وضع داكن
20-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 095 - الموفقون في الحياة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

علام يشير هذا الحديث؟ :

 عن ابن عباس -رضي الله عنهما وعن أبيه- قال:

((كان عمر بن الخطاب يُدخِلُني مَعَ أَشْياخِ بدْرٍ, –أشياخ كبار لهم شأن كبير, وكان هذا الغلام الصغير, يدخله عمر مع أشياخ بدر-, فكأنَّ بعضَهُمْ وجَدَ في نفسه, -يعني تألم–, فقال: لِمَ تُدْخِلْ هذا مَعنا، ولنا أبناءٌ مثْلُه؟.
-يعني اجتماع لكبار الشخصيات لشيوخ بدر, معهم غلام صغير في سن أولادهم, تألموا, فقالوا لسيدنا عمر: لم يدخل هذا معنا, ولنا أبناء مثله؟- فقال عُمرُ: إنَّهُ مَنْ علمتُم, –كلام موجز بليغ: إنه من حيث علمتم-.
قال: استدعاني ذات يوم, فأدخلني معهم, فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليُريهم, –دعاني خصيصاً, ليريهم مقامي عنده-, قال: ما تقولون في قول اللّه عز وجل

﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾

[النصر:1]

 ؟ فقال بعضُهم: أُمِرْنا أنْ نَحْمَدَ اللّه ونَسْتَغْفِرَهُ، إذا نُصِرْنا وفُتِحَ عَلَيْنا.
 -واضحة الآية:

﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾

[سورة النصر الآية:1]

﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً﴾

[سورة النصر الآية:2]

﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾

[سورة النصر الآية:3]

 يعني: أمرنا أن نسبحه, وأن نحمده, وأن نستغفره, وإذا نصرنا, وفتح علينا, واضحة الآية- وسكتَ بعضُهم، فلم يقل شيئاً, فقال لي سيدنا عمر: أكذَاك تقولُ يا بن عباسٍ!؟ قلت: لا, -ليس هذا هو المعنى-, قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم, أعلمه له))

 

هذه السورة, نعوة النبي, هذا الغلام الصغير الذي في سن أولادهم, فهم من السورة شيئاً , لم يفهمه أشياخ بدر.
 لذلك: أن يؤتى الإنسان فهماً دقيقاً في القرآن, هذه نعمة لا تقدر بثمن, أن يؤتى الإنسان فهماً دقيقاً لكتاب الله, هذه نعمة لا تقدر بثمن.

علام تشير هاتان الآيتان؟ :

 وفي القرآن الكريم: إشارة لطيفة في قوله تعالى:

﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾

[سورة الأنبياء الآية:79]

﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾

[سورة الأنبياء الآية:78]

 وفي حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إشارة ثانية: حينما دعا لعبد الله بن عباس, قال:

((اللهم علمه التأويل))

 وفي إشارة ثالثة: هي قصة سيدنا يوسف في قوله تعالى:

﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾

[سورة يوسف الآية:6]

 النص موجود, يعني في بعض الأمثلة ......

إذا أوتيت فهماً في القرآن الكريم فقدر هذه النعمة :

 أحياناً: نص تجده في كتاب الصف السابع, والنص نفسه تجده في كتاب العاشر, وفي كتاب الحادي عاشر, والنص نفسه درسناه في الجامعة, بسطر واحد: أمضى الأستاذ فيه ساعتين, بيت في الشعر واحداً أو واحدٌ أمضى فيه ساعتين, فالنص نص, أما التحليل والفهم هنا التفاوت, تفاوت العلماء مع القرآن؛ تفاوت في الفهم, في العمق, في كشف الإبعاد, في كشف الاستنباطات, في كشف التأويل, في كشف الأحكام الشرعية, في كشف التوجيهات, في كشف العبر والعظات, فمن أوتي فهماً في كتاب الله, فهذه نعمة لا تقدر بثمن.

هذه مهمة الأنبياء :

 الأشياخ, ماذا قالوا؟ قالوا:

((أمرنا أن نحمد الله, وأن نستغفره, إذا نصرنا, وفتح علينا, وسكت بعضهم, قال ابن عباس: أكذلك؟ قال: لا, قال: فما تقول؟ قال: قلت: هو أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلمه له))

 يعني: الأنبياء ليس لهم في الدنيا حظوظ, هدفهم نشر الحق, فإذا أدوا مهمتهم, تنتهي آجالهم.
 الآن: يعني للتوضيح فقط, يذهب رئيس دولة إلى بلد, يقيم ساعتين ويرجع, حسناً: ألا يقعد في فندق جميل, يعمل -هكذا- نزهة, بمقصف جميل, حوالي خمسة أيام يرتاح؟ مهمة كبيرة جداً, فإذا جرت مباحثات, وصل لنتائج, انتهت الزيارة.
 فالعظام يعني: الكبراء, الأبطال, ليس عندهم وقت يمضونه بلا معنى.
 فالنبي -عليه الصلاة والسلام-: جاء إلى هذه الدنيا لينشر الحق, وأنت حينما تقف على قبره الشريف تقول:

((أشهد أنك بلغت الرسالة, وأديت الأمانة, ونصحت الأمة, وكشفت الغمة, وجاهدت في الله حق الجهاد, وهديت العباد إلى سبيل الرشاد))

سؤال وجواب :

 سؤال: متى يؤتى الإنسان فهماً في كتاب الله؟ سؤال دقيق جداً.
 الآن: تبين أن أعظم شيء:

﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾

[سورة الأنبياء الآية:79]

﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾

[سورة يوسف الآية:6]

 إلا أن يؤتى فهماً في القرآن, فهماً دقيقاً, الجواب:

((من عمل بما علم, أورثه الله علم ما لم يعلم))

 أنت حينما تطبق كل الذي تعلمه, يكشف الله عن بصيرتك, ويقذف النور في قلبك, ويعلمك من تأويل الأحاديث, ويؤتيك فهماً في كتاب الله, وحينما تفهم آية فهماً دقيقاً, تشعر أنك ملكت الدنيا.

ما دلالة هذه الأمثلة؟ :

 أضع بين أيديكم بعض الأمثلة ......
 يأتي الإنسان, يقرأ قوله تعالى:

﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾

[سورة الشمس الآية:7]

﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾

[سورة الشمس الآية:8]

 واضحة, يعني الله عز وجل جعل هذه النفس فاجرة, وجعل هذه النفس تقية, انظر فيها هذه: أنا ليس لي علاقة, إن كنت فاجراً لا علاقة لي, حسناً: كيف يحاسبني؟ كيف يعاقبني؟ كيف يسألني؟ إذا كان الله عز وجل هو الذي جعل هذه النفس فاجرة, وجعل هذه النفس تقية:

﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾

[سورة الشمس الآية:7]

﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾

[سورة الشمس الآية:8]

 فإذا فهم الإنسان: أن الله خلق فيها الفجور, وخلق فيها التقوى, بالتعبير الدارج: ضاع بيته, انتهى دينه كله, هو ليس له علاقة؛ الله خلق هذا زانياً, وخلق هذا طاهراً, حسناً: كيف يحاسبه!؟
العوام يقولون: طاسات معدودة بأماكن محدودة.
 لا تعترض تطرد.
 هكذا ترتيب سيدك.
 هكذا يقولونها كلهم.
 الإنسان مسير, الإنسان يجبر على المعاصي, ثم يحاسب على هذه المعاصي, ويستحق النار إلى أبد الآبدين, هذا الفهم للآية, انتهيت أنت فيه, انتهيت, المعنى ليس كذلك, المعنى:
 فطر هذه النفس فطرة عالية, راقية, بحيث أنها إذا فجرت, تعلم ذاتياً: أنها فجرت من دون معلم, وإذا اتقت تعلم أنها اتقت, يا عيني, كم الإنسان راق جداً؟.

قف هنا :

 لما تنقص المادة الغذائية بالمستودعات في الكبد, يقول لك: جائع, لو فحصت دم الجائع, نسب الغذاء تامة, لو فحصت الكبد, النسب ناقصة في الكبد, لأن الإنسان مبرمج, مؤلف, مهيأ؛ أنه بمجرد أن تقل المواد الغذائية في الكبد, يشعر أنه جائع, الصنعة متقنة جداً.
 الآن: السيارة, أحياناً: يُقطع الشريط الذي يربط الدينمو في المحرك, أو تتعطل المبردة بالسيارة, المحرك يحمى, يحترق, يعطونك ساعة حرارة, إذا في حديث ممتع مع صديقك, قد لا تنتبه.
 يعني: هذا الجوع ما نوعه؟ الجوع: يا ترى مؤشر حراري؟ بصري؟ سمعي؟ صوتي؟.
 يقول لك: جائع, ما نوع الإحساس بالجوع؟.
 فهذه الآية:

﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾

[سورة الشمس الآية:7]

﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾

[سورة الشمس الآية:8]

 والله شيء جميل, هذا فهم دقيق لكتاب الله, مريح, حسناً

ما وراء هذه الآيات :

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى﴾

[سورة الحج الآية:52]

 -أي قال-:

﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾

[سورة الحج الآية:52]

 والله هذه مشكلة, هذا كان نبياً, هذا قمة المجتمع البشري:

﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ﴾

[سورة آل عمران الآية:33]

 إذا كان الشيطان يستطيع أن يصل إلى هذا النبي, وأن يلقي في نفسه الوساوس, والفطرات, فنحن لو فعلنا الكبائر, لا يوجد شيء علينا, إذا النبي .......
 هذه الآية ليس هذا معناها أبداً: إذا تمنى النبي هداية قومه:

﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾

[سورة الحج الآية:52]

 هو, إضلالهم, معنى كبير جداً, النبي تمنى هدايتهم, والشيطان تمنى إضلالهم, هذا الفهم مريح:

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً﴾

[سورة يونس الآية:99]

﴿وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾

[سورة النحل الآية:9]

 يوجد أكثر من عشرين آية ......
 ولو شاء ربك لاهتدى الناس جميعاً؛ ولكن لم يشأ, لا يريد, يا رب لماذا لا تريد؟ لماذا لا تريد أن تهدينا؟:

﴿لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً﴾

[سورة الرعد الآية:31]

 إذا أوتيت فهماً في كتاب الله, تفهم هذه الآية على حقيقتها, الله عز وجل: لو أننا هدانا إليه قسراً, هذه الهداية القسرية: لا نسعد بها إطلاقاً, الإنسان مخير؛ ولكن الله عز وجل: أرادنا أن نأتي إليه باختيارنا, طوعاً لا كرهاً, بمبادرة منا, أراد المحبوبية منا, ما أراد القهر والعنف منا, أن تأتيه محباً, هذا المعنى جميل جداً.
 يعني: آيات كثيرة جداً, حينما تفهمها فهماً دقيقاً: تصير إلى الله, وحينما تفهمها فهماً معكوساً: تُثبط عزيمتك, تُشكل قواك, تبرك في مكانك, صار في فرق كبير.

خطأ وصواب :

 إنسان قال لي, قال لي: إذا شخص قال: لا إله إلا الله يدخل الجنة, وإن زنا, وإن سرق, قلت له: لكن لم يقل النبي: وإن يزني, قال: وإن زنا بالماضي, يعني زنا, وتاب, يدخل الجنة؛ لكن لم يقل: وإن يزني, بين الماضي والحاضر مسافة كبيرة جداً.
 تقرأ قصة: يوجد ملكان هاروت وماروت, نزلا إلى الأرض, وفسقا, وفجرا, وفعلا كل المنكرات. الله عز وجل قال:

﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾

[سورة البقرة الآية:102]

 ما نافية, القصة لا أصل لها؛ فبين أن تفهمها نافية وتنفي القصة, وبين أن تظنها موصولة وتثبتها, فإذا أثبتها: هل يُعقل أن الله يُضل البشر؟ مستحيل.

انظر إلى المعنى المخالف للآية وبين المعنى الصحيح :

 يعني: حتى مثلاً:

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾

[سورة الكهف الآية:28]

 ألا يقول أحدكم: حسناً: ما ذنبه؟ إذا كان الله قد جعله غافلاً:

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾

[سورة الكهف الآية:28]

 نحن جعلناه غافلاً, هذا الإنسان: إياك أن تطيعه, حسناً: ما ذنبه؟ أما إذا فهمت هذه الآية فهماً عميقاً:

﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾

[سورة الكهف الآية:28]

 يعني: وجدناه غافلاً.
 عاشرت هؤلاء القوم فما أجبنتهم؛ يعني: ما وجدتهم جبناء.
 عاشرت هؤلاء القوم فما أبخلتهم؛ أي ما وجدتهم بخلاء:

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ﴾

[سورة الكهف الآية:28]

 من وجدناه غافلاًَ, ليس المعنى: أننا خلقنا فيه الغفلة, إلا أن يؤتى فهماً في كتاب الله.

ما العبرة من هذه الآيات؟ :

﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾

[سورة السجدة الآية:13]

 هذه فسرها أنت, فسرها تفسيراً يليق بكمال الله, يليق بعدالته, لو شئنا؛ لكن لم نشأ:

﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾

[سورة السجدة الآية:13]

 ولكن لم نشأ.
 كيف توفق هذه الآية مع آلاف الآيات:

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً﴾

[سورة النساء الآية:27]

 كيف توفق بين هذه الآية وبين قوله تعالى:

﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾

[سورة إبراهيم الآية:8]

﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾

[سورة الزمر الآية:7]

 كيف توفق بين هذه الآية وبين قوله تعالى:

﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾

[سورة هود الآية:119]

 كيف؟ لا بد من أن تؤتى فهماً في كتاب الله, يجب أن تقول:

﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾

[سورة السجدة الآية:13]

 يعني: يا عبادي, إنكم تزعمون أنني أجبرتكم على المعاصي, هذا وهم, لو أنني أريد أن أجبركم على أعمالكم, وأن ألغي اختياركم, وأن ألغي التكليف, وأن ألغي الأمانة التي حملتكم إياها, لو أنني أردت أن أجبركم على شيء, لما أجبرتكم إلا على الإيمان والهدى.
 إذا القضية بالإجبار: لا أجبركم إلا على الهدى, ولو شئنا أن نلغي اختياركم, نلغي حمل الأمانة, نلغي التكليف, لو أردنا أن نلغي هويتكم, وأن نجعلكم مخلوقات مسيرة, إن أردنا أن نجبركم على شيء, ما أجبرناكم إلا على الهدى, ولكن هذا الذي تفعلونه بمحض اختياركم, ومن كسبكم, وسوف تحاسبون عليه, أما ادعاؤكم أنني أجبرتكم عليه: هذا دعاء باطل, لا أصل له:

﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾

[سورة السجدة الآية:13]

 والله -أيها الأخوة- تقرأ تفسير آية, تطير طيراناً محبة لله, تقرأ تفسير آية ثانية, فالإنسان لم يؤت فهماً بكتاب الله, لم يعلم التأويل, تشعر أنك شللت, وأنك بركت في أرضك. فالعبرة أن تفهم هذه الآيات.

ما النتيجة التي يحصل عليها العبد حينما يفهم تأويل هذه الآية بشكلها الصحيح؟ :

 لذلك قال تعالى:

﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾

[سورة يونس الآية:39]

﴿بَلْ كَذَّبُوا﴾

[سورة يونس الآية:39]

﴿وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾

[سورة يونس الآية:39]

 يعني أنت حينما تقرأ ظاهر الآية ولا تفهمها, قد تكون على بعض الحق, أما حينما يأتيك تأويلها الدقيق, لا بد من أن تكون واثقاً من عظمة هذا الكتاب.

هذا تبويب القرآن :

﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾

[سورة الأنعام الآية:115]

 القرآن كله: لا يزيد عن أن يكون أمراً وخبراً؛ فالأمر عدل, والخبر صدق, القرآن كله: إما انه يأمرنا, أو يُخبرنا.
 الله الذي خلق السموات والأرض يخبرنا:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾

[سورة الحشر الآية:18]

 يأمرنا, فالقرآن كله يمكن أن يبوب في بابين: أمر وخبر:

﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾

[سورة الأنعام الآية:115]

 انتهى الأمر.

ابن عباس أصاب في تأويل هذه الآية :

 إذاً: ابن عباس: علمه الله التأويل.
 قال له:

((يا بن عباس! ما تقول في هذه الآية؟ قال: هو أجل النبي -عليه الصلاة والسلام- أَعْلَمَهُ له))

 لذلك: عن عائشة -رضي الله عنها-, قالت:

((ما جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة بعد أن نزلت عليه ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾, إلا يقول فيها: سبحانك ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي))

 وفي رواية في الصحيحين عنهما: كان -عليه الصلاة والسلام- يُكثِرُ أن يَقُولَ في رُكُوعِهِ وسُجودِهِ:

((سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمدِكَ، اللَّهُمَّ اغفِر لي، يَتَأوَّلُ القُرآنَ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والنسائي في سننهما]

 ومعنى يتأول القرآن: أي يعمل به, والتأويل أحياناً: وقوع الوعد والوعيد.

ما معنى التأويل؟ :

 حسناً: قال لإنسان مدخن, قال له: أنت سوف تصاب بجلطة ضمن ستة أشهر, وهذا الذي قاله صحيح, وفعلاً: أصيب بجلطة بعد خمسة أشهر, هذا ليس علم غيب, علم بالقوانين, حينما أصيب بجلطة, بعد أن توقعها الطبيب.
نقول: هذه الإصابة هي تأويل كلام الطبيب.
 الله عز وجل: إذا وعد المتصدق أن يزيد في ماله, وأوعد المرابي أن يمحق ماله, محق مال المرابي, وزيادة مال المتصدق, هو تأويل هذه الآية:

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية:276]

 معنى التأويل الدقيق: وقوع الوعد والوعيد, ما الذي يدعم إيمانك بالقرآن؟ أن يأتي تأويله, وتأويله: وقوع الوعد والوعيد, ما الذي يدعم إيمانك بالقرآن؟ أن يأتي تأويله, والإنسان –أحياناً- ينبغي أن ينتظر تأويل القرآن.

افهم جيداً :

 يعني قد تجد إنساناً ذكياً جداً, ممثل من الطراز الأول؛ ورع, ونزاهة, واستقامة, وصلاح, ودين, لكن لا يصلي, يحيرك, يا أخي فهيم, أمين.
 الله عز وجل قال:

﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾

[سورة آل عمران الآية:73]

 الإنسان الذي قلب الموازين عندك, كيف لا يصلي, وكيف صادق, وأمين, وحقاني, وخدوم, ونشيط, لما تسنح له الفرصة: يضرب ضربته القاصمة, حينما يخونك, تأكد أنت: أن غير المؤمن لا يمكن أن يستقيم لك, ترتاح, هذا ظني به.
 لذلك: الإنسان لا يتورط بشراكة مع إنسان غير موثوق في دينه, لا يتورط في زواج, لا يتورط في علاقة متينة مع إنسان بعيد عن الدين, لا بد من أن يغدر به.

ما هي الكلمات التي كان النبي يكثر ذكرها قبل أن يموت, ولم كان يذكرها؟ :

 وفي رواية لمسلم: كان -عليه الصلاة والسلام- يُكثر أن يقول قبل أن يموت:

((سبحانك اللهم وبحمدك, أستغفرك وأتوب إليك, قالت عائشة: قلت: يا رسول الله! ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: جُعلت لي علامة في أمتي, إذا رأيتها قلتها: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا﴾))

احفظ هذا القول للعكبري :

 أيها الأخوة, أعظم شيء تفعله في حياتك الدنيا: أن تفهم كلام الله, أعظم شيء تفعله في حياتك الدنيا: أن تفهم كلام الله, وكلام الله يُؤخذ ممن فهمه.
 قال العُكْبُري: تُؤخذ ألفاظ القرآن من حفاظه, وتُؤخذ معانيه ممن يعاني.
 أيها الأخوة الكرام: إلى درس قادم إن شاء الله.

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور