء أن يسمع القرآن مرتلاً كي تستوعبه نفسه ، فربنا عز وجل عبّر عن صلاة الفجر بقرآن الفجر ، وقد قال صلى الله عليه وسلم :
((مَنْ صَلَّى الفجر في جماعة))
إذاً : الله عز وجل أرادنا أن نجتمع ، أرادنا أن نتعاون ، لأن الإنسان بالجماعة ، ينشأ في الجماعة ما يسمى بروح الجماعة ، هذه الروح فيها تنافس أحياناً ، فيها انضباط ، فيها تصحيح مسار .
أحياناً تجد أخاً ، إقباله على الله زائد ، هذا الأخ يشيع من حوله مثلاً شيء من الزخم الروحي ، الإنسان يشتهي أن يكون مثله ، لولا أن لك أخاً تبعك في هذا المجال ، لا تشتهي أن تكون مثله أنت ، فالإنسان لوحده لا يوجد عنده مقياس ، لوحده يشتهي المقياس ، لكن مع أخوانه هناك إنسان سبقه ، و آخر تفوق بفكره ، و الثالث تفوق بإخلاصه ، و الرابع باتصاله بالله ، و الخامس بعبادته ، أنت أمام نماذج متفوقة ، فهذا مما يؤكد أن صلاة الجماعة - كما قال عليه الصلاة والسلام- تعدل صلاة الفرد أو المفرد بسبعة وعشرين ضعفاً .
الله قال :
﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ ﴾
من حوالي عشرين سنة ألفت كتاباً للثالث الثانوي ، خطر في بالي أن أطرح بكل صفحة سؤالاً ، لا أجيب عليه ؛ سؤال في اللغة ، أو في البلاغة ، أو في القواعد ، حكمة هذا السؤال أن هذا الطالب سيسأل أستاذه ، صار هناك نشاط علمي ، لم يعد درساً تقليدياً ، هناك سؤال : أن حتى لها ثلاثة إعرابات ، هل تعرفها مثلاً ؟ اسأل عنها أستاذك الكريم ، بآخر الصفحة ، بالحاشية ، كل صفحة يوجد سؤال ، أداة من الأدوات ، قضية ، فالطالب عندما يجد مشكلة يسأل عن حلها ، لا يوجد حل .
أنا قصدت ألا يكون هناك جواب ، حتى أجعل للطالب علاقة مع المدرس ، علاقة علمية .
الجليس الصالح خير من الوحدة و الوحدة خير من جليس السوء :
ربنا عز وجل كان من الممكن أن تكون آيات القرآن الكريم كلها قطعية الدلالة ، لا تحتاج إلى تفسير ، ولا إلى درس علم إطلاقاً ، إذاً : التغت الجماعة ، أما عندما يكون الإنسان بحاجة إلى أن يفهم كلام الله فهماً عميقاً ، فيرتاد مسجداً ، يأنس بدرس ، يتحمس ، يتنافس مع أخوانه ، يستأنس ، يندفع ، يكون هناك باعث ، هذا من حكمة ربنا جل جلاله في حثنا على صلاة الجماعة ، وفي حثنا على أن نكون مجتمعين ، لذلك الحكمة الثابتة : الجليس الصالح خير من الوحدة ، ولكن الوحدة خير من جليس السوء .
الوحدة ، والانعزال ، والتفرد ، أفضل مليون مرة من أن تجلس في مجلس فيه غيبة، ونميمة ، ونساء ، وفسق ، وفجور ، إلى آخره . لكن مجلس ذكر إن انضممت إليه أفضل ألف مرة من أن تبقى وحدك ، لأن الشخص إذا صلى الفجر في جماعة ، صار هذا الشيء ثابتاً في حياته ، صار له مكانة بالمسجد ، إذا غاب ؛ هناك من يسأل عنه ، هناك من يفتقده ، هناك من يتصل به هاتفياً ، شعر بكيانه ، صار يفهم ، لكن صلاة الجماعة لها لوازم ، أنت دائماً توازن نفسك مع الآخرين ، فهذا كله ببركة أن هناك آيات متشابهات ظنية الدلالة .
الحكمة من العذاب في الدنيا :
الآية الثانية في سورة السجدة تفسر كل ما في الأرض من مشاكل ، الأرض يقول لك : ممتلئة بالمشكلات ؛ و الأمراض ، مع إتلاف محاصيل ، و حروب أهلية ، و اجتياحات ، على مشكلات لا يعلمها إلا الله ، كل ما في الأرض من أشياء مزعجة ، مخلوقة في آية واحدة :
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
هذه الآية ممكن أن تفسر كل شيء فيها في الأرض ؛ أمراض ، فقر ، قهر ، حرمان ، حروب أهلية ، فيضانات ، زلازل ، براكين :
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
وهناك آية قرآنية توضح ذلك ، في سورة القلم لما ربنا عز وجل ذكر أصحاب الجنة الذين أرادوا أن يجنوا الثمار ، دون أن يعطوا الفقير حقه . قال :
﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ﴾
موجة صقيع قضت على كل المحصول في اليوم الثاني . قال :
﴿إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾
هذا ليس بستاننا ، الله عز وجل قال :
﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾
كل العذابات في الدنيا من أجل هذا ؛ من أجل أن تُسبّح ، من أجل أن تتوب ، من أجل أن تعود إلى الله عز وجل :
﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾
فربنا عز وجل يريد أن يتفادى لك العذاب الأشد للعذاب الأقل :
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
فهذه الآية تجعلك تحسن الظن بالله عز وجل ، كل ما في الأرض من مآس ، من نكبات ، من مشكلات ، إنما هي عذاب أدنى ، لعل الإنسان يتلافى به العذاب الأكبر .
الحكمة من أن الاغتراب بالزواج أفضل من الاقتراب :
بقي في سورة الدهر :
﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾
الحوين عندما يدخل إلى البويضة ، ويتم التلقيح ، ويبدأ الانقسام ، قد يغيب عن الذهن أن على الحوين من المورثات ، ومن المعلومات المبرمجة التي تشكل الجنين ما يزيد عن خمسة آلاف مليون معلومة ، وكذلك في البويضة ، فحوالي عشرة آلاف مليون معلومة هذه تندمج ، وتتحد ، وتشكل الصيغة المتحدة ، لهذا النبي الكريم قال :
((اغتربوا ولا تضووا))
إذا كان هناك صفتا ضعف بالبويضة والحوين ، الضعف يزداد ، أما إذا كانت الصفتان متناقضتين فالضعف يتلاشى ، لذلك :
((اغتربوا ولا تضووا))
الاغتراب بالزواج أفضل من الاقتراب ، أي إذا كان الزوجان من أسرة واحدة أولاد عم مثلاً، ممكن أن يكون هناك ضعف خلقي ، يتكرس الضعف الخلقي ، والآن : عرفوا ثمانمئة معلومة من الخمسة آلاف مليون ، وأكبر موضوع الآن يشغل العالم (الهندسة الوراثية)، أي يستطيعون أن يغيروا بالمورثات ، حتى يكون الجنين كما يريدون ، هذا حلم ، يمكن أن يسمح الله لهم بتحقيق بعضه ، أو عدم تحقيقه .
الإنسان مخير لا مسير :
آخر الآيات التي نريد أن نقف عندها وقفة قصيرة :
﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ﴾
انظر الوصف ما أدقه! :
﴿ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾
يلحقون الدنيا :
﴿ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ﴾
﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً﴾
قال : أتوا بنصفي كرة وطابقوهما على بعضهما ، حصانان من أشد الأحصنة ، ما تمكنا أن يفتحا هذه الكرة التي فرغت من الهواء ، وثبت أن بعض المفاصل في الجسم أيضاَ مفرغة من الهواء ، أي هذه الكرة ضمن مجالها ، فتفريغ الهواء يجعل الشد من أمتن أنواع الشد .
الآن أحياناً إذا كان السطحان أملسين مئة في المئة ، تطابقا على بعضهما ، من الصعب نزعهما إذا التغى الهواء ، فإذا ألغي الهواء صار هناك قوة شدّ كبيرة جداً :
﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ﴾
الإنسان متين ، الأب يحمل ابنه من يده ، ولا تخرج من مكانها ، لأنها مدروسة ؛ مفاصل الكتف وعظم الكتف مترابطان ترابطاً شديداً جداً :
﴿ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً* إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾
أنت مخير :
﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾
لولا أن الله شاء لك أن تشاء لما شئت ، هذا المعنى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾
هو حسب الظاهر : من يشاء ، لكن قال لك :
﴿ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾
لا أدخلهم في رحمتي ، أي أدخل غير الظالمين في رحمتي ، معنى هذا أن مشيئة الله عز وجل واضحة و ليست مشيئة اعتباطية أو مزاجية :
﴿ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾
لا يدخلهم في رحمته ، معنى يدخل غير الظالمين أصبحت رحمته مقننة :
﴿ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾