وضع داكن
28-03-2024
Logo
قراءات قرآنية - الدرس : 21 - من سورة ابراهيم - الكلمة الطيبة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

الكلام من أكبر نشاطات الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام ؛ إن من أكبر نشاطات الإنسان الكلام ، والله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[سورة الرحمن :1-4]

 فالأنبياء الذين اصطفاهم الله ، وأرسلهم إلى خلقه ، بماذا جاؤوا ؟ ما جاؤوا بمخترعات ، ولا بطائرات ، ولا بصورايخ ، ولا بأجهزة معقدة جداً ، إنما جاؤوا بالكلمة ، كلمة تفعل فعل السحر ، كلمة تهدي البشر إلى رب البشر .
 ذكرت هذه المقدمة ، لأمهد لكم لهذه الآية :

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾

[ سورة إبراهيم: 24]

 الكلمة الطيبة هي الكلمة الصادقة ، والكلمة المخلصة ، والكلمة التي لها رصيد في الواقع ، كلمة تعبر عن واقع لها رصيد ، وكلمة صادقة مطابقة للواقع ، وكلمة مخلصة يبتغي معها صاحبها وجه الله ، هذه الكلمة الطيبة الإنسان إذا نطق بها ربما أصلحت نفوسنا . وربنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾

[سورة المائدة:32]

 أحياناً ربنا عز وجل يكرمك بهداية إنسان ، هذا الإنسان يأتي بأخيه ، وأخيه ، وصهره ، وابنه ، وينتقي زوجة صالحة ، ويختار أصدقاء صالحين ، يختار مهنة شريفة ، هذا الرجل الذي منَّ الله عليك بهدايته ، صار أمة ، صار مجموعة كبيرة ، فلذلك أنا أذكر هذا لئلا يزهد أحدكم بالكلمة ، لأن النبي - عليه الصلاة والسلام- يقول :

(( وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 ما من صدقة أعظم من كلمة الحق ، أن تقول كلمة الحق ، وقد يسأل سائل : لماذا الكلمة الآن لا قيمة لها ؟ يقول له : بلا فلسفة ، لماذا ؟ لأن الكلمة ليست صادقة ، والواقع لا يؤيدها ، وصاحبها لا يعني ما يقول ، فعندما كانت الكلمة صادقة ، وكانت مخلصة ، ولها رصيد من الواقع جاء بها الأنبياء ، هذا النبي العظيم بماذا جاء ؟ حياته خشنة جداً ، في صحراء ، حياة متواضعة ، بيوت صغيرة ، فرش خشنة ، طعام خشن ، لا يوجد شيء ، أما إنسان واحد في ربع قرن غير وجه الأرض بالكلمة .
 الآن : الدول العظمى عندها أقمار صناعية ، وعندها صواريخ ، وعندها كمبيوتر ، يقرأ أربعمئة وخمسين مليون حرف بثانية ، أربعمئة وخمسون مليون حرف بثانية ، مراصد عملاقة ، وأقمار صناعية ، وأسلحة ، وصواريخ ، وبوارج ، وطائرات ، وقنابل ذرية ، وكل هذا الإنجاز العلمي لا يزيد البشرية إلا شقاء وانحطاطاً ، والأنبياء جاؤوا بالكلمة ، كلمة فقط ، وأنت أيها الأخ الكريم أنت إذا ملكت الكلمة الطيبة ملكت كل شيء .
 أحياناً : تجد جموعاً كبيرة ، ما الذي جمعها ؟ كلمة طيبة ، الناس يأتون إلى بيوت الله ، ماذا يوجد ؟ لا يوجد كرسي ، ولا كأس شاي ، ولا ضيافة ، ولا رسم إكرامي ، لا يوجد شيء أبداً ، لا يوجد إلا كلمة طيبة .

 

تشبيه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة :

 الآن : ربنا عز وجل يصف هذه الكلمة الطيبة ، يشبهها بالشجرة الطيبة :

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾

[سورة إبراهيم:24]

﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾

[سورة إبراهيم:25]

 أنت تصور شجرة تين مثلاً ، خذ حبة تين ، وعد كم بذرة فيها ؟ وتصور أن كل بذرة تغدو شجرة ، وأن كل شجرة تحمل عشرات ألوف هذه الثمار ، وأن كل ثمرة فيها عشرات ألوف هذه البذور ، معنى هذا من بذرة واحدة يمكن أن تشكل غابة ، هذه تسمونها السلسلة الهندسية ، هناك تعبير أحدث منه (سلسلة انفجارية) ، فالكلمة الطيبة تعمل سلسلة انفجارية ، تجد مجتمعاً بأكمله يهتدي بالكلمة الطيبة ، فالمؤمن يجب أن يجهد ، أن يجعل سريرته كعلانيته، وواقعه ككلامه ، وظاهره كباطنه ، وخلوته كجلوته ، إذا عرف الإنسان أن هنا يوجد صدق ، لا يوجد كذب ، و لا مبالغة ، و لا تزوير للحقائق ، الكلمة الطيبة أكبر صدقة ، وأكبر قوة مؤثرة ، الإسلام قوي بلا أي سلاح ، قوي بالكلمة الطيبة ، قوي بالصدق :

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾

[سورة إبراهيم:24]

 معنى هذا أن أصلها ثابت ، الإسلام دين الله ، والله خالق الكون ، فهذا الإسلام من عند خالق الكون ، والله عز وجل هو الذي قنن القوانين ، إذاً : هذا الدين يتوافق مع أدق القوانين التي قننها الله عز وجل ، البشرية مهما تحركت ، ومهما نشطت في البحث عن منهج ، لا تهتدي إلا إلى منهج ينطبق على منهج الله عز وجل :

﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾

[سورة إبراهيم:25]

 أنت أحياناً تتكلم كلمة طيبة ، تجد من حين لآخر عطاءات ، هذا اهتدى ، وهذا تاب ، وهذا أصلح بيته ، وهذا أصلح زوجته ، وهذا تمكّن من إقامة الإسلام في بيته ، وأساس كل هذه الإنجازات كلمة طيبة واحدة :

﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾

[سورة إبراهيم:25]

 بعالم التجارة ، يكون الإنسان أحياناً وكيل شركة ، فهذه الشركة المحترمة ترسل له عملاءها دورياً ، مبالغ طائلة ، فلان اشترى لك بالمئة ثلاثة عمولة ، مئة ألف أُيدت في حسابك، أي عطاء مستمر ، لذلك ربنا عز وجل يحبنا أن نتاجر معه ، وأن نربح عليه ، أما أصلها فثابت .

 

الحق هو علاقة قطعية تطابق الواقع :

 كلكم يعلم أن الحق هو علاقة قطعية - أمر مقطوع به - تطابق الواقع ، عليها دليل مقطوع بها ، لا يوجد ظن ، يوجد عندنا وهم ، ويوجد عندنا شك ، ويوجد عندنا ظن ، أما القطع فمئة بالمئة ، فالحق قطع ، والحق يطابق الواقع .
 من أدق تعريفات العلم : الوصف المطابق للواقع مع الدليل . الغ الدليل صار تقليداً ، الغ الواقع صار جهلاً ، الغ القطع صار ظناً ، و شكاً ، و وهماً ، فالحق لا يحتمل ظناً، ولا شكاً ، ولا وهماً ، ولا بعداً عن الواقع ، ولا افتقاراً للدليل ، بل هو علاقة قطعية ، مطابقة للواقع ، عليها دليل ، هذا العلم ، فهذا الدين العظيم ينطبق على الواقع ، لأن الواقع خلق الله ، وهذا الدين دين الله ، والعقل مقياس أودعه الله فينا ، والفطرة مقياس نفسي ركبها الله في نفوسنا ، فالشيء الطبيعي ، والحتمي ، توافق هذه العناصر كلها ، فالحق شيء جاء به النقل ، وصدقه العقل ، وأقرّه الواقع ، وارتاحت له الفطرة ، هذا معنى أصلها ثابت .
 الإنسان أحياناً يتعلق بمذهب يتوهمه صحيحاً ، ثم يفاجأ بعد حين أن هذا المذهب لا أصل له ، وليس منطقياً ، وليس واقعياً ، وغير علمي ، عبارة عن نظرية ، أي ليست مستندة إلى أساس واقعي ، يصاب بخيبة أمل :

﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾

[سورة إبراهيم:24]

 أي هذا الحق ينتهي إلى الله عز وجل ، ينتهي إلى الجنة ، إلى السماء .
 أحياناً الإنسان يؤسس شركة ضخمة جداً ، يموت ، توزع هذه الشركة بين أولاده ، أو تباع ، بقيت في الأرض الإنجازات الدنيوية ، قد يأتي فنان يرسم آلاف اللوحات ، تبقى في الأرض ، بنَّاء يشيد أعظم الأبنية ، تبقى في الأرض ، مخترع يخترع أدق الأجهزة ، تبقى في الأرض ، أما الحق :

﴿وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾

[سورة إبراهيم:24]

 فهذه متصلة بالجنة ، أي الإنسان إذا سلك طريق الإيمان ، هذا الطريق ينتهي به إلى الجنة ، أساساً :

((مَن سَلَكَ طريقاً يَلْتَمِسُ فيه علماً ، سهَّلَ الله له طريقاً إِلى الجنة))

[أبو داود والترمذي عن أبي هريرة]

 إذاً أصلها ثابت ، أي في الأساس صحيحة ، واقعية ، علمية ، وهذا الحق ينتهي إلى الجنة :

﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾

[سورة إبراهيم:25-26]

الحق ثابت و باق والباطل زائل وفان :

 يوجد عندنا مشكلة الآن ، الكلمة الباطلة قال : تسري بسرعة بالغة ، يقول لك : الآن مثلاً : يوجد سبعمئة وخمسون مليون بوذي بالعالم ، أربعمئة وخمسون مليون هندوسي ، يقول لك : هناك شعوب تؤمن بالخزعبلات ، والأصنام ، والآلهة المتعددة بمئات الملايين .
 أحياناً تجد ثلث العالم ملحداً ، إذاً كيف ورد هذا في القرآن ؟

﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾

[سورة إبراهيم:26]

 أيضاً تنتشر سريعاً إلى درجة التفجر ، لذلك إذا الإنسان ما دعا إلى الله ، الباطل يحاصره ، كما أن الحق ينتشر ، والباطل ينتشر ، الحق يتوسع ، والباطل يتوسع ، فالله عز وجل قال :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾

[ سورة العصر: 1-3]

 أحد أركان النجاة التواصي بالحق ، لأنك إذا أنت ما وسعت دائرة الحق ، الباطل سيتوسع ، وسيحاصر الحق :

﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ﴾

[سورة إبراهيم:26]

 ليس لها أصل ، نظرية غير صحيحة ، الواقع لا يؤيدها ، المنطق لا يؤيدها ، النقل يعاكسها ، الفطرة تنفر منها ، هذا الباطل لا تقبله الفطرة ، ولا يطابق الواقع ، ولا يقره العقل ، ولم يأت به النقل ، لكن فكرة اتبعت ، وافتري بها من أجل مصلحة مادية محضة ، أيضاً الشجرة تتوسع ، لكن هذه الشجرة لا أصل لها ، فقد تُنشر نظرية ، وترسخ في قلوب الأجيال عشرات السنين ، بضع عشرات السنين ، ثم فجأة تنهار كبيت العنكبوت :

﴿اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾

[سورة إبراهيم:26]

 فالباطل اسمه باطل ، والباطل هو الزائل :

﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾

[سورة الإسراء:81]

 هنيئاً لمن كان مع الحق ؛ لأنه متنام ، والباطل متداع ، الحق ثابت ، والباطل زائل، الحق باق ، والباطل فان ، كن مع الحق ، فالله هو الحق :

﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾

[سورة إبراهيم:27]

ضرورة التمسك بالقول الثابت :

 أخواننا الكرام ؛ مثلاً مؤمن شاب لا يملك من حطام الدنيا شيئاً ، يتلو قوله تعالى :

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

[سورة النحل:97]

 هذا كلام خالق الكون ، المؤمن ، هذا القول الثابت الذي هو القرآن من عند خالق الأكوان ، هذا القول يملأ نفسه ثباتاً على الحق ، ورضى بما قسمه الله له .
 الآن أحياناً إنسان يبقى معلقاً كل آماله على مادة بقانون ، يقول لك : يوجد اجتهاد لمحكمة النقض رقمه كذا ، سنة كذا ، هذا لصالحي ، الدعوى أكسبها ، ما الذي جعل هذا المدعي يطمئن ، ويستبشر ، ويتفاءل ؟ لأن هناك مادة باجتهادات محكمة النقض لصالحه ، إذا كان هناك آيات من عند خالق الكون تطمئنك ، آيات تبشرك ، آيات تعدك بإحدى الحسنيين ، آيات تعدك بالجنة ، فلذلك المؤمن الذي يخاف أكثر مما يجب ، ويتشاءم مما يجب ، وسوداوي المزاج ، هذه الحالة القلقة التي يعيشها هي عقاب من الله على سوء ظنه بالله ، الإنسان عليه أن يتثبت بالقول الثابت ، كلام الله .

 

تذكير الإنسان برحمة الله عز وجل :

 يوجد نقطة ثانية بهذه السورة أخيرة . يقول الله عز وجل :

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾

[سورة إبراهيم:5]

 الإنسان أحياناً نفسه تقبل وتدبر ، يتألق ويخبو ، يقبل ويغفل ، في ساعة الغفلة ، ساعة الضعف ، يذكر نفسه بأيام الله ، الإنسان عليه أن يتحرك ، أي ليس له حق أن يستسلم لواقعه النفسي بل عليه أن يحرك نفسه ، فإذا مالت نفسه إلى التشاؤم ، إلى الخضوع ، شعرت أنها ضعيفة . الله قال :

﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾

[سورة إبراهيم:5]

 أن الله عز وجل وضعك بأزمة اليوم الفلاني ، وخلصك منها ، وضعك بأزمة ثانية امتحنك فيها ، ونجاك ، إنسان هددك ، والله حماك منه ، كان هناك شبح مرض خطير ، الله نجاك منه ، كان هناك حادث خطير ، سيصيب ابنك ، الله خلصك منه ، فهذه كلها رحمة الله عز وجل التي تصيب الإنسان من حين لآخر ، هذه تحتاج إلى سجل :

ولذ بحمانا واحتـــــــــم بجنابنــــــــــــــــا لنحميـــــك مما فيه أشرار خلقنـــــــــــا
وجدناك مضطراً فقلنا لـك ادعنــــــــا  نجبك فقل هل أنت حقا دعوتنـــــا ؟
دعوناك بالخيرات أعرضتـنـــــــــا إذاً  فهل تلقى من يحسن لمثلك مثلنا ؟
نناديك بالإحسان تأتي بضـــــــده مـ  ـع العلـــــــــم والإقـــــــــــرار أنك عبدنــــا
أيا خجلتي منه إذا هو قال لــــــــــــي  أيا عــــــــــــــبد سوء ما قرأت كتابنـــــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جـــــــرى  أما تخجلن من عتبنا يوم جمعنـــــــا
أما آن أن تقلع عن الذنـب راجعــــاً  وتنظــــــــــــــــر ما بـــــه جاء وعدنـــــا؟
فأحبابنــــا اختاروا المحــبة مذهبـــــاً وما  خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فلو شاهدت عيناك مـن حسننا الذ  ي رأوه لمــــا وليت عنــــــــا لغيرنــــــــا
ولو سمعت أذناك حســن خطابنـــــــا  خلعت عنك ثياب العجــــــــب وجئتنا
ولو ذقت من طـــعم المحبــــــــــة ذرة  عذرت الذي أضـــحى قتيـــــــلاً بحبنا
ولو نسمت من قربـــنا لك نسمــــــة  لمت غريباً واشـــــتياقاً لقربنــــــــــــــــا
***

محبة الله عز وجل بالنسبة إلى الدين كالروح بالنسبة إلى الجسد :

 أخواننا الكرام ؛ محبة الله عز وجل بالنسبة إلى الدين كالروح بالنسبة إلى الجسد ، دين بلا حب ميت ، الدين ليس أحكاماً شرعية فقط ؛ الدين حبّ ، الدين اتصال بالله ، الدين سعادة بالقرب من الله عز وجل ، لذلك :

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾

[سورة إبراهيم:5]

 لا يوجد مانع أن يستعرض الإنسان حياته الماضية ، كان فقيراً ، اشترى بيتاً ، كان عازباً ، الله زوجه ، أنجب أولاداً ، الأولاد بعضهم صالح ، قرة عين له ، كان لا يحسن شيئاً ، الله ألهمه مصلحة معينة يرتزق منها ، هذه كلها إنجازات ، الله عز وجل سمح لك فيها ، فالإنسان بأمر الدنيا لينظر إلى من هو دونه ، وفي أمر الآخرة لينظر إلى من هو فوقه .

 

ضرورة مطابقة الكلمة للواقع :

 نقطتان في الدرس : الكلمة الطيبة صدقة ، والكلمة الطيبة تعني أنها صادقة، وتعني أنها مخلصة ، وتعني أنها تطابق الواقع ، وهذه الكلمة جاء بها الأنبياء ، وأنت بإمكانك أن تكون أسعد الناس بالكلمة الطيبة ؛ إما بسماع الكلمة الطيبة ، وإما بلقاء الكلمة الطيبة ، لكن لأن الكلام صار فيه كذب كثير ، والعالم يقوم على الكذب ، والخداع ، والغش ، والدجل ، والكلام الذي لا يطابق الواقع ، والكلام في واد ، والواقع في واد ، فالناس كفروا بالكلمة ، لكن الأنبياء جاؤوا بالكلمة .
 والمؤمن الصادق يبقى مستقيماً ، ويحاسب نفسه حساباً عسيراً ، يجعل بيته إسلامياً، يطبق كل الشرع ، حتى يأخذ شيئاً اسمه المصداقية ، فلان عنده مصداقية ، أي كلامه كواقعه ، هذا الإنسان ممكن أن يؤثر بالناس ، ممكن أن يهدي الناس إلى الله ، ممكن أن يلتف الناس حوله ، ممكن أن يتأثروا بكلامه ، أما إذا كشف السامع تناقضاً بين القول والفعل فتسقط الدعوة .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور