- أحاديث رمضان
- /
- ٠01رمضان 1415 هـ - قراءات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
على الإنسان أن يحسن اختيار بيئته :
أيها الأخوة الكرام ؛ الله عز وجل يقول :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
الحقيقة أن للبيئة أثراً خطيراً جداً في اتجاه الإنسان ؛ مهما كنت نقياً ، طاهراً ، مؤمناً ، مخلصاً ، اجلس مع منحرفين ، مع عصاة ، مع فجار ، اسمع قصصهم ، اسمع مغامراتهم ، اسمع مجالسهم ، اسمع انغماسهم بالشهوات ، النفس أحياناً تشتهي ، أحياناً تتحول النفس ، وهناك إنسان لا يتأثر ، لذلك النبي قال :
((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ))
لا تعمل علاقات حميمة مع غير المؤمنين ، يجروك ، تصغر أمامهم ، ترى نفسك أنت الغلطان ، أنت تحرم نفسك كل شيء ، هم جماعة يتمتعون بالسرور ، أنت هذه حرام ، وهذه حرام ، وهذه حرام ، يصغرونك ، لو جلست مع غير المؤمنين ، وكنت ضعيف الإيمان ، يصغرونك ، لذلك :
((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ))
المؤمن يصاحب المؤمنين ، يرى عندهم مكانة ؛ يقدرون إيمانه ، يقدرون أخلاقه ، يقدرون اتجاهه ، يقدرون ورعه ، يقدرون علمه ، أي إذا أنت جلست مع إنسان يقدرك ، الجلسة ممتعة جداً ، لو جلست مع إنسان مادي ، دنيوي ، معبوده المال ، يقول لك : ما الراتب الذي تحصله ؟ يكون راتبك متواضعاً ، لكن أنت سعيد بالله عز وجل ، هو لا يعبأ بكل ميزاتك الأخرى، لكن يعبأ فقط بدخلك ، دخلك مثلاً خمسة آلاف ، يقول لك : خمسة !! لا يكفونك ، كيف تعيش !؟ تجده قد صغرك .
((لا تُصَاحِبْ إلا مؤمناً))
من دخل على الأغنياء ، خرج من عندهم وهو على الله ساخط ، والله أيها الأخوة ؛ أحياناً تزور أخاً فقيراً ، تشعر بسعادة لا توصف ، هو فرح بمجيئك ، وأكرمك ، وأنت جبرت خاطره ، ووجدت نفسك قد عملت عملاً طيباً ، أما إذا زرت إنساناً آخر ، يقرف ويقرف ، شيء صعب ، لذلك الإنسان يختار بيئته .
البيئة مسرّعة ومثبطة و الإنسان يملك حرية الاختيار :
أنا أرى أخواننا الكرام ؛ الذين تفوقوا ، محاطين بمجموعة مؤمنين طيبين ، هناك تنافس ، الله قال :
﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾
أما لو أن الإنسان انساق لأهل الدنيا ، وخالطهم ، وسهر معهم ، ولبى دعواتهم ، وسمع حديثهم ، إذا كان ضعيف الإيمان ، يحس بالحرمان ، يحس نفسه لم يأخذ شيئاً من الله عز وجل ، وإذا كان قوي الإيمان يتمزق ، إلا إذا كان يستطيع أن يسيطر عليهم ، أناس دعوك وأنت لك مكانة عندهم ، وأنت استلمت الحديث ، وأثرت فيهم .
إذا استطعت أن تشدهم فهذا شيء جيد ، أما إذا شدوك فاتركهم ، المقياس الدقيق لعبة شدّ الحبل ، تستطيع أن تشدهم ؟ جيد ، معنى هذا أنك قوي ، إذا إن شدوك لعندهم ، يأسوك ، ضعفوا معنوياتك ، لا ، اتركهم ، الضابط بهذا الموضوع ما إذا كان بالإمكان أن تؤثر فيهم ، أو أن تتأثر بهم ، إذا كان من الممكن أن تؤثر بهم ، لا يوجد مانع ، لك نيتك العالية ، بشرط ألا تكون هناك معصية و لا اختلاط ، أنا أريد أن أهديها ، يوجد إنسانة فيها خير كثير ، لا ، هذا كلام فارغ ، ما دام هناك معصية ، لن تستطيع أن تفعل شيئاً ، إذا كان المجلس لا معصية فيه فهذا ممكن ، لو كانوا من أهل الدنيا ، لذلك الله عز وجل قال :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
البيئة مهمة جداً ، و البيئة هي كل شيء ، لها تأثير كبير جداً ، أما الإنسان فهو المختار ، الإنسان ليس منفعلاً ، بل فاعلاً ، ممكن أن نشبه الإنسان بكرة تتحرك نحو الأعلى ، لكن بصعوبة كبيرة جداً ، معنى هذا أن البيئة مسرعة ، البيئة الصالحة مسرعة ، والبيئة السيئة مثبطة ، أما الإنسان فما دام مختاراً ، وما دام عقله برأسه ، مهما ساءت البيئة ، يستطيع أن ينتصر عليها ، والإنسان المنحرف ، مهما صلحت البيئة ، نفسه المنحرفة تلغي هذه البيئة ، فالبيئة لها أثر ، لكن ليس كل الأثر ، ليس تأثيرها مئة بالمئة ، أنت لك اختيار ، إلا أن البيئة مسرعة ومثبطة ، فأنت لا تستطيع أن تعيش مع أناس منحرفين ، وأنت لوحدك صالح ، إذاً يجب بعد التوبة ، بعد الصلح مع الله ، أن تغير طقمك كله .
على الإنسان أن يكون دائماً مع الصادقين :
الآن : هناك مجموعة من الناس ، هؤلاء سبعة أو ثمانية معاً ، هؤلاء عشرة أو خمسة عشر معاً ؛ عندهم دور كل ثلاثاء ، كل أربعاء ، كل خميس ، كل أحد ، هذا الطقم إذا كان طقم طاولة ، وشدّة ، وأنت بعد ما آمنت ، واستقمت ، وأقبلت على الله عز وجل ، عليك أن تغير هذا الطقم كله ، هذا الطقم كله عاطل :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
تحتاج إلى طقم يقرؤون القرآن ، طقم تتذاكرون بالأحاديث ، طقم تتفكرون بخلق السموات والأرض ، طقم لا يوجد فيه مزاح رخيص ، طقم لا يوجد فيه اختلاط ، طقم لا يوجد فيه غيبة ، لا يوجد فيه نميمة .
فأنا أقول : أخواننا الكرام الذين تابوا مجدداً ، الذين اصطلحوا مع الله مجدداً ، هم في أمس الحاجة إلى أصدقاء مؤمنين من جنس آخر ، وإلا هناك أخ من أخواننا ، أكبرت فيه هذه الصفة ؛ له أربعة أو خمسة أصدقاء من أهل الدنيا ، فلما اصطلح مع الله ، هو اعتزلهم عامين أو ثلاثة ، إلى أن قوي ، ثم عاد إليهم ، وأخذ بيدهم واحداً واحداً إلى بيت الله ، بعد ما قوي ، أولاً : اعتزلهم حتى تقوى ، ثم عد إليهم ، وخذ بيدهم واحداً واحداً إلى بيوت الله ، وهذا كله في صحيفتك ، أنا أُكبر في الإنسان هذه الصفة ، لذلك :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
البيئة الصالحة مسرّعة ومريحة والبيئة السيئة مثبطة ومتعبة :
الأصدقاء ، أصدقاء الجاهلية يجب أن تنسحب بأدب منهم ، من دون قتال ، أن تنسحب منهم واحداً واحداً ، وأن تبني علاقات جديدة مع أناس مؤمنين ، صادقين ، البيئة الصالحة حياة أخرى ، البيئة الصالحة مسرِّعة ، مسرعة مثل إنسان يسبح مع التيار ، إذا كان النهر جارياً ، وسبحت أنت فيه .
في بعض البحار تيارات دافئة ، تمشي خمسة كيلو مترات بالساعة ، أو ثمانية ، ثم ترتاح لأن التيار دافئ .
يقول لي أحدهم وقد عبر المانش : بعد ما دخلنا للتيار ، ارتحنا راحة كبيرة ، مياه دافئة .
أحياناً يضعون ببعض المحلات الضخمة شريطاً متحركاً ، ممشى متحركاً ببعض البلاد ، فإذا شخص مشى على هذا الشريط ، يكون قد مشى بسرعة مضاعفة ، وإذا شخص مشى بعكس الشريط ، بعكس البساط ، يكون قد بذل جهداً كبيراً ، وحركته بطيئة ، فهذه البيئة مثل بساط متحرك ، إذا كنت تمشي معه ، السرعة مضاعفة ، وإذا كنت تمشي بعكسه فالسرعة تصبح للنصف ؛ فالبيئة مسرِّعة ، البيئة الصالحة مسرّعة ومريحة ، والبيئة السيئة مثبطة ومتعبة، والله عز وجل قال لك :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
اختر أخوانك ، اختر أصدقاءك ، حتى إذا كنت تحب مثلاً أن تعمل سهرة ، لا تختر إنساناً ممكن أن يتحدث عن الدنيا .