وضع داكن
28-03-2024
Logo
تأملات قرآنية - الدرس : 42 - من سورة الفتح - الذنب.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الطاعة مستويات :

 أيها الأخوة الكرام؛ قال تعالى في سورة الفتح:

﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً ﴾

[ سورة الفتح:1-2 ]

 أولاً الذنب يقيّم بحسب صاحبه، وكل إنسان له مرتبة عند الله، وله ذنبٌ عنده، فمثلاً: هناك أشخاصٌ الكبيرة عنهم ذنب، أي إذا قتل، أو إذا زنا، أو إذا سرق، هناك أشخاص إذا نظر إلى امرأةٍ لا تحل له يشعر بالحجاب، عنده إطلاق البصر ذنبٌ كبير، إنسان آخر إذا تكلم كلمة غير مناسبة، هذه عنده ذنبٌ كبير، تحجبه عن الله عز وجل، إنسان آخر إذا انشغل بغير الله، هذه عنده ذنبٌ كبير.
 فالطاعة مستويات، أما إذا وصلنا إلى الأنبياء، فذنبهم من نوعٍ آخر، أقبلوا على الله، رأوا من جلاله، وكماله، ثم أقبلوا عليه ثانيةً فرأوا رؤيةً أوسع، فخجلوا من رؤيتهم السابقة، إنسان أنت تظنه غنياً كبيراً، قدرت له ثروته بحجم معين، ثم فوجئت أن ثروته أضعاف هذا الحجم، أنت عاملته على أساس أن ثروته بهذا الحجم، هي أكبر من ذلك، تشعر أنك ظلمته بهذا الظن، فيجب أن نفسر الذنب الذي عُزيَّ إلى النبي عليه الصلاة والسلام تفسيراً يليق بكمال النبي، ما كل إنسان له ذنبٌ يشبه ذنب الآخر.
 أحياناً كلمة، نحن في التعليم، طفل في الأول الابتدائي، إذا رسم خطاً مائلاً، نعدها ألفاً، نصفق له، ونعطيه مرحى، أما في الدكتوراه فسمعت في بعض البلاد أثناء المناقشة يغلط الطالب بحركة واحدة، يؤجل للعام القادم، في أثناء المناقشة، الخطأ بحركة يؤجل للعام القادم.
 فكلما ارتقى الإنسان دق ذنبه، يمكن أن نصور الذنوب كرات متفاوتة في الحجم، وكل إنسان له مصفاة، ثقوبها متفاوتة، تمر به كل كرة أصغر من هذا الثقب، فكلما ارتقت مرتبته عند الله ضاق قطر هذا الثقب، إلى أن يصل إلى درجة أدق الذرات، بذر التين لا يمر مثلاً، فالمؤمن يرتقي إلى الله، ويرتقي مستوى الذنب الذي يمكن أن يقع فيه، أحياناً نظرة قاسية تعد ذنباً، موقف مجاف يعد ذنباً، خاطر لا يليق بالله عز وجل يعد ذنباً، غفلة عن الله تعد ذنباً، هذا عند المؤمنين، أحياناً كلمة الإنسان يعاتب عليها عتاباً شديداً.
 سيدنا داود جاءه خصمان، حكم لهما سريعاً، فعاتبه الله عز وجل قال: يا داود أعرض عن الهوى، أيُّ هوى؟ هواه في محبة الله عز وجل، انشغاله بالله جعله يسرع في إصدار الحكم، فعاتبه الله عز وجل.

محاسبة الإنسان نفسه عن كل سكنة كلما ارتقى عند الله :

 كل شخص له عند الله مرتبة، وكل شخص له ذنب يحجبه عن الله عز وجل، إذا إنسان نذر نفسه لله، إذا قصر بخدمة إنسان يحجب عن الله، هو مستقيم، وقته كله لله، إذا قصر في خدمة إنسان، إذا نظر إلى إنسان نظرة دون أنه فقير، أو صغير، أو ما اهتم به، هذا يحجبه عن الله عز وجل، فكلما ارتقى الإنسان ارتقى المستوى الذي يحاسب عليه، طبعاً لا يحاسب الإنسان الغير مختص باللغة العربية إذا ألقى كلمة على أدق الحركات والسكنات، أما المختص باللغة العربية إذا ألقى كلمة فيحاسب على الحركة، لأن هذا اختصاصه، أما إذا جاءنا ضيف أجنبي مثلاً، ولغته العربية ضعيفة جداً، ونصب الفاعل، ورفع المفعول، ذكر المؤنث بالمذكر، والمذكر بالمؤنث، فنقول له: جيد جداً، ما شاء الله! أي لا يوجد كلمة صحيحة، لكن لأنه تمكن أن يعطي بعض المعاني باللغة العربية نصفق له، أما إذا إنسان مختص فنحاسبه على الحركة.
 إذاً كل إنسان له ذنبٌ يحجبه عن الله عز وجل، الذي سخره الله لخدمة الخلق يحاسب إذا أعرض عن إنسان، إذا أعرض عن إنسان لضيق الوقت، أو لانشغاله، أو لعدم انتباهه، يعاتب، ويحاسب، فالإنسان إذا شعر أنه محاسبٌ من قبل الله عز وجل، لا ينبغي أن يتألم، هذا دليل علو مقامه، أي كلمة واحدة يقولها الإنسان يحجب شهر أحياناً، إذا كان قريباً من الله، أما البعيد فمثلاً إنسان يرتدي ثوباً أبيض، يوجد ألوان ناصعة جداً، لها لمعة، هذا الإنسان الذي يرتدي هذا الثوب الأبيض الناصع، لو أن ذبابةً وقفت عليه وتركت أثراً، يظهر هذا الأثر، أما إذا الشخص يلبس أفرولاً، كان بزمانه أزرق اللون، من الشحم والطين والوحل صار أسود، أحضر لتر حبر، ضعه فوقه لا يهم، يقول لك: أنا ماذا فعلت؟ لم يعرف أين هو الآن، نسأل الله أن يجعلنا من أصحاب المراتب العالية، أحياناً كلمة فيها استهزاء، ذنب، أحياناً نظرة قاسية فيها ذنب، أحياناً تقعد بجلسة، تهتم بأربعة أو خمسة والبقية تهملهم، هذا ذنب، دخل وفد لعندك، رحبت باثنين أو ثلاثة، كيف الصحة؟ نسيت أن تسأل الآخرين: كيف الصحة؟ إنسان يوجد عنده ولدان، قبّل الأول، والثاني نسي أن يقبله، هذا ذنب، إذا أردت أن تدقق، الكمال ليس له نهاية فكلما ارتقى الإنسان يحاسب نفسه على الخطرات، على السكنات.

تفسير ذنب رسول الله بمستوى يليق به :

 النبي أقبل على الله- هكذا في بعض التفاسير- في اليوم التالي أقبل إقبالاً أعلى فرأى من كمال الله ما لم يره من قبل، فاستحيا بنظرته السابقة، هذا معنى الله أكبر، كلما أقبلت على الله، رأيت من كماله شيئاً جديداً أكبر مما عرفت في النظرة السابقة، وهذا المعنى مرّ معيّ شخصياً، إنسان أعرفه، ذو عمل بسيط بمجلة، عرضت عليه خدماتي في اللغة العربية، قال لي: أنا أحمل لِسانس، ما شاء الله! ثم هو شاعر و رسام و مخرج، وأنا كلما أظنه في مستوى أجده بمستوى أعلى، فكلما اتهمته بأنه بهذا المستوى فوجئت أن له مستوى أعلى، طبعاً في أمور الدنيا، أمور الرسم، واللغة العربية، والشعر، وما شاكل ذلك، إذاً يجب أن نفسر ذنب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمستوى يليق به.

حاجة السكينة إلى استقامة كاملة :

 شيء آخر؛ وهذه نقطة مهمة جداً، إنسان مشدود للدين، ما الذي جعله بهذا الوضع؟ قال تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾

[ سورة الفتح: 4 ]

 أيها الأخوة الكرام؛ الدين منطقي، والدين يتوافق مع العقل، أي يتوافق مع الفطرة، يتوافق مع الواقع، ومع كل ذلك كل هذه الأسباب لا تكفي كي تنطلق إلى الله بأعلى انطلاق، السبب؟ أن هذه السكينة التي يلقيها الله في قلب المؤمن هي التي تشده إلى الله عز وجل، مثلاً إنسان رأى خرائط قصر، مساحته ألف متر، خريطة الأساسات، خريطة الطوابق، هندسة البيت، بعد ذلك الديكور، التزيين، الفرش، كله ورق فقط، وهو مشدوه لهذا البيت، لكن هذا كله بكفة، وأن يسكن هذا البيت بكفة ثانية، أن تطلع على خرائط قصر، مساحاته، حدائقه، غرف النوم، أو صور دقيقة جداً، هذا كله إطلاع نظري، أنت معجب بهذا القصر، معجب بأثاثه، بهندسته، بتزيينه، بتوزيع غرفه، بحدائقه، لكن كله ورق، أنت تشعر بالبرد، جالس بخيمة، أما إذا دخلت إلى هذا القصر حقيقةً، وتنعمت بمساحته، ودفئه، وتكييفه، وإطلالته، وحدائقه فهذا شيء آخر، دخلنا بموضوع ثان، فبين أن تكون قانعاً بالدين، وبين أن تعيش جو السكينة التي تجلى الله بها على قلبك، هذه السكينة مشكلتها تحتاج إلى استقامة كاملة، السكينة تحتاج إلى إخلاص لله عز وجل، لذلك:

﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾

 أي الذي يشدك إلى الدين بأكبر نسبة هو أن الله سبحانه وتعالى يتجلى على قلبك، تجد الناس في خوف، المؤمن في طمأنينة، الناس في قلق، المؤمن في سكينة، الناس يضعفون أمام الضغوط، هو يقوى أمام الضغوط، الناس يضعفون أمام المغريات، هو لا يبالي بها، وكأنه من طينةٍ أخرى، هذه السكينة، يعطيك الله قوة تأثير، يعطيك مواقف صلبة، يعطيك مناعة أمام المغريات، وهناك إنسان مقاومته هشة، ما دام وضعه المادي خشناً جداً، يمشي بالدين، لكن أمام أي إغراء ينتهي، فالذي يجعلك تصمد أمام المغريات، أمام الضغوط، أمام المقلقات، أمام المصائب الطبيعية هو هذه السكينة:

﴿ أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾

.

ارتباط السكينة بالإخلاص :

 إذاً أنت حينما تستقيم على أمر الله، وتخلص له، وتقبل عليه، يأتيك من الله مدد تسميه سكينة، تسميه تجلياً، تسميه حالاً، سمّه ما شئت، ولكن تأكد أن هذا الحال لا يُدعى، كل من يدعي الحال فهو كاذب، لأن الله عز وجل لا يتجلى على قلبٍ فيه غير الله، يقول ابن عطاء الله السكندري: القلب المشترك لا أقبله، ولا أقبل عليه.
 العمل المشترك الله عز وجل لا يقبله، كما أنه لا يقبل على صاحبه، فمع الإخلاص في كل شيء هذه السكينة، كأنه لك حالة خاصة، استثنائية، الحياة كلها ضغوط، ضغوط الحياة كبيرة جداً، مغرياتها كبيرة، مشكلاتها معقدة، تجد البيوت فيها مشكلات لا يعلمها إلا الله، المؤمن مستثنى:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾

[ سورة المعارج:19-22 ]

 أي الإنسان تعلم، قرأ، قرأ القرآن، قرأ السنة، حضر مجلس علم، معه خرائط قصر عنده قناعة، والله هذه المساحة كافية، التزيينات جيدة، الحديقة واسعة، الإطلالة جميلة، هو ساكن بخير، أما عندما يستقيم استقامة صحيحة، ويخلص، سكن هذا القصر, بين أن تملك خرائط قصر، وبين أن تملك قصراً حقيقياً مسافة كبيرة جداً، فهذه السكينة ثمن الاستقامة والإخلاص.

الفوز العظيم هو الوصول إلى جنة الله عز وجل :

 يقول الله عز وجل بعد ذلك:

﴿ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

[ سورة الفتح :5]

 أعظم شيء أن يتطابق مفهوم الفوز عندك مع مفهوم الفوز في القرآن الكريم، عند معظم الناس مفهوم الفوز الغنى، مفهوم الفوز النجاح في الحياة، مفهوم الفوز أن تكون في مكانة علية في المجتمع، مفهوم الفوز أن ترزق بأولاد نجباء، مفهوم الفوز أن تكون لك زوجةٌ تروق لك، هذا مفهوم الفوز، أما عند الله عز وجل فأن تصل إلى الجنة، وهي دار النعيم المقيم، الحياة مشحونة بالمشكلات، حتى لو الإنسان وصل إلى درجة عالية من النجاح عنده قلق عميق، يا ترى أنا سأبقى هكذا؟ الآن أكثر الناس تقول: الله لا يبركنا، من يعرف كيف سينتهي عمره؟ قد يبقى في الفراش عشرين سنة، عشر سنوات، يستمع بأذنه إلى كلمات، الله يخفف عنك، يقول له هذه الكلمة أقرب الناس إليه، من يضمن حركته بعد ساعة؟ حركته، والله أعرف شخصاً ذهب لبلودان، ورجع، فقد حركته نهائياً، وفي غيبوبة إلى الآن، من يضمن حركته إلى ساعة؟ من يضمن وعيه؟ من يضمن ذاكرته؟ ينسى بيته، ينسى أولاده، من يضمن سمعه وبصره؟ من يضمن عقله؟ إذا كان عنده خلل أقرب الناس إليه يتوسط لدى أولي الأمر كي يدخلوه مستشفى المجانين، أقرب الناس إليه.

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾

[ سورة آل عمران:26 ]

 فلذلك الفوز العظيم أن تصل إلى جنة الله عز وجل.

((ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 أنا أرى أن معظم الناس يبحثون عن الجنة في الدنيا، يريدون متعها، مباهجها، طعامها، شرابها، نساءها، مقاصفها، السفر، الإنفاق، استعجلوا طيبات الله عز وجل في الدنيا فحرموا منها في الآخرة:

﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة الأحقاف: 20 ]

 أي كلمة جنة يجب أن تدخل في الحسابات الدقيقة، النبي الكريم يضطجع على حصير يؤثر على خده الشريف، يبكي عمر، يقول له:

(( ما لك تبكي؟ أفي شكٍ أنت يا عمر؟ قال: لا والله، لكن رسول الله ينام على الحصير، وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير؟! قال: يا عمر أما ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا؟ إنها نبوةٌ وليس ملكاً، أفي شكٍ أنت يا عمر؟!))

 أنا سمعت خبراً أن أعلى ربح في العالم من حققه؟ تجار المخدرات، حققوا رقماً فلكياً، معنى هذا أن المال ليس له قيمة عند الله عز وجل، ما دام أعطاه لتجار المخدرات.
 انظر لكلمة:

﴿ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

 انظر ما مقياس الفوز عندك؟ إذا كنت مهتدياً إلى الله، هذا المقياس يتطابق مع مقياس القرآن كريم، الآن إذا إنسان مادي، يقيّم الناس بحجمهم المالي، فإذا كان الشخص ذا قيمة مالية قليلة لا يعتني به، أما إذا إنسان مؤمن فيقيذم الناس بإيمانهم، قد يكون الشخص فقيراً جداً، يحترمه احتراماً ليس له حدود لإيمانه وعلمه، لا لحجمه المالي، فلاحظ تطابق مقياسك للفوز مع مقياس القرآن الكريم، إذا كنت مؤمناً حقاً تقدر المؤمن، تقدر المستقيم، تقدر العالم، تقدر من أجرى الله على يده الخير، إذا كنت دنيوياً تقيّم الناس بدخلهم، تجد دخله قليلاً هذا مسكين.

الظن السيئ يعود بالخسران على صاحبه :

 ثم يقول الله عز وجل:

﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾

[ سورة الفتح: 6 ]

 إذا كان أمامك كيلو من الذهب - مثلاً سبيكة - هو لك، قلت: هذا تنك، فانصرفت عنه، هو بقيت ذهباً، لكن أنت خسرت كيلو من الذهب المعد ليقدم لك هدية، أنت اتهمته أن هذا ليس ذهباً، إنما هو معدنٌ خسيس، اتهامك له غير العلمي لا يجعله معدناً خسيساً، يبقى الذهب ذهباً، لكنك حرمت منه.
أنت ظن بالله ما تشاء، إذا ظننت به

﴿ ظَنَّ السَّوْءِ ﴾

 حرمت نفسك من خيراته، حرمت نفسه من بركاته، حرمت نفسك من جنته، حرمت نفسك من لذة الإقبال عليه، حرمت نفسك من السكينة تتنزل على قلبك، ظنك السيئ يعود عليك وحدك بالخسران

﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾

 إنسان أحب أن يعطيك مبلغاً ضخماً، قلت له: أنت لا تملك هذا المبلغ، كذاب مثلاً، قال لك: كما تريد، أي أنت حينما تتهم شيئاً عظيماً تخسر أنت وحدك.
 أخواننا الكرام، أحياناً الإنسان يريد أن يشتري بيتاً، يرونه بيتاً ليس مناسباً، مساحته صغيرة، شمالي، سعره مرتفع، بحي غير لائق، أنت أحياناً ترفض الشيء احتقاراً له، إلا أن هناك شيئاً واحداً إذا رفضته تحتقر نفسك:

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾

[ سورة البقرة: 130 ]

 كل إنسان يعرض عن الدين يحتقر نفسه، يضع نفسه في موضعٍ لا يليق به، الدين يشرفك، ويرفعك، الآن يعبدون الجرذان في الهند، يعبدون الأصنام، يعبدون الشمس، القمر، يعبدون النار، يعبدون موج البحر، هؤلاء سفهوا أنفسهم.

ثبات المؤمن على عهده في جميع الحالات :

 بعد ذلك يوجد نقطة دقيقة:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾

[ سورة الفتح:10]

 دقق، أنت اصطلحت مع الله، وعاهدته على الطاعة، لكن عندما تزل قدم الإنسان يتذكر عاهد من، أنت ما عاهدت إنساناً عادياً، أنت عاهدت خالق الأكوان، ربنا عز وجل يقول:

﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ﴾

[ سورة الأعراف: 102 ]

 جميل جداً أن تعاهد الله، وأن تبقى ثابتاً على عهدك، المؤمن ثابتٌ على عهده في السراء والضراء، في المنشط والمكره، قبل الزواج وبعد الزواج، في إقبال الدنيا أو إدبارها، في الصحة والمرض:

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾

[ سورة الأحزاب:23]

 الآن يوجد ذهب، ويوجد حلي رخيصة جداً، منظرها جميل، مثل الذهب تماماً، مع الاستعمال تصبح سوداء، ويوجد ألماس طبيعي، وألماس صناعي، بالمحل عند الصائغ مثل بعضهم تماماً، ثمن هذا الخاتم ستون ألفاً، و هذا ثمنه ثمانية آلاف، بالعين هذا الألماس الصناعي كالطبيعي تماماً، بدون استعمال، أما على الاستعمال فينطفئ، والذهب الصناعي التقليدي على الاستعمال يصدأ.
 فالبطولة أن تكون كالذهب، وهذه المعلومة أدركتها عندما قرأت مرة مقالة في مجلة، باخرة غارقة سنة ألف وثمانمئة وعشر، فيها خمسة طن من الذهب، سبائك، من خلال التاريخ، من خلال الأخبار، الآن يوجد شركات تبحث عن هذه البواخر التي غرقت، وصار هناك إمكانات أن ينزلوا ويستخرجوها، فأخرجوا خمسة طن من الذهب، وضعوا السبائك بصورة ملونة والله كأن الذهب الآن قد صبّ، من سنة ألف وثمانمئة وعشر بقاع المحيط، يقولون لك: الذهب لا يتغير، فالمؤمن الراقي ذهب عيار أربعة وعشرين، يوجد ذهب عيار واحد وعشرين، و ذهب ثمانية عشر، وستة عشر، وعشرة، وهناك نحاس مطلي بالذهب، ونحاس، وتنك، النبي قال:

(( الناسُ مَعَادِن ))

[مسلم عن أبي هريرة ]

 فالإنسان عليه أن يكون ذهباً عيار أربعة وعشرين، لا يغير لا بإقبال الدنيا، ولا بإدبارها، ولا بالغنى ولا بالفقر. قبل الزواج لا يغيب عن الدرس، بعد الزواج لم يعد يحضر، المشكلة بالثبات، الثبات نبات، لذلك:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾

.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وأرضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبيِّ الأميِّ، وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور