وضع داكن
29-03-2024
Logo
قراءات قرآنية - الدرس : 35 - من سورة الروم ولقمان والأحزاب - أدنى الأرض.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

القرآن الكريم معجزة دائماً :

 أيها الأخوة الكرام ؛ في سورة الروم آية ينبغي أن نقف عندها قليلاً . يقول الله عز وجل :

﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾

[سورة الروم: 2-3]

 أدنى الأرض ؛ هذه المعركة تمت في غور فلسطين ، وغور فلسطين أخفض نقطة في الأرض على الإطلاق ، هذا عُرف عن طريق أشعة الليزر ، أما حينما أُنزل هذا القرآن لم يكن أحد يعرف أن هذه البقعة من الأرض هي أخفض نقطة في الأرض على الإطلاق ، وهذا من السبق العلمي للقرآن الكريم ، كيف أن هذا الكتاب معجزة دائمة ، هذه آية :

﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾

[سورة الروم:3-4]

 في سبق علمي أول ، وفي إعجاز إخباري ، هذه الآية نزلت قبل أن تقع المعركة ، وقعت ، وانتصر الروم في المعركة :

﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾

[سورة الروم:3-4]

 دون عشر سنوات ، وهذا قد وقع ، فالقرآن فيه غيب الماضي ، وغيب الحاضر ، وغيب المستقبل ، وهذا من غيب المستقبل ، ولا يملك الغيب إلا الله .

ولاء المؤمن يكون لمن يقوم ببعض واجباته الدينية :

 لكن :

﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾

[سورة الروم:4-5]

 ما علاقة المؤمنين حينما ينتصر الروم على الفرس ؟ لأنهم أهل كتاب ، والفرس يعبدون النار ، معنى ذلك أن المؤمن ولاؤه لمن يؤمن بالله إطلاقاً ، ولاؤه لمن يعتقد بالآخرة ، ولاؤه لمن يقوم ببعض واجباته الدينية .
 نحن كما يقول بعضهم : بين الأبيض والأسود هناك مليون لون رمادي ، من ضعف الإنسان ألا يكون في ذهنه إلا الأبيض والأسود ؛ إما أبيض أو أسود ، لكن بينهما ألواناً كثيرة ، أي يجب أن يكون الحكم موضوعياً معتدلاً .
 فالناس أحياناً يكفرون الإنسان أو يكون عندهم ولياً ، هو ليس كذلك ، ولا ذلك ، هو بينهما ، فربنا عز وجل أثبت في كتابه الكريم أن المؤمن يفرح إذا انتصر الروم وهم أهل كتاب على الفرس وهم عباد النار ، معنى ذلك أن هناك ولاء من المؤمنين لهؤلاء ، فلو كان بينك وبين إنسان بضع نقاط مشتركة ، هذه ينبغي أن تنميها ، لا أن ترفضها ، إذا كان هناك نقاط مختلفة بينك وبينهم ، ما الذي ينمي جماعة المؤمنين ؟ إذا كان هناك نقاط مشتركة ؟ هذه متنها، ونمِّها.
 من أمراض الجماعات الإسلامية الآن أن أي غلطة يرتكبها إنسان بالطرف الآخر يكون عندهم قد أشرك ، وأي غلطة يرتكبها إنسان فقيه يقولون : من تقفه ولم يتحقق فقد تفسق ، ويأتي الفقهاء ، أي خطأ يرتكبه إنسان صوفي ، يقول لك : ومن تحقق ولم يتفقه فقد تزندق .
 تراشق التهم ، والطعن ، والإنكار ، والتعصب ، هذا مرض في الجماعات الإسلامية، الله عز وجل يقول لك : هؤلاء الروم ، هناك مليون نقطة خلاف بيننا وبينهم ، ومع ذلك يوجد نقاط لقاء . قال :

﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾

[سورة الروم:4-5]

 أنت كن معتدلاً ، كل إنسان انظر ما له وما عليه ، أما أن ترفضه كله ، لخلاف بينك وبينه ، فهذا الموقف ليس موقفاً معتدلاً ، ولا موقفاً يرضي الله عز وجل :

﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾

[سورة الروم:31-32]

 سماهم الله من المشركين لماذا ؟ الإنسان إذا أراد أن يجعل من وحدة هذا الدين شيعاً ، وأحزاباً ، وفرقاً ، وطوائف ، حينما تتفرق الأمة تضعف ، فإذا كان للإنسان مصالح شخصية فمن صالحه أن يفرق ، أما إذا كان مخلصاً لله ، من صالحه أن يجمع ، لا أن يفرق ، فمن أشرك نفسه مع الله ، من كان له حظ من الدنيا ، عندئذ يحاول أن يفرق ، أن يجعل هذا الدين شيعاً ، وأحزاباً ، وفرقاً ، وطوائف :

﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾

[سورة الروم:31-32]

تطابق الدين مع الفطرة الإنسانيّة :

 هناك نقطة مهمة جداً : أن هذا الدين بأوامره ونواهيه ، متطابق مع الفطرة الإنسانية تطابقاً تاماً :

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[سورة الروم:30]

 أنت مهما فعلت ، مهما درست ، مهما قرأت ، مهما سافرت ، مهما حصنت نفسك، لا تستريح ، ولا تستقر ، ولا تسكن ، ولا تطمئن ، ولا تقنع ، ولا تشعر بالغنى ، إلا إذا عادت إلى ربها ، يوجد فراغ بنفسك ، لا تملؤه الدنيا ، لا تملؤه المناصب ، لا يملؤه المال ، لا تملؤه الزوجة ، لا يملؤه الأولاد ، لا يملؤه عظم الذكر ، له ذكر عظيم ، وفي نفسه منهار ، هذا الفراغ النفسي لا يملؤه إلا أن تستقر في نفسك محبة الله ، وأن تقيم على أمره :

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[سورة الروم:30]

 بصراحة إذا الإنسان ليس له صلة بالله ، ليس له إنابة ، ليس له إقبال ، لا يوجد مناجاة بينه وبين الله ، لا يوجد عهد ؛ لا بد من عهد ، من مناجاة ، من دماء ، من إقبال ، من اتصال ، من ورع ، من مراقبة ، من استغفار ، من ترقب ، من تطلع ، من رجاء ، هذه أحوال القلب ، لا ينبغي أن نهمل قلوبنا ، لا ينبغي أن تنمو عقولنا على حساب قلوبنا .

((الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ))

[الترمذي عن أنس بن مالك]

 الاتصال بالله ، الإقبال عليه ، الإنابة إليه ، الصلح معه ، التوبة إليه . قال الله :

﴿ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[سورة الروم:30]

 أحياناً الإنسان يجلس مع أناس من أهل الدنيا ، بعيدين عن الحق ، غير ملتزمين ، همهم الدنيا ، الدنيا أكبر همهم ، ومبلغ علمهم ، إن جلست مع هؤلاء ، قاسوك بمقاييسهم ، فاستخفوا بك ، إن استخفوا بك تتألم أنت ، يقول لك : والله لم أسر .
 أحياناً تسهر ، لم أسر في هذه السهرة ، لأنه يوجد في الحاضرين أناس من أهل الدنيا قيموك بدخلك فقط ، أو قيموك بمتاعك ، وقد لا تكون أنت مثلهم ، عندئذ تنطوي على نفسك ، وتشعر بضيق ، وأحياناً يستخفون بك بشكل صريح . فربنا عز وجل قال :

﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾

[سورة الروم:60]

أثر البيئة في سلوك كل إنسان :

 أخواننا الكرام ، إذا ناقشت إنساناً ، لا تغفل الآخرة ، يجوز بمنطق الدنيا يكون هو أذكى منك ، وأشطر منك ، ودخله أكثر منك ، لأنه لا يوجد عنده قواعد ، لا يوجد قيود ، كل شيء حلال عنده ، فإذا ناقشته بالدنيا فقط ، قد يزيد عليك ، أما أدخل الآخرة مع الدنيا ، فتكون أنت أذكى منه ، وأنت أسعد منه ، وأنت أقوى منه ، وأنت أشدّ فلاحاً منه ، فلما أنت تناقش إنساناً ، لا تهمل الآخرة ، إذا أهملتها ، تقع في إشكال كبير ، لأن الله عز وجل يعطي كل إنسان سؤله ، هؤلاء الذين طلبوا الدنيا بإصرار ، الله عز وجل يعطيهم إياها ، فإذا أعطاهم إياها جعلوا أنفسهم هم الأصل ، وناقشوا من حولهم بهذا الأصل الدنيوي الذي عندهم ، فهناك نهي ، لذلك :

((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ))

[أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري]

 وهؤلاء الذين أعرضوا عن الله لا تتولاهم :

﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾

[سورة المائدة:51]

﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾

[سورة آل عمران:28]

﴿لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾

[سورة الممتحنة:13]

 يجب ألا تنسى أن البيئة لها أثر كبير كبير في سيرك ، فالبذرة لو أنها جيدة ، ضعها في تربة سيئة ، فيها حموضة شديدة ، فيها جراثيم ملوثة ، تموت البذرة ، فالبذرة مهما تكن جيدة ، تحتاج إلى تربة جيدة ، تربة نقية ، سماد جيد ، فأنت دائماً بنشاطاتك ، بعلاقاتك ، بسهراتك ، باحتفالاتك ، بأفراحك ، لا سمح الله بالأتراح ، بالزيارات ، بالسفر ، بالاستحمام ، لا تقيم علاقات مع أناس بعيدين ، عندئذ يستخفون بك ، لذلك ورد بالأثر : " لا تصاحب من لا يرى لك من الفضل مثل ما ترى له " إن لم ير لك من الفضل مثل ما ترى له ، مثل هذا الإنسان لا يصاحب .
 كن عزيزاً ، أعطاك جنبه ، أعطه ظهره ، أعطاك وجهه ، أعطه روحه ، لا تهتم بالمظاهر ، ربما تصاحب إنساناً بسيطاً مسكيناً في نظر الناس ، لكنه مؤمن ؛ إن جلست إليه يسعدك وتسعده .

 

وجوب ثبات المؤمن و صموده أمام أهل الدنيا :

 دققوا في الآية الكريمة :

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾

[سورة الكهف:28]

 انظر :

﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾

[سورة الكهف:28]

 إذا جالست الأغنياء :

﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[سورة الكهف:28]

 فأنت حينما تلتقي مع الناس ؛ إما أن تريد زينة الحياة ، أو أن تريد وجه الله عز وجل :

﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾

[سورة الروم:60]

 إذا الإنسان يقينه بالآخرة ضعيف ، يستخف بأهل الدين :

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾

[سورة لقمان:6]

 قال العلماء : هذا هو الغناء ، الغناء ينبت النفاق . لا يجتمع في نفس المؤمن غناء ونفاق . أحدهما لا يسمح للثاني أن يستقر معه ، فيجب أن نبتعد ، وهذه الآية لها بحث طويل ، وارجعوا إلى التفاسير :

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾

[سورة لقمان:6]

((ليس منا مَنْ لم يتَغَنَّ بالقُرآنِ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 وكنت أقول دائماً : والله لو اجتمع ذواقو الغناء في العالم لا يستمتعون بأغانيهم المفضلة كما يستمتع المؤمن بكتاب الله حينما يتلوه ، أو يُتلى عليه .
 من الآيات التي تنبه المؤمنين إلى أن يثبتوا ، ويصمدوا أمام أهل الدنيا . قال تعالى:

﴿وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ﴾

[سورة لقمان:23]

 دقق الآن :

﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾

[سورة لقمان:24]

 إذا شخص ركبناه في أفخر سيارة ، وأخذناه لنشنقه ، نقول : هنيئاً له على هذه السيارة ؟! لا ، الإنسان يحتاج إلى تفسير ، أفخر شيء أنه راكب ، أما المصير فالإعدام ، هل تقول : هنيئاً له ؟ يا له من ركوب فاخر!؟ لا :

﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾

[سورة لقمان:24]

 أنت كن مع الذين وعدهم الله وعداً حسناً ، ليكن نصيبك من الله أنه وعدك وعداً حسناً :

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾

[سورة القصص:61]

التغرير من الشيطان :

 إذاً :

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾

[سورة لقمان:33]

 من هو الغرور ؟ الشيطان ، كيف يغر بالله ؟ اليهود قالوا :

﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً﴾

[سورة البقرة:80]

 هذا تغرير من الشيطان ، والمسلمون قالوا : نحن أمة محمد ، أمة الشفاعة ، ويفهم الناس الشفاعة فهماً مغلوطاً ، ساذجاً ، ما أراده النبي عليه الصلاة والسلام ، يفهمونه أن افعل ما تشاء ، والنبي يشفع لك ، هذا من الغرور ، أما أن تُغر بالحياة الدنيا فأن تظنها بحجم فوق حجمها الحقيقي .

 

النبي أسوة حسنة لمن ذكر الله كثيراً :

 الآية قبل الأخيرة :

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾

[سورة الأحزاب:21]

 بحياة كل إنسان شخص يتمنى أن يكون مثله ، انظر من هو هذا الشخص ؟ المؤمن هذا الشخص هو رسول الله ، أي كل طموحه أن يطبق سنته ، كل طموحه أن يتخلق بأخلاقه ، كل طموحه أن يعامل الناس كما يعامل النبي الناس ، كل طموحه أن يتخلق بخلق هذا النبي العظيم . قال :

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[سورة الأحزاب:21]

 فلا يكون النبي أسوة لك حسنة إلا إذا ذكرت الله كثيراً ، وذكرت الله كثيراً ، وطلبت اليوم الآخر .

 

أهل بيت النبي جزء من الدعوة الإسلامية :

 أواخر آيات الأحزاب :

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾

[سورة الأحزاب:28]

 الآيات مفادها أن أهل بيت النبي جزء من الدعوة ، بمعنى إذا شخص الآن رأى شخصاً له دعوة إلى الله ، لكن ما وجد ببيته انضباطاً ، هناك سؤالان محرجان جداً ؛ أول سؤال: ما دمت مؤمناً بهذا المنهج فلم لا تطبقه في بيتك ؟ إذا قال لك : والله لا أستطيع ، إذاً : هذا المنهج ليس واقعياً ، إذا كان واقعياً ، فأنت مقصر ، إذاً لا تستطيع ، المنهج غير واقعي ، في الحالتين الدعوة تسقط ، لذلك : أهل بيت النبي ، ونساء النبي ، وبنات النبي جزء من الدعوة لا ينفصلون عن بعضهم ، لذلك الله عز وجل قال :

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾

[سورة الأحزاب:28]

 الرفاه الزائد ، الترف عند الدعاة إلى الله ، يشكك في إخلاصهم للدعوة :

﴿ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾

[سورة الأحزاب:28-29]

 أنا قد لا أتهم إنساناً كان على الحق ، لكن الناس لا يصدقونه عندئذ ، إذا الإنسان غرق بالنعيم والترف ، عندئذ لا يصدق ، والدليل : لما جاء جبريل للنبي الكريم ، قال له : يا محمد ، أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً ؟ قال : بل نبياً عبداً ، لماذا ؟ أقرب للعبودية ، أقرب لإقناع الناس ، فلذلك : السخاء حسن ، لكن في الأغنياء أحسن ، والورع حسن ، لكن في العلماء أحسن ، والحياء حسن ، لكن في النساء أحسن ، والصبر حسن ، لكن في الشباب أحسن، والتوبة حسن ، لكن في الشباب أحسن ، والصبر حسن ، لكن في الفقراء أحسن ، والعدل حسن ، لكن في الأمراء أحسن .
 أمير أفضل صفة العدل ، عالم أفضل صفة الورع ، امرأة أفضل صفة الحياء ؛ غني أفضل صفة السخاء ، فقير أفضل صفة الصبر ، شاب أفضل صفة التوبة ، فالشاب عليه أن يتوب ، والفقير عليه أن يصبر ، والغني عليه أن يصفو ، والحاكم عليه أن يعدل ، والعالم عليه أن يكون ورعاً :

﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً﴾

[سورة الأحزاب:30]

المبادئ لا تحيا إلا بالتطبيق :

 هل يخطر في بال مؤمن على الإطلاق أن تأتي امرأة النبي بفاحشة ؟ لكن رحم الله المفسرين ، قالوا : هذه الفاحشة هي طلب الدنيا فقط . لأن النبي الكريم بعلو مقامه ، لو أن امرأة أزعجته ، وألحت عليه بطلب شيء مباح ، شوشت عليه الدعوة إلى الله ، فحينما تحرجه ، وتضيق عليه ، فكأنما أتت في حقه بفاحشة ، طلب الدنيا سماه الله في حقهن فاحشة ، لذلك أهل بيت النبي ؛ نساؤه ، وبناته ، جزء من الدعوة .
 الآن : العالم كله ، لماذا لا يصدق المؤمن أحياناً ؟ هناك سبب ؛ كتب ، ودعوة ، وفكر عميق ، وأدلة ، بقعة واحدة في الأرض لو أنها طبقت الإسلام تماماً ، وكل النتائج الإيجابية ظهرت في هذه البقعة ، لكانت هذه البقعة أقوى في الدعوة إلى الإسلام ، من آلاف الدعاة إلى الله ، الواقع أقوى من الكلام ، بقعة صغيرة ، بلد صغير ، لو طبق الإسلام ، وقطفت ثماره يانعة ، لكان هذا البلد بالنسبة للدعوة إلى هذا الدين أقوى من كل الكتب ، والمؤلفين ، والدعاة ، فالإنسان يتعامل مع الواقع ، والواقع يؤكد الفكر .
 مثلاً : شخص اخترع نظرية ، ممكن أن نعمر بناء بدون حديد ، هذا عمل كبير جداً ، معنى هذا ممكن أن نوفر ألوف الملايين من القطع الأجنبي ، تعال و ابن لنا بناء دون حديد ، أنشأ بناء فسقط ، ليس البناء سقط ، النظرية سقطت ، والمبدأ سقط ، فلذلك : المبادئ لا تحيا إلا بالتطبيق .
 نبي واحد ؛ بخلقه ، وجهاده ، أهدى للبشرية من آلاف الكتَّاب ، الذين ملؤوا بطون الكتب بالنصائح والفكر .
 الآن : لو أن إنساناً يكون عند قوله صادقاً ، إذا كان صادقاً ، أميناً ، متواضعاً ، زاهداً ، هذا أقوى في الدعوة من ألف إنسان ، أي له طلاقة لسان ما بعدها طلاقة ، وفكر عميق، ومؤلفات . الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور