وضع داكن
23-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 086 - التوبة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

دعاء الاستفتاح :

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

من نعم الله على الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام, من أقرب أسماء الله تعالى إلى المؤمن اسم التواب؛ فالتوبة نعمة كبرى أنعم الله بها علينا؛ فالإنسان يخطىء, تذل قدمه, يقع في مطب, تغلبه نفسه, ما الحل؟ لولا التوبة, ما هو حال الإنسان؟ يزداد فجورا.
 حينما يوقن الإنسان: أنه لا توبة, ينطلق من ذنب صغير إلى أكبر ذنب, من أقل ذنب ينطلق منه إلى أكبر ذنب, لأنه لا يوجد توبة, أما حينما يعلم أن الله سبحانه وتعالى تواب رحيم, يغفر الذنوب جميعاً:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾

[سورة الزمر الآية:53]

ألا تعجب من هذا الإنسان!!!؟:

 أشد ما أعجب, من إنسان له ماض سيء؛ في تقصير, يوجد عليه ذنوب, وآثام, والله سبحانه وتعالى فتح له باب التوبة على مصراعيه, وقال: يا عبدي تب أتب عليك, استغفر أغفر لك, وقد يغيب عن الناس معنى الحديث الصحيح, الذي يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-:

((إذا كان ثلث الليل الأخير, نزل ربكم إلى السماء الدنيا, فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له؟ هل من سائل فأعطيه؟ حتى ينفجر الفجر))

 والله -أيها الأخوة-, لو لم يكن في السنة إلا هذا الحديث لكفى, مهما يكن الهم عظيماً؛ مرض مستعص, فقر مدقع, طرق مغلقة, أمور معسرة, إنسان مقهور.
 هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟.

إليكم هذا المثال لتوضيح معنى العفو الإلهي لذنوب الإنسان :

 فالإنسان بالتوبة يُلغى الماضي كله, بعضكم تجار, بل أكثركم تجار, عليه دفع ثلاثة ملايين لشركة, ومعها سندات, وبإمكانها أن تقيم الدعوى, وأن تضع السندات في التنفيذ, وأن تحجز عليه, ذهبت إليها معتذراً, فقال لك مدير الشركة: كل هذا المبلغ مسامح به, ولنفتح صفحة جديدة, بماذا تشعر؟ ثلاثة ملايين ونصف. كل إنسان بحسب حجمه المالي, إذا عليه ثلاثون مليون, قال لك: مسامح, صفحة جديدة, هكذا الله عز وجل:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾

[سورة الزمر الآية:53]

﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾

[سورة الحجر الآية:49]

﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾

[سورة الحجر الآية:50]

هل تصدق هذا؟ :

((إذا قال العبد: يا رب وهو راكع, قال الله له: لبيك يا عبدي, إذا قال العبد: يا رب وهو ساجد, قال الله له: لبيك يا عبدي, فإذا قال العبد: يا رب وهو عاص, قال الله: لبيك, ثم لبيك, ثم لبيك))

 ينتظرك, من منا يصدق أن الله يفرح؟ أن الله يفرح بتوبة عبده, كما يفرح الظمآن الذي كاد يموت عطشاً إذا وجد الماء؟.
 إنسان منقطع في البادية, وتاه وضل الطريق, وأوشك على الموت, ثم رأى نبع ماء, إنسان عقيم, ومعه أموال لا تأكلها النيران, وهو يتمنى ولداً يرثه, إذا زوجته حامل, كم يفرح؟ إنسان, لك مع إنسان مليونين بسند, ضاع منك السند, قال لك: هات السند وخذ مليونين, لم تكن تجد السند, ثم وجدته فجأة.

((لا الله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد, والعقيم الوالد, والظمآن الوارد))

قف عند هذه المحطة :

 لا تكلفك التوبة إلا أن تقول: يا رب لقد تبت إليك, سامحني يا رب, لوجدوا الله تواباً رحيماً, لوجدوا الله تواباً رحيماً؛ وما أمرك أن تتوب إلا ليتوب عليك, ما أمرنا أن نتوب إليه وإلا ليس بكلامه معنى, والله جل جلاله منزه عن أن يقول كلاماً بلا معنى.
 يعني: أنت لما تعمل مسابقة, وتعلنها بالجرائد, وتستقبل ثلاثمئة طالب تعيين, تفحصهم كلهم, وبذهنك واحد من قبل إعلان المسابقة سوف تعينه, كل هذه المسابقة أصبحت كذباً, ما دام في شخص سوف تعينه في هذا المكان, قبل أن تعلن عن المسابقة؛ فكل هذا الإعلان, وكل هذا الامتحان, والامتحان الكتابي, والمقابلة, والتسلسل, والذي في ذهنك عينته, معنى المسابقة ليس لها معنى.
 الله جل جلاله: منزه عن أن يقول كلاماً لا معنى له؛ ما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا, وما أمرنا أن نستعين به إلا ليعيذنا, وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا, وما أمرنا أن ندعوه إلا ليجيبنا, ﺇله يقول لك:

﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾

[سورة غافر الآية:60]

﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً﴾

[سورة نوح الآية:10]

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً﴾

[سورة النساء الآية:27]

من كرم الله علينا :

 باب التوبة, صدقوني -أيها الأخوة-: لو أنك تحمل ذنوباً كالجبال, هذه الذنوب كالجبال, يمكن أن تلقيها بكلمة واحدة: يا رب تبت إليك, يقول لك: عبدي وأنا قد قبلت.
 ومن كرم الله عز وجل: أنه فضلاً عن أنه يقبلك؛ يلقي في روعك أنه قبلك, يلقي في روعك أنه تاب عليك, يلقي في روعك أن الماضي قد أُلغي, فأنت بكلمة واحدة, بكلمة: يا رب تبت إليك, أُلغي الماضي كله, بشرط أن تكون التوبة توبة نصوحة, لا مكث فيها ولا عودة.

شروط التوبة :

1-العلم :

 العلماء قالوا: التوبة لها ثلاثة شروط: علم, وحال, وعمل.
 العلم: كيف تتوب من الذنب, ولا تعلم أنه ذنب؟ ما من مجلس بدروس العلم, بدروس العلم, تعلم أين أنت من الدين؛ في المؤخرة, خارج المنهج الإلهي, في الوسط, في المقدمة؟.
 وأنا أقول هذا المثل كثيراً, لأنه أوضح مثل: متى تعالج نفسك من الضغط العالي؟ من ضغط الدم المرتفع؟ إذا عرفت أنه معك ضغط دم, متى تعرف؟ إذا جئت بجهاز, إن أحضرت الجهاز, وقست ضغط دمك, وجدته مرتفعاً, عندئذ تعالجه.
 وأنت إن لم تحضر درس علم, قد يكون كسبك حراماً وأنت لا تدري, قد تكون البضاعة التي تبيعها وتشتريها محرمة وأنت لا تدري, قد تؤجر هذا البيت للزنا وأنت لا تشعر, أنا ليس لي علاقة, برقبتهم إن شاء الله, لا برقبتك وليس برقبتهم, أنت تعلم علم اليقين: أن هذا البيت الذي يُؤجر بعشرة آلاف ليرة في اليوم الواحد, وأفخر فندق بدمشق ثلاثة آلاف وخمسمئة, معناها ليس للنوم, لشيء غير النوم, السعر يعرفك, ليس لي علاقة, لا لك علاقة.

متى تعلم هذا الذنب أنه ذنب؟ :

 فكيف تتوب من الذنب إن لم تعلم أنه ذنب؟ متى تعلم أنه ذنب؟ بطلب العلم.
 الآن أوضح مثل: يعني لا يقرأ, ولا يكتب, ألقينا على مسامعه نصاً, قرأنا أمامه نصاً, فيه ألف خطأ, ماذا يقول لك؟ ممتاز, رائع, ما شاء الله على هذا الصوت, ألف خطأ فيه, هذا المستمع: متى يعلم أن هناك أخطاء؟ إذا كان درس العربية؛ رآك الفاعل نصبته, والمفعول به رفعته, وحرف الجر, نصبت على حرف الجر, والخبر جعلته مجروراً, لو تعلم العربية, لكشف لك أخطاءك, وأنت نفس الشيء: حينما تتعرف إلى منهج الله, تعرف خطأك.

العلم يكشف لك أخطاءك :

 القرض ربوي, أخي أنا ليس لي علاقة, أنا واضع مالي مع فلان, جزاه الله خيراً, يعطيني على المئة ألف, ثلاثة آلاف بالشهر, ليس لي علاقة بحساباته؛ يربح, يخسر, بلا جرد, هكذا أفضل لي, يظن نفسه قاضياً غرضاً, يظن نفسه واعياً, هو ارتاح من الحسابات والجرد, هذا ربا هذا, كل ربح ثابت ليس له علاقة بالجرد والربح فهو ربا, متى تعلم أنك مذنب؟ إن طلبت العلم, فلا بد من طلب العلم, أول شيء طلب العلم: يكشف لك أخطاءك؛ في كسب المال, في إنفاق المال, في العلاقات الاجتماعية.
 أربع أخماس بيوتات الشام, يكاد يكون بالمئة تسع وتسعين, بالعرس مئة امرأة؛ في أبهى زينة, كاسيات عاريات, يدخل العريس يجلس إلى جانب العروس, وكلهم دينون, وأسر عريقة في الشام, هكذا العادة, وإلا معنى العريس عيب إذا لم يجلس إلى جانب العروس, حسناً: هذه معصية كبيرة جداً, معصية كبيرة جداً: أن الرجل يجلس أمام مئة امرأة؛ في أبهى زينة, كاسيات عاريات, نحن مسلمون, كيف تعرف أن هذا ممنوع؟ كم عرس فيه تصوير فيديو؟ كم عرس في؟ ما قصة الفيديو؟.
 يعني: أنت تأخذ شريطاً, وترى نساء الناس كلها بأبهى زينة؛ هذه امرأة فلان, من؟ امرأة فلان! يعرف يختار, هذه من هذه؟ هذه من هذه؟ هذه من هذه؟ هذه بيوت المسلمين هكذا ...
 كيف يتوب الإنسان من الذنب, إن لم يعلن أنه ذنب؟ لا يتوب منه, متى يعلم؟ إذا كان طلب العلم, لذلك: طلب العلم حتم واجب على كل مسلم, طلب العلم فرض على كل مسلم, كيف أنك تتنفس, كيف أنك تأكل, كيف أنك تشرب؛ النفس, والطعام, والشراب: فرض عين على كل إنسان كي تستمر حياته, وطلب العلم فرض عين على كل إنسان كي يسلم ويسعد في الدنيا والآخرة.

هذه بضاعة الإنسان من دون علم :

 ففي آلاف آلاف المكاسب المحرمة, آلاف أنواع البضاعة المحرمة.
 يعني: الإنسان من دون علم مجرم, يعني: صناعة غذائية فيها مواد لا تصلح للاستعمال البشري, المعمل أغلق, ختم بالشمع الأحمر, وله دعايات تملأ الدنيا, هذا صاحب المعمل: لو عرف الله, لما غش المسلمين في صحتهم.
 يعني شيء يسوق إلى شيء, عشنا العمر, تسمع بالشهرين, ثلاثة, بستة أشهر, إنسان معه سرطان, أنا بدرس الجمعة بالنابلسي, كل جمعة يوجد عندي أوراق كثيرة, سبع حالات سرطان, كل جمعة, كل جمعة, الأورام الخبيثة عددها مرتفع إلى عشرين ضعف, السبب: يوجد عندنا أخطاء في طعامنا, عندنا أخطاء في شرابنا, أخطاء في بيئتنا, أخطاء بكل ما نعيش فيه, في تلوث بالجو, في أصبغة كيماوية, في مواد مسرطنة, في مواد حافظة, في استعمال بلاستيك مع الحار والحامض, فلا يوجد دين, لا يهمه الإنسان صحة المسلمين, يهمه ربحه فقط, يضع مادة مبيضة, مسرطنة, ترفع سعر الطحين, يضع مادة مثبتة.
 يوجد –هكذا سمعت- بعلف الدجاج, يوضع بكل طن كيلو, كيليين كلوبات النحاس مادة سامة, هذه ما فائدتها؟ هذه فيها بودرة, من أجل ألا يفسد العلف, ما فسد, أما الذي أكلوا الفروج ماتوا بالسرطان.

لفتة نظر :

 أنا أقول لكم كلاماً دقيقاً: إذا ألغيت الدين من الحياة, الحياة تصبح صعبة جداً, كلها مطبات.
 يعني: أنا أكثر شيء لفت نظري في هذه الجمعة: ارتفاع نسب الأورام الخبيثة إلى عشرين ضعف كلها, حتى الفروج ينمو بأربعين يوم, نعطيه هرمونات, هرمونات, من أجل تسرع نمو الخلايا, هذه آخرتها بأجسامنا, حتى العلف ما يفسد, نضع فيه مواد سامة, حافظة, حتى العلبة الكبرى, أو السردين ما تفسد, نضع فيه بنزوات الصوديوم ثلاثة بالألف, مادة مسرطنة.
 يعني: لا يهمنا صحة الناس, يهمنا سلامة البضاعة, والبيع, والربح, لا يوجد دين لأنه, لو يوجد دين, تعد للمليون قبل أن تؤذي مسلماً في صحته, تعد للمليون.
 وأنا -والله الآن- أنصحكم أيها الأخوة, أنصحكم: بالابتعاد عن كل الأصبغة الملونة, بالابتعاد عن كل شيء كيماوي, بالابتعاد عن كل شيء يثير الشبهة, ارجعوا إلى أصل الطعام والشراب, ارجعوا إلى أصل كل شيء من منبعه.

ماذا تقول الدراسات حول الأورام الخبيثة؟ :

 في دراسات حول الأورام الخبيثة, بعضهم يقول: البلاستيك, أكياس النايلون مع المواد الحارة, أو الحامضية, أو الدفين, تتفاعل فوراً.
 يوجد دكتور بالجامعة, عمل ببعض المحاضرات المطولة شيء مخيف, لما تصب الحليب في كيس النايلون, يتفاعل معه فوراً, ويصير في مادة من الكيس ذابت مع الحليب أول شيء, هذه نشربها –نحن- من البلاستيك إلى المعدة, هذه المواد هذه كلها تترسب بأجسامنا, فمن دون دين: يهمنا الربح فقط؛ الذي عنده معمل, الذي عنده صناعة غذائية, الذي عنده ....

ماذا يصنع المؤمن بعد أن يعرف الله؟ :

 فمتى تتوب من الذنب؟ إذا علمت أنه ذنب, كيف يرحمك الله, إن لم تنصح المسلمين؟.
 لذلك: التوبة تحتاج إلى علم, من هو الملك؟ هو الذي ينام مساء مرتاح الضمير؛ ما كان سبباً في إيذاء إنسان, ما كان سبباً في إمراض إنسان, ما كان سبباً في إفقار إنسان؛ لا أفقر, ولا آذى, ولا أمرض, فهذه التوبة: هي التي تحتاج إلى علم, التوبة علم, لذلك: لا يعلو على طلب العلم شيء, أنت حينما تطلب العلم, أنت تقوم بأخطر مهمة أوكلت إليك بالحياة, أوكل الله إليك أن تعبده, كيف تعبده؟ تعبده إذا عرفت منهجه, افعل ولا تفعل.
 المؤمن بعد أن عرف الله, وعرف أن لهذا الكون إلهاً عظيماً, وسوف يحاسب, لا شيء يعلو على معرفة الحكم الشرعي, هل يجوز أن أبيع هذه المادة؟ هل يجوز أن أصنع هذه المادة؟ هل يجوز أن أؤجر هذا البيت؟ هل يجوز أن أفعل كذا وكذا؟ المؤمن الصادق يسأل عن الحكم الشرعي دائماً, كي يتوب من الذنب, ويستقيم على أمر الله, والتوبة أساسها العلم.

 

2-الندم :

 الشيء الثاني: التوبة من خصائصها الندم؛ إنسان اقترف ذنباً, إنسان وقع في سخط الله, يجب أن يندم, يجب أن يتألم, وإلا ما صحت توبته, من علامة الندم الصحيح ثلاث حالات؛ حالة اسمها الإقلاع الفوري, وحالة اسمها العجلة المطلقة, وحالة الثالثة: إذا كانت التوبة متعلقة بذنب مقترف مع إنسان الإصلاح؛ الإصلاح في الماضي, والإقلاع في الحاضر, والعزم في المستقبل على ألا يرد لهذا الذنب؛ فإذا صح العلم, وصح الندم, وأقلع, وعزم, وأصلح, صحت التوبة, والإنسان إذا تاب, التائب من الذنب كمن لا ذنب له, كيوم ولدته أمه, هذا معنى قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾

[سورة التحريم الآية:8]

﴿تَوْبَةً نَصُوحاً﴾

[سورة التحريم الآية:8]

﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

[سورة التحريم الآية:8]

ما معنى (جميعاً) في هذه الآية؟ :

 فيا أيها الأخوة الكرام, في موضوع التوبة: الله عز وجل يقول:

﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

[سورة النور الآية:31]

 أريد معنى كلمة جميعاً, ما معنى جميعاً؟ توبوا إلى الله؛ لكن جميعاً, لو إنسان تاب مقبول, لكن لا ينتفع من توبة أخوانه, كيف؟.
 أنت تمكنت تشتري جهاز هاتف, ممتاز, لكن أنت حولك مئة صديق, لا يوجد عندهم هواتف, هذا لم يعد له طعمة, أما لو كان في مئة جهاز هاتف عند مئة صديق لك, صار لهذا الجهاز معنى, تتصل مع الجميع في أي لحظة, إذاً: كلما اتسع نطاق التوبة, عم الخير, إذا كل الناس يخافون الله عز وجل, وأنت مرتاح.
 لذلك -أيها الأخوة-: أن تعيش في مجتمع مؤمن, والله قطعة من الجنة, جنة؛ الكل ينصح, الكل يصدق, الكل يُخلص, أما أنت بمجتمع الانحراف, بمجتمع المعصية والفجور, أنت مع ألغام, كل إنسان لغم, متى ينفجر؟ والساعة قصص, لأسباب تافهة دخل السجن؛ هذا صودر ماله, هذا لأنه وقعت التسعيرة شهرين حكم عرفي, لأنه من دون معرفة بالله عز وجل حياة صعبة جداً, أما إذا في معرفة بالله الحياة جنة, فأنت كلما اتسع نطاق التائبين, اتسع الخير العميم, لهذا قال الله تعالى:

﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

[سورة النور الآية:31]

 جميعاً, حتى يعم الخير؛ مع الدهان في مطب, مع المواد في مطب, مع الطيان في مطب, مع المساح في مطب, عمرت بناء, في مشكلة مع الذي أنشأ البناء؛ مشكلة مع البنَّاء, مشكلة مع الذي مدد الكهرباء, كل واحد مشكلة, أما إذا كلهم تائبون لله عز وجل, لم يعد يوجد ولا مشكلة, كل واحد يأخذ ماله, ويدع ما ليس له, أما غير المؤمن: يريد أن يعيش وحده, أن يغتني وحده, أن يغش وحده, أن يأخذ كل شيء دون أن يعطي شيئاً, هذه صفات الشاردين عن الله عز وجل, هذا معنى قوله تعالى:

﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

[سورة النور الآية:31]

 الآية الثانية:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾

[سورة التحريم الآية:8]

ما معنى هذا القول للنبي عليه الصلاة والسلام؟ :

 ويقول عليه الصلاة والسلام:

((يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه, فإني أتوب في اليوم مئة مرة))

 لكن توبة النبي -عليه الصلاة والسلام- لها معنى خاص, يعني كلما أقبل على الله, ورأى من كمالاته, ثم أقبل ثانية ورأى رؤية أوسع, استغفر الله لرؤيته السابقة.
 يعني: أنت أمام إنسان, تظنه يقرأ ويكتب, ثم فوجئت أنه يحمل شهادة ثانوية, فاستحييت من ظنك الأول, ثم فوجئت أنه يحمل دكتوراه, فاستحييت من رؤيتك الثانية, ثم فوجئت أن عنده حوالي ثلاثمئة مؤلف, ثم فوجئت أنه يحتل أعلى منصب تدريسي في الجامعة, فكلما ظننته في مستوى, ثم فوجئت أنه هو مستواه أرقى, تستغفر من رؤيتك السابقة.
 هذا يعني توبة النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ كلما أقبل على الله, ورأى جانباً من كمال الله, ثم أقبل ثانية, ورأى جانباً أوسع, استحيا من رؤيته السابقة, واستغفر الله عز وجل, وهذا معنى قول الله عز وجل, أو معنى التكبير: الله أكبر.
 من أدق معاني هذه الكلمة الرائعة: الله أكبر مما عرفت؛ فمهما عرفت عن الله فهو أكبر, مهما عرفت عن رحمته فهو أرحم, مهما عرفت عن قدرته فهو أقدر, مهما عرفت عن محبته فهو أشد حباً.

قصة شهيرة لها هدف من طرحها :

 والقصة الشهيرة: النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يصور فرح الله عز وجل بتوبة عبده, بقصة مختصرة عن أعرابي, كان يجتاز الصحراء على ناقته, وعليها طعامه وشرابه, جلس ليستريح, أفاق فلم يجد الناقة, -وهذا لا يعرفه إلا من عاش في الصحراء.
 مرة حدثنا أستاذ في الجامعة, قال: كل شعر الجاهلية, لا يمكن أن تتذوقوه إلا بحالة واحدة: أن تسكنوا في البادية أسبوعاً واحداً تحت الخيام.
 إذا الإنسان سكن في البادية تحت الخيام, ورأى قبة السماء, واستمتع بالنسيم العليل, وسار في الليل, هذه المشاعر تنتابه, بإمكانه عندئذ أن يتذوق الشعر الجاهلي؛ وصف الناقة, وصف الطريق, وصف الوحش, وصف السماء, والشيء الثاني: ولا أحد يتذوق هذا المثل, إلا إذا عاش في الصحراء.
 إنسان راكب ناقة, عليها طعامه وشرابه, فإذا شردت عنه, الموت بالمئة مليون, الموت محقق, لا يوجد ....., ساعات يموت عطشاً, الإنسان في البادية, في الصحراء.
 فهذا الأعرابي جلس في ظل نخلة ليستريح, أفاق فلم ير الناقة, أيقن بالهلاك فبكى, حتى يعني كاد يموت من البكاء, أدركته سنة من لنوم, أفاق فرأى الناقة أمامه, اختل توازنه, قال:

((يا ربي أنا ربك وأنت عبدي.

 -من شدة فرحه اختل توازنه, تكلم كلاماً معكوساً, كلام كفر, قال له: يا ربي أنا ربك وأنت عبدي.
 الآن دققوا-:

يقول عليه الصلاة والسلام: لا الله أفرح بتوبة عبده من هذا البدوي بناقته))

 هل عرفتم ما معنى التوبة؟ أنت إذا قلت: يا رب لقد تبت إليك, يعني الله عز وجل وهو خالق الكون: يفرح بهذه التوبة.
 حديث لمسلم:

((لَلّهُ أشدُّ فْرَحاً بتوبةِ عبده -حين يَتُوبُ إليه- من أحدِكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ فَانْفَلَتتْ منه، وعليها طعامُه وشرابهُ فَأَيسَ منها، فأتَى شَجرة فاضطَجَع في ظِلِّها قد أيسَ من راحلته فبينا هو كذلك، إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخِطامِها، ثم قال من شِدَّة الفرح: اللهم أنت عَبْدي وأنا ربكَ، أخطأ من شدة الفرح))

[أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما]

 الرواية:

((لا الله أشد فرحاً بتوبة عبده من ذلك البدوي بناقته))

نصيحة :

 والنصيحة الأخيرة: تب بعد الذنب مباشرة:

﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾

[سورة النساء الآية:17]

 والحمد لله رب العالمين.

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور