وضع داكن
28-03-2024
Logo
قراءات قرآنية - الدرس : 31 - من سورة الشعراء - لفتات في سورة الشعراء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

النبي الكريم أرحم الخلق بالخلق :

 أيها الأخوة الكرام ؛ كلكم يعرف خيط المسبحة أنه موجود ، ولكنه لا يُرى ، ودليل وجوده انتظام حبات المسبحة ، وفي سورة الشعراء محور كخيط المسبحة ، لا يُرى ظاهراً ، ولكنه موجود . من يستطيع أن يذكر هذا المحور ؟ من أول السورة إلى آخرها هناك محور واحد، وكل قصة كحبة من حبات هذه المسبحة .
 هل هناك أوضح من الشمس في رابعة النهار ؟ أحد الأيام المشرقة ، والوقت ضحى، وبيتك باتجاه الجنوب ، والشمس في قبة السماء ساطعة منيرة ، وهذا مثل عربي ، يقول لك : هذه القضية كالشمس في رابعة النهار ، ومع ذلك الأعمى لا يراها ، الإنسان إذا فتح عينيه، وكانت عيناه سليمتين ، ماذا يرى ؟ لو درجنا اللون الأخضر ثمانمئة ألف درجة ، العين السليمة ترى الفرق بين درجتين متجاورتين .
 أنا مرة وصيت أخاً نجاراً على مكتبة ، وضع المكتبة أفقية ، قلت له : مائلة ، قال: لا ، أبداً ، أتى بالمتر ، وقاس البعدين ، فإذا هما متطابقان ، قلت : المسكة مائلة ، جاء بفرجار، وضعه في المكان الأول وقفله ، وضعه في المكان الثاني ، فرق ربع ميلي ، معنى هذا أن العين السليمة تدرك ربع ميلي فما دون ، فالمشكلة ليست مشكلة حجم الآية ، مشكلة ما إذا كانت العين مبصرة أم عمياء ، هذا محور السورة كلها . مثلاً :

﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة الشعراء :3]

 لعلك تهلك نفسك من شدة رحمتك ، ومن شدة حرصك ، ومن شدة حلمك على ألا يكونوا مؤمنين ، لأنه هو أرحم الخلق بالخلق ، أولى الناس من أنفسهم .

((لو علمتم ما أعلم لبكيتم كثيراً ، ولضحكتم قليلاً))

[الحاكم في مستدركه عن أبي الدرداء]

 تصور أماً لها أولاد ، وهم بعيدون عنها ، ولا تدري عن أخبارهم شيئاً ؛ مهماأكرمتها، مهما أطعمتها الطعام الطيب ، تقول لك : لست مشتهية ، نفسها مع أولادها ، فهذه رحمة الأم ليست بشيء أمام رحمة رسول الله ؛ فربنا عز وجل يواسيه ، ويسليه ، ويخفف عنه :

﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾

[سورة الشعراء :3-4]

الإيمان القسري سهل لكنه لا يسعد :

 الإيمان القسري سهل ، لكنه لا يسعد ، لو أن الله أراد من عباده أن يقروا له ، لسلط عليهم مرضاً ، أو مصيبة ، لا يرفعها إلا إذا آمنوا ، لكن هذا الإيمان لا قيمة له إطلاقاً ، لا يرقى بهم ، ولا يسعدهم :

﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة الشعراء :5-8]

 هذا الكون بظاهرة النبات ، ظاهرة المطر ، ظاهرة الرياح ، ظاهرة الحرارة ، البرودة، إنبات النبات ، الطيور في السماء ، الأسماك في البحار ، إنجاب الأولاد ، خلق الإنسان ، تسلية كل شيء ، هذه آيات كافية ، وكل ما في الكون يدل على الله ، أما إذا الإنسان أعمى فلا يرى شيئاً .
 الآن بحر ، الآن : طريق يبس ، ضربه هذا النبي العظيم بعصاه ، بحر خضم ضربه النبي بعصاه ، فإذا هو طريق بالبحر ، هذه آية صارخة جداً . قال :

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾

[سورة الشعراء :8-9]

 وهكذا تمشي السورة كلها . إذا الإنسان كانت عيناه مغمضتين ، مهما تكن الآية كبيرة لا يراها ، أما إذا فتح عينيه ، فسيرى أدق الأشياء ، فالمشكلة لا في كبر الشيء وصغره ، لا في دقة الآية وكبرها ، لا في قرب الآية وبعدها ، المشكلة فيما إذا كنت مبصراً أو غير مبصر ، هنا المشكلة ، فلذلك : ربنا عز وجل يذكر هذه القصص واحدة واحدة ، ويسلي النبي؛ أي يا محمد ، قوم موسى رأوا هذه الآيات ، قوم فرعون رأوا هذه الآيات ولم يؤمنوا ، قوم صالح كذلك ، قوم إبراهيم ، وُضع إبراهيم في النار ولم يؤمنوا ، فالقضية قضية متعلقة بالإنسان ، إن لم يختر الإنسان الهدى ، لا يرى شيئاً .
 آلة غالية ، غالية ، يوجد آلات تصوير ثمنها حوالي خمسمئة ألف ليرة الآن ، فيها ميزات كبيرة ، هذه الآلة الضخمة بلا فيلم لا قيمة لها ، لا ترى شيئاً ، ائت بآلة متواضعة جداً ، ضع فيها فيلم ، تجد أن هناك صورة ، فالقضية ليست في كبر الآلة وصغرها ، فيما إذا كان في هذه الآلة شيء يستقبل اختيارك للهدى ، الاستقبال اختيارك ، إعراضك عن الهدى هو الرفض؛ فالقضية قضية اختيار شخصي ، قضية إرادة ذاتية ، قضية انطلاق إلى الله من ذات الإنسان ، إن لم يكن هذا لا ينفعه شيء .

 

على الإنسان أن يكون مع القلة المؤمنة لا مع الكثرة التائهة الشاردة :

 هل في سورة الشعراء لفتات تلفت النظر عندكم خلال سماعكم لهذه الآيات هذه الليلة ؟ أول قصة : قصة سيدنا موسى مع فرعون ، القصة الثانية : قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، القصة الثالثة : قصة عاد ، قصة ثمود ، هل هناك آيات تلفت النظر في هذه القصص ؟

﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾

[سورة البقرة :100]

 أنت يجب أن تكون مع الأقل لا مع الأكثر ، هذا يستفاد من هذا الكلام ؛ كن مع القلة المؤمنة لا مع الكثرة الكاثرة ، كن مع القلة الملتزمة لا مع الكثرة المتفلتة ، كن مع القلة الهادفة لا مع الكثرة الضائعة ، هذا المعنى .
 إذاً : إذا الإنسان قال : إن الناس كلهم هكذا ، هذا ليس دليلاً ، هذا دليل ضدك؛ كن مع المؤمنين ، كن مع الصادقين ، كن مع النخبة ، لا مع الكثرة التائهة والشاردة ، أيضاً :

﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾

[سورة الشعراء :9]

 العزيز أي أن العزيز يحتاجه كل شيء في كل شيء ، هذا العزيز ، والرحيم أي ليست رحمة النبي بأشدّ من رحمة الله عز وجل ، والدليل قال تعالى :

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

[سورة آل عمران :159]

عمل كبير جداً أن يعبأ الله بالمؤمنين و يتجلى عليهم بأنواره :

 إذاً من أواخر الفرقان ماذا تفهمون من قوله تعالى ؟

﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾

[سورة الفرقان :77]

 أنتم بخير ، والله يعبأ بكم ، عمل كبير جداً أن الله يعبأ بك ، أن الله مهتم بك ، أنه يطلبك إلى رحمته ، يدعوك إلى جنته ، يتجلى عليك بأنواره ، أراد أن يسعدك ، خلقك ليسعدك ، إذاً الله يعبأ بنا على علو جلاله ، علو قدره ، وعظيم جلاله ، يعبأ بنا ، ومن نحن ؟ نحن عبيد عنده :

((لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص في ملكي شيئا))

[مسلم والترمذي عن أبي إدريس الخولاني]

﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾

[سورة الزمر : 7]

﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾

[سورة الشعراء :78-83]

 هذا دعاء سيدنا إبراهيم :

﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾

[سورة الشعراء :83]

 الحكم أن تكون ذا حكمة ، وأن تكون ذا علم ، وهذا أثمن شيء تناله من الله عز وجل .

 

أحد أكبر أبواب العذاب أن تدعو مع الله إلهاً آخر :

 الآن : كان سيدنا عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى- كلما دخل إلى مجلس الخلافة ، يتلو هذه الآية ، وقد جعلها شعاراً له :

﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ *مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾

[سورة الشعراء:205-207]

 الإنسان لو تمتع ، لو غرق في النعيم ، لو أكل أطيب الطعام ، لو ارتدى أفخر الثياب ، لو ركب أغلى المركبات ، لو سكن في أجمل البيوت ، لو اقتنى أجمل البساتين :

﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ *مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾

[سورة الشعراء:205-207]

 ثم يقول الله عز وجل في نهاية هذه السورة الكريمة :

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾

[سورة الشعراء:213]

 أحد أكبر أبواب العذاب أن تدعو مع الله إلهاً آخر :

﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة الشعراء:214-215]

 مع الآية الثانية :

﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الحجر:88]

 يبدو أن الإنسان ينبغي أن ينتمي لمجموع المؤمنين ، يجب أن تحب كل مؤمن ، ولو لم يكن في جامعك ، هذه نظرة ضيقة تفتت قوة المسلمين :

﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

[سورة الشعراء:214-220]

من آتاه الله قدرات في الإقناع ينبغي أن يسخرها في معرفته سبحانه :

 ثم تأتي الآيات ، هناك آية أخيرة :

﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾

[سورة الشعراء:224-226]

 إذا الإنسان اتخذ القدرات اللغوية هدفاً بلا مضمون ، هذا إنسان لاه ، وساه ، ولاغ:

﴿ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾

[سورة الشعراء:225-226]

 أما إذا الإنسان آتاه الله قدرات في الإقناع فينبغي أن يسخرها في معرفة الله ، وفي الدعوة إليه .
 دخل شاعر إلى عند ملك ، قال له الملك : وَ ؟ قال له الشاعر : إنَّ ، فقط ، قال له الملك : وَ ؟ لم يفهموا شيئاً ، الشاعر قال : إنّ وانتهى المجلس ، قالوا له : ماذا قال لك ؟ قال لهم : قال لي : إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ، قلت له : والشعراء يتبعهم الغاوون .

 

النمل من أرقى الجماعات في النظام و المعرفة :

 إذاً من قصة سيدنا سليمان هل هناك من لفتة تذكرونها ؟ :

﴿ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾

[سورة النمل:18]

 الآن البحوث الحديثة تؤكد أن النمل من أرقى الجماعات ، يضاف إلى دقة نظامها، وانضباطها ، واختصاصاتها ، والتنسيق فيما بينها ، وتعاونها ، أنها تملك قدرة على التخاطب عن طريق روائح كيماوية ، وفيها معلومات عن مجتمع النمل لا تصدق ، ولا يستطيع مجتمع بشري أن يصل إلى مستواه ، لكن هذا بأمر لا تكليفي ولكن تكويني ، إلا أن الله أثبت للنمل فضلاً عن كل ذلك المعرفة ، النحل أثبت الله له النظام ، لكن النمل يتميز عن النحل بالمعرفة ، والدليل :

﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾

[سورة النمل:18]

 أي لا يعقل النبي أن يدوس نملة وهو يشعر ؛ فأضيف إلى التخاطب ، والنظام ، والتجمع ، والتنسيق ، والتعاون ، وما إلى ذلك أضيفت المعرفة ، وهذا من السبق العلمي .

 

عوامل الهدى هي العقل الراجح والخضوع للعلم :

﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾

[سورة النمل:42]

 القرآن يعلمنا أشياء دقيقة ، أحياناً يكون الشخص في موقف حرج ، يُسأل سؤال ، لاختبار ذكائه ، هناك إجابة يسمونها : الدبلوماسية ، لا تؤخذ منها إطلاقاً ، تحتمل كل المعاني، فكأنه هو ، فإن كان هو ، قالت : كأنه هو ، كأنه تعطي معنى ، وهذه إجابة دقيقة جداً ، فالإنسان يتبدى ذكاؤه .
 مرة سيدنا الصديق سئل في الطريق : " من هذا الذي معك ؟ سيدنا النبي ، وكان ملاحقاً ، وكان دمه مهدوراً ، وقد وضعت مئتا ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، ماذا يقول ؟ لا يكذب ، الصديق لا يكذب ، قال له : هو رجل يهديني السبيل ، فتوهم السائل أنه دليل طريق ، وأراد الصديق أنه يدله على الله عز وجل" . فأحياناً الجواب الدقيق :

﴿قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾

[سورة النمل:42]

 لماذا فعل هذا سيدنا سليمان ؟ لأن سيدنا سليمان نبي ، وهو يعلم علم اليقين أن عوامل الهدى هي العقل الراجح ، والخضوع للعلم ، فبتنكير العرش امتحن عقلها ، وباللذة حجَّمها .
 ملكة وجدت ماء بالقصر ، فكشفت عن طرف ثوبها لئلا يبتل :

﴿قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ﴾

[سورة النمل:44]

 هذا بلور ، أي صغرت ، حجَّمها ، وامتحن عقلها ، والإنسان إذا أراد أن يعلم عليه أن يمتحن عقل الآخرين ، والعاقل يستفيد أكثر من غير العاقل ، فهذه نستفيد منها .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور